معلومات إضافية - مخيم ماركا / حطين / شنلر
+ A
A -
روايته «مخيم شنلر.. قطة فوق صفيح ساخن»
بقلم: إشراف بن مراد كاتبة تونسية
من وحي التغريبة الفلسطينية الذي لا يموت ووجع خسارة الوطن ومرارة اللجوء وقسوة الحياة في المخيم وإغراء حلم العودة، كتب الروائي الفلسطيني مراد ساره روايته «مخيم شنلر.. قطة فوق صفيح ساخن» الصادرة عن دار يافا العلمية للنشروالتوزيع، الأردن في 148 صفحة.
قد تبدو الرواية في بداياتها تخيلية بحوار الكاتب مع القطة هرهورة، فتجعلنا نتساءل أيّ دور لقطة في مخيم شنلر؟ وأيّ وجع يمكن أن تنقله لنا ؟ ولماذا اختار الكاتب القطة لتشاركه سرد المعاناة والأسية؟ ما معنى أن يشترك الإنسان والحيوان في المعاناة نفسها؟ وأن يصل كلاهما إلى المستوى نفسه من الوجع والفقد والخسارة. والحال أننا ننظر كبشر للحيوانات بنرجسية فنحن العاقلون وهي غيرذلك ؟
غير أن البحث في حضور الحيوان في الأدب العربي ليس مستجدا، فنصوص كثيرة اعتمدت على رمزية الحيوان سواء بحضوره بصيغته الحيوانية غير العاقلة أو بضمير المتكلم، إلى حدَّ ان هناك من النقاد والمتخصصين من جنّس هذه النصوص تحت ما يعرف بأدب الحيوان، وعادة ما كانت هذه النصوص ذات مضامين تربوية أو اجتماعية أو سياسية أو أخلاقية.
وبالعودة إلى الرواية، نتبين أن مراد ساره كتبها لينقل للقارئ ما يسكنه من مشاعر غضب ورفض لكل ما يعيشه اللاجئ في مخيم شنلر كمثال وغيره من المخيمات وهذا ما نكتشفه ليس فقط من خلال المشاهد الكثيرة لحالات من البؤس التي يمتلئ بها المخيم ولكن أيضا بحضور القطة هرهورة في النص الروائي وكأنّنا بالكاتب يشير بشكل أو بآخر إلى ذلك البعد الانثربيولوجي الذي يذكرنا بحيوانية الإنسان، يُغِير الحيوان على الحيوان ليفتكّ منه فريسته أو مسكنه، وكذلك يفعل الإنسان بأخيه الإنسان إلى اليوم.
تبدو الرواية كشريط وثائقي عن حياة اللاجئين في مخيم شنلر، هذا المخيم الذي يعد أحد عشر مخيمات فلسطينية موجودة في الأردن. وقد أقيم سنة 1968 إبّان حرب 1967 وخروج الدفعة الثانية من الفلسطينيين من بيوتهم وأرضهم.
يقدم الكاتب شخصيات عديدة، كانت محور حكاية حقيقية في المخيم (وإن اضطر أحيانا لتغيير الاسم الحقيقي بآخر) فإنّ البؤس والشقاء هو القاسم المشترك بينها. وما يؤكد البعد التوثيقي للرواية هو تأثيثها بالعديد من الصور الأرشيفية للمخيم في مراحله الأولى، لتبدو الرواية سيرة ذاتية للوجع سواء في علاقتها بالكاتب أو بالمخيم أو بقضية اللجوء عمومًا.
وفي هذا السياق، قال لنا الروائي مراد ساره في حديث على هامش الرواية: إنّ جميع ما كتب في روايته حقيقي حتى قصة أم العبد التي أحرقت، وقصة أم عدنان وقصة وهيبة وقصة الطفل الذي وضعته أمه في كرتونة ليستظل تحت شاحنة الأونروا وفي صبيحة أحد الأيام بدأت الدماء تصل إلى أقدامه بعد أن تحركت إحدى شاحنات الأونروا. وقال إن جميع ما تمَّ وصفه وسرده يشكل مشاهد جنائزية محبوكة بأشواك كاتب، وهناك العديد من الشخوص المذكورة في الرواية مازالت على قيد الحياة وتعيش في المخيم.
يراوح مراد ساره في حضوره داخل الرواية بين دوره في كتابة المأساة بأن يوثق مشاهد عايشها في المخيم وبين شراكته لبقية الشخصيات في الرواية. فها هو يقول عن نفسه: «مراد ساره الذي تحوّل بفعل الألم الذي صنعته أكبر الرؤوس التي تمتلك قنطرة الشرّ، الأمم التي سمعت بالألم دون أن تراه، شعور مرَّ مسرعا كما تضمحل بعض الروائح أمام العاصفة».
يوجه مراد ساره رسالته من خلال هذه الرواية للقراء وللعالم ليقول إنّ اللاجئ ما زال مسكونا بحلم العودة، أما حياته في المخيم فهي مجرد عنوان لموت على قيد الحياة.. مبرزا غضبه من المنظمات الإغاثية التي يرى أنها تزيد من مأساة اللاجئ وتساهم في تعميق ألمه وتهجيره عن وطنه مقابل كرتونة من المساعدات.
كما لا يمكن أن نغضّ الطرف عن حضور اللهجة الفلسطينية في تأثيث الحوارات التي دارت بين عدد من شخوص الرواية، حيث لم يكن ذلك صدفة أو أمرا اعتباطيا، بل نكاد نجزم أن الكاتب قد تعمد ذلك ليؤكد ارتباطه ككاتب بالشخصيات التي ذكرها وما تختزله حكايتها من معاناة من ناحية وتشبثه بثقافة بلاده بكل ما تحتويه من مخزون ثقافي بما في ذلك اللهجة من ناحية أخرى.
أما لغة الرواية فقد جاءت قوية ثرية بالوصف والعبارات الغاضبة لتتناسب مع الملحمة المأساوية التي يعيشها الكاتب وأشخاص الرواية على حدِّ سواء، حيث يمكن القول إن الرواية ليست فقط نصا سرديا باذخا بسرد جميل وسلس، وإنّما هي أيضا تشكِّل مادة تاريخية توثيقية دسمة تطرح مقاربة محورية في ما يتعلق بالرواية الفلسطينية على وجه الخصوص وتمحورها بين السرد والتوثيق.