الطبريات... بلدة سورية غائبة عن أقلام المؤرخين وحاضرة في قلب كل من عرفها وزارها

الطبريات... بلدة سورية غائبة عن أقلام المؤرخين وحاضرة في قلب كل من عرفها وزارها

الطبريات... بلدة سورية غائبة عن أقلام المؤرخين وحاضرة في قلب كل من عرفها وزارها

دمشق / خاص: رشا السهلي

من العاصمة السورية دمشق انطلق فريقنا منذ ساعات الصباح الأولى نحو محافظة درعا جنوباً وبمسافة تقدر بحدود 20 كم عن مركز مدينة درعا، اتجهنا غرباً حيث وصلنا لبلدة تعرف باسم الطبريات.

وهي بلدة سوريّة غربي مدينة درعا وعلى الشريط الحدودي الفاصل بين سورية والأردن، ومن الطبريات شاهدنا مرتفعات الجليل الفلسطينية واستنشقنا هواء بلادنا الذي حُرِمنا منه منذ سبعة عقود.

بتواضع سهل حوران وأصالة أهله استقبل الحوارنة إخوانهم الفلسطينيين منذ عام 1948، والتحق بهم من هُجِر من الجولان من فلسطينيين وسوريين على خلفية حرب الخامس من حزيران عام 1967، فتقاسموا معاً لقمة العيش وشربة المياه وحتى المصير المشترك من ظلم فرضه نظام آل الأسد على محافظة درعا، فلم يرحم سورياً أو فلسطينيناً هناك.

ربما لن تحتاج أن تسأل أبناء درعا والتجمعات الفلسطينية فيها عن مراحل الظلم التي فرضها النظام عليهم طيلة فترة الثورة السورية، بل سترى حجم الكارثة والظلم في أزقة المدينة ومبانيها وشوارعها، وحتى في ضحكات أطفالها الذين أنهك الظلم برائتهم.

حاولنا جاهدين العثور على معلومات وصور دقيقة عن تجمع الطبريات من المواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي، وللاسف لم نحصل على المعلومات التي نريد، فزار فريقنا المكان ووثق معالمه واستمع لرويات أبناءه، وكانت هذه المادة التي عززها بدقة كل معلومة الأستاذ والمربي الفاضل "فايز الربيعي- أبو خالد"، الذي استضافنا في منزله الكريم ولم يبخل علينا بأي معلومة تفصيلية عن الطبريات السورية وقريته وادي حنين الفلسطينية فله منا ومن فريقنا كل التقدير والاحترام.

بداية الاستقرار في الطبريات

كانت مجموعة من الأراضي السورية غربي مدينة درعا ملكاً لبعض الأثرياء الدمشقيين والدرعاويين، وكان من بين مجمل الأراضي التي يمتلكونها هناك بعض مئات الدونمات في منطقة الطبريات التي كانت آنذاك مجرد أراضٍ زراعية ولايوجد فيها منازل سكنية وكانت هذه الأراضي ملكاً للشركة التي يملكها الثري الدمشقي السيد "سليم الخولي"، كان أبناء وادي حنين الذين لجؤوا لسهل حوران منذ عام 1948 يعملون في الزراعة كما كانوا في قريتهم الفلسطينية حتى عام 1948، ولكن رغبةً منهم بزيادة الدخل قرر بعضهم شراء أراضٍ زراعية في منطقة الطبريات، وبالفعل تم ذلك وقدرت مساحة الأراضي التي اشتروها بحدود 400 دونم، وقد لجؤوا لتسجيل ملكية هذه الأراضي بأسماء زوجاتهم السوريات كون اللاجئ الفلسطيني لايستطيع التملك بحسب القانون السوري.

وفي لقاء حصري أجراه فريقنا مع الحاج الأستاذ "سلمان العوضي" أن صلة القرابة بين أبناء قرية وادي حنين وبعض العائلات والأنساب في محافظة درعا السورية كانت سبباً في قدومهم إلى سورية واستقرارهم فيها بعد أن استقروا في الأردن عدة أشهر بعد تهجيرهم من قريتهم.

في بادئ الأمر كان أبناء وادي حنين يعملون في الأراضي الزراعية في الطبريات ويعودون مساءً للمبيت في منازلهم التي كانوا مستقرين بها في تل شهاب، بمرور السنوات القليلة التالية بدؤوا ببناء منازل لهم في الطبريات، وازداد عدد المنازل بمرور السنوات تقدر المساحة المبنية اليوم بحدود 170 دونم من مجمل المساحة بحدود 150 منزل حالياً، فاستقروا هناك وبدء عدد منازل القرية يزداد تدريجياً بمرور الوقت، كما التحق بأبناء وادي حنين الفلسطينية بعض أبناء القرى والبلدات السورية.

وعن سبب تسمية الطبريات بهذا الاسم يقول الأستاذ "فايز الربيعي" أنه ربما تم تسمية المكان بهذا الاسم نسبةً لمدينة طبرية الفلسطينية التي تقع على مسافة لاتزيد عن 29 كم عن بلدة الطبريات وربما هذا هو سبب التسمية.

مصادر المياه

كانت منطقة الطبريات تصلها مياه الري والشرب من بحيرة المزيريب عبر قنوات ري قديمة يعود تاريخها لزمن الانتداب الفرنسي، كانت غزارة المياه في ذلك الحين لاتحتاج أية مضخات كي تصل الطبريات، ولكن منذ العام 2000 إلى اليوم يزداد شح المياه عاماً بعد عام، بسبب زيادة عدد السكان في المناطق التي تمر منها القناة، بالإضافة لكثرة حفر الآبار الجوفية خلال فترة الثورة السورية منذ عام 2011، الأمر الذي أدى لانخفاض منسوب مياه البحيرة بشكل كبير، واليوم تعاني الطبريات من مشكلة شح المياه، خصوصاً وأنها منطقة زراعية، وهذا ما يفاقم المشكلة ويزيد خطورتها.

الحدود وأهمية الموقع

تتوسط بلدة الطبريات القرى والبلدات التالية:

  • قرية العجمي شمالاً.
  • بلدة تل شهاب شرقاً ومن الشمال الشرقي.
  • الأراضي الأردنية جنوباً إلى الجنوب الغربي.
  • بلدة زيزون غرباً إلى الشمال الغربي.

على جمال موقع الطبريات إلا أن بعض هذه التفاصيل قد تكون سبباً من أسباب خطورة المكان وحساسيته، ومن أسباب أهمية موقع الطبريات النقاط التالية:

  1. تبعد مسافة أقل من 800 م عن الحدود الدولية بين الأردن وسورية.
  2. تبعد الطبريات مسافة 29 كم عن بحيرة طبرية الفلسطينية.
  3. على مسافة أقل من 14 كم عن خط وقف إطلاق النار المتفق عليه عام 1974، وبالتالي قرى الجولان المحتلة أقرب إليها من مركز مدينة درعا، وهذا مايجعل موقع الطبريات هاماً وخطراً في ذات الوقت.
  4. تبعد بحيرة المزيريب عن مركز الطبريات مسافة أقل من 7 كم شرقاً، ومسافة أقل من 3 كم عن شلالات تل شهاب أيضاً من جهة الشرق إلى الجنوب الشرقي.

البنية الديموغرافية في الطبريات

قدر عدد أبناء العائلات الذين استقروا في الطبريات بدايةً بحدود 50 نسمة[1]، واليوم يقدر عدد سكان البلدة بـ 1350 نسمة[2].

يتوزع عدد أبناء البلدة بين فلسطينين أصولهم تعود لقرية وادي حُنَين قضاء الرملة، أما السوريين فتعود أصولهم إلى عشائر محافظة القنيطرة وتحديداً عشيريتي الخوالد والنعيم، كما تنحدر بعض العائلات من بلدة طفس المجاورة.

ومن أسماء العائلات السورية والفلسطينية في بلدة الطبريات ذكر لنا الأستاذ "فايز الربيعي" هذه العائلات:

  • عائلة الربيعي- فلسطينية
  • عائلة العوضي- فلسطينية
  • عائلة سنان- سورية
  • عشيرة بني خالد وبعض تفرعاتها وعائلاتها- سورية
  • عشيرة النعيمي وبعض تفرعاتها وعائلاتها - سورية
  • عائلة الحايك- سورية

النشاط الاقتصادي وسبل كسب الرزق

كما أسلفنا فقد كان اهتمام أبناء البلدة من فلسطنيين وسوريين يعتبرون الزراعة باب الرزق الأساسي الذي يوفر لهم قوت يومهم، سواءً أكان العمل بالزراعة بالأراضي التي يملكونها أو العمل في جني المحاصيل الموسمية وحصاد القمح مقابل أجر مادي في البلدات والقرى المجاورة.

لاحقاً عمل أبناء البلدة في أنشطة اقتصادية أخرى مثل التدريس، الأعمال والحرف والمهن اليدوية، وغيرها.

ومن أهم المحاصيل الزراعية التي كانت تزرع في الطبريات:

  • الحبوب: قمح، شعير...إلخ
  • الأشجار المثمرة: اللوز، الدراق، الرمان، الزيتون، التين، ...إلخ
  • الأشجار غير المثمرة: الكينا، الحور، ويذكر لنا الأستاذ فايز الربيعي أن البلدة قبل عام 2011 كانت عبارة عن غابة من الأشجار دائمة الخضرة هذه.

 المرافق والمباني الخدمية في الطبريات

تعد الطبريات بلدة صغيرة بقيت مرتبطة خدمياً وإدارياً لفترة طويلة ببلدة تلشهاب المجاورة، ولكن بمرور الوقت وزيادة عدد السكان بدأت تستقل شيئاً فشيئاً من ناحية المرافق والمباني الخدمية وإن كان بعضها متواضعاً وتفتقر حتى اليوم لبعضها الآخر، ومن تلك المرافق:

أولاً- دور العبادة: يوجد في الطبريات مسجد واحد تم تأسيسه عام 1995، وجميع أبناء الطبريات من المسلمين.

ثانياً- المدارس والتعليم: قبل عام 1995 كان تلاميذ الطبريات يدرسون في مدارس تل شهاب والبلدات المجاورة، إلى أن أفتتح الحكومة السورية عام 1995 مدرسة ابتدائية واحدة في القرية ولاتزال قائمة حتى اليوم وهي مدرسة مختلطة للذكور والإناث.

أما في المراحل الإعدادية والثانوية والثانوية المهنية يقصد أبناء الطبريات مدراس البلدات المجاورة لاستكمال تحصيلهم العلمي فيها.

وفي المرحلة الجامعية يتوجه أبناء الطبريات نحو العاصمة دمشق للدراسة في جامعتها، وبعضهم يدرس في فرع جامعة دمشق في محافظة درعا.

ومن المهم التأكيد أن نسبةً كبيرة من أبناء التجمع الفلسطينيين درسوا في معهد دمشق المتوسط الذي ترعاه وكالة الغوث (الأنروا) باختصاصات متعددة.

ثالثاً- الوضع الصحي والمرافق الطبية: لايوجد في البلدة أي مركز صحي أو عيادة طبيب، سابقاً كان فيها عيادة للطبيب عبد الرحمن الربيعي، ولكنه انتقل إلى العاصمة دمشق، واليوم لايوجد في البلدة سوى صيدلية واحدة وفي حال احتاج المرضى من أبناء الطبريات لعيادة طبية يقصدون مدينة طفس أو مشفى في مدينة درعا.

رابعاً- الإدارة والمجلس المحلي: قديماً كانت البلدة تتبع إدارياً لمجلس محلي في تل شهاب، ومع سقوط النظام وإعداة تشكيل بعض البنى الإدارية في المحافظات السورية، تم تشكيل لجنة تنموية جديدة تشرف على أمور البلدة خدمياً وإدارياً.

مبدعين من أبناء وادي حنين وقرية الطبريات

من أبرز المبدعين من أبناء الطبريات فلسطينيين وسورييين:

  1. الأستاذ حسن محمد العوضي كان مدير مؤسسة للاجئين الفلسطينيين 
  2. الاستاذ سلمان محمد العوضي 
  3. المهندس اسماعيل محمد الربيعي 
  4. الاستاذ حسين عبد الهادي الربيعي 
  5. الطبيب عبد الرحمن الربيعي 
  6. المهندس نصر حسين الربيعي 
  7. المهندس محمد أحمد الربيعي 
  8. المهندس الدكتور يوسف خليل الربيعي 
  9. المهندس مروان حسن العوضي
  10. المهندس تيسير حسن العوضي 
  11. المحامي بلال عطيه العوضي 
  12. المهندس فراس عماد العوضي
  13. الأستاذ فؤاد احمد الربيعي 
  14. الأستاذ فايز احمد الربيعي 
  15. الأستاذ محمود احمد سنان 
  16. الأستاذ عبدالباسط سنان
  17. الصيدلانية رنا فايز أحمد الربيعي 
  18. الطبيب عبد الرحمن الربيعي كان مدير مركز صحي في وكالة الغوث
  19. الدكتور زكي عبد الحميد العوضي 
  20. الدكتوره أحلام زكي العوضي 
  21. الدكتور وسيم العوضي 
  22. الدكتور محمد زكي العوضي 
  23. الدكتورة ليندا زكي العوضي
  24. المهندس حسان تيسير العوضي 
  25. المهندس خالد نصر الربيعي 
  26. المهندسه لمى نصر الربيعي 
  27. المهندس عدنان عبد الرحمن الربيعي 
  28. المهندس عمر عبد الرحمن الربيعي 
  29. المهندس يزن زياد الربيعي 
  30. المهندسه علا زياد الربيعي 
  31. المهندس عبد الحميد العوضي 
  32. المهندس أحمد محمد الربيعي 
  33. الأستاذ أحمد فؤاد الربيعي 
  34. المهندس معاذ سميح الربيعي 
  35. المهندس مجد نبيل الربيعي 
  36. الأستاذ سمير سميح الربيعي 
  37. الآنسة ولاء جهاد الربيعي 
  38. الآنسة دعاء جهاد الربيعي 
  39. الآنسة براءة عمار الربيعي 
  40. الآنسة بتول فواد الربيعي 
  41. الآنسة تسنيم فواد الربيعي 
  42. المهندس محمد فايز الربيعي 
  43. الممرض محمد عمر العوضي 
  44. الاستاذ سامي عمر العوضي 
  45. المهندس طارق ياسر العوضي
  46. الأستاذ محمد جهاد الربيعي 
  47. الدكتور أيمن محمد الربيعي طبيب الأسنان 
  48. الممرض منذر إياد الربيعي

ويوجد الكثير من أبناء الطبريات يعمل في التجارة في دول الغربة، ويوجد بها كثيراً ممن تخرج من الجامعة ومنهم من لم يكمل دراسته الجامعية بسبب الحرب، ومن شباب وبنات الطبريات الذين كانوا يدرسون في الجامعات والمعاهد فمنهم لم يكمل دراسته ومنهم من تخرج.

شهداء من الطبريات

لم تكن الطبريات بمنأى عن الأحداث التي جرت في محافظة درعا وسورية عموماً منذ عام 2011، وقد طال إجرام نظام الأسد بلدة الطبريات وأبناءها، وقدم الطبريون من سوريين وفلسطينيين ثله من الشهداء والجرحى في الثورة السورية منهم: 

  1. الشهيد أسامه سلمان العوضي 
  2. الشهيد خالد فايز الربيعي 
  3. الشهيد ياسر حسين الربيعي 
  4. محمد أمين حسين الربيعي 
  5. الشهيد رامي عبد الهادي الربيعي 
  6. الشهيد معتصم محمد العوضي 
  7. الشهيد بكر سمير العوضي 
  8. الشهيد ناصر أحمد الربيعي 
  9. الشهيد إياد سليمان العوضي
  10. الشهيد وليد سليمان العوضي 

ومن الجرحى 

  1. حسن مروان العوضي 
  2. باسل اسامه العوضي 
  3. بشار اسامه العوضي

على الرغم من أن جولتنا في الطبريات استمرت ساعات طويلة تخللها عشرات الأسئلة والنقاشات حول تاريخ البلدة وواقعها الحالي إلا أننا شعرنا بأن هذه البلدة كما غيرها لم تنال حقها من التوثيق والكتابة عنها، للأسف كما هو حال مئات القرى والبلدات السورية وكذلك التجمعات الفلسطينية في سورية التي هُمِشتَ حتى من عرض بعض الصور لها على مواقع التواصل الاجتماعي، على أن الطبريات تمتلك مميزات جيواستراتيجية كبيرة إلا أنها لاتزال بلدة بعيدة حتى عن أقلام الصحفيين والكتاب والباحثين، وهنا نتساءل هل هذا الإهمال يعود لطبيعة الفساد الذي كان سائداً في "جمهورية نظام الأسد" أم أنه كان إهمالاً متعمداً لنسيان أبسط الحقوق التي يجب أن يحصل عليها المواطن السوري في درعا واللاجئ الفلسطيني النازح من الجولان المحتل إلى تلك المنطقة.

 

[1]: العدد بحسب روايات أبناء البلدة وتقديرهم للعدد عام 1970.


[2]: العدد هذا قدر عام 2025 من قبل اللجنة التنموية في مخيم درعا التي تم تشكيلها بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024، وهو إحصاء شبه رسمي يستند أيضاً لتقديرات أبناء البلدة انفسهم. 



تصدير المحتوى ك PDF

مقاطع فيديو


إضافة محتوى