الدور النضالي للمخيم - مخيم جباليا


تاريخيا، شكّل مخيم جباليا جبهة محورية في مسار النضال الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي، فمنه انطلقت شرارة الانتفاضة الأولى "انتفاضة الحجارة" عام 1987.

وامتدت الانتفاضة لاحقا إلى سائر مناطق قطاع غزة، عبر التظاهرات الشعبية والاشتباك مع الجيش الإسرائيلي بإلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة (مولوتوف) على دورياته وجنوده ومراكزه.

ومع اندلاع الانتفاضة الثانية "انتفاضة الأقصى" عام 2000، كان للاجئي المخيم دور لافت من خلال تشييع جنازات قتلى الانتفاضة والانطلاق منها صوب مواقع وثكنات الجيش الإسرائيلي والاشتباك مع جنوده.

ثم ما لبثت أن تطورت أدوات الاشتباك لتشمل إطلاق النار واقتحام المستوطنات المقامة على أراضي القطاع وحفر أنفاق من تحتها وتفجيرها.

وهو ما توّج بإعلان إسرائيل تفكيك مستوطناتها وانسحابها أحادي الجانب من غزة في سبتمبر/ أيلول 2005.

خلال سنوات الانتفاضة، أدركت إسرائيل القيمة التي تمثلها جباليا في الحالة الثورية الفلسطينية، فكان للمخيم نصيب من الاجتياحات المتكررة للجيش الإسرائيلي.

وأملت إسرائيل عبر الاجتياحات إخماد جذوة الانتفاضة المشتعلة وقتل أكبر عدد من نشطاء الفصائل الفلسطينية الذين اجتذبوا آلاف الشباب إلى الأجنحة العسكرية لتلك الفصائل.

ومثل سائر مخيمات ومدن في غزة، اجتاح الجيش الإسرائيلي جباليا ومخيمها مرات عديدة بين عامي 2001 و2003، إلا أن المواجهة الأبرز كانت قبل 20 عاما، وتحديدا مع نهاية سبتمبر ومطلع أكتوبر 2004.

آنذاك أطلق الجيش عملية "أيام الندم"، وسمتها الفصائل الفلسطينية "أيام الغضب"، وشملت بلدات جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون.

واستغرق الاجتياح 17 يوما، وخلّف ما يزيد عن 160 قتيلا فلسطينيا ومئات الجرحى، ومني فيها الجيش الإسرائيلي بخسائر بشرية ومادية عديدة.

وكان من أهم ملامح التطور في العمل العسكري للفصائل الفلسطينية التي برزت في تلك المواجهة:

صمود المقاومة في التصدي للجيش الإسرائيلي على مدى 17 يوما، وهي المدة الأطول التي تسجلها عملية عسكرية من هذا النوع في تلك الفترة.

الإعلان عن عدد من الأسلحة الجديدة التي استخدمها المقاتلون الفلسطينيون في مواجهة آليات الجيش وقواته وأبرزها: العبوة الناسفة من نوع "شواظ 3"، وقاذفي "الياسين" و"البتار" المضادين للدروع، وكلها من إنتاج محلي.

الكشف لأول مرة عن المتحدث العسكري باسم كتائب عز الدين القسام "أبو عبيدة"، الذي عقد مؤتمرا صحفيا هو الأول من نوعه خلال الاجتياح، شرح فيه طبيعة تواجد الجيش الإسرائيلي على أطراف المخيم وآليات التصدي له.

تطور العمل الإعلامي من خلال ظهور أفلام ومشاهد توثق بالصوت والصورة عمليات نشطاء الفصائل الفلسطينية التي استهدفت الجيش الإسرائيلي وآلياته.

ومثّلت هذه المواجهة نقطة محورية في مسار الانتفاضة، إذ قالت الفصائل الفلسطينية إن الجيش الإسرائيلي عجز عن اقتحام المخيم وظل يناور مُسلحيها على أطرافه، واندحر عن جباليا دون تحقيق أهدافه في "إخضاع المقاومة".

** الملجأ في الحروب

خلال الحروب السابقة التي شنتها إسرائيل على غزة في أعوام 2008-2009، 2012، 2014، و2021، استقبل مخيم جباليا النازحين من سكان البلدات الحدودية المحيطة.

فقد لجأ إليه فلسطينيون من بيت لاهيا وبيت حانون وعزبة عبد ربه وحيّي الكرامة والتوام وغيرها، باعتباره المنطقة الدافئة البعيدة نسبيا عن مسرح العمليات البرية للجيش الإسرائيلي.

ومع بدء حرب الإبادة الإسرائيلية الحالية، وخلال الأيام الأولى التي شهدت اشتداد القصف الإسرائيلي جوا وبرا وبحرا، تعزز دور المخيم وسكانه في احتضان النازحين وإيوائهم، وإمدادهم بمستلزمات الإغاثة.

وشكّل مخيم جباليا عمقا جغرافيا لسائر سكان محافظة شمال غزة في تعزيز صمودهم وتحدي المخططات الإسرائيلية في التهجير.

وأفادت تقديرات السلطات المحلية ببقاء نحو 700 ألف فلسطيني بمحافظتي غزة وشمال القطاع، ورفضهم إنذارات الجيش الإسرائيلي بالإخلاء، ما شكل عائقا كبيرا أمام مخططه لتهجير مواطني "شمال وادي غزة".

واليوم، تقف جباليا ومخيمها أمام مفترق طرق صعب في مسار حرب الإبادة الإسرائيلية التي دخلت عامها الثاني، ويواجه سكانها أصعب مراحل الحرب.

إذ أعلن الجيش الإسرائيلي أنه بعد 23 يوما من الاجتياح المتواصل لجباليا، تم "تهجير نحو 50 ألف من السكان، واعتقال حوالي 600 مسلح، فيما تواصل قوات اللواءين جيفعاتي ومدرعات 401 العمل في المنطقة".

ويقدّر مراقبون ومختصون إسرائيليون وعرب أن المعركة في جباليا تمثل أهمية كبيرة على صعيد احتمال تهجير مواطني قطاع غزة بأكمله من عدمه.

ففي حال نجحت خطة التهجير بالإبادة في مخيم جباليا، كما تريدها إسرائيل، فسيتيح ذلك تطبيقها على سائر مناطق الشمال ومدينة غزة لاحقا.. وهو ما ستجيب عنه الأيام المقبلة.