تحديات في المخيم - مخيم نهر البارد


مشاكل المخيم:

يعاني المخيم من عدة مشاكل تتعلق أساساً بضعف البنية التحتية والاكتظاظ، حيث يضم حسب إحصاءات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) أكثر من 31 ألف لاجئ فلسطيني[1]، ورغم نشاط بعض الجمعيات الخيرية والمنظمات غير الحكومية في المخيم، تظل الأوضاع صعبة، حيث يعاني نحو 1600 عائلة من فقر شديد، إضافة إلى أنه لا يوجد غير مركز صحي وحيد يستقبل يومياً نحو خمسمائة لاجئ.

أصبح المخيم على كل لسان بعد اندلاع معارك مسلحة بساحاته عام 2007 بين الجيش اللبناني ومجموعة مسلحة تطلق على نفسها اسم فتح الإسلام، تسببت تلك المعارك في تشريد نحو 36 ألف لاجئ فلسطيني من المخيم ومن المناطق المحيطة به، حيث تعرضت المنطقة لقصف مدفعي وجوي خلال حصار استمر ثلاثة أشهر، وقالت منظمة الأونروا إن نحو 95% من مباني المخيم وبنيته التحتية قد دمرت بشكل كامل أو أصابها ضرر بالغ يتعذر إصلاحه.

تعهدت الأطراف الدولية بتقديم الدعم المالي اللازم لإعادة إعمار المخيم، غير أنها لم تفِ بكل التزاماتها، وعلى الرغم من ذلك، تمكنت الأونروا بمساعدة الحكومة اللبنانية وما وصل من مساعدات مالية دولية من بناء عدد من العمارات السكنية والمدارس، ما جعل مئات الأسر تعود إلى المخيم، في انتظار إتمام مهمة إعادة الإعمار بشكل كامل.

 محطات : 

تعرض هذا المخيم لكارثة ودمار كامل وتشريد جميع سكانه عام 2007 إثر المعارك التي اندلعت بين مجموعات مسلحة تعود إلى تنظيم فتح الإسلام والجيش اللبناني ، قد تشرَّد جميع سكان المخيم إلى مخيم البداوي وإلى بقية المخيمات والمناطق اللبنانية المجاورة، حيث عاشوا حياةً مِلؤها البؤس والتشرد والفقر. وبعد انتهاء الأعمال العسكرية في المخيم ومحيطه، سمحت الدولة اللبنانية للأهالي بالبدء بالعودة إما إلى المساكن الجاهزة (البراكسات) والتي أنشأتها الأونروا آنذاك لأيواء المهجرين من سكان المخيم والذين فقدوا منازلهم وكل ما بها من محتويات، أو العودة لمن له منزل صالح للسكن بجوار المخيم  أو ُيمكن  ترميمه والسكن به. فقد عاد الجزء الأكبر من سكان المخيم الى هذه المناطق، أما المخيم القديم فما زال مدمراً، وتعمل الأونروا على البدء بإعماره، حيث وزعته الى ما يسمى "رزم سكنية" وقد بدأ العمل في بداية العام 2010 بإعمار الرزمة الأولى والتي تحتوي على ما يقارب 475 منزلا، وكان من المفترض أن ُتسلم هذه المنازل في نهاية العام 2010 الى أصحابها، وقد انتهى هذا التاريخ، ولم يتم إنجاز هذه المنازل أو وفاء الأونروا بوعودها، وذلك لأسباب عديدة منها على سبيل المثال وليس الحصر هو بطئ العمل من قبل المتعهدين الذين تعاقدت معهم الأونروا سواء لإزالة الردم أو الإعمار، حيث يتبع هؤلاء لقوى سياسية نافذه في لبنان ولا تتجرأ الأونروا على اتخاذ أية إجراءات عقابية أو قانونية بحقهم بل تضطر الى محاباتهم ومداراتهم، فضلا عن هدر الأونروا للأموال على الإداريات والمرتبات العالية للمشرفين على مشروع مخيم نهر البارد سواء كانوا أجانب أو عرب، وشكوى الأونروا الدائمة من عدم توفر الأموال لإعادة الإعمار، مع أن جميع المراقبين يؤكدون أن هناك هدرا كبيرا في الأموال المخصصة لإعادة إعمار المخيم ،  وبالتالي فإن الأونروا هي المسؤولة الوحيدة عن تأخير إعمار المخيم ضمن فترة زمنية قياسية ُتنهي خلالها رحلة المعاناة لسكان هذا المخيم.

 يخضع المخيم ومحيطه لسيطرة الجيش اللبناني والقوى الأمنية اللبنانية الأخرى و قد تم استحداث خمسة مداخل الى المخيم لا يمكن تجاوزها دخولاً أو خروجاً إلا بتصريح صادر عن مخابرات الجيش اللبناني، حيث يهدف الجيش اللبناني حسب تصريحاته الدائمة الى ضبط الأمن وعدم السماح لعناصر غريبة من التسلل الى مخيم نهر البارد مرة أخرى، إلا أن هذه الإجراءات كثيرا ما تعيق حرية التنقل بسهولة ويسر للأهالي والسيارات والوافدين الى المخيم.  [1]

مئة وخمسة أيامٍ، تواصل القصف خلالها من دون انقطاع، ما خلا ساعات هدنة معدودة لتعود وتشتد بعدها حدة المعارك بين الجيش من جهة وفتح الإسلام من جهة أخرى، غير عابئين بوجود المئات من المدنيين في المنازل وتحت الأنقاض " الدكتور توفيق أسعد " هو واحد من القلائل الذين كانوا يستطيعون الخروج من المخيم ولكنهم رفضوا ذلك قبل خلوِّه من آخر مدني، وذلك أولاً للاعتناء بالجرحى والمصابين، وثانيًا لعدم تقديم المباني لقمة سائغة لفتح الإسلام لتحتلّها وللجيش اللبناني ليقصفها، دكتور في الجهاز الهضمي، أب لثلاثة أطفال وزوجة روسية. في اليوم الأول من القتال أخرج عائلته من المخيم ومن ثم عاد إلى المستوصف. يقول "ما كنا متوقعين اندلاع الحرب، على الرغم من إحساسنا بوجود جوّ غير طبيعي في المخيم نتيجة وجود فتح الإسلام وللأسف الفصائل الفلسطينية لم تتعامل مع وجودهم بشكل جدّي على الرغم من استنكار العديد من الأهالي لتصرفاتهم ووقوع عدة إشكالات بينهم وبين سكان المخيم" ، يروي أسعد بالتفصيل حكاية ستين يوما قضاها تحت القنص والقصف، يسانده في إنقاذ الجرحى ممرضان، بعد أن خرج جميع الأطباء وبعد أن انقطع الاتصال مع المراكز الطبية الأخرى المتمركزة عند الطريق العام، في ظروفٍ صعبة للغاية، خاصة بعد قصف مولدات الكهرباء وشبكات المياه. تحول الجزء السفلي من المستوصف الواقع وسط المخيم القديم إلى ملجأ، تكدس في قاعاته الخمسة، 350 شخص بين أطفالٍ ونساءٍ وشيوخ في الأيام الأولى للمعارك وهم في حالة نفسية هستيرية ، في اليوم الرابع، وقبل إعلان هدنة "الكم ساعة" وخروج 1200 مدني، سقطت قذيفة أمام المستوصف، فاستشهد شخصان وأصيب ثلاثة بإصابات بليغة. "اعتقدنا إنو القصة ما رح تطوّل بس توضح لنا بعدين إنو كنا غلطانين" ، تحوّل دكتور الجهاز الهضمي خلال الستين يوما إلى طبيب صحة عامة وجرّاح ومساعد نفسي واجتماعي يحصي إلى جانب آخرين عدد المدنيين الباقين وينسق عمليات إدخال المساعدات وإطفاء النيران في المنازل... "حتى ميلاد (أحد الممرضين) ولّد تحت القصف إحدى الحوامل". في هذه الأثناء بدأت تنقص الأدوية التي لم تدخل قبل اليوم الخامس عشر وذلك بسبب "عرقلة الجيش وصول الطواقم الطبية" ممّا أدى إلى استشهاد عدد من الجرحى الذين نزفوا حتى الموت لعدم التمكن من إخراجهم. "اشتغلنا بظروف صعبة ... هيك على مدة شهرين، من أصل 24 ساعة في اليوم كنت نام ساعتين، وكان الوضع يتطلب مننا مجهود وقوة وإحساس بالمسؤولية على الرغم من الخوف إلي تملكنا لأن حياتنا مهددة بأية لحظة تحت القصف العشوائي".

وهذا فعليًّا ما حصل، "في أحد الأيام قررنا نقل غرفة الطوارئ من الطابق الأول إلى الملجأ، في ذلك اليوم استقبلت جريحين إصابتهما خطيرة، فقررت إنزالهما إلى الملجأ... خرجنا من الغرفة. ما في ثواني ونزلت قذيفة في الغرفة كنّا فيها... شو بدّي قول: إنكتبلنا عمر جديد...بس!". لم يرد أسعد الخروج من المخيم "ولكن بعد ثمانية أسابيع تلقينا اتصال من قبل أحد قياديي الفصائل يدعونا لاجتماع في "المربع الأمني" بالمخيم من أجل تنسيق الخروج منه، رحت الاجتماع إلا إنو قررت عدم الخروج خوفًا من سيطرة عناصر فتح الإسلام على المستوصف" فعاد أسعد في اليوم التالي إلى المستوصف ومعه عدد من العناصر الأمنية في الفصائل الفلسطينية، ليجدوا بالفعل مجموعة من فتح الإسلام قد اقتحمته واتخذته قاعدة عسكرية لها وعاثت فيه فسادًا. "انقسمنا مجموعتين صغار وتسللنا إلى الملجأ وأخرجناهم بالقوة بعد الكثير من الملاكشات والتهديد".

كانت هذه الحادثة سبب خروج أسعد وكان هو من ضمن آخر دفعة مغادرة قبل خروج ممثلي للفصائل الفلسطينية. إلاّ أن القصة لم تنتهِ هنا. فـ"لدى وصولي إلى مدخل المخيم تحت القصف تلقفني الجيش اللبناني وتمت كلبجتي وعصبت عيناي ورموني بالسيارة العسكرية مع 22 شخص وأخذونا إلى ثكنة عسكرية، جردوني من كل شيء وبدأت سلسلة من التحقيقات استمرت ساعتين، رموني بعدها بسجن إفرادي ضيق جداً. بعد نصف ساعة أتى شخص بلباس مدني وأدخلني غرفة الرائد. فبدأت سلسلة ثانية من التحقيقات تتمحور حول علاقتي بفتح الإسلام, و لماذا بقيت للآخر، الخ. وتواترت التحقيقات كل ربع ساعة تخللتها الكثير من الإهانات الشخصية. فعندما طلبت الدخان، جاوبني الرائد "أنا بدخن وأنت تشم الريحة" ولما طلبت ماء، أشار بطرف يده إلى صابورة مياه متصلة بالمرحاض وقال لي "اشرب". لم يخرجوني قبل الثامنة مساءً من اليوم التالي".

في اليوم الذي تلا إفلاته عاد الدكتور توفيق أسعد إلى عمله في المستوصف ولكن هذه المرة في مخيم البداوي، الذي استقبل الأعداد الكبرى من لاجئي البارد. أما اليوم فقد عاد أسعد مع أول الوافدين إلى البارد حيث تم تحويل بيت محروق إلى مستوصف. هكذا يقول: "نحن خرجنا آخر الناس وعدنا أولهم".

بعد المعارك

الأغلبية فقدوا كل شيء...، كل ما عملوا من أجله وكل ما جنته أيديهم. يقول أبو داوود "لقيت هيدي الطلعة أصعب من طلعة الـ48، طلعت بأواعيّ بعد 25 يوم قضيناها تحت القصف وكنا متوقعين نرجع على أملاكنا وبيوتنا... عَمار50 سنة راح بساعتين أو ثلاثة..." أكثر ما يؤلمه هو ضياع أوراقه الثبوتية وهويته الفلسطينية, تلك التي حصل عليها في فلسطين عندما كان في الرابعة عشر سنة من عمره. يختم بقوله "لو كنت عارف هيك رح يصير، كنت بفضل إنو موت ببيتي".

أمّا نائل أبو صيام، وهو من لاجئي نهر البارد الذين اضطرتهم المعارك إلى ترك منازلهم وهو يسكن اليوم في أحد المنازل المؤقتة التي وضعتها الأونروا، تحدث عن التأثيرات النفسية للحرب على ابنه فيسأله يوميًّا عن النهر "إلي كان حد البيت..." "أخدني ابني إلى قطعة أرض بمخيم البداوي، وسألني: وين النهر؟!" قلت له "إنو أخذوه يغسلوه ورح يرجعونا إياه"، أما "زوجتي، وهي لبنانية، صارت تصرخ تحت القصف "بدكن تجنسونا جنسونا...بس ما تقتلونا، من شدة خوفها، نسيت أنها لبنانية"!....

خلّفت حرب البارد كارثة إنسانية كبرى في المخيّم، وترافقت العمليات العسكرية مع سلوك حاقد ضدّ سكان المخيّم المدنيّين الفلسطينيّين الذين غادروا بيوتهم عند نشوب القتال، والذين لم تربطهم أي علاقة بمجموعة "فتح الإسلام". وفي هذا الصدد، وصف تقرير صادر عن "هيومن رايتس ووتش" معركة نهر البارد بأنها كانت "أسوأ اقتتال داخلي منذ نهاية الحرب الأهلية"، عارضاً الخسائر البشرية في المعركة التي "حوّلت المخيم إلى أنقاض" وكانت حصيلتها 430 قتيلاً على الأقل ومئات الجرحى، ومنهم عدد كبير من المعوقين.

واتهمت "هيومن رايتس ووتش" الأجهزة الأمنية اللبنانية بـ"احتجاز بعض الفلسطينيين الفارّين من الاقتتال تعسفاً وتوجيهها إساءات بدنية إليهم". ورأت أن "ما عزز حالة الإفلات من العقاب عدم إجراء الحكومة اللبنانية تحقيقاً في الانتهاكات المذكورة، كما في إطلاق النار يوم 29 حزيران على متظاهرين فلسطينيين مدنيين كانوا يطالبون بالعودة إلى نهر البارد، ما أدى إلى مقتل اثنين منهم".

أما منظمة العفو الدولية فتحدثت عن انتهاكات لحقوق الإنسان داخل مخيم نهر البارد. وقالت إنه "منذ أن أعلنت سيطرة الجيش اللبناني على المخيم، ورد العديد من التقارير عن أعمال السلب والحرق والتخريب المتعمد للممتلكات الخاصة داخل المخيم، والتي زادت من حدة الكارثة التي أصابت المخيم جراء الأعمال العسكرية وأشارت المنظمة إلى أن "العديد من المنازل داخل المخيم سلب منها كثير من الممتلكات كالتلفاز والبراد والغسالات والمجوهرات والنقود"، بالإضافة إلى "حرق عدة منازل عمداً".

وطالبت المنظمة بالتحقيق أيضاً "مع عناصر الجيش اللبناني الذين تعاملوا بعنف مع اللاجئين الفلسطينيين". وأوردت المنظمة مثالاً على هذه المعاملات المهينة كـ"إجبار رجال فلسطينيين على لعق أحذية عناصر من الجيش، وتشويه حيطان المنازل بعبارات عنصرية ونابية بحق الفلسطينيين". كأنّ الذلّ الذي تعرّض له هؤلاء المدنيّون لدى لجوئهم إلى مخيّم البداوي لم يكن كافياً. وكأنّ الخسائر المادية التي تعرّضت لها ممتلكاتهم خلال القتال لم تكن كافية. فكان لا بدّ من الحرق المتعمّد لجني عمرهم، ومن كتابة الشتائم العنصريّة على جدران بيوتهم. وللتستر على هذا الوضع الكارثي مُنعت الصحافة من الدخول وما زالت إلى حد اليوم على الرغم من مرور حوالي الخمسة أشهر على انتهاء المعارك.

هذا وقد سُجّلت حالات تعد على صحافيين من قبل القوى الأمنية مثل المصوّر في جريدة "الأخبار" وائل اللاذقي، الذي كان في مهمة عمل عند مدخل مخيّم نهر البارد، فتم سحبه إلى خارج الآلية العسكرية وانهيال عليه بالضرب. واعتقل أيضاً رمزي حيدر (AFP) وعلي ترحيني (تلفزيون العالم) وأسعد أحمد (جريدة البلد) وقد ترافق ذلك مع موجة من التحريض الإعلامي الطائفي والعنصري.

تأثير حرب البارد : شملت المنطقة التي طالها النزاع مباشرة مخيم نهر البارد وستّ بلدات مجاورة. وتشير التقديرات إلى أن مجموع الخسائر يقارب 300 مليون دولار، علماً بأن عدداً كبيراً من مؤسسات الأعمال الصغيرة (حوالي 1500 مؤسسة) قد دمرت كلياً أو جزئياً، وأن البنية التحتية الصحية والتعليمية قد أصيبت بأضرار كبيرة. فهناك ثلاثة مستشفيات وأربعة مستوصفات تحتاج إلى إعادة بناء أو إلى ترميم واسع النطاق، كما أن أكثر من 15 مدرسة قد دمرت أو أصيبت بأضرار. ويشكل تدمير المباني العامة أكبر خسارة بعد خسائر القطاع السكني.

وبحسب دراسة الـ"فافو" (FAFO)، أغلبية لاجئي البارد يعملون داخل المخيم بما نسبته 6 من 10 من السكان. إلا أنه في ظل ما لحق بالمخيم من دمار خاصةً الجزء القديم منه، فإن حوالي 69% من سكان المخيم فقدوا مصدر عملهم و55% فقدوا أو سيفقدون مدخولهم في وقت قريب. وبحسب الأونروا، تسعة من عشرة من السكان الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 أصبحوا عاطلين عن العمل. وبالتالي فإن عودتهم لمزاولة أعمالهم السابقة ستكون صعبة للغاية، لا بل مستحيلة بعد أن قضت المعارك على المباني والمحال التجارية والمكاتب والبنى التحتية من ماء وكهرباء وطرق...

وبانتظار إعادة الإعمار ينتظر آلاف اللاجئون العودة إلى مخيمهم. وقد عاد 1500 لاجئ إلى المخيم الجديد حيث جزء منهم رجع إلى منزله وجزء آخر يقيم عند أقاربه أو معارفه وآخرون يقيمون بوحدات مفبركة قامت بتركيبها الأونروا. بينما تتلقى 3053 عائلة بدل إيجارات.

إعادة الإعمار : من أول يوم بدأت فيه المعارك، بدأت الوعود الرسمية بإعادة إعمار المخيم "...وعلى أحسن من قبل"! تخوّف الأهالي من أن يتم استبعادهم عن عملية البناء وأن يتم بالتالي محو ذاكرة المخيم وتركيبته الاجتماعية. لذلك نظم رجال ونساء ومتطوعين ومتطوعات وناشطين وناشطات من البداوي ونهر البارد ومن خارج المخيم، على عدة أسابيع ومنذ منتصف تموز، ورش عمل حول إعادة الإعمار هدفها وضع مجموعة من الأسس والمبادئ لإعادة إعمار المخيم. شكلت هذه المجموعات "هيئة العمل الأهلي والدراسات لإعادة إعمار نهر البارد" واتخذت هذه الهيئة من المبادئ، بعد تعميمها على الأهالي وإدخال التعديلات عليها، دستورًا لعملها.

ومن المبادئ أن يكون لأهالي المخيم دور أساسي في تحديد آليات ومخططات وشكل إعادة الإعمار؛ وأن يعاد الأعمار مع المحافظة على هوية المخيم وأن لا يتم التعاطي مع المكان على أنه فارغ من مضامينه الاجتماعية والتاريخية والاقتصادية والسياسية؛ وأن يتم إجراء التحسينات على بنية المخيم بشكل يسمح بإدخال النور والهواء إلى المساكن؛ كما أن يبقى المخيم على أرضه من دون نقله أو تقليص حجمه ونقل عدد من سكانه؛ هذا بالإضافة إلى إعطاء الأولوية لليد العاملة الفلسطينية في عملية إعادة الإعمار...

وبعد وضع المبادئ، بدأت الهيئة العمل على وضع مخططٍ لإعادة الإعمار. وقد واجهت مشاكل عديدة منها غياب خريطة للمخيم، فتم الاستعانة بوثائق من البلديات وتم جمع الأهالي ورسم المخيم بناءِ على ذاكرتهم، حيًّا حيًّا وبيتًا بيتًا، وفي شهر 11 تم التوافق مع الأونروا على المخطط. وعلى الرغم من أن الحكومة اللبنانية أقرت مشروع إعادة الإعمار وفق هذه الأسس، وعلى الرغم من أنه سيتم عقد مؤتمر للمانحين في نيسان 2008، فإن سكان المخيم يتخوفون من أن يتم إخضاعهم لسلطة الجيش اللبناني الأمنية.

يقول إسماعيل شيخ حسن، مهندس وعضو في هيئة اعادة الإعمار، أن الجيش اللبناني كان طرفا رسميًّا أساسيًّا في الموافقة على مخطط إعادة الإعمار! "ما كان باستطاعتنا إخراجه من المعادلة. وفي حين كنا نسعى لتوسيع الزواريب من أجل إدخال المزيد من الضوء والأكسيجين، كان الجيش يسعى لتعزيز مواقعه ولإدخال آلياته عبر الزواريب".

ولعل الأعمال التحصينية للجيش اللبناني حول المخيم والدشم والحواجز التي تزيد من معاناة سكّانه تدل على نية في تشديد الخناق على المخيم وتحويله إلي منطقة عسكرية بشكل يقطع الطريق أمام المطالبة بالحقوق المدنية والسياسية الطبيعية للاجئين الفلسطينيين. وتبقى المخيمات عرضة للهدم والحرق، تارةً بحجة الإرهاب وتارةً بحجج أخرى، طالما أنها تعامل على أنها بؤر أمنية محرومة من أي حق من الحقوق الأساسية.[2]

حتى اليوم وبعد مرور ما يقارب الخمسة سنوات على أحداث مخيم نهر البارد الدامية فإن البحث في أسباب هذه الحرب بكل مقدّماتها والبيئة التي أنتجتها متوقف بانتظار أن يحين الوقت لكشف كل الملابسات التي خلقت وهيأت البيئة اللّازمة لحدوثها، ورغم الهمس الذي يحصل هنا وهناك أو المحاولات الخفية للتّنصّل من المسؤولية سواء كانت المباشرة أو غير المباشرة لكل ما حصل فإن أحد لا يستطيع أن ينكر الحقيقة الساطعة التي تقول أن أزمة نهر البارد قد بدأت في 20 أيار 2007 بعملية قامت بها مجموعة تطلق على نفسها " فتح الإسلام " ضد قوات الجيش اللبناني أدّت إلى استشهاد 33 جندي واستمرّت هذه العملية حتى شهر أيلول لنفس العام كانت حصيلتها استشهاد 180 من قوات الجيش اللبناني بين ضابط وجندي، وكذلك استشهاد 50 مدني فلسطيني ولبناني، وتدمير مخيم نهر البارد القديم بالكامل ،  في حين كان نصيب المخيم الجديد "أو المنطقة المجاورة للمخيم القديم" ينقسم ما بين هدم كلي وهدم جزئي. ، هذا بالإضافة إلى تهجير 33000 فلسطيني و250 عائلة لبنانية كانت تقطن المخيم الجديد. ومقتل 226 عنصر من تنظيم فتح الإسلام ، أدّت أحداث نهر البارد إلى خلق أزمة اجتماعية حادة تجلّت في نزوح سكان المخيم إلى مخيم البداوي ومدينة طرابلس، مما أدى إلى تضاعف عدد سكان مخيم البداوي من 16.000 شخص إلى 30.000 شخص. هذا بالإضافة إلى عدد العائلات التي توزّعت على مدارس المنطقة ,في مواجهة هذه الأزمة جرى استنفار على كافة الصعد ومن كافة الأطراف. فعلى صعيد م.ت.ف. تمّ تشكيل لجنة الإغاثة في شهر أيار من العام 2007 والتي تحوّلت فيما بعد إلى "اللجنة الفلسطينية العليا لمتابعة إعمار مخيم نهر البارد"، أما الحكومة اللبنانية فقد أطلق رئيس الوزراء اللبناني الأسبق السيد فؤاد السنيورة تصريحه الشهير "إن الخروج مؤقت وأن العودة مؤكّدة وإن الإعمار حتمي"، أما الأونروا فقد شكّلت فريق طوارئ لمتابعة هذا الوضع. ولآن إعادة إعمار المخيم والتعويض عن الخسائر التي لحقت به يحتاج إلى مبالغ ضخمة ومن أجل معالجة هذا الوضع تمّت دعوة الدول المانحة إلى اجتماع عقد في السرايا الحكومية في بيروت في شهر أيلول من عام 2007 وهو الاجتماع الأول الذي بحث في هذا الأمر  ، أما الاجتماع الثاني فقد عُقد في مدينة فيينا استضافته الحكومة النمساوية لهذا الغرض والذي خرج بوثيقة تفصيله للشكل الذي سيكون عليه وضع المخيم، وهو "المخيم النموذجي"  ومن أبرز مقررات هذا المؤتمر:

1-    تعهّد الدول المانحة بتقديم الدعم المالي اللازم لإعادة الإعمار بما في ذلك السلطة الفلسطينية التي تعهّدت بتقديم مبلغ عشرة ملايين دولار.

2-   إعادة جميع اللاجئين إلى المخيم في منتصف العام 2011 .

3-   التواصل الاقتصادي والاجتماعي بين سكان المخيم والمحيط اللبناني وهذا يتحقق من خلال :-

أ‌-       آلية إدارة المخيم التي يجب أن تكون من خلال:

01- بسط سلطة القانون من خلال "الشرطة المجتمعية".

02- الاتفاق مع الأونروا لاستخدام الأرض المملوكة من قبل الدولة اللبنانية دون الحاجة إلى عقود.

03- مشاركة الدولة اللبنانية الأونروا لتغطية كلفة البنى التحتية والخدمات الواقعة في المخيم.

04- تطبيق مشاريع إنمائية في المناطق المحيطة بالمخيم.

ب‌-  النهوض وإعادة الإعمار والتي قدّرت كلفتها بقيمة //277.000.000// مليون دولار أميركي لتشمل 1697 مبنى يتضمّن 4591 وحده سكنية، كذلك قدّرت كلفة ترميم وإعادة إعمار المخيم الجديد وتأهيل مخيم البداوي بقيمة //122.000.000// مليون دولار أميركي.

مرحلة البناء :

- تطبيقاً لمقررات مؤتمر فيينا جرى استملاك أراضي المخيم من قبل الدولة اللبنانية وقد صدر المرسوم الخاص بذلك في جلسة مجلس الوزراء بتاريخ 29/01/2009، كما تمّت الموافقة على المخطط التوجيهي والنظام التفصيلي وقانون تعديل الاستملاك للرزمة الأولى بتاريخ 13/05/2009 في حين قد تمّ وضع حجر الأساس للبدء بالإعمار بتاريخ 09/03/2009 .

قضية الآثار :

أثناء إزالة الركام وإزالة الألغام تمّ العثور على بعض الأعمدة من الغرانيت وكان ذلك بتاريخ 05/02/2009 تمّ إبلاغ دائرة الآثار في وزارة الثقافة التي قامت بدورها بكشف ميداني بتاريخ 11/03/2009.

بتاريخ 14/03/2009 طلبت وزارة الثقافة إيقاف العمل الذي يجري في المخيم.

وافق مجلس الوزراء على الجميع ما بين الآثار والحاجة إلى إعادة إعمار المخيم فاتخذ قرار يقضي بطمر هذه الآثار حسب المعايير الدولية وكان ذلك بتاريخ 30/04/2009.

تقدّم النائب ميشيل عون تطعن بقرار الطمر أمام مجلس شورى الدولة بتاريخ 29/06/2009 حيث أوقف العمل من جديد إلى حين البت بالطّعن.

شكّلت لجنة المتابعة لجنة فنيّة فلسطينية متطوّعة من أجل متابعة ملف الآثار وتحديد مكان "مدينة أرتوزيا" وتمكّنت اللجنة من تقديم الأدلة العلمية التي تنفي وجود هذه المدينة تحت أنقاض المخيم.[3]

 

[1] المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد)https://pahrw.org/

[2] المنشور المنتدى الاشتراكيhttps://www.al-manshour.org/

[3] سفارة دولة فلسطين لدى الجمهورية اللبنانيةhttp://www.palembassy-lb.net/

[1] موقع الجزيرة على الانترنت ، المخيمات الفلسطينية في لبنان ، https://www.aljazeera.net/