رواية من المخيم - مخيم الحصن / مخيم الشهيد عزمي المفتي
مذكرات السيد عبد القادر الشامي في مخيم الحصن الجزء 1
كان والدي من اوائل الذين جاءوا الى المخيم بعد ان تركنا الأغوار ومأدبا ومنجا وام العمد والبرازيل، وجاء نصيبنا في بلوك 2 قريب من مدارس الذكور والاناث الواقعة في بلوك 4 والذي يعتبر بلوك الخدمات والملاعب والمدارس بالإضافة الى نادي للرياضة ومطعم ومصنع للحرف اليدوية والتريكو – والذي لا يزال قائما الى اليوم ،ومراكز لتدريب للفصائل الفلسطينية - انتهت سنة 1970م بعد خروج جميع الفصائل من الاردن الى سوريا،وقد تم حينها توزيع هذه المنطقة على عائلات جديدة،وبقيت مدارس الذكور والاناث والنادي ومشغل النسيج ونادي البرامج النسائية .
في البداية قسمت وكالة الغوث ارض المخيم الى وحدات سكنية ، وكل وحدة عبارة عن مائة متر مربع وزعت بحيث يكون لكل عائلة وحدة سكنية فقط ، وفي الوحدة خيمة واحدة وبلا مرافق ، كان نصيبنا وحدة واحدة اي خيمة واحدة فقط لا غير،ولكن نظرا لكبر حجم الأسرة ولإلحاح والدي تم اعطائنا وحدة اخرى في الصف الأمامي للوحدة الأولى
المعاناة كانت كبيرة
كانت الخيام قريبة من بعضها،والحبال تتشارك مع بعضها لثبيت الخيم،والمرور من بينها اشبه بالمتاهة ،بلا انوار ولا شوارع ، تسير في الليل فتتعثر في الحبال،فيلحق بك صاحب الخيمة بالسباب والشتائم وقد تتشارك الغنم والدجاج معك الخيمة ..ولا يفصل بين الحارات سوى طرق من صبة الإسمنت بعرض متر تستخدم للتنقل بين احياء المخيم من طرف لآخر .
وكانت الخيم منها الأخضر الجيشي ومنها الأبيض الدائري ..
وكان الكثير من الأهالي يستخدمون حبال الخيم في تعليق الغسيل عليها ،وفي الليالي الماطرة تتطاير الملابس نتيجة الرياح القوية .. فترى النساء والأطفال تبحث عن الملابس من خيمة لأخرى..
كان يفصل بين كل بلوك والآخر طريق رئيسي تسير عليه السيارات، وكل حارة يفصلها عن الحارة الأخرى شارع عرضي مع آخر عمودي،وكان المنفذ الوحيد للمخيم هو الطريق الذي يربطه بالطريق الرئيسي الذي يربط بين اربد وعمان، وكان يصلح لمرور السيارات عليه .
بعد سنة تقريبا من انشاء المخيم تم تغيير الخيم الى غرف من الزينكو والإسبست ..
وفي فترة لاحقة تم تغيير الخيم بالواح من الإسبست ايضا ، وكان لها ما يميزها عن الزينكو وخاصة في فصل الشتاء ..
اخذ الأهالي اصحاب الوحدات في عمل سور حول وحدتهم بعضهم من الزينكو وبعضهم من الحجارة
بعد فترة من الزمن قامت كل عائلة بعمل سور حول وحدتها مما تيسر وكان اغلبه من الزينكو ..
و قناة صرف المياه التي كانت موجودة في كل حارة تبدأ من اعلى المخيم الى اسفله، وكانت في الصيف عبارة عن مكرهة صحية ، وفي الشتاء تعمل على تصريف مياه الأمطار الى الوادي الموجود جنوب المخيم بجانب بلوك 1..
كانت الواح الزينكو تستخدم للفصل بين الوحدات السكنية كي يكون لكل عائلة خصوصية ..
ثم بعد ذلك اصبحت الجدران التي تفصل بين الوحدات من الباطون والبلوك ..
كان لأستبدال الخيم بغرف الزينكو والإسبست فرحة عامرة في قلوب الأهالي وخاصة الصغار،اذ وجدوا مكانا للحركة واللعب، مع انه في فصل الشتاء كان الزينكو على وقع المطر يعزف احلى سيمفونية وخاصة حين يتساقط البرد.
بعد فترة من الزمن ليست طويلة قام الأهالي ببناء غرف من الباطون بجانب غرفة الزينكو وكان الشرط ان يكون السقف من الزينكو ، وكذلك قامت كل اسرة بعمل حمام على طرف وحدتها بعمل حفرة امتصاصية وبناء هيكل من الزينكو مع باب من القماش،لكن الغرفة بقيت هي المسكن والمأكل والمنام والحمّام والمكتب ....
وكان الفانوس الهوائي والعادي وكذا اللوكس هم مصدر الانارة الوحيد وقتها ..
اما الفانوس الآخر فكان يستخدم داخل الغرف للإضاءة والدراسة
وكان لوكس الشمبر يستخدم في الليل للقراءة والأعمال المكتبية،وفي المناسبات العامة كالأفراح والاتراح والاجتماعات حيث يكون عدد الحضور في الغرفة كبيراً نظراً لأن لشدة اضاءته..
في فصل الشتاء تزداد المعانة وتعلن حالة طوارئ لسكان المخيم،فهذا يحفر حول الغرفة حدود كي يبعد الماء عن الدخول للغرفة ويسيّر لها كي تذهب الى قناة التصريف الرئيسية .
والرياح من شدتها تكاد تخلع الواح الزينكو،وكان الأهالي قبل فصل الشتاء يستعدون لذلك بوضع اثقال على سقف الغرف كي يثبتها امام الرياح والعواصف ، ومع ذلك كان احيانا يتطاير السقف ..
وكنت عندما تتمشى بعد العصر في ازقة المخيم تجد الكبار في السن من النساء يجلسون بالشمس يتبادلون اطراف الحديث فهذه تتحدث مع تلك،وتلك منشغلة بالخبز على الصاج وتتشارك الحديث مع جاراتها،وكان لخبز الصاج مذاقا خاصا ..
وبعض النساء تقوم بتنظيف العدس المجروش او الصامد لإعداده للطبخ في اليوم التالي..
الحمامات
في بداية المخيم كان اسوء وضع يواجه اهالي المخيم قضاء الحاجة في الحمامات او المراحيض،إذ لم يكن في الوحدة حمامات لقضاء الحاجة بل تم بناء حمامات مشتركة في الحارة للرجال والنساء،وكان لكل حارة حمام واحد مزدوج أي ان لكل حمام جناحان،جناح متعارف عليه للرجال والآخر للنساء .. وبلا باب ..
وكم من حوادث واحراجات حصلت اثناء قضاء الحاجة،فان اردت الدخول لا بد من اصدار اصوات قبل الدخول،واذا كنت في الداخل وشعرت بأقدام آتية فعليك اصدار اصوات تحذيرية تنبه القادم،والمشكلة الأكبر ان قضيت الحاجة ولم تجد ماء أو لم تأخذ معك محارم تنظيف .
أن الحُفر الامتصاصية كانت صغيرة ولم يحسب عند حفرها العدد الكبير الذي سيستخدمها،لذلك اصبحت تفيض كل يوم حتى اصبح الوضع كارثياً سواء من حيث الروائح او هبوط الأرض او تحولها الى طين وخاصة في فصل الشتاء ، ناهيك عن ظهور الدود ابو ذيل يسرح هنا وهناك،وكم من حادثة حصلت نتيجة الوقوع في الوسخ وخاصة في الليل .
وكانت المأساة تتضاعف في الليل حين تريد الأخت او الأبنة أو الأم قضاء الحاجة ؛عندها لا بد من ايقاظ الأخ او الابن او الزوج للذهاب معها لقضاء الحاجة،وعليك ان تأخذ معك إبريق ماء للغسل والتنظيف ...
لم يستمر هذا الوضع طويلا إذ قامت كل عائلة ببناء حمام لقضاء الحاجة في وحدتها،كما قامت كل أسرة بإمكانيتها البسيطة ببناء غرفة اخرى كتوسعة،واستغلال باقي مساحة الأرض للزراعة او تربية الدواجن أو غنمة او غنمتين تساعدان في تحمل اعباء الحياة وقتها ، يشرب من حليبها اهل البيت والفائض يباع الى الجيران .
الكهرباء
لم يكن في بداية تأسيس المخيم كهرباء لا في البيوت او الشوارع،وهذا مما كان يزيد من المعاناة في فصل الشتاء حيث الماء والطين والبرد والظلمة وقلة الحيلة .
كانت امي عندما تريد ان تطبخ تبدأ بداية في تجهيز البريموس وتعبئته بالكاز ونكشه بالإبرة لجعل الشعلة كبيرة ، ومن ثم تحضير ادوات الطبخ – مع قلتها وكلها من الألمنيوم- .
وكان العز كله لوابور الكاز ( البريموس ) اذ هو مع الحطب اداة الطهي وتسخين المياه الرئيسية ، وكان تجهيزه موال خاصة في الليل .
وقد انتشرت في المخيم ورش تصليح وابور الكاز ، وكان في العادة مصلح وابور الكاز يحمل حقيبته ويتجول في ارجاء الحارات ينادي بصوته الندي الموسيقي ( مصلح بوابير الكاز )
اما في الخبز فكان الكل يعتمد على خبز الصاج ، والقليل على خبز الطابون ، وكانت المشكلة تتركز في توفير الحطب اللازم للخبزة او لأكثر ، ومن اين لك بحطب خاصة في فصل الشتاء ! ، فكنت مع اخوتي واخواتي نذهب لإحضار اي كمية من الحطب والتي قد تستغرق مدة النهار كاملا ونحن نبحث عن الحطب ، واحيانا كثيرة كنا نجمع مع الحطب روث البقر ( الجلة ) لإكمال الخبزة.
بعد ثلاث سنوات تم بناء مخبزين في المخيم احدهما مخبز ابو راضي بلوك 3 والآخر مخبز ابو أحمد بلوك 2 والذي لا زال يعمل الى يومنا هذا ، ولكن اليوم اصبح في المخيم عدة مخابز آلية ويدوية تخبز الكماج والمشروح والصغير ، لذلك كانت النساء تعجن الخبز في البيت ثم ترسله الى أحد الأفران لخبزه ، واحيانا كنت اذهب مع امي الى الفرن فاستمع لقصص الختيريات وهن ينتظرن الدور فتسمع العجب العجاب عن فلسطين والمخيم والجار والجارة .
كانت تأتي احداهن فتريد ان تخبز بالأول لأنها مضطرة وتريد ان تذهب للبيت بسرعة لمراعاة ظروف اولادها وعمل زوجها ، وهنا تحصل المناوشات والأصوات فهذه تترجى وتلك تعارض وهذه تتفهم ، وفي النهاية تتطوع احداهن فتقول لها اذهبي وعندما ينتهي الخبز أحضره لك الى البيت .
ثم تطور الأمر أكثر فأصبح الأهالي يرسلون الصواني والكعك إلى الفرن ، وفي كثير من الأحيان كانت النساء ترسل بعض الطبخات إلى الفرن مثل صواني اللحمة أو البطاطا أو مشوي الباذنجان لعمل المتبل .
سنة 1972 تقريبا بدأت الكهرباء في المخيم بواسطة شركة كهرباء خاصة محدودة الطاقة انشأها احد سكان المخيم بعد قدومه من المانيا ، وهو ابو فؤاد الزبيدي بالمشاركة مع ابو عزيز الشوبكي إذ اشتروا مواتير كهرباء ، وعملوا شبكة محلية تعمل في الليل وبضع ساعات من النهار ، وتم تركيب ساعات في البيوت ، ووضع تعرفة للاستهلاك ، لكنها بقيت لا تستطيع تشغيل الأجهزة الكهربائية الكبيرة .استمر الوضع على هذا المنوال لغاية 1975 حيث تم ربط الكهرباء بخط الكهرباء الحكومي ( الضغط العالي ) ..