رواية من المخيم - مخيم النيرب


 

  1. لقاء مع شاهدة النكبة: زكية محمود معتصم "مخيم حندرات"

أنا من قرية ترشيحا في قضاء عكا مواليدي 1929، و كان عمري تسعتاش سنة لما طلعن من فلسطين.

والله كنا عايشين بترشيحا...و ترشيحا نصَّا إسلام و نصّا مسيحية....كنّا مبسوطين فيها كتير...إحنا ويّاهم أهل و منحب بعضنا.

ماذا كنتم تزرعون و كيف كنتم تسقون؟

و كنّا نزرع و أهم شي كان عنّا الدخان، و كان عنا قمح و أشجار و أثمار من جميعو...القمح كنّا ناكلو...و الدخان كنا نبيعو لواحد يهودي اسمو "قره مان سلط" ...و هادا كان عندو فابريكا بحيفا، و كان ييجي يشتري الدخان من ترشيحا كلها.

و كنّا نسقي الزرع من البركة...بركة ترشيحا...بأول ترشيحا

ما هي مراسم الزواج في ترشيحا؟

وكان الواحد لمّا يزوج ابنو...بيعملوا أفراح..يعللو الشباب بالليل لوحدن...و البنات لوحدن...سبع تيام...و بعد السبع تيام بصير العرس...بجيبوا جماعة من برا...هدول اللي بقولولن "الحداية" و بصيرو يحدو...و هالرجال تصف داير مندار ساحة وسيعة...هنّي يقولوا و هني يردوا عليهن شو كانو يقولوا...

و كانت الأغاني باللهجة الترشحاوية و كانوا يقولوا للعريس مثلاً: "دقة و سحجة يا ترشيحاتي...يا شب محمد عـالسرايا فاتي...منهوب حدّو...و العرق جدّو...أخو حدّو...و زغردي ولا تهابي"

 من كان يدافع عنكم؟

ووقت كنا بترشيحا كانوا الشباب يشتروا بواريد، وكانوا كل ليلة تروح مجموعة حرس...يحملول هالبواريد و يروحوا يقفوا قبال اليهود اللي بجدّين، و إهل ترشيحا يقفوا ع لويسة يحاكوا بعض.

  كيف كانت الهجرة؟

تمّينا إحنا أهل ترشيحا للأخير و ضلّينا مسأمين و نردّ اليهود لهلكناهن... و آخر شي عملوا علينا هجوم من الأربع جهات و حصرونا بقلب ترشيحا و بعتولنا الطيران و صار يقصف فينا و كان بيت ابن عمتي فيّو سبعين نفر و كانوا يتخبوا بالطابق التحتاني وإجت الطيران همدتن و ما خلّت واحد منهن يطلع... و لو بدهن يقتلونا ما فتحولنا طريق لبنان...و لما قطعنا الشارع اللبناني كانت الدبابات واقفة، و لا حكونا و لا قالولنا منّين إنتو؟    و طلعنا مشي من ترشيحا للرميش لحدود لبنان.

ماذا تعرفين عن فاطمة هواري؟

إجا الطيران ضربهن أول مرة، تصاوبت و أكلت صواب كبير...إجا تاني مرة الطيران و ضربهن...ماتت إمها و مرة أخوها...و مات إبن أخوها و مات أبوها...و هي إجتها الضربة بإجريها و تقطعوا إجريها.

كيف كان العيد في ترشيحا؟ و هل كان له تجهيزات خاصة؟

إيه لكان...كان عنا العيد كتير حلو و منعمل كعك و كانت العالم تعايد عبعضا بيت بيت...بيت المسيحي و المسلم.

كيف كانت أجواء رمضان لديكم؟

رمضان كان كتير حلو... كان يقوم المسحّر و يطبّل عالطبلة أو عالدربكة ...مو عالتنكة و يصحّي العالم  واحد واحد و ما كان يفتحوا الباب يعطوه من اللي الله يقسملوا إياه.

ماذا كنتم تقولون للمريض عند مرضه؟

يقولولو أي قراية بتصير للمريض متل " تحصّنت بذا العزة و الجبروت، و اعتصمت برب الملكوت، و توكلت على الحي الذي لا يموت...اصرف الأذى و المرض عن فلان،لَإِنك على كل شيء قدير.

 

ما ه مراسم العزاء؟

لمّا تصير الوفاة كانوا كتير يعملوا...يصيحوا و يقتلوا حالن و يدبوا الصوت و يشلخوا حالن و ينبشوا شعورهن و يحزنوا و تحزن الحارة كلها و تحزن البلد كلها.

هل تتذكرين الألعاب التي كنتم تلعبونها و أنتم صغار؟

آه... بتذكّر كنّا نلعب هاي اللي بتلعبوها اليوم "المنة" بالعصاي: نقف قبال بعضنا...و كنّا نلعب على إجر وحدة و نُّط و نقول "يا ستي عرجة عرجة"... هادا كان لعبنا.

 هل كنتم تذهبون إلى المدرسة؟

إيه كانوا يتسجّلوا منشان يدرسوا.

و أول واحد ترشحاوي طلع عالعلم، طلع عمصر هوِّ أخوي و درس زراعة، و ابن عمي كمان راح درس طب.

هل تتمنين العودة إلى ترشيحا؟

يا ريت، علوّاه....لو أشوف ترابا بس و أموت.

ماذا تنصحين هذا الجيل يا حاجّة؟

يطوّل بعمركن يا حبيب قلبي، وتشوفوا فلسطين يا ربي و ترجعوا عليها بجاه الرسول

و بنصحكو تديروا بالكن عحالكو و تتعلموا و تصيروا كويسين لحتى تردوا بلادنا اللي اغتصبوها اليهود

 شرح بعض المفردات:

أديش: كم يكون

تسعتاش:19

فابريكا: محل تجاري

وسيعة: واسعة

جدّين: اسم قلعة في عكا

تمّينا: بقينا

قراية: قراءة

ما غدرنا: لم نستطع

نسئم: نتحمل

همدتن: نسفتهم

هديك: تلك

هنيك: هناك

هون: هنا

هاي: هذه

هادا: هذا

كويسين: جيدين

نط: نقفز

هداك: ذاك

 

   شاهدة النكبة: فوزية محمد مستو مطر "مخيم حندرات"

أنا من صفد مواليد 1931 أبي محمد و أمي فاطمة و جوزي من بيت سويد، و أنا بعرف كل الفلسطينية و بعرف اليهود و بعرف الإنكليز... و اللي بيعرفوا كلّن ماتوا و ضلينا أنا و إم حميد سويد.

كان عمري لمّا طلعنا من فلسطين سِتّعِش سنة و عإيدي ولد زغير عمرو سبع تشهر اسمو حسين.

ماذا تعرفين عن صفد؟

صفد سكانها 80 ألف، حارة يهود و حارة مسيحية و الباقي كلو إسلام.

و كانت تابعة للواء الجليل و في حواليها 300 ضيعة داير مندار.

و كان عنا قلعة بصفد... قلعة عزمان الجزّار، و عبد الحميد...و الجامع الأحمر و السرايا و المنزل...المنزل كان قاعد فيه الملك عبد الله تبع الأردن... الجد الكبير مش هادا... جدّول هادا... و كان في عند الإنكليز جيش الزنار الأحمر.

و صفد مدينة كويسة و سكانها كلّن أوادم و عاقلين و مناح و كان عنّا مدرسة ثانوية للولاد الصبيان لحال و البنات لحال، و عنا السوق و الجسر، و كان في حارة وحدة لليهود مفش غيرها.

ماذا كنتم تعملون؟

ما كنا نشتغل، إحنا بس منشتغل بالبيت، و كان عنا جاج و خرفان و عنا كل إشي و عنا حكورة جنب الشارع مليانة تين و توت شامي"هيك القلب" و جوزي كان يعمِّر بيوت نحيت  كان يعمر كويس.

ماذا تخبرينا عن الزراعة في صفد؟

كنا نزرع لوز و زتون... يعني مش إحنا اللي منزرع... اجدودنا المزارعين

كيف كان العرس بفلسطين؟

كان بصير العرس و بجتمعوا كلن مع بعضن البعض، و عنّا مزيكة و عنّا عود و عنا آلتيّة و كل إشي للعروس.

و كانوا يدقّوا عالطبل و بعزموا العروس و بدقولها و بغنولها و يزفوها و يصمدوها و بعدين بجيبوها عبيت العريس.

ما هي الأغاني التي كنتم تغنونها؟

غناني كتير من كل الأشكال متل " يللي زرعتوا البرتقان ، يللا اقطفوه"

و العريس بزفّوا و بدقّولوا و بغسلوه و بزفوه عند جيران تانيين غير أهلو و بيجيبوا الآلتية ...بعدين بيجيبوا العروس بالسيارة إذا كانت بعيدة... و إذا كانت بحارتها بياخدوها عالعرس و بزفوها.

و كان لديكم سيارات في صفد؟

في سيارات و كلها سيارات "ستيم" كويسة، و كان حسن عطايا عندو تكسي بيجو كويسة و في عنا تكسي "للعبد جرادة" و تكسي "لأحمد الهندي"...مليان تكاسي و كلها تكاسي من الشلبية نوعها كاديلاك.

هل كان في صفد أطباء؟

إيه كان اللي يمرض ياخدوا عالحكيم أو عالمشفى مشفى"أداسة"

ما هي مراسم الحزن و الحداد في صفد؟

الكل بحزن... ببكوا عالسكت و بستغفروا ربّن... و تلت تِيّام بضلّوا يطعموا الناس إذا كان واحد كبير و مات... أما إذا كان زغير ما بهمّش.

ما هي تجهيزات العيد؟

كنا نساوي كعك و كرابيج بالسمن العربي، و هيك هيك الكربوجة... بتشبّع... بتاكل الوحدة بتشبع منها.

و كانوا يزوروا المقابر الصبح و بعدين بيجوا من المقبرة عند العالم ، و كل واحد بيجي بسلّم عأهلوا و بكونوا الولاد لابسين أواعي بيضة... إسّه صار العيد غير شكل... صار العيد أسود و ما عَدِش في حنّية بالدنيا اللي الله خلقها...

حدّثينا عن هجرتكم من فلسطين؟

إحنا ما هاجرنا،إحنا ما طلعنا بكيفنا... كانوا يضربونا الإنكليز "مستر فراديه، و مستر جامس، و مستر أوكي... والمندوب السامي الله يحرق عضمو" كانوا يضربوا علينا بالصواريخو بالألغام منشان تهج العالم.

أنا فئت الصبح و كنت مدشرة الضو مضوي فأخدت الولد الزغير و حملتوا بإيدي و إجينا من طريق الطواحين عالجش عالصفصاف عبنت جبيل عبيروت... أخدونا و أعّدونا هناك أربع خمس تيّام بعدين حطّونا بالترين و جابونا عحلب... في ناس حطوهن بالشام بس إحنا طبينا بحلب و أعدنا ست تشهر بالبركسات بكامب النيرب

كيف كنتم تحصلون على الخبز؟

كانت إمي تخبز بصفد و كان في عنّا فرنية قبال البيت.

 

هل تريدين العودة إلى صفد؟

علوّاه، علوّاه... ياخدوا البيت... بديش إياه هون... أروح و أرجع هيك بإيديّ ما معي إشي... ربّ دخلك... أشوف البيت اللي كنت آعدة فيه...علوّاه يا حسرتي بس أشوف صفد و أموت هناك. 

شرح بعض المفردات الدارجة في صفد:

زغير: صغير

داير مندار: حواليها

مفش: لا يوجد

شلبية: حلوة، جميلة

ستيم:نوع من السيارات

ما حداش: لا أحد

إسّه: الآن

بحدّي: بجانبي

بضللوا: يبقوا

ما عدش: لم يعد

حَمُولتو: أقرباؤه

تهج: تهرب

دشّرت: تركت

فئت: استيقظت

آعدة: جالسة

بدّبي :ستسقطين

تتعربش: تتسلق

فرنية: فرن من الطين

 

علوّاه: يا ليت

 

و هكذا نجد أن للذاكرة الشفوية الدور الكبير و الحساس في تأريخ المعاناة معاناة اللجوء و الغربة عن الوطن فلسطين و لها الدور أيضاً في بثّ الأمل بالعودة إلى ديار الآباء و الأجداد في قلوب الشباب و الأطفال ممن أحبوا فلسطين و لم يروها إلا بعيون آبائهم و أجدادهم لتكون فلسطين وطناً ليس كغيره من الأوطان فوطننا فلسطين يسكن فينا و الناس يسكنون في أوطانهم

فهل عسانا نكحّل  أعيننا و نريح جنوبنا بالعودة إلى الديار؟ أقول نعم فالحق لا يتقادم و سوف نعود لأننا أصحاب حق.