الواقع السكاني - مخيم البرج الشمالي / مخيم الشهداء
نمط السكان في مخيم البرج الشمالي :
يعتبر نمط السكن في مخيم البرج الشمالي من النمط العشوائي الذي يقوم الأهالي أنفسهم بتخطيطه وتشييده، ويقع في أدنى مراتب الإسكان،ويقوم على أساس اجتهادات شخصية في التخطيط والتصميم والبناء.
أثناء التجوال في أحياء المخيم تعترضك المباني المتراصة والمتراكمة على بعضها والتي تشبه “علب الكبريت” حيث تفتقد الى أسس ومقومات العيش، فمعظم هذه البيوت تفتقر الى التهوية الصحيحة نظراً لأن المبنى الواحد يحيط به المباني من ثلاث جهات مما يجعل مسألة دخول الشمس والتهوية الطبيعية أمراً في غاية الصعوبة.
إن التزاحم الشديد للمباني وعدم ترك فراغات أدى إلى فقدان الخصوصية وزيادة درجة التلوث السمعي والبصري.
أضف الى ذلك أن معظم هذه البيوت أصبحت تشبه الكهوف والملاجئ من الداخل نظراً لعدم دخول الشمس وضوء النهار لها، كذلك الرطوبة العالية التي تعاني منها هذه البيوت.
مخيم البرج الشمالي يعاني معاناة صعبة ومأساة حقيقية للغاية، فمن خلال المعايير الهندسية للبناء،يحتاج كل منزل للإشعاع الشمسي، وهو الحصول على أعلى شعاع شمسي شتاءً وأقله صيفاً، وهذا له نتائج صحية وبيئية، فما بالك بمنازل لا ترى أشعة الشمس، هناك ما يسمى بالمحور الطولي للمبنى الذي يجب أن يكون موجهاً للشمال والجنوب، وهذا يوفر ما يقارب 30% من الطاقة الحرارية للمنزل صيفاً و 15% من الطاقة الحرارية للمنزل شتاءً، لذلك من الضرورة دخول أشعة الشمس بشكل مباشر لمدة لا تقل عن ساعة واحدة يومياً لفترة لا تقل عن 10 أشهر سنوياً،
وهذا ينعدم في 70% من المنازل في المخيم، كذلك فإن الاكتظاظ السكاني وانعدام التراجع بين المنازل الذي يجب أن لا يقل عن مترين بين المنزل والآخر، يسهم في عدم وصول الاشعاع الشمسي الى المنازل هناك معيار آخر هو “التهوية”، فعند البناء يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار أن مساحة النوافذ القابلة للفتح يجب أن لا تقل عن 5% من كل حائط ، فكيف بحيطان متراصة متقاربة جداً.
أضف الى ذلك، معيار حجب الضوضاء والعزل الصوتي، وذلك من خلال بناء عوازل بين الجدران،وهذا المعيار غير مأخوذ بالحسبان أثناء بناء البيوت نظراً لضعف القدرة الاقتصادية، مما يجعلك تشعر بأن الجيران يسكنون معك في نفس المنزل، وبالتالي غياب الخصوصية التي ينبغي أن تتمتع بها كل عائلة.
وفيما خصّ معيار “الحماية من الحريق” التي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار عند الشروع في بناء المنازل، فبعض المنازل قد تكون ملاصقة للبساتين، ما يعرض بعضها الى حرائق نتيجة اشتعال النيران في الأشجار اليابسة وامتدادها الى المنازل الملاصقة، وهذا قد يحدث للمنازل على أطراف المخيم التي هي غير مجهزة أساساً بنظام حرائق. فكيف إذا كانت بعض الأبنية تمر من خلال شُرفاتها كابلات الكهرباء الأساسية،التي تربط أعمدة الكهرباء ببعضها.
أما بالنسبة لإطلالة البناء،فالمباني بحاجة أن تُطل على منظر طبيعي ما يساعد على الراحة النفسية،وهذا ما ينعدم تماماً في المخيم،فكل مبنى في المخيم يُطل على مبنى آخر ملاصق له،فلا مناظر طبيعية سوى كتل إسمنتية متراصة تحجب الرؤيا وتسبب الضيق والتوتر.
كذلك هناك معايير لتصميم المنزل من الداخل، فلو أردنا تصميم منزل ل6 أشخاص، كان حصة كل من:غرفة الجلوس 24 متر، مدخل 9 متر، مطبخ 20 متر، حمام 10 متر، غرفتي نوم 40 متر،أي أن مساحة المنزل يجب أن تكون ما يقارب ال 100 متر،وهذا ما لا يتوفر غالباً في معظم مساكن المخيم التي هي أشبه بـ “علبة الكبريت، إن معظم الأبنية في المخيم تفتقر إلى مقومات السكن اللائق التي نصت عليها كل العهود والمواثيق الدولية، من ضرورة تمتع الإنسان بسكن لائق يضمن له حياة لائقة.
الحق في السكن:
يتجاوز مفهوم الحق في السكن الملائم الغرفة ذات الجدران الأربعة والسقف الذي يغطيها لحماية قاطنيها، إلى مضمون أوسع وأشمل وهو مرتبط أساساً بالكائن البشري باعتباره أحد العناصر الأساسية لكرامة الإنسان.
لا يمكن بالتالي أن نفهم هذا الحق باقتصاره على توفر الجدران الأربعة للغرفة والسقف لتحل مشكلة السكن ، ورغم الأهمية الحيوية لهذه الجوانب غير أن الحق في السكن الملائم يأخذ أبعاداً أخرى مختلفة، ويتجاوز كثيراً هذه النظرة التقليدية. فالمسكن هو المكان الذي يقضي فيه الإنسان معظم وقته ومنه ينطلق للعالم وللبيئة المحيطة ، والحق في السكن هو حق عالمي وجزء من القانون الدولي لحقوق الانسان، وقد تم تفسيره وتحديد أبعاده كونه حق كل إنسان في مكان يضمن له العيش بكرامة وأمان، وبما يضمن له خصوصية وبناء علاقات عائلية واجتماعية ، فالمادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان نصّت على “أن لكل شخص الحق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهية له ولأسرته وخاصة على صعيد المأكل والملبس والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية”.
والمادة 17 من الإعلان نفسه نصت بأن “لكل شخص حق التملك بمفرده أو الاشتراك مع غيره، كذلك لا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفاً”.
وللطفل الحق في قدر كاف من الغذاء والمأوى واللهو والخدمات الطبية، ويُعرف السكن الملائم بأنه ذلك السكن الذي يتضمن قدراً مناسباً من الخصوصية والمساحة الكافية والأمان والإضاءة والتهوية والبنية التحتية الأساسية والحماية الكافية من كل ما يُمكن أن يهدد سلامة السكان مثل البرد والمطر والصواعق والحرارة والرياح والرطوبة والحرائق وما الى ذلك. وهذا ما لا يتوفر في معظم منازل المخيم.
واقع التعدي على الطرقات العامة والبناء العشوائي:
نظراً لضيق المساحة الجغرافية التي يقع عليها مخيم البرج الشمالي، والاكتظاظ السكاني الهائل داخل المخيم، والحاجة الى مزيد من المساحات لتوسعة المنازل التي ضاقت بأهلها، أصبح التعدي أمراً واقعاً ومفروضاً في المخيم، فخلال جولة ميدانية في أحياء المخيم، يصادفك درج ممتد في الأزقة خارج حدود المنزل الأصلية نزولاً الى مساحة مقتطعة من الطريق، وقد يفاجئك أنّ الزقاق الذي كان يمتد بعرض 2 متر أصبح لا يتعدى عرضه في أوسع نقطة له 80 سم مع إضافة درج صغير هنا أو عامود هناك لتقوية ودعم أساسات المبنى.
كما أن بعض الأزقة التي كانت منذ سنوات متسعة، أصبحت ضيقة وكأنها أنفاق لا يُرى من خلالها ضوء الشمس، بسبب أصحاب البيوت الذين اعتدوا عليها بإقامة أسقف تمتد خارج حدود منازلهم قد تصل أكثر من متر. في حين أن الساحة التي كان يلعب بها الأطفال منذ زمن بعيد، أصبحت ذكرى أو بقايا ساحة، فقد امتدت اليها يد الإنسان وحولتها الى جزء من غرفة نوم هنا، أو جزء من مطبخ هناك .
أما بالنسبة للشوارع والطرقات العامة في المخيم فحدّث ولا حرج، فبعد أن كانت شوارع المخيم متسعة، “ضاقت بها السبل”، وأصبحت معظمها أملاكاً خاصة للقاطنين بجوارها من منازل ومحلات، حيث يفاجئك درج ممتد في أجزاء من شارع المخيم الرئيسي، بجانبه درج لمنزل آخر انتهز فرصة عدم مساءلة جاره فامتد بدرجه هو أيضاً، وعلى بعد خطوات تلحظ دكاناً، وضع صاحبها براداً للمشروبات خارج حدود دكانه مستأصلاً مساحة من الشارع لبرّاده، وبجواره صاحب دكاناً آخر لم يكفه وضع البضاعة أمام دكانه بل تعدى ذلك الى الجهة الأخرى من الشارع واضعاً الجزء الأكبر من البضاعة فيها.
يفاجئك أحد اللاجئين بوضع برميلٍ أو دولابٍ بجانب منزله أو دكانه، باعتبار أن هذا الجزء من الشارع هو ملك شخصي له، وآخر بزرع عوائق حديدية أمام منزله لضمان موقف لسيارته متيقناً أن هذا المكان حق مكتسب له، وآخر ترك سيارته المهترئة مكانها لأشهر أو لسنوات في الشارع العام للحفاظ على الموقف الذي اعتبره ملكه الخاص ريثما يستملك سيارة أخرى ويضعها مكان القديمة.
كل هذه الأشكال من الاعتداءات أدّت الى بروز مشكلة حقيقية أثناء تنقل الأفراد والسيارات داخل المخيم، وخلق أجواء متوترة ومشحونة لا سيما عندما يكتظ الشارع بالسيارات،فتستهلك عملية تسيير السير أوقاتاً كثيرة مع ما يرافقه من توترات.
أهم المشاكل الموجودة في المنازل :
أهم المشاكل التي وجدت في المنازل كانت الرطوبة، النش، الدلف تشقق الجدران، سقوط قطع اسمنتية من السقف أو الجدران عدم وجود حمام داخلي،عدم وجود مغسلة مجلى،وعدم صول إضاءة طبيعية كافية للمنزل، التهوية الضعيفة.
المشاكل في البناء يترتب عليها بالتأكيد آثار خطيرة على صحة الأفراد المقيمين في هذه المنازل،من جهة أخرى تجدر الإشارة إلى أن مساحات المساكن تبقى صغيرة بالنظر إلى معدل عدد افراد الأسر (5) افراد،فالمساكن التي تتراوح مساحتها بين 40 و 70 متر مربع تمثل 30% ونفس النسبة تمثلها المساكن ذات المساحة المتراوحة بين 70 و 100 متر مربع.
وهناك المساكن التي تقل مساحتها عن 40 متر مربع،فتصبح ثلاثة أرباع الأسر المخيم تقريبا تسكن في مساكن مساحتها أقل من 60 متر مربع
عدد السكان:
عدد الأسر في المخيم انتقل في 15 سنة الاخيرة من 2400منزل إلى3800 منزل سنة 2009، أي بإضافة تتجاوز 1300 أسرة جديدة في حاجة إلى مسكن.
وذلك نتيجة حالة الاستقرار التي تعيشها مخيمات منطقة صور بعد الاجتياح الصهيوني عام 1982م وانتهاء حرب المخيمات.