في ذكرى ميلاد راوية المخيم أحمد دحبور : العودة إلى رثاء غسان كنفاني

في ذكرى ميلاد راوية المخيم أحمد دحبور : العودة إلى رثاء غسان كنفاني

في ذكرى ميلاد راوية المخيم أحمد دحبور : العودة إلى رثاء غسان كنفاني

في ذكرى ميلاد راوية المخيم أحمد دحبور : العودة إلى رثاء غسان كنفاني 
عادل الأسطة  
في ٢٠  نيسان ١٩٤٦ ولد أحمد دحبور  في حيفا ، والمدهش أنه توفي في الثامن من الشهر نفسه  . كنا نتوقف أمام ولادة غسان كنفاني في العام ١٩٣٦ وتصيبنا الدهشة حين نعرف أنه استشهد عن ٣٦ عاما أيضا . والمدهش هذه المرة أيضا أن الشاعر الذي نشأ في مخيمات اللجوء وآثر أن يكون في باكورة شعره راوية المخيم  ، فكتب  :
" اسمع  - أبيت اللعن  - راوية المخيم  /افتح له عينيك وافهم :/هذي الصفائح والخرائب والبيوت/ فيها كبرت /
بها كبرت /وفوضتني عن جهنم  " 
المدهش أن ما نطق به جسده على أرض الواقع ، أيضا في نيسان ٢٠٠٢ ونيسان ٢٠٢٢  ، أبناء مخيم جنين  .
وأنا أفكر في الكتابة عن الذكرى الخامسة لرحيل أحمد انشغلت بالكتابة عن قراءة كنفاني في فلسطين التاريخية  ، مؤجلا الكتابة عن الرحيل إلى الكتابة عن الميلاد  ؛ ميلاد غسان وميلاد أحمد الذي ارتضى لنفسه منذ استشهد الأول أن يواصل رحلته في الكتابة كدليل ومحرض على بؤس واقع اللجوء ومواصلة رحلة الفلسطيني في ضرورة العودة إلى الوطن مهما كانت التضحيات  ، وهذا دفعني إلى إعادة قراءة قصيدتيه في  غسان  وهما  " الدليل " و" إنهم يقتلون حميدو  "  ، وقد كنت أتيت عليهما العام الماضي في مقالي " نيسان وبرقوقه وأدباء المقاومة " ( ١١ نيسان  ٢٠٢١ ) .
كتب أحمد قصيدته  " الدليل " في تموز ١٩٧٢ عام است. شهاد غسان  ، ولا أعدها شخصيا قصيدة رثاء مع أنه أهداها  " إلى دم غسان كنفاني  .. الدليل والمحرض "  ، فليس فيها من سمات قصائد الرثاء المتوارثة أية سمة  ، فلم يعدد فيها مناقب المرثي وصفاته  ، وإنما كتب فيها عن الأطراف التي تقتل الفلسطيني أو تسهم في قتله  :
" يكون لكم من الغازين أعداء ومن امرائكم أعداء 
يكون لكم من الصحراء رمل يهلك الأحشاء 
وحنجرة مطهمة مروضة بدينار 
يكون لكم دم في الماء  " 
ولا يضع ثقته إلا بالفقراء  ، فالأمراء ومن ركب المطايا الذين ناشدهم وافتخر بهم الشاعر القديم  " ألستم خير من ركب المطايا  ؟" لا يصل منهم سوى الصدى ، بل إنهم حين حارب الفلسطيني تدخلوا طالبين منه التوقف  ، وكانت النتيجة أن استدار الأعداء نحو الفلسطينيين  " ورموا بنا في الماء "  . لقد صار حال الفلسطيني حال سيف الدولة يحيط به الأعداء من كل جانب  ، وليس تصدير الشاعر قصيدته بقول المتنبي عبثا  " وسوى الروم خلف ظهرك روم  ، فعلى أي جانبيك تميل  " .
تظهر قصيدة " إنهم يقتلون حميدو " ( ٨ / ٧ / ١٩٨٠ ) صورة لغسان أكثر مما تبرزه الأولى  . وعلى الرغم من مرور  ٨ سنوات على استشهاده فلم يجف حبره ولم تستقر شظاياه على الأرض وما زال صوت الانفجار يفضي إلى النبض حتى ليقتبس الرعد مما يفيض به القلب  . القصيدة المخصصة للكتابة عن حميدو الفقير اللاجيء الذي كانت جدته تحدثه طفلا عن فلسطين أحب بلاده وحين كبر اختار فلسطين والبندقية فقتل  ، ولكن من قتله  ؟ ولماذا  ؟
" لا الصهاينة المجرمون  / ولا شركات الأذى  / إنهم أهله الأقربون  .. /  فلماذا يموت الفدائي ؟ / ولماذا يراق دمه على غير حيفا  ؟ كيف نشهد هذي العجائب كيفا  ؟ "  .
القصيدة المخصصة لحميدو تظهر صورة لغسان الذي يقص قصة حميدو ويقول إن هناك عربا يتاجرون بالدم الفلسطيني وإن فلسطين في فواتيرهم ليست البندقية ، فما هي صورة غسان  ؟
يحب الدعابة ويجيد الكتابة ويضحك حتى حدود الفضيحة ويفتك بالمازحين ولا يغضبون ويقارن بين الذبيحة والصيد ،  ويرى أننا نحن الذبيحة والصيد والصيادون وإلا فكيف يقتلون حميدو ؟ ولم يرو هذا لأحمد أحد  ، فقد كانت للأخير مع غسان قصة عن غرابة إحدى لياليه لخصها فيما سبق  .
كان أحمد في بداياته الشعرية لا يثق إلا بالفقراء  ، وكان يعول عليهم فقط  ، فقد رأى في الحكام متاجرين بالقضية  ، ولم ينعكس هذا في قصيدتيه في رثاء غسان وحسب  ، وهو هنا عموما يتطابق وغسان وهو ما جسده في روايته  " أم سعد  " (١٩٦٩) وفي رؤيته لثورة  ١٩٣٦  . لقد برز أيضا في أشعار أحمد الأولى التي كتبها في  ٦٠ و٧٠ ق ٢٠ ، ويمكن هنا العودة إلى قصيدته  " العودة إلى كربلاء  " ( أيلول ١٩٧١) والاقتباس منها للتدليل على ذلك  ، بل ويمكن أيضا العودة إلى ما كتبه في مقدمة أعماله الشعرية الكاملة  ( ١٩٨٣) .
في " العودة إلى كربلاء  " يكتب  :
" يا كربلاء الذبح والفرح المبيت والمخيم والمحبة  _ كل الوجوه تكشفت كل الوجوه / ورأيت  : كان السيف في كفي  ، / وكنت لنظرة الفقراء كعبه /  ورأيت من باعوك  ، /  باعونا معا  " 
وعن فقره في المخيم يكتب  :
" كنا في ثكنة خالد بن الوليد  - مخيم اللاجئين الفلسطينيين في حمص  - نعاني فقراً إضافيا  ، ربما يتميز عن فقر جيراننا في المخيم  ، فالأخ الكبير  ، جمل المحامل أو  عمود البيت ، بين السجن أو المنفى بسبب أفكاره السياسية  ، والأب الذي يغسل الموتى ويسحر في رمضان ويقرأ على القبور  ، لا يجد في بطالته المقنعة هذه ، ما يكسب به قوتنا الكافي  ... (ص ٢١ من ا.ك ) .
في الوقت الذي كنت أقرأ فيه أشعار الشاعر كنت أتابع ما يجري في مخيم جنين إثر ما قام به رعد حازم في تل أبيب  ، وعدت إلى أشعار مظفر النواب في جنين  ( ٢٠٠٢) وفي تل الزعتر  ( ١٩٧٦ ) فلاحظت تقاطعات بين الشاعرين وكنفاني في الكتابة عن الفقراء ومخاطبتهم وتمجيدهم والتعويل في الثورة عليهم  ، وفي الكتابة عن الزعماء وعدم الثقة فيهم ونفض اليد منهم  . ترى هل أصاب البنيويون حين كتبوا عن الصلة بين النصوص  ، فأحد معاني كلمة  " بنية  " هو  " الصلة بين  " ؟! 
الكتابة تطول والمساحة محدودة  .



تصدير المحتوى ك PDF

إضافة محتوى