الوضع السياسي والقانوني - مخيم مار الياس


واقع تطبيق حقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان

حق العودة:

  تُعدُّ قضية اللاجئين الفلسطينيين من أكثر الحالات صعوبة، وأطولها مدة. ورغم أن هناك قرارات عديدة صادرة عن الأمم المتحدة،ورغم أن هناك العديد من الاتفاقيات الدولية التي تؤكد حق الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم كحق شخصي وجماعي، ورغم تأكيد الجمعية العامة لحق العودة والقرار 194 الصادر عنها عام 1948م أكثر من مئة مرة، إلا أن أحداً من اللاجئين الفلسطينيين لم يعد إلى وطنه حتى الآن.

وتتحمل "إسرائيل" مسؤولية مباشرة عن معاناة اللاجئين الفلسطينيين في مختلف دول العالم، لأنها لم تسمح لهم بالعودة والتعويض. كذلك يتحمل المجتمع الدولي ممثلاً بالأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي والمنظمات الإقليمية الأخرى مسؤولية قانونية وأخلاقية عن جريمة الإبعاد القسري التي تعرض لها الفلسطينيون بين عامي 1948م وعام 1967م وعدم إجبار "إسرائيل" على تنفيذ القرارات الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية، ويتحمل كذلك المسؤولية عن مساعدة اللاجئين الفلسطينيين وتقديم العون الإنساني لهم لحين عودتهم إلى مدنهم وقراهم.

 وتعدّ معاناة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان الأكبر إذا ما قورنت باللاجئين الفلسطينيين في سوريا والأردن أو حتى في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلتين. وهناك عدة عوامل لها دورها البارز في معاناة الفلسطينيين في لبنان، منها ما هو دولي ومنها ما هو محلي لبناني ومنها ما هو فلسطيني داخلي. وتساهم هذه العوامل مجتمعة في تردي أوضاع حقوق الإنسان الفلسطيني.

إن المتابع لأخبار اللاجئين الفلسطينيين يعي حقيقة ما تعني فلسطين وحق العودة لهم، فأبناء المخيمات تراهم لا يوفرون جهداً للقيام بالأنشطة والبرامج والمشاريع الوطنية، وعلى مختلف الصعد التي ترسخ و تؤكد على أن فلسطين مزروعة في قلوبهم و أن يوم العودة آت لا ريب فيه  الى تلك الديار الغاليات التي هُجِّروا منها قسراً.

وعلى الرغم من أن الأجيال الحالية في معظمها لم تلامس تراب فلسطين، لكنها لا تألو جهداً في معرفة تاريخها وتفاصيل قضيتها وحقها المسلوب، وتراها متمسكة أكثر من أي وقتٍ مضى بحقها في العودة إلى وطنها فلسطين والدفاع عنه بشتى الطرق والوسائل المشروعة ، و المفارقة الغريبة أنه في الوقت الذي تحرص فيه الدول الكبرى على تطبيق قرارات الأمم المتحدة في بعض الأماكن إلا أن هذا الأمر عندما يقترب من  الكيان الصهيوني فإن هذه الدول تصم آذانها و تعمي عيونها، بل إن هذه الدول تسعى جاهدة فوق هذا إلى النيل من حق العودة و محاولة مصادرته عبر تسويات و صفقات مكشوفة

وهذا ما جعل بعض القوى اللبنانية تتوجس خيفة من أن ُيفرض أمر سياسي معين يجعل التربة صالحة للتوطين، مما سيخل بالتوازن الطائفي حسب حساباتهم،وبدل أن تواجه الحكومات اللبنانية المتعاقبة هذه الهواجس بعقلانية وحكمة ورحمة فإنها في سبيل مواجهة مشاريع التوطين هذه تلجأ إلى سلب الفلسطينيين مزيداً من حقوقهم، من خلال تثبيت فرضية خاطئة، هي أن منح الإنسان الفلسطيني حقه في العيش بكرامة يعني حكماً التوطين

الحق في مسكن لائق:

بحكم النمو الطبيعي للسكان، تضاعفت أعداد اللاجئين عدة مرات منذ عام 1948. وتلعب ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية دوراً حاسما في تزايد عدد السكان الذين بلغوا مع نهاية 2010 م: 425640 نسمة مقارنة ب 422188 نسمة في التاريخ نفسه من سنة 2009م،اي بمعدل نمو سنوي يقدر بـ 8%  فقط.[1].

وتعتبر المخيمات الفلسطينية بيئة سكنية مكتظة لا تتناسب مساحتها مع عدد السكان إطلاقا،  وعلى الرغم من ذلك، فإن الحكومة اللبنانية تتعاطى مع هذا الأمر انطلاقاً من لاءات ثلاث:

لا لإعادة بناء المخيمات الثلاثة المدمرة.

لا لبناء مخيمات جديدة.

لا لتوسيع المخيمات القائمة.

و عليه ، فقد بقيت المخيمات على ما هي مساحتها عليه منذ عام 1948م رغم النمو السكاني. ويفترض الحصول على ترخيص من استخبارات الجيش لترميم أو بناء أي منزل جديد في المخيم. إن واقع السكن في المخيمات يشير بشكل واضح إلى أن الفلسطينيين في لبنان، وخصوصاً سكان المخيمات لا يتمتعون بالحق في مسكن لائق، ولم توجد لهم الفرصة أصلاً لذلك. كل ذلك يدفع السكان إلى البناء العمودي والعشوائي، وإلى تآكل مساحات اللعب للأطفال، الحرمان من الهواء والشمس في معظم البيوت.

حق الملكية العقارية :

لقد استثنى القانون رقم 296 الذي أقرّهُ مجلس النواب في 21 آذار 2001م اللاجئين الفلسطينيين في لبنان من شروط الملكية العقارية المطبقة على سائر الرعايا العرب بذريعة رفض التوطين، ولا يأتي القانون على ذكر الفلسطينيين تحديداً، بل اشترط أن لرعايا الدول المعترف بها (من قبل لبنان) الحق بتملك عقارات، شرط اّّّّلا تتعارض هذه الملكية مع مبدأ رفض التوطين الذي كرّسه الدستور. وقد كانت الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون رقم 296 واضحة جداً باستثناء الفلسطينيين من حق التملك، وجاء نص الفقرة على النحو الآتي:

"لا يجوز تملك أي حق عيني من أي نوع كان لأي شخص لا يحمل جنسية صادرة عن دولةٍ معترف بها أو لأي شخص إذا كان التملك يتعارض مع أحكام الدستور لجهة رفض التوطين".

 ويُشار هنا إلى أن لبنان لم يعترف بالسلطة الفلسطينية إلا بعد عام 2005م،التى لم ترق إلى مستوى دولة،وبالتالي لم يُسمح للفلسطيني بالتملك، ولقد أصاب هذا القرار الفلسطينيين في الصميم، وترك آثاراً اقتصادية واجتماعية وسياسية ونفسية سيئة على الفلسطينيين في لبنان، لم يقيد لبنان على الفلسطيني حقه في التملك، بل منعه منعاً كاملاً.

لم يكن منح اللاجئين الفلسطينيين الحق في التملك على أجندة مجلس النواب اللبناني في حزيران 2010م وقد كان مجرد طرحه مثار جدال شديد بين الأطراف السياسية اللبنانية، مما دفع رئيس مجلس النواب اللبناني إلى سحبه من التداول، وإحالته إلى اللجان المختصة لمزيد من الدراسة.

الحق في إنشاء الجمعيات:

إن حق إنشاء الجمعيات مقيد على الفلسطينيين، ويقتصر الأمر على مؤسسات لبنانية تعمل داخل الوسط الفلسطيني. كذلك يمنع الفلسطيني من إنشاء النقابات أو الالتحاق بالنقابات اللبنانية أو امتلاك وسائل إعلام. يوجد بعض الجمعيات التي تهتم بشؤون المرأة والمعوقين الفلسطينيين وجمعيات أهلية أخرى تسعى إلى الحصول على علم وخبر من وزارة الداخلية اللبنانية . إلا أن أياً منها لم تحصل عليه حتى الآن، ذلك أن شرط الحصول على علم وخبر هو أن يكون 60% على الأقل من أعضاء الهيئة التأسيسية من الجنسية اللبنانية. قد تحصل بعض الجمعيات بأسماء فلسطينية على العلم والخبر، لكن لا بد من مراعاة نسبة اللبنانيين إلى الفلسطينيين.

 وعلى الرغم  من أنه لا يوجد نص قانوني يتحدث بصراحة عن هذه النسبة، لكن الممارسة كرست ذلك.

حرية التقاضي:

باستطاعة الفلسطيني التقاضي أمام كل المحاكم، من إقامة الدعوى والمقاضاة والاستثناء في القضايا سواء المدنيّة منها والجنائية. وفي المخيم يقوم الكفاح المسلح الفلسطيني بمسؤوليات أجهزة الأمن الداخلي اللبناني في ما يتعلق بالجنح والمخالفات والحوادث الصغيرة، بيد أن دوره في ذلك ضعيف جداً. والفلسطيني لا يتمتع بالمعونة القضائية التى يتمتع بها اللبناني الذي يعجز عن تحمل تكاليف المحاماة والمقاضاة. ويُعَدُّ الفلسطيني أجنبياً من نوع خاص.

هذا يعني أن السجين الفلسطيني المحكوم عليه، بعد أن يقضي فترة محكوميته في سجن رومية مثلاً، عليه أن يحوّل إلى سجن الأمن العام – على اعتبار أنه أجنبي – كي يجري التحقق من إقامته الصحيحة في لبنان، وغالباً ما تكون فترة التحقق طويلة قد تستغرق شهراً في بعض الأحيان، ويُعَدُّ هذا الإجراء تمييزاً لأنه لا يساوي بين السجين اللبناني والسجين الفلسطيني.