الوضع الاجتماعي - مخيم مار الياس


الوضع الاجتماعي: 

يعاني سكان هذا المخيم كغيرهم من سكان المخيمات الفلسطينية الأخرى من الفقر والذي قد تتجاوز نسبته 73% ومن نسبة بطالة مرتفعة أسوة بغيره من المخيمات والتي قد تصل الى 55% حسب نتائج دراسة المسح الاجتماعي الذي قامت به الاونروا بالتعاون مع الجامعة الأمريكية في بيروت. هذا الواقع الصعب دفع الكثير من الشباب الى التفكير بالهجرة إلى أوروبا وغيرها من الدول باحثين عن مكان يحقق لهم ذاتهم، ويحسن ظروف عيشهم بعد أن سُدّت كل آفاق المستقبل أمامهم.[1]

العلاقة بين المخيمات والدولة اللبنانية:

لم يكن أحد في لبنان وفي العالم العربي يجهل المخطط الصهيوني الهادف إلى احتلال فلسطين وطرد الفلسطينيين لإنشاء ما يسمى "إسرائيل". كذلك لم يكن أحد في لبنان يجهل أن وصول اللاجئين إلى لبنان سيؤدّي إلى بقائهم فيه لأوقات طويلة، لكن بغض النظر عن الاتهامات التي توجّه للقيادة الرسمية العربية أو لجزء منها بأنها كانت عالمة بالمخطط الصهيوني، وأنها تواطأت مع هذا المخطط وسهّلت له الدعم المباشر أو غير المباشر، فإن القيادة السياسية في لبنان لم تتخذ قرارًا بمنع الفلسطينيين من المجيء إلى لبنان، لأنها ربما لم تكن تمتلك القرار الجريء في هذا الصدد.

إذ لا تستطيع لبنان أن تختلف عن بقية الأشقاء العرب وتتخذ قرارًا حساسًا كهذا، لتجنب الاتهام بأنها تعرض الفلسطينيين للقتل على أيدي العصابات الصهيونية، أو لأن القرار العربي تعاطى مع هذه القضية من زاوية أنها قضية إنسانية ومؤقتة. لكن أيّاً تكن الظروف فإن الدولة اللبنانية كانت تمتلك القدرة الميدانية والسياسية - لو أرادت - لمنع الفلسطينيين من الوصول إلى لبنان بهذه الأعداد الكبيرة. إذ يتضح من خلال الإجراءات التي طبقت بعد اتفاقية الهدنة أنّ الدولة اللبنانية كانت قادرة على اتخاذ تدابير تمنع تدفق اللاجئين، وربما تكون السلطات استدركت قرارها فأغلقت الحدود صيف عام 1948م واعتبرت أيّ لاجئ يصل بعد هذا الزمن مخالفًا للقانون.

في مطلق الأحوال فإن وصول اللاجئين الفلسطينيين إلى لبنان استقبل بترحيب رسمي وشعبي، خاصة وأن العلاقات الاجتماعية والاقتصادية وروابط القربى والجيرة كانت تجمع الفلسطينيين واللبنانيين. كذلك فإن اللبناني كان منذ البداية يتنبّه للخطر الصهيوني ويعلم نتائج الاحتلال الإسرائيلي على المنطقة العربية.  ويذكر الفلسطينيون التصريحات والمواقف الإيجابية المرحبة التي أطلقها رئيس الجمهورية بشارة الخوري ووزير خارجيته عبد الحميد فرنجية. وبلغ التضامن والتأييد اللبناني للفلسطينيين أن الجيش اللبناني شارك في المعارك ضد الاسرائيليين عام 1948م .

كما أنّ مئات المتطوعين اللبنانيين خاضوا المعارك بكل تضحية وشجاعة وإخلاص إلى جانب إخوانهم الفلسطينيين. ولم يتوانَ اللبنانيون عن فتح منازلهم للاجئين وتقديم كل ما أمكن تقديمه إليهم، وهذا ما فعلته المؤسسات الحكومية والمنظمات والجمعيات.  هذا الترحيب الرسمي اللبناني سرعان ما تحول مع حلول عام 1951م إلى شعور بالقلق، وذلك بسبب بقاء الفلسطينيين في لبنان، في ظل عدم ظهور بوادر دولية لحل المشكلة مع استمرار إسرائيل في منع العودة.

ورغم صدور القرار 194 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 11/12/1948م والذي ينص على حق العودة. ومع بداية الخمسينيات باتت السلطات اللبنانية تخشى بالفعل من النتائج السياسية والأمنية والاقتصادية التي يمكن أن تعكسها قضية اللاجئين الفلسطينيين، خاصة بعد اتضاح حجم الكارثة التي سببها الإحتلال الإسرائيلي لفلسطين وطرد سكانها.

والدعم السياسي الذي كانت تتلقاه الدولة الصهيونية من دول العالم. وفي تلك الفترة بدأت مشاريع ومخططات توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان تظهر من خلال ممارسات المنظمات الدولية، وهذا ما أقلق اللبنانيين على مستقبل المعادلة الطائفية في البلد، ودفع الدولة اللبنانية إلى التعاطي الأمني مع قضية اللاجئين، حيث باتت الأجهزة الأمنية هي المكلّفة بمتابعة قضية اللاجئين وأصبحت هذه الأجهزة تفرض الرقابة على المخيمات وتعنى برصد الأنشطة السياسية.

وظلّت هذه الأجهزة هي المسؤولة عن السجلات الشخصية للاجئين حتى تم تأسيس مديرية شؤون اللاجئين. لكن من الناحية القانونية اختلفت معاملة السلطات اللبنانية للفلسطينيين بين فترة وأخرى. ففي أوقات اعتبرتهم أجانب وفي مراحل لاحقة صنّفتهم كلاجئين يتمتعون بحالة إقامة خاصة. وفي الخمسينات خضع الفلسطينيون لقوانين الأجانب غير المقيمين. وبعدما أنشأت الدولة اللبنانية عام 1950م اللجنة المركزية لشؤون اللاجئين.

صدر في 31/3/1959م المرسوم الاشتراعي رقم (42) مستحدثاً إدارة لشؤون اللاجئين الفلسطينيين في وزارة الداخلية، ومهمتها إصدار بطاقات الهوية والأوراق الثبوتية وجوزات السفر وتحديد أماكن السكن. وفي 26/4/1960م قضى مرسوم رقم (3909) بإنشاء هيئة عليا لشؤون الفلسطينيين ذات طابع سياسي - أمني، ولا يتقاطع عملها مع عمل مديرية اللاجئين، ومهمتها جمع ما يتعلّق بالمشكلة الفلسطينية من مختلف نواحيها السياسية والعسكرية والاقتصادية وغيرها، ودراسة قضية فلسطين بجميع جوانبها ومراقبة تطوراتها وإعداد الحلول الإنشائية لمواجهتها.

 

أجنبي بوضعية خاصة:

توزعت مراحل تهجير الفلسطينيين أو لجوئهم إلى لبنان على سنوات متعددة امتدت من قبيل العام 1948 وصولاً إلى بداية السبعينات. وأبرز تلك المراحل كانت مرحلة النكبة الأولى عام 1948م وحرب العدوان على مصر عام 1956م الذي أدّى إلى احتلال قطاع غزة، وعدوان عام 1967م الذي أدّى إلى احتلال كامل قطاع غزة والضفة الغربية والقدس والجولان. وبعد المعارك التي حصلت بين المقاومة الفلسطينية والجيش الأردني.

أرغم الفلسطينيون على مغادرة الأردن باتجاه لبنان. موجات التهجير واللجوء هذه قابلها موجات من الرحيل من لبنان بسبب الحروب أو بحثًا عن مورد للرزق. ففي الخمسينات والستينات غادر فلسطينيو لبنان باتجاه دول الخليج العربي للعمل في قطاعي النفط والتعليم بشكل خاص. وفي السبعينات اتسعت الهجرة نحو دول الخليج وأوروبا الغربية والولايات المتحدة. وفي الثمانينات خرج بعد الاجتياح الاسرائيلي للبنان آلاف المقاتلين الفلسطينيين مع عائلاتهم. وبعد حرب المخيمات (1985 - 1987) هاجر آلاف الشباب والعائلات باتجاه الدول الاسكندنافية وألمانيا. وفي التسعينات تحوّلت الهجرة نحو كندا، ومع كل هذه التنقلات فإن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ينقسمون إلى الفئات التالية:

  • فئة جرى إحصاؤها من قبل الأونروا والسلطة اللبنانية في أعقاب وصولها إلى لبنان بعد نكبة 1948م، وهذه الفئة مسجلة في القيود ووجودها قانوني وتتمتع ببعض الحقوق، وتصنف هذه الفئة في الاونروا تحت خانة ( غير المسجلين ).
  • فئة لم يشملها الإحصاء الأول، وهؤلاء قيدوا في سجلات الأمن العام ولم يقيّدوا في سجلات الاونروا. ولا يحق لهؤلاء الحصول على مساعدات من الاونروا، ويمنحون جوازات مرور من قبل الأمن العام
  • فئة غير مسجلة في قيود الاونروا ولا في قيود الأمن العام اللبناني، ووصل أفراد هذه الفئة إلى لبنان في أعقاب عدوان عام 1967م، ولا يستفيد هؤلاء من خدمات وكالة الاونروا كالتعليم والغذاء والاستشفاء، ما يجعلها من أشد الفئات الفلسطينية معاناة، وإن كانت هذه الفئة أقل الفئات عددًا، كذلك لا يحق لهذه الفئة حرية التنقل والسفر لأنها لا تملك وثائق من الأمن العام اللبناني.

ويقيم اللاجئون الفلسطينيون المسجلون رسمياً في الدوائر في لبنان بشكل قانوني وذلك تطبيقًا لأحكام المرسوم رقم (136) الصادر في 20/9/1969م عن وزير الداخلية، والذي أعفى اللاجئين الفلسطينيين الذين يقيمون في لبنان بموجب هوية صادرة عن المديرية العامة لإدارة شؤون اللاجئين الفلسطينيين من تجديد بطاقة الإقامة المفروضة على الأجانب، وكان هذا القرار ثمرة محاولات تصحيح أوضاع اللاجئين الفلسطينيين بعدما كان يعتبرهم القانون اللبناني وفقًا لقرار وزير الداخلية رقم (319) تاريخ 2/8/1962م أجانب.

بدأت العلاقات الفلسطينية اللبنانية بالتحسن بدءًا من العام 2005م حيث أدى خروج الجيش السوري من لبنان إلى إعادة فتح مكتب منظمة التحرير في بيروت، وتمّ تشكيل لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني. لكن الوضع الاقتصادي والاجتماعي للفلسطينيين لم يتغير. ما تغير هو المناخ السياسي فقط، بمعنى وجود نظرة أكثر إيجابية تجاه الفلسطينيين قلّلت من مخاوف التوطين. إذ شعرت الدولة اللبنانية أن إهمال المخيمات وتهميشها لا يصبّ في مصلحتها، لا سيّما أن انتشار بؤر الفقر لا تؤدي إلّا إلى المزيد من المشاكل الاجتماعية، وبالتالي إلى التطرف السياسي.

و خطوة عام 2010م الإيجابية، التي أفضت إلى صدور القانون (129) حول حق العمل والقانون (128) المتعلق بالضمان الاجتماعي، بقيت يتيمة، لأنها لم تُكتمل بوضع مراسيم تطبيقية تدخل هذه القوانين حيّز التنفيذ، على مستوى تعاطي الدولة اللبنانية مع المخيّمات، أشار الباحث في قضايا اللاجئين الفلسطينيين جابر سليمان إلى أنها مرّت بمراحل عدّة. إذ اتسمت المرحلة الممتدة حتى العام 1958م بترحيب رسمي بالفلسطينيين، لا سيّما على مستوى حق العمل

 أما مرحلة العهد الشهابي التي انتهت بتوقيع اتفاق القاهرة في العام 1969م، فاتسمت بحصار أمني شديد وتضييق على حريّات الفلسطينيين. ولفت سليمان إلى أنّ الاتفاق هدف إلى تنظيم العمل الفدائي، لكن المادة الأولى فيه نصّت على الحقوق المدنيّة للفلسطينيين. وأضاف أنّ منظمة التحرير لم تلتزم به من ناحية التجاوزات العسكرية، ولم تعمل على تفعيل نصّه القانوني الذي كان سيمنح الفلسطينيين بعض الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، مفضّلة السلاح على المرسوم الاشتراعي المتعلّق بالحقوق.

بدوره أعتبر الباحث صقر أبو فخر أنّ الدولة اللبنانية تعاطت منذ البداية مع المخيّمات كبؤر أمنية وليس كمشكلة سياسية واجتماعية خلفتها النكبة. إذ كان ممنوعًا على الفلسطينيين حتى الاستماع إلى إذاعة صوت العرب أو حتى بناء حائط يتكئون إليه. ولم يتغير الوضع إلا عندما انتفضت المخيمات وطردت القوى الأمنية المتمثلة بالمكتب الثاني، حيث ترافق ذلك مع احتضان اليسار اللبناني للعمل الفدائي الفلسطيني[2].

 

الآفات الاجتماعية

لا توجد احصائيات دقيقة تظهر بوضوح حقيقة الآفات الاجتماعية المنتشرة في المخيمات وذلك بسبب قلة الاهتمام وعدم توفّر الاختصاص. كما أن التقاليد المتّبعة وضعف سلطة القانون وغياب المرجعية الرسمية تجعل من الوقوف على حقيقة هذه الآفات أمرًا صعبًا. كما ويفتقد المجتمع الفلسطيني في لبنان إلى مراكز للتأهيل الاجتماعي، ومراكز لأنشطة الشباب وللنوادي الرياضية والكشفية، ولبرامج تأهيل المعاقين والمرأة ومحو الأمية ومكافحة المخدرات ورعاية الأيتام والمسنين.

وأنشأت بعض المؤسسات الأهلية مراكز تأهيلية في بعض المناطق ونظّمت برامج لمحو الأمية وزيادة الوعي الثقافي والصحي، لكنها ظلت أقل من الحاجة. أما الاونروا فإنها تدير مركزًا واحدًا لأنشطة الشباب عدد المشاركين فيه 101، وتوفر رعاية للمعاقين والمرأة وتنظم دورات للتدريب على المهارات والإنتاج ولكنها تظل دون الحاجة.

 تكثر في مخيم مار الياس المراكز الاجتماعية والحقوقية التابعة لمؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني، وذلك بسبب قربه من وسط العاصمة اللبنانية بيروت، هذه المؤسسات لها دور فاعل في خدمة اللاجئين وتنشيطهم وحثهم على المشاركة في الأنشطة الوطنية والمطلبية من اعتصامات واحتجاجات وغيرها هذا بالإضافة إلى وجود أعداد كبيرة من الأجانب الذين يعيشون في بيوت مستأجرة بسبب قربها من أماكن عملهم داخل العاصمة بيروت خصوصا أن إيجارات هذه المساكن يعتبر بسيطاً جدا بالمقارنة بأسعار السكن داخل العاصمة

 

[1]المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد)

[2]السفير صوت الذين لا صوت لهم