ذاكرة المخيم - مخيم المية ومية


  يُذكَر أن المخيم عانى من دمار كبير خلال سنوات النزاع الأهلي، وتحديدا في تموز من العام 1991 عندما تم تدمير 15% من مساكنه إلى جانب مدرسة وكالة الاونروا ومركز التوزيع التابع لها وفق الموقع الالكتروني الرسمي للأونروا.

 حرب المخيمات

 يقوم هذا المخيم على تلة عالية مطلة على مخيم عين الحلوة، قرب قرية المية ومية المسيحية، وكانت العلاقات طيبة مع أهل هذه القرية قبل الحرب، وتمت بينهما عدة مصاهرات. غير أن الحرب هجّرت أهل القرية، وعندما اجتاح الجيش الصهيوني لبنان، حضرت قوى عسكرية من اليمين المسيحي أقامت في القرية، الأمر الذي تسبب باحتكاكات كثيرة مع أهل المخيم أسفر عن إحراق قسم كبير من المخيم وتدمير مئات المنازل فيه. وقد أعيد إعمارها فيما بعد.

مشاكل المخيم :

 مع تقدم الزمن و تزايد أعداد اللاجئين يشكو أهل المخيم من عدة أمور منها:

1- عدم وجود مركز طبي يضم عيادات متخصصة مختبر – قسم أشعة.
2- عدم وجود مدرسة ثانوية أسوة بباقي المخيمات وهذا يدفع الطلاب إلى مخيم عين الحلوة ممّا يترتب عليه أعباء مالية وقلق من الوضع الأمني.
3- الحاجة الملحة لمحول كهرباء ثالث لحل مشكلة الضغط على شبكة الطاقة وهي أزمة حقيقة وخاصة في فصل الصيف.
4- أهمية وجود مكتبة علمية عامة تلبي احتياجات الطلاب والعامة.
5- مع وجود أندية رياضية إلا أن المخيم يفتقد إلى ملعب رياضي ولو بشروط متواضعة.

 يبقى طموح سكان المخيم بتحسين أوضاعهم عبر السماح لهم بحرية التنقل بعيدا عن طوابير السيارات والتي تمتد لأمتار طويلة لتسجيل أسماء الداخلين و الخارجين من المخيم. ويرغبون بإعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه الاجتماعية والسياسية حتى يصمدوا في وجه المؤامرات التي تحاك ضدهم. ويأملون يوما ما بالعودة إلى قراهم ومدنهم التي هجروا منها في فلسطين (1)

 رغم تقدم السنين إلاّ أن اللاجئين الفلسطينيين ما زالوا يتطلعون إلى العيش الكريم لحين العودة، نعم.. كل عام يأمل اللاجئون الفلسطينيون بتغيير واقعهم الإنساني نحو الأفضل، ولكن للأسف تزداد الأحوال سوءاً، ويستمر برنامج الحرمان وسياسة التحريض ضد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، والملاحظ أن السنين تقترب من بعضها، في المقابل لا تقترب الحقوق من أهلها.

 سجّل العام 2016 الكثير من المحطات والأحداث على مستويات عدة طالت الوجود الفلسطيني في لبنان، وفي معظمها لم تحمل الخير للاجئين الفلسطينيين رغم ما بذلوه من جهد خلال الأعوام الماضية في تحسين النظرة تجاههم؛ إذ أن بعض وسائل الإعلام المحلية سوّقت بصورة مغلوطة من خلال تزييفها لجملة من الحقائق وبث الإشاعات والافتراءات على شاشاتها وصحفها ومواقعها، والتي ساعدت في زيادة منسوب الكراهية ضد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، بالإضافة إلى الخطاب العنصري لبعض الشخصيات السياسية اللبنانية.

 وللحديث أكثر عن واقع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، لا بد من التوقف عند أبرز التحديات والصعوبات التي تعترض حياتهم، والتي تتمثل باستمرار الحرمان من الحقوق المدنية والإنسانية؛ إذ أن الدولة اللبنانية ما زالت تنظر إلى الوجود الفلسطيني من زاوية أمنية فقط، وتزعم، أن الوجود الفلسطيني هو عامل تهديد لاستقرار أمنها وتقدم اقتصادها، رغم ما تُثبته الأيام منذ النكبة حتى يومنا هذا أن الفلسطيني هو عامل قوة وتقدم للبنان.

 والأمر الآخر الذي تستخدمه الدولة اللبنانية ذريعة للتهرب من مسؤولياتها تجاه اللاجئين الفلسطينيين: أن منح الحقوق الإنسانية للاجئين يُساهم في مشروع "التوطين"! واستبشر اللاجئون الفلسطينيون خيراً، بعد توصل الكتل السياسية اللبنانية إلى توافق على اختيار رئيس جديد للبنان وتشكيل حكومة جديدة، إلاّ أن البيان الوزاري للحكومة الجديدة كان مخيباً لآمالهم؛ حيث لم يذكر البيان قضية توفير الحقوق المدنية والإنسانية للاجئين، واكتفى بدعم "حق العودة"! لا نشك في الموقف الوطني للدولة اللبنانية في دعم القضية الفلسطينية، وحقوقه الثابتة وأبرزها حق عودة اللاجئين.

 في المقابل يتساءل اللاجئ الفلسطيني، هل يكون دعم "حق العودة" من خلال ظلم اللاجئين وحرمانهم من أبسط مقومات العيش الكريم؟! وهل دعم القضية الفلسطينية يكون من خلال بناء "جدار عازل" حول مخيم عين الحلوة جنوب لبنان ليخنق شعب فلسطين أكثر؟! 

 لم يقتصر الأمر على الدولة اللبنانية وسياسة الحرمان التي تنتهجها ضد الشعب الفلسطيني في لبنان، بل وصل الأمر إلى ارتكاب جريمة أخلاقية من قبل المؤسسة الدولية "الأونروا" المعنية مباشرة بتقديم المساعدات الإنسانية للاجئين الفلسطينيين لحين تحقيق العودة. وقد تمثلت هذه الجريمة في جملة القرارات الجائرة التي اتخذتها إدارة الأونروا عبر مفوضها العام "بيير كرينبول" ومديرها العام في لبنان "ماثياس شمالي"، وطالت تقليصات كبيرة في الحاجات الأساسية للاجئين وهي التعليم والصحة بالإضافة إلى خدمات أخرى، وقد دخلت هذه القرارات حيز التنفيذ، وبدأ تطبيق بعضها منذ صيف 2015؛ حيث أوقفت بدل الإيواء للعائلات الفلسطينية المهجّرة من سورية إلى لبنان، مع أنها أوقفت برنامج المساعدات عن حوالى 1100 عائلة قبل عام. بالإضافة إلى إيقاف برنامج الطوارئ لسكان مخيم نهر البارد رغم أن مشروع إعادة إعمار المخيم لم يُستكمل بعد ولم يُعمّر منه إلاّ نسبة 45 % فقط.

 ربما يكون موضوع المساعدات الإغاثية ليست بقدر عال من الحاجة قياساً مع موضوع التعليم الأساسي لأبناء اللاجئين الفلسطينيين، لذلك شكّل إعلان المفوض العام للأونروا بخصوص تأجيل العام الدراسي وعدم بدء البرنامج التعليمي في الموعد المحدد، صدمة كبيرة للاجئين الفلسطينيين. حيث برز القرار كمؤشر خطير في سياسة المؤسسة الدولية لجهة حرمان الطفل الفلسطيني من أبسط حقوقه الإنسانية وهي الحق في التعليم، ورغم تجاوز هذا التحدي الخطير، إلاّ أن إدارة "الأونروا" استمرت بضرب الواقع التعليمي للاجئين الفلسطينيين، حيث عملت على زيادة عدد الطلاب في الصف الواحد إلى 50 طالباً، بالإضافة إلى دمج الطلاب المهجّرين من سورية ضمن برنامج تعليمي موّحد، متجاهلةً الفروقات التعليمية أو الأوضاع النفسية التي يعيشها الطالب الفلسطيني من سورية.

 ولم تتوقف إدارة "الأونروا" عند هذا المستوى من التقليصات، بل سارعت إلى إصدار قرار خطير نهاية العام 2015 طال ملف الصحة والاستشفاء للاجئين الفلسطينيين في لبنان. وقد دخل القرار الجائر حيّز التنفيذ مع بداية العام 2016، والذي تمثّل بتقليصات في ملف الاستشفاء التي ألزمت اللاجئ بدفع نسبة 20% من فرق قيمة العلاج في المستويات الخاصة، بالإضافة إلى تهرّبها من مسؤولياتها تجاه اللاجئ الفلسطيني "المجنّس" وعدم تقديم أي خدمة استشفائية له.

 وأمام هذه المجزرة الأخلاقية بحق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، انتفضت المخيمات الفلسطينية جميعها لتقف في مواجهة سياسة الأونروا ورفض كل القرارات الجائرة، والمطالبة باستعادة الحقوق الإنسانية كاملة دون نقصان. ومع بداية عام 2016، دخلت المخيمات الفلسطينية في لبنان في مرحلة العصيان الشعبي ضد إدارة الأونروا، عبّرت عنه بيانات لجنة "إدارة خلية الأزمة" بدعم من الفصائل الفلسطينية. وقد استمرت التحركات الاحتجاجية ضد إدارة "الأونروا" ومقراتها الرئيسية في المناطق والمخيمات حوالى ستة أشهر، وتلاها جلسات حوار مع الأونروا حول التقليصات والمطالب، وتوقفت مع بداية شهر رمضان المبارك، من دون تراجع كبير للأونروا عن قراراتها.

 أمام المشهد الإنساني الصعب الذي يعيشه اللاجئون الفلسطينيون في لبنان، يجب البحث عن بصيص أمل واستثمار جميع الفرص المتاحة لهم، في تقليل حجم التحديات وتجاوزها إن أمكن. وأبرز تلك الفرص:

1- وجود مرجعية سياسية فلسطينية موحدة في لبنان، عليها واجب صياغة مشروع وطني يتضمن التمسك بالثوابت الوطنية وأبرزها حق العودة، وحماية الوجود الفلسطيني في لبنان والدفاع عن حقوقه الإنسانية.

2- ضرورة تفعيل الحملات المطلبية وتحويلها إلى مشاريع تُقدّم إلى الحكومة اللبنانية الجديدة، مثل حملة حق التملك وحق العمل.

3- تطوير "المبادرة الفلسطينية اللبنانية" وتضمينها المقاربة الشاملة للملف الفلسطيني بكافة جوانبه، وضرورة تغيير النظرة اللبنانية للوجود الفلسطيني المنحصرة في زاوية أمنية فقط.

4- إعادة تفعيل الحراك الشعبي للاجئين الفلسطينيين في مواجهة سياسة "الأونروا"، وتطوير عمل "لجنة إدارة الأزمة" ووضع برامج عمل دورية لحين تراجع إدارة "الأونروا" عن قراراتها.

5- وعي الشارع الفلسطيني في لبنان تجاه حقوقه الوطنية والإنسانية، والتحرك الفاعل للدفاع عن حقوقه على كافة المستويات وأبرزها الإعلامية والحقوقية.

6- إطلاق برامج عمل مشتركة بين مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني من شأنها المساهمة في تخفيف حجم المعاناة اليومية للاجئين في المخيمات..[1]

 

[1] مدير منظمة ثابت لحق العودة ، سامي حمود

 (1) المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد)https://pahrw.org/