إذاعة الثورة في المنفى

كان الشعب الفلسطيني والشعوب العربية على موعد مع سماع صوت جديد.. صوت يمسح أصوات الهزيمة النكراء التي جرت في حرب حزيران العام ١٩٦٧، والتي يطلق عليها “حرب الأيام الستة”.. صوت انطلق بعد الانتصار الكبير في معركة الكرامة الخالدة التي حقق خلالها الفدائي الفلسطيني من ثوار حركة فتح مع الجندي الأردني، تحطيم مقولة؛ الجيش الذي لا يقهر، وعنجهية الجنرال دايان وزير الحرب الصهيوني الذي كان يعلق ساخرا ان فتح بيده كالبيضة يستطيع تحطيمها متى شاء
انطلق “صوت العاصفة” ليعلن على الملأ ان الشعب الفلسطيني الذي ادّعى جون فوستر دالاس وزير خارجية أمريكا في الخمسينات وكذلك جولدا مائير وقادة الكيان الصهيوني، ان كبار هذا الشعب سيموتون وان الصغار سينسون، اعلن صوت العاصفة ان هذا الشعب موجود ويقاتل ويدافع عن حقوقه المسلوبة بعد اخراجه من أرض وطنه وينتصر بعد ان قررت قيادة فتح انشاء اعلام ثوري يعلن الحقيقة ويطالب بحق الشعب الفلسطيني في العودة الى وطنه الذي هجّر منه واقامة دولته العتيدة.
بدأت الاذاعة بهذه الأصوات الجديدة بعد تدريب سريع وكانت أصواتاً مختلفة، وأداءً مختلفا عن سائر اذاعات العالم العربي واشتهرت بإذاعة البلاغات العسكرية وذلك لكثرة ما كان يقوم به الفدائي الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني من عمليات فدائية شبه يومية.
انجذب الشارع الفلسطيني والعربي الى هذا الصوت الجديد والى ما يصدر عنه والى اناشيد الثورة الرائعة والقوية والقصيرة بنفس الوقت.
توسّع العمل في الاذاعة الفتيّة، والتحق عدد من المحررين والشعراء والكتاب امثال الشاعر الكبير سعيد المزين “ابو هشام” ومحمد حسيب القاضي والمدرّس يحيى رباح، وثلّة جديدة من الاصوات الجديدة امثال بركات زلوم وعبد المجيد فرعوني وعارف سليم ويوسف أحمد رحمهم الله، وبعد ذلك نبيل عمرو ويوسف القزاز ومريد البرغوثي ثم عزمي خميس ورسمي ابو علي، وبعد ذلك تمّ رفد الإذاعة بالمرحوم احمد عبد الرحمن الذي تولّى الإذاعة في درعا فيما بعد، وزياد عبد الفتاح الذي تولّى وكالة الانباء الفلسطينية وفا فيما بعد..
كانت الإذاعة كحديقة الزهور بألوانها الجميلة، فكل واحد من العاملين فيها له لونه المميز وطابعه المختلف.
فالشعراء ينتجون الاناشيد الثورية.. كلّ باسلوبه، “فتى الثورة” سعيد المزّين صاحب نشيد انا يا اخي آمنت بالشعب المضيّع والمكبّل، وبلادي بلادي، يختلف عن اسلوب ابو الصادق الحسيني الشعبي واللهجة العامية يخاطب بها الصغير والكبير في شعبنا الفلسطيني مثل غزة يا غزّتنا يا مكوفلة بالنار، واسلوب محمد حسيب القاضي صاحب سنّوا عظامي سنوها سنوها سيوف وعبّوني قنبلة مولوتوف، ويا جماهير الأرض المحتلة وغيرها.
والكتّاب لهم اسلوبهم المختلف ايضا، ولكن ايضا كان الجميع يسلك درب المعلم والاستاذ فؤاد ياسين “ابو صخر”، وهو الجملة القصيرة والرشيقة التي تريح المذيع والسامع في نفس الوقت، وخاصة ما كان يطلق عليه في البداية المنطلقات الثورية بجملها القصيرة ومعانيها الكبيرة.
اما الملحنون فحدّث ولا حرج.. فهم عباقرة زمانهم سواء منهم الفلسطينيون أم المصريون بمصاحبة المايسترو ابو صخر “فؤاد ياسين” الذي كان يتابع كل شيء من القصيدة الى اللحن الى الكلمة الى الاداء الى صوت المذيع وكيف يخرج الكلمة وينطقها ليتلقاها المستمع بوضوح كامل.
تصدير المحتوى ك PDF