فلسطين تسكن فينا .. حين تعجز الإبادة عن قتل الروح

فلسطين تسكن فينا .. حين تعجز الإبادة عن قتل الروح

فلسطين تسكن فينا .. حين تعجز الإبادة عن قتل الروح

فلسطين تسكن فينا: حين تعجز الإبادة عن قتل الروح

بولندا 

الكاتب: عمر فارس 

منذ أكثر من ثمانية عقود، يعيش الشعب الفلسطيني تحت ضغط مستمر لمخططات استعمارية تهدف إلى اجتثاثه من أرضه، وتفريغه من تاريخه، ومحو روايته. غير أن ما نشهده اليوم في غزة والضفة والشتات، ليس مجرد تصعيد دموي أو موجة عنف عابرة، بل هو الوجه الأوضح لما يمكن وصفه بـ"حرب إبادة شاملة" تُمارسها الحركة الصهيونية عبر أداتها الاحتلال الإسرائيلي، في محاولة أخيرة لتصفية القضية الفلسطينية من جذورها، جسديًا، قبل أن تُصفّى سياسيًا.

لكن رغم شراسة النار وتواطؤ الصمت، تبقى الحقيقة الأهم: لقد فشل المشروع الصهيوني في تحقيق هدفه الأهم، وهو أن ينسى الفلسطيني فلسطين.

ثمانون عامًا من المجازر، والتهجير، وتزييف الوعي، وتقطيع الأوصال، وسرقة الأرض، وفرض المناهج، وملاحقة اللغة، والرمز، والمقاومة، لم تفلح في نزع "فلسطين" من روح الفلسطيني. كل جيل جديد وُلد في ظل النكبة أو ما بعدها، جاء أشد تمسّكًا وأوضح وعيًا بقضيته، كأن ذاكرة الأرض تسري في دمه.

الصهيونية التي بُنيت على فكرة "شعب بلا أرض لأرض بلا شعب"، أدركت متأخرة أن هذه الأرض ليست فقط مسكونة بأهلها، بل إن أهلها هم أنفسهم مسكونون بها. فلسطين ليست وطنًا يُسكن، بل وطنٌ يسكنُ الإنسان الفلسطيني، يحملها معه حيثما حلّ، في صلاته ولهجته وثقافته، في الأغاني والحنين، في أسماء أطفاله ورسائل أسره.

حين تفشل قوى مادية مدججة بالأسلحة، والدعم الدولي، والتفوق التكنولوجي، في كسر إرادة طفل لاجئ يعرف اسمه وقريته التي لم يرها إلا في الصور، فاعلم أن هناك شيئًا أعمق من السياسة والمقاومة؛ هناك هوية وجودية لا تموت.

العدو يدرك ذلك، ولذلك يُصعّد. حين تعجز عن قتل الروح، تحاول قتل الجسد. حين تفشل في محو الذاكرة، تحاول إحراق الذاكرين. لهذا تُستهدف غزة بكل عنفها، ولهذا يُطارد اللاجئون في لبنان وسوريا، ويُحاصر الفلسطيني في الداخل المحتل، ويُمنع اللاجئ من العودة حتى في أحلامه.

لكن الفلسطيني، المولود في المخيم أو في أوروبا، في الشتات أو تحت الركام، ينهض في كل مرة، حاملاً معه وطنه في قلبه، كأنما يقول: قد تأخذون الأرض، لكنكم لن تخرجونا منها.

لقد كانت النكبة جسدية، أما النكسة فكانت سياسية، واليوم نحن أمام محاولة روحية شاملة لقتل المعنى الفلسطيني. لكنّ المعنى أقوى من الرصاصة، وأصدق من البروباغندا، وأبقى من أي نظام قمعي.

ما يجب أن نفهمه في هذا الزمن الصعب، أن الوجود الفلسطيني لم يعد مجرد صراع على جغرافيا، بل هو معركة على معنى. والذين يسقطون اليوم شهداء في غزة، لا يدافعون فقط عن حياتهم، بل عن حقّهم في أن يكونوا، أن يتذكروا، أن ينتموا، وأن لا تُمحى قصتهم.

فلسطين لن تُمحى، لأنها محفورة في ذاكرة من لا ذاكرة لهم سوى هي. لأنها تعيش فينا.



تصدير المحتوى ك PDF

إضافة محتوى