المخيم الفلسطيني بين الواقع والتغطية

المخيم الفلسطيني بين الواقع والتغطية

المخيم الفلسطيني بين الواقع والتغطية

المخيم الفلسطيني بين الواقع والتغطية


عصام الحلبي


لا يظهر المخيم الفلسطيني في الإعلام اللبناني إلا حين يشتعل. لا تراه العدسات إلا من بوابة الرصاص والدخان. أما حين يهدأ ويعيش، حين يزرع أهله الأمل وسط ضيق المكان، تختفي الكاميرا، وتصمت الشاشة، وتُطوى القصص.


ما زالت المخيمات تُختزل إعلاميًا في صورتها الأمنية، وكأنها لا تنتج سوى التوتر. في التغطيات المتكررة، يتكرر السؤال ذاته، من أطلق النار؟ من يُسيطر؟ ما مستقبل السلاح؟ في المقابل، لا أحد يسأل عن الطالب الذي تفوّق، ولا عن الكاتبة التي نشرت كتابها الأول، ولا عن الفريق الرياضي الذي ينافس بلا ملاعب، ولا عن المعلّمة التي تُدرّس جيلًا كاملًا دون راتب مستقر.


بعض وسائل الإعلام اللبنانية خصّصت ساعات مطوّلة لمواكبة الاشتباك الأخير في مخيم عين الحلوة، بنقل مباشر وتفاصيل متلاحقة. لكن ما إن خفتت أصوات الرصاص، حتى خفتت معها كل التغطيات. لم يُرسل مراسل واحد ليسأل عن المبادرات الشعبية لترميم ما تضرر من المساكن، أو عن الأطفال الذين عادوا إلى مدارسهم وقد حملوا في عيونهم أكثر مما يحتمله عمرهم.


الإعلام، في كثير من تعاطيه مع المخيم، لا يروي ما يحدث بل يُكرّس ما يُتوقّع منه أن يحدث. يُعيد إنتاج النظرة المتوجّسة، النظرة التي ترى في المخيم تهديدًا كامناً، لا مجتمعًا قائمًا. يغفل تمامًا أن في المخيم شبابًا متعلّمين، وخريجين بلا عمل، ومثقفين بلا منبر، ومبدعين بلا منصة.


كما يتغافل عن أن المخيم ليس فقط مساحة جغرافية مهمّشة، بل عنوان وطني وسياسي، وهو قبل كل شيء عنوان دائم لحق العودة. لم يكن المخيم يومًا خارج فلسطين، بل كانت فلسطين فيه، حيّة في وجدان أبنائه، في أغانيهم وذاكرتهم ولهجتهم ولهيب حنينهم.


الصورة النمطية الأمنية التي يُقدّم بها المخيم ليست فقط مجتزأة، بل فيها قدر من الظلم المقصود. تُكرَّس هذه الصورة أحيانًا ضمن سياق يبدو وكأن فيه شبهة "شيطنة" للمخيم، لا عن جهل ، بل عن رغبة في دفعه إلى هامش المشهد، وفصله عن سياقه الوطني، وتجريده من دلالته السياسية التاريخية.


في مواجهة هذا التهميش، تحاول مبادرات فلسطينية فردية أو جماعية أن تروي حكاية مختلفة. يصوّر بعض الشباب يومياتهم بهواتف بسيطة، ينشرون قصصهم على صفحات إلكترونية، يوثّقون جداريات وأغانٍ وأحلام. لكنها محاولات لا تزال تصطدم بحواجز التجاهل.


المطلوب ليس أن يُجمّل الإعلام صورة المخيم، بل أن ينظر إليه بصدق. أن يراه كما هو: مكانًا للحياة، لا فقط للحوادث. أن يسمع الصوت قبل أن يسمع الصدى. أن يُنصف لا أن يُبرّئ، أن يُضيء لا أن يُخفي.


نحو إعلام يُنصف المخيم


أمام هذا الغياب المتعمد أو العاجز، تبرز الحاجة إلى إعلام بديل ومستقل، يُنصت لصوت المخيم لا لصدى الاشتباك. إعلام يحترم المخيم بوصفه شاهدًا على الظلم، لا كمتّهم دائم. إعلام يصنع روايته من الداخل، من الحارات والمقاهي والمدارس وورش العمل، لا من خلف الحواجز الحديدية أو نظارات ونظرات التوجس.


بهذا وحده يمكن للمخيم أن يستعيد مكانته كجزء فاعل من الحاضر، لا مجرد عبء من الماضي.



تصدير المحتوى ك PDF

إضافة محتوى