رواية من المخيم - مخيم عين عريك


يتذكر رباح موسى (أبو ناصر - 65 سنة) من البرية بداياته في المخيم حيث يعود بذاكرته إلى أيام الطفولة قائلاً بألم مَن أَعيته الغربة والسنون: كنت طفلاً صغيراً حين دخلنا مشردين قرية نعلين ثم المزرعة الغربية ثم بيت عور الفوقا بحثاً عن المكان المفقود إلى أن استقر بنا المقام في عين عريك سنة 1952، حينها سكنّا بيوتاً مسقوفة بجذوع الشجر والقش المخلوط بالطين، لقد كانت الفئران والأفاعي تسرح وتمرح على تلك الأسقف، لدرجة أنها سقطت أكثر من مرة في صحن الدار محدثة بيننا فزعاً رهيباً، كانت حياة بؤس وشقاء وفقر بكل معنى الكلمة، لم نكن نعرف حمّاماً داخلياً في بيوتنا، بل كانت الناس يقضون حاجاتهم في الخلاء وتحت الشجر ليلاً.

ويواصل شهود مرحلة التأسيس لهذا المخيم تقديم شهاداتهم، فالحاجة مريم منصور(76 سنة) من أشوع التي خرجت كآلاف اللاجئين من قرية زوجها عسلين ولم يتعدّ عمرها آنذاك خمس عشرة سنة، تقول: عشية النكبة لم نكن نشعر بالأمان، كنا نخرج في الليل إلى الجبل ننام تحت الزيتون، وفي النهار نعود إلى القرية، حينها سمعنا عن مجزرة دير ياسين، فقرر أهل القرية الخروج خوفاً على الأرواح والأعراض، توجهنا إلى راس أبو عمار ودير الهوى، ومنها رحلنا إلى بيت ساحور فالعيزرية فأريحا، وهناك كان لدي بنت كادت تموت من الحرّ، فقررنا الخروج إلى مخيم عين عريك حيث سبقنا والداي وأهلي، وعندما وصلنا إلى عين عريك شجعَنا على البقاء فيها وجود ينابيع المياه الوفيرة، وعندها مكثنا في سقائف أشبه بالطوابين يعلوها النتش المخلوط بالطين والشِّيد.. بقينا هكذا إلى أن بنت الوكالة لعائلتنا الكبيرة غرفتين متواضعتين بقينا فيهما إلى أن منّ الله علينا فهدمناهما وبنينا مكانهما في السبعينيات ما هو أكثر أمناً.

وتلتقي روايات الشهود وتتشابه، فالحاجة مريم جابر (81 سنة) من عنابة، خرجت منها متزوجة ليستقرّ بها المقام في أريحا قبل أن تعود وزوجها أدراجهما نحو مخيم عين عريك حين سمعا عن توافر فرص أقل سوءاً للعيش. تستذكر الحاجة جابر مبيتهم ليالي كثيرة قبل يوم التهجير خارج القرية في السهل وفي الوعر، حيث كانوا يعودون إلى القرية مع طلوع شمس اليوم التالي خوفاً من مباغتة اليهود القرية ليلاً كما حصل في دير ياسين، وبالفعل لقد دخل اليهود القرية ليلاً وأخذوا يطلقون النيران في كل اتجاه، ما دفعنا إلى الهروب بأطفالنا ونسائنا ومن بقي من رجالنا.

وما زالت الحاجة مريم عيّاد تتذكر كيف كان المسلحون المجاهدون من الرجال يسهرون على أمن البلد في غياب الجميع عنها ليلاً، فقد كان كلّ بيت يستبقي شاباً مسلحاً للدفاع عنها في وجه العصابات الصهيونية في حال مباغتتها القرية، وفي هذا الإطار بقيت الحاجة عياد تفاخر بزوجها وتتندر؛ إذ باع ذهبها في عنابة كي يشتري بندقية للدفاع عن القرية حيث كتب لها الأهل مقابلها قطعة أرض مزروعة، فذهبت الأرض وذهب الذهب كما تقول.

تؤكد المرأة العجوز شهادتها على بدايات المخيم، حين تؤكد أنها وأهلها سكنوا المغاور وبنوا سقائف من حجارة وطين بعد أن مكثوا سنتين تحت الخيم والشوادر، حيث بنوا بعدها سقائف أكبر قبل أن تأتي الوكالة لتبني لهم غرفاً من طوب هدموها لاحقاً بعدما تحسنت الأحوال.