حق العودة

حق العودة:
" هو حق الفلسطيني الذي طرد أو خرج من موطنه لأي سبب عام 1948 أو في أي وقت بعد ذلك، في العودة إلى الديار أو الأرض أو البيت الذي كان يعيش فيه حياة اعتيادية قبل 1948، وهذا الحق ينطبق على كل فلسطيني سواء كان رجلاً أو امرأة، وينطبق كذلك على ذرية أي منهما مهما بلغ عددها وأماكن تواجدها ومكان ولادتها وظروفها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
و يعتبر الفلسطينيون حق العودة مقدساً لأنه حق تاريخي ناتج عن وجودهم في فلسطين منذ الأزل وارتباطهم بالوطن، ولأنه حق شرعي لهم في أرض الرباط، ولأنه حق قانوني ثابت، وحق الفلسطينيين في وطنهم فلسطين ضارب في أعماق التاريخ، وجذوره أقدم من جذور البريطانيين في بريطانيا، وبالطبع أقدم من الأمريكان في أمريكا" ([1]).
حق العودة
- "هو حق الفلسطيني _الذي طُرِد، أو خَرَج من موطنه لأي سببٍ، عام 1948 أو في أي وقت قبل أو بعد ذلك في العودة إلى الأرض أو البيت الذي كان يعيش فيه حياة اعتيادية قبل 1948.
- هذا الحق ينطبق على كل فلسطيني سواء أكان رجلاً أم امرأة، وينطبق كذلك على ذرية أي منهما مهما بلغ عددها وأماكن وجودها ومكان ولادتها وظروفها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
- نصت المادة 13 الفقرة (2) منالإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن: "لكل إنسان الحق في مغادرة أي بلد بما في ذلك بلده، والحق في العودة إلى بلده". ونصت المادة 17 فقرة(2) على أنه: "لا يمكن حرمان أي شخص تعسفياً من ممتلكاته".وأشار في المادة 12 فقرة ( 2 ) إلى أنه: "لا يجوز حرمان أحد بشكل تعسفي من حق الدخول إلى بلده".
- تنص المادة 49 من معاهدة جنيف الرابعة: "يمنع الترحيل الفردي أو الجماعي، وكذلك طرد الأشخاص المحليين -بموجب المعاهدة- من الأراضي المحتلة لأراضي القوة المحتلة أو لأراضي أي دولة أخرى، سواء أكانت تحت الاحتلال أم لا، بغض النظر عن دوافع هذه الأفعال".
حق العودة الفلسطيني
تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 194 (الدورة الثالثة) الذي تقرر فيه "وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وكذلك عن كل فقدان أو خسارة أو ضرر للممتلكات بحيث يعود الشيء إلى أصله وفقاً ...
افتراءات وردود حول حق العودة
الفرية الأولى:
إن الفلسطينيين لم يجبروا على ترك مدنهم وقراهم ولم يفعلوا ذلك نتيجةً للعمليات الترويعية التي قام بها الصهاينة وإنما تركوا أراضيهم بأمر من القادة العرب وقادتهم المحليين .
الرد: كشف الباحث الفلسطيني نور الدين مصالحة بعد دراسة تحليلية للخطاب الصهيوني والأوامر المنشورة والرجوع إلى مذكرات الضباط الصهاينة الذين قاموا ببعض عمليات التهجير عن وجود خطة تفصيلية وقرار مبدئي اتُّخذ من قبل بداية العمليات العسكرية عام 1947.
وإذا افترضنا جدلاً على سبيل النقاش وجود أوامر من أحد أو بعض القادة الميدانيين العرب بإخلاء أحد المواقع أو القرى فإن ذلك ليس له أي تأثير على وجود حق العودة. لقد بينت الملفات الإسرائيلية التي فتحت أخيراً أن 89% من القرى قد هُجرت بسبب عمل عسكري صهيوني، و10% بسبب الحرب النفسية (نظرية التخويف وإثارة الرعب)، و1% فقط بسبب قرار أهالي القرية.
الفرية الثانية:
إن الدول العربية التي غادر إليها الفلسطينيون أبقتهم عن قصد في مخيمات اللجوء بشروط حياتية سيئة مع أنه كان بالإمكان استيعابهم على نحو كامل في تلك الدول وتوفير حياة أفضل لهم.
الرد: ربما وجدت بعض التجاوزات في الدول التي استقبلت اللاجئين من الناحية الاقتصادية والاجتماعية ولكن ذلك:
منفصل تماماً عن أساس القضية وهو تهجير اللاجئين على نحو مباشر أو غير مباشر من قبل العصابات الصهيونية التي أنشأت في ما بعد ما سمي بدولة إسرائيل.
ومنفصل أيضاً عن حق العودة الذي يملكه اللاجئون بموجب القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.
لقد تمنى قادة الصهاينة ذوبان اللاجئين الفلسطينيين في محيطهم العربي وبخاصة مع مرور الوقت واستمرار أزمة اللجوء، ولكن هذه الآمال تبخرت بسبب تمسك الفلسطينيين بهويتهم الوطنية ورفض معظم الدول العربية تبني المشروع الصهيوني.
الفرية الثالثة:
حق العودة قد أصبح لاغياً بسبب قيام الحكومات العربية بطرد مواطنيها اليهود خارج بلادهم وبذلك تحقق ما يمكن تسميته بتبادل السكان ما بين إسرائيل والدول العربية المحيطة بها.
الرد: تعبّر هذه الفرية عن ازدراء وسخرية بالقانون الدولي للاجئين والتاريخ للأسباب الآتية:
- القانون الدولي لا يعامل اللاجئين كقطيع من الكائنات عديمة الإرادة ولا يعترف باستخدامهم أداة للمساومة، بل ينظر إلى حقوق اللاجئين كحقوق إنسانية فردية غير قابلة للتصرف.
- من الناحية التاريخية فمن المعروف أن يهود البلاد العربية لم يغادروها مرغمين بل غادروها بمحض إرادتهم وبعد ممارسة ضغوط على الحكومات العربية كي لا تعرقل هجرتهم إلى إسرائيل.
- ومن ناحية أخرى لا يزال العديد من هؤلاء اليهود يعيشون في كنف الدول العربية والإسلامية كمواطنين كاملي حقوق المواطنة وتعاملهم هذه الدول كمواطنين من الدرجة الممتازة خشية اتهام الغرب لها بالتمييز بسبب الدين أو العرق أو بمعاداة السامية.
الفرية الرابعة:
هي القول بأن إيجاد دولة فلسطينية سوف يلغي حق العودة إلى أراضي 1948 لأن اللاجئين سيتمكنون من العودة إلى الدولة الفلسطينية الوليدة على بعض أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين.
هذه المقولة هي الحجة الأكثر خطورة على حق العودة سياسياً في الزمن الراهن لعدد من الأسباب، أهمها:
- اقتناع القوى المؤثرة دولياً وإقليمياً بأن قبول العودة إلى أراضي الدويلة الفلسطينية التي قد تنشأ لا إلى أراضي عام 1948 يمثّل أساساً معقولاً لحل مشكلة اللاجئين.
- مناداة عدد من المثقفين الفلسطينيين وأعضاء السلطة الوطنية الفلسطينية بهذا الحل باعتباره الحل العملي الوحيد القابل للتطبيق كما يرون.
الرد: إن قبول أي سلطة سياسية فلسطينية بهذا النوع من تبديل مكان العودة في حق العودة هو قبول غير شرعي ولا يعتد به. فحق العودة حق شخصي وفردي مصون بقرارات دولية واضحة وليس خياراً سياسياً جماعياً. بعبارة أخرى، لا يمكن التنازل عن حق العودة ضمن إطار صفقة سياسية يعرض في نهايتها على اللاجئين الفلسطينيين العودة إلى دويلة فلسطينية وليدة أو التوطين في بلد اللجوء إذا وافق على ذلك.
ولا بد لاستنفاذ هذا الحق من عرض العودة على اللاجئ إلى المكان الذي أجبر على الابتعاد عنه أو التوطين في بلد اللجوء إذا وافق ذلك البلد أو في الدولة الفلسطينية ليختار اللاجئ ما يشاء.
ولا بد من أن يكون عرض العودة حقيقياً وقابلاً للتنفيذ في وقت العرض وأن تكون إرادة اللاجئ حرة ليختار ما يشاء ضمن مهلة زمنية محددة.
[1] سلمان أبو ستة سلسلة نداء العودة –دليل حق العودة - ط 1 مؤسسة العودة للثقافة و النشر– ت 2006 ص 7 .
[2] إياد عيسى حق العودة في القانون الدولي - ( العام , حقوق الإنسان , الإنساني )- بحث مقدم إلى أكاديمية دراسات اللاجئين – الدورة الأولى .
[3] سلمان أبو ستة سلسلة نداء العودة –دليل حق العودة - ص 9 – مرجع سابق .
[4]انظر في مجموعة من المواثيق الدولية و الإقليمية الخاصة باللاجئين و غيرهم ممن يدخلون في نطاق اهتمام المفوضية - المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الطبعة الثالثة - مصر القاهرة – المكتب الإقليمي – ابريل 2006- ديسمبر 2007 .
.
[5] إبراهيم دراجي الإطار القانوني للاجئين الفلسطينيين - مرجع سابق .
حق التعويض
حق التعويض: يقوم مبدأ التعويض على القانون الدولي الذي يلزم الدولة التي تنتهك حقوق الملكية أو حقوق الأفراد الأخرى بإرجاع الحال إلى ما كان عليه قبل ارتكاب تلك الأعمال غير الشرعية، وعلى تلك الدولة أن تزيل كل الآثار الناتجة من ذلك، وإعادتها إلى الوضع الذي كانت عليه، أو يحتمل أنها كانت عليه، وإذا استحال ذلك فإن للمتضرر الحق في التعويض المادي عن ذلك بقيمة تساوي إصلاح الضرر أو إرجاع الحال كما كانت عليه.
من المسؤول عن دفع التعويضات؟
ينص القرار 194 صراحة على أن المسؤول عن التعويض هو الحكومات والسلطات المسؤولة، وقد جاء هذا التعبير ليشمل المؤسسات الصهيونية المسؤولة قبل إنشاء دولة إسرائيل وبعده.
كيف سيكون التعويض؟
سبق القول أن التعويض يعني إرجاع الشيء إلى أصله، وهذا يشمل أربعة بنود رئيسة:
1- المنفعة المادية الشخصية، مثل الممتلكات المنقولة وغير المنقولة، ومزاولة الأعمال.
2- المنفعة المادية العامة، مثل المؤسسات والخدمات والأملاك العامة ومصادر الثروة الطبيعية.
3- المنفعة المعنوية الشخصية مثل الشعور بالأمان والعيش بين الأهل والشعور بالسعادة.
4- المنفعة المعنوية العامة، مثل الهوية الوطنية والثقافة والتاريخ والمقدسات.
5- يضاف إلى هذه البنود الأربعة التعويض عن جرائم الحرب والمعاقبة عليها ([5]).
حق العودة: الواقع والطموح
د. أسامة النقيب
بعد سنتين من انتهاء الحرب العالمية الثانية صدر قرار بتقسيم فلسطين العربية إلى دولتين إحداهما يهودية، ومنذ ذلك الحين والقضية الفلسطينية على جدول أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة بشكل دائم سنوياً إضافة إلى ما يستجد من أحداث تستدعي البحث الدولي.
وقد أُطلِقَ على هذا الموضوع عنوان الصراع العربي الإسرائيلي ومن ثم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وقد غُيب الاسم الحقيقي وهو الاستعمار الصهيوني اليهودي لفلسطين العربية ولم يكن ذلك إلا بهدف تصوير جريمة الغزو الاستيطاني على أنها نزاع بين طرفين، ولكل طرف حقوق ربما نقصت أو رجحت على حقوق الطرف الآخر.
من هنا بدأت أكبر عملية تزوير في القرن العشرين ومازالت فصولها تتوالى وتتفاعل حتى حجبت أصل المشكلة وتعلقت بتفاصيل جزئية لا يشكل حلها أي تخفيف للجريمة الأصلية.
ومن هنا أيضاً فإن بحث التفاصيل والمشاكل الجانبية وحتى بعض النتائج الناجمة عن هذا الاستعمار بمعزل عن إطارها الأوسع أو مرجعيتها التاريخية الحقيقية والمتعلقة بواقع جغرافي وتاريخي مستند إلى شهادة عالم كامل وليس مستنبطاً من روايات تفتقد كل الأسانيد التاريخية وتلجأ إلى التفسيرات المغالية في عنصريتها أو تطرفها أو أصوليتها.
إن بحث هذه التفاصيل بهذه الصورة هو انتقاص مهين لكرامة القضية الفلسطينية وقدسيتها.
كيف حدثت عملية التزوير هذه؟
اقتسمت بريطانيا وفرنسا «وإن بشكل متفاوت» تركة الرجل المريض بعد الحرب العالمية الأولى، فوقع إقليم فلسطين تحت الانتداب البريطاني الذي عمل منذ اللحظة الأولى على تغيير الواقع فيه، وذلك بسن القوانين المواتية للجالية اليهودية الصغيرة في فلسطين ومن ثم فتح باب الهجرة غير الشرعية إليها. وقد توج اللورد بلفور هذا المسعى بكتاب شخصي إلى حاييم وإيزمان يبلغه فيه أن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين متبعاً ذلك بما اعتبِرَ حماية للمصالح العربية في فلسطين حيث قال: «على ألا يضر ذلك بمصالح الجاليات الأخرى». وكانت هذه الجملة الأخيرة تشكل اعترافاً بأن اليهود هم الأصل في فلسطين رغم كونهم أقلية ضئيلة جداً.
وحتى يستقيم هذا الوعد بدأت بريطانيا بتسهيل استيطان
فلسطين لتؤمن توازناً سكانياً يحتمل مثل هذا الوعد ويساعد على تنفيذه. وجاءت الحرب العالمية الثانية التي برزت فيها قوة الولايات المتحدة الأميركية فسارع اليهود إلى نقل مركز نفوذهم إلى
أمريكا وبدأت الحماية الأمريكية للمصالح الصهيونية في فلسطين، وكان من أولى ثمرات هذه الحماية إقامة دولة إسرائيل بقرار التقسيم الذي تبنته أكثرية بصوت واحد فعل فيها الترهيب والترغيب الأمريكي ما فعل.
اهتز استقرار المنطقة العربية بعد قيام إسرائيل ولم تعد تعرف السلام والطمأنينة. فلقد أدى تدخل الجيوش العربية الضعيفة (وكان بعضها حديث الاستقلال، ضعيف التدريب، وبعضها كان مرتبطاً بزعيمة الاستعمار التقليدي «صديقة العرب» منذ الحرب العالمية الأولى وكانت نتيجة ذلك تكريس دولة إسرائيل كقوة فاعلة في المنطقة واعتبار التدخل العربي عدواناً عليها مع ما رافق ذلك من تضخيم إعلامي لقوة الدولة الناشئة وبطولتها.
ومنذ ذلك الوقت وإسرائيل تخوض حروباً دفاعية، حسب زعمها، أدت بها إلى احتلال سيناء ثم الضفة الغربية وغزة والجولان وجنوب لبنان. وكانت حماية الولايات المتحدة لها سياسياً ودعمها الاقتصادي والعسكري الذي يفوق كثيراً حجمها مدعاةً لخروجها على القانون الدولي واستخفافها بقرارات هيئة الأمم ومجلس الأمن اعتماداً منها على مظلة حق النقض الذي أفرطت الولايات المتحدة باستعماله على حساب هيبتها ومصداقيتها. ولقد أدى التقدم العلمي والتكنولوجي الهائل في الولايات المتحدة إلى قيام مؤسسات وشركات عملاقة خاصة في مجال صناعة الأسلحة والطيران تبلغ ميزانيات بعضها ما يعادل ميزانية عدد من الدول من عالمنا.
ونتيجة لذلك فقد أفرزت هذه الشركات ودربت مجموعات من الاقتصاديين والسياسيين والباحثين الذين يعملون لحسابها، وظيفتهم الرئيسية إقناع الشعب الأمريكي بأن مصالح هذه الشركات هي مصلحة الشعب نفسها.
وكان هؤلاء الخبراء والأساتذة والباحثون في معظمهم ينتمون إلى اليمين المتشدد الذي يمزج بين المصلحة القومية والدين في آن واحد. وكان في طليعتهم ـ كالعادة ـ يهود أمريكيون وغير أمريكيين سارعوا إلى الحصول على الجنسية الأميركية وتسللوا إلى مراكز صنع القرار سواء في الرئاسة أم الخارجية أم الدفاع أم كبرى الشركات مما مكنهم من صنع هذا القرار في النهاية وحمل ممثلي الشعب الأمريكيين المنتخبين على تبنيه لما فيه من مصلحة عامة وخاصة في آن واحد.
وقد تنبأ الرئيس ايزنهاور في آخر سنوات حكمه بأن هذا سيحصل وأن القرار السياسي الأمريكي سيخطف من أصحابه المنتخبين من قبل أناس لا يخضعون للمساءلة الدستورية وهذا من شأنه أن يهدم الديمقراطية ويقضي على الحرية.
وقد وصلت أمريكا إلى هذا الوضع فعلاً ـ وسارع في ذلك أحداث أيلول 2001 التي قدمت الذريعة والظروف لممارسة أعتى أنواع التطرف والتعصب تحت عنوان حماية الولايات المتحدة وشعبها.
واخترعت أميركا صيغة الحرب على الإرهاب الأوسع كثيراً من صيغة محاربة الشيوعية أثناء الحرب الباردة، لكنها توازيها من حيث الدافع والنتيجة. في الخمسينات من القرن الماضي ظهرت المكارثية في أمريكا لمحاربة الشيوعية في الداخل وتمادت في اتهاماتها لتشمل كثيراً من الأبرياء الذين كان ذنبهم أنهم زاروا سياحةً بعض الدول الشيوعية، وكان بعضهم يعرف اللغة الروسية أو يدرسها. ثم انكفأت المكارثية في الداخل وعُوَضَ بعض المتضررين منها. إلا أنها استمرت في الخارج حيث درجت الولايات المتحدة على اتهام الحركات الوطنية أو حتى الدول الطامحة لتأكيد سيادتها بالشيوعية. وأدى ذلك إلى تحالفات قريبة بين أصوليين من الطرفين جمع بينهما محاربة الشيوعية بحيث ادعت أميركا أنها راعية الإسلام في أفغانستان إبان حكم الشيوعيين لها. وشكلت لذلك مجموعات من المقاتلين الإسلاميين جاؤوا من مختلف أنحاء العالمين العربي والإسلامي وكانت تطلق عليهم اسم المجاهدين. كانوا حينها مقاتلين من أجل الحرية يتلقون الدعم المادي والتدريب على أيدي الأمريكيين وحلفائهم في المنطقة وقدمت لهم التسهيلات كي يُوجدوا في مناطق مختلفة من العالم أنَّى دعت الحاجة الأمريكية لذلك.
أما كيف انقلب المجاهدون إلى إرهابيين فليست أغرب من تسمية ضحايا الاحتلال والاستعمار الصهيوني من الفلسطينيين بالإرهابيين. فبعد الحادي عشر من أيلول 2001 أصبح كل من لا يقف مع أمريكا عدواً تطلق عليه صنوف من الأوصاف منها الإرهاب ومنها المارق ومنها الشرير. ولم تقف الأمور عند هذا الحد فقد أعطت الإدارة الحالية للولايات المتحدة لنفسها حق شن الحرب على أية دولة تعتقد أميركا أنها تبيِّتَ نوايا عدوانية وذلك كإجراء استباقي ووقائي وبغض النظر عن تأييد الأمم المتحدة أو حتى حلفاء أمريكا التقليديين لذلك. ومن المفارقات المزعجة أن تتهم الولايات المتحدة بعض الدول بتجاهل قرارات الأمم المتحدة وتغض الطرف عن نفسها وعن حليفتها إسرائيل ! ففي حربها ضد العراق كادت أمريكا أن تنهي دور الأمم المتحدة وتهدم هذه المنظمة الدولية. أما إسرائيل فإنها لم تتقيد بأي قرار للهيئة. حتى القرار الذي أدانها وساوى الصهيونية بالعنصرية فقد عملت الولايات المتحدة بعد سنوات من تبنيه على حمل الهيئة على إلغائه مما شكل سابقة خطيرة في تاريخ الهيئة الدولية.
وقد بلغ غرور القوة بالولايات المتحدة حداً جعلها تسن القوانين لمحاسبة دول أخرى أعضاء في الهيئة الدولية التي كادت الولايات المتحدة تعتبرها في أحسن الحالات إحدى دوائر خارجيتها.
هل يشكل كل هذا تطوراً طبيعياً للإمبريالية الأمريكية ونتيجة مثالية مجزية لأحادية السلطة في العالم؟ ربما صَدَق ذلك لولا وجود إسرائيل، الدولةُ التي تفوق طموحاتها وبشكل مرعب كل ما تطرحه من أضاليل ذراً للرماد في العيون وتمويهاً لما يدور في الخفاء من تخطيط.
فامتلاك إسرائيل أسلحة الدمار الشامل وفي مقدمتها الأسلحة النووية ما هو إلا أكبر عملية ابتزاز لحلفائها قبل أن يكون إرهاباً ضد أعدائها. وقد برز ذلك في حرب تشرين عام 1973: إذ عندما استشعرت إسرائيل ولأول مرة خطراً حقيقياً يهددها بدأت بتحضير ذراعها النووي، ولكن ضد من؟ كان أول أهدافها المصالح الأميركية في المنطقة ولكن بتمويه يستعير مقولة شمشون: «عليَّ وعلى أعدائي يا رب» وقد هُرِعَت الولايات المتحدة حينها مسرعة إلى إقامة جسر جوي تمر عبره أضخم عملية نقل للأسلحة والعتاد وبسرعة فاقت مثيلاتها في حروب أميركا كلها. ولم يكن الاستفتاء الأوروبي الذي وضع إسرائيل في مقدمة الأخطار على السلام العالمي معاداة للسامية كما يحلو للصهيونية القول في هجومهم عليه بل ربما كان محاولة أوروبية لفتح أعين الإسرائيليين على ما تمثله الصهيونية المتشددة عمالية أو ليكودية من خطر على العالم وعلى نفسها، وبهذا قد يكون محاولة لحماية إسرائيل من الصهيونية المتطرفة أو من نفسها عندما يصبح المزاج الشعبي متطرفا كما يريده غلاة المتطرفين العلمانيين والدينيين. ففي إسرائيل «الديمقراطية» حركات دينية وسياسية متطرفة تدعو إلى تطهير فلسطين ـ كل فلسطين ـ من سكانها العرب الشرعيين بعضهم يقذف إلى شرق نهر الأردن والأحسن أن يرسل معظمهم إلى السماء، وعندما يمتطي رئيس وزراء إسرائيل موجة التطرف والعداء التي تقول بأن الأغيار (وهذا لا يشمل الفلسطينيين وحدهم) ما هم إلا هوام وحشرات يجب سحقها أو عندما يقول أحد حاخامييهم: «إن الرب نادم لأنه خلق أبناء إسماعيل» عندما يمتطي هذه الموجة ويرسل الطائرات والدبابات إلى جنين أو غزة يقول عنه رئيس الولايات المتحدة الحالي: إنه رجل سلام. ثم يلتفت هذا الرئيس نفسه إلى العرب والمسلمين متسائلاً: لماذا تكرهوننا؟!
وفي عام 1988 قدمت منظمة التحرير الفلسطينية تنازلاً تاريخياً غير مسبوق باعترافها بإسرائيل، ثم أتبعته بخطوة أكثر خطورة عندما غيرت ميثاق المنظمة الذي وضعته اللجنة التنفيذية الأولى برئاسة الأستاذ أحمد الشقيري.
بأي إسرائيل اعترفت المنظمة؟ تلك التي نص عليها قرار التقسيم أو بإسرائيل التي تجاوزت حدود التقسيم منذ عام 48 أو بتلك التي احتلت فلسطين كاملاً عام 67 وبالإضافة إلى أجزاء من مصر وسوريا ولبنان؟
لقد ادعت إسرائيل طيلة فترة احتلالها لفلسطين أنها تنشد السلام والديمقراطية في المنطقة في الوقت الذي كانت تشرع فيه القوانين لجعل حياة الفلسطينيين جحيماً لا يحتمل بعد أن هَجَّرت أصحاب الأرض إلى أرض لا يملكونها (في إسرائيل 48) وذلك تأكيداً لادعائها بأن الفلسطينيين مقيمون على أرض إسرائيل دون حق في الملكية مما يسهل طردهم عندما تسمح الظروف. وهذا هو السلام يقدم إليها أخيراً على إكليل من أغصان الزيتون. ولسنا بحاجة إلى ترديد ما ترتب على ذلك من ردود ونتائج ولكننا بحاجة إلى أن نصل إلى الخلاصة الصحيحة.
لقد برهنت إسرائيل على أن السلام الذي تريده هو سلام إسرائيل الذي لا يشاركها فيه أحد، وأن الدولة التي تريدها هي دولة يهودية يعيش فيها اليهود فقط. وكي يتأمن ذلك يجب التنازل عن كل حقوق الفلسطينيين في فلسطين وتأمين جوار خاضع للهيمنة الإسرائيلية، خالٍ من الأسلحة الرادعة ويعيش مطمئناً تحت الغطاء النووي الإسرائيلي. وقد يقول قائل: إن هذا حلم إسرائيلي بعيد المنال ولكن الإمبراطورية الأميركية الحديثة التي لا ترى الأمور إلا بمنظار الصهيونية تجعل منه كابوساً مؤرقاً تجب معالجته.
ألا يؤرق الإنسان العادي أن إسرائيل امتلكت السلاح النووي قبل أن يكون لها دستور وقبل أن تكون لها حدود؟ هل يعني هذا
أنها دولة ما زالت في طور التكوين ولم تصل إلى حجمها
المنشود بعد؟
وهل هذا السلاح مطلوب لتأمين هذا التوسع؟
ألا يشكل غياب الدستور إقراراً بأن إسرائيل التي تدعي الديمقراطية تستطيع ممارسة القمع العنصري والاضطهاد العرقي والديني في غياب هذا الدستور؟! بعض الأسئلة وغيرها كثير تساعد الإجابة عليها في معرفة طبيعة هذا العدو المستمر الذي جند كل وسائل الاستعمار قديمها وحديثها ليبقى المستعمر الوحيد في عالم اليوم.
ولنا أيضاً أن نتساءل عن أنفسنا: إن حركات التحرر في العالم تنتصر دائماً مهما طال الطريق. قد تنهزم في معارك كثيرة مع المستعمر ولكنها في النهاية تكسب حربها ضده. تختلف أساليب النضال ولكن يبقى الهدف ثابتاً. وهذا يستلزم وضوحاً في التعبير كما يستلزم وضوحاً في الرؤية.
إذ كثيراً ما نسمع تبريرات لما يحدث تحت عنوان الواقعية. ماذا تستطيع أن تفعل وأنت الضعيف وعدوك يمتلك كل وسائل القوة؟ هذا وصف لحالة وليس سؤالاً. فالمستعمر أقوى بطبيعته من الشعب المستعمر وإلا لما وقع الاستعمار ! والسؤال الأصح هو كيف تمتلك أسباب القوة وإلا لكان الاسترسال في معنى الواقعية ذلك هو الاستسلام.
الواقعية أن تحكم على الأمور بنتائجها: هل أدت اتفاقية أوسلو إلى السلام أم كانت بداية لطريق الآلام والتنازلات؟ هل سارعت السلطة الوطنية إلى التحول إلى نظام قبل إدراك الاستقلال والسلام؟
لقد فرض التفاوض على الفلسطينيين وعلى الأمة العربية وهي في حالة ضعف قصوى لا تمتلك من أسلحة التفاوض إلا الشكلي غير المؤثر. فقد غُيّبت معاهدات الدفاع المشترك وعُطلت إرادة العمل العربي الموحد وصارت معظم الدول العربية أقرب إلى أمريكا منها إلى بعضها وأصبح بعضها أقرب إلى إسرائيل ويحترم مواثيقه معها أكثر من احترامه لأية مواثيق عربية.
ورغم ذلك فقد أثبت شعبان صغيران من هذه الأمة هما الشعب العربي الفلسطيني والشعب العربي اللبناني أن باستطاعتهما تغيير موازين الدخول إلى خريطة المنطقة فاعلين مؤثرين، وهذا يشير بأن مخزون الطاقة في هذه الأمة من خليجها إلى محيطها عندما يسلك درب الفعل كفيل برد الكرامة وإنقاذ الهوية.
لقد استمعنا وفي هذا المكان قبل أسابيع قليلة إلى الأخ الكريم الدكتور سلمان أبو ستة الذي يمثل بشخصه مؤسسة كاملة لما يبذله من جهد ومال من أجل البحث عن اللاجئين الفلسطينيين من حيث أماكن نزوحهم ومواطنهم الأولى وما حدث بقراهم وبلدانهم بعد التهجير، وخلاصة بحثه أن معظم الأماكن التي أخلاها الفلسطينيون العرب ما زالت غير مأهولة وأن كثافة الوجود السكاني اليهودي محصور في شريط ساحلي يمتد من الجليل جنوباً إلى شمالي غزة. ومن نتائج البحث أيضاً أن فلسطين التي مازالت تبحث عن لاجئين يهود من شتى أنحاء العالم فيها مكان لإبنائها أيضاً وهذا رد على إدعاء إسرائيل الزائف بأن فلسطين لا تتسع لعودة اللاجئين. والحقيقة هي أن إسرائيل لا تعطي فكرة العودة كتصحيح لما ارتكبته ضد الفلسطينيين أي اهتمام على الإطلاق في الوقت الذي تكرس فيه جهدها كله للتخلص ممن بقي منهم في فلسطين سواء داخل حدود إسرائيل أم في المناطق المحتلة حديثاً.
إن حق أي مواطن في وطنه حق طبيعي لا تستطيع أية سلطة أو قانون أن يلغيه. أما إمكانية العودة فمرهونة بقدرة الشعب الفلسطيني والأمة العربية على تجاوز أخطاء الماضي والتوصل إلى مواصفات معتمدة جماعياً تحدد المواطنة بحيث لا يختزل الواحد الآخر ولا يستأثر منفرداً بصنع القرار ولا يهمش لوناً ويقدم آخر. إمكانية العودة يؤكدها إصرار المواطن الفلسطيني على حقه فيها ـ فليس هناك من يستطيع إلغاء هذا الحق إلا أصحابه فرادى ومجتمعين.
أما ما يدور في الكتمان والعلن عن مقايضة حق العودة بأية صيغة من صيغ السلام المزعوم فمآلها الفشل إن بقي المواطن الفلسطيني متمسكاً بحقه.
أما التعويض فهو حق طبيعي للفلسطيني المهجر من وطنه والممنوع من العودة إليه وذلك من ناحيتين: الأولى تعويض المعاناة النفسية والمادية والتي امتدت عقوداً من الزمن والثانية تعويض عن ريع الممتلكات بكل أشكالها عن تلك المدة. إذن فالتعويض ليس بديلاً من حق العودة أولاً ولا هو ثمن لما استولى عليه المستعمرون من أملاك.
وهناك تعويض من نوع آخر على دولة الانتداب أن تدفعه لكل فلسطيني هُجر قبل الخامس عشر من أيار عام 1948 وهو الموعد الذي حددته الدولة المنتدبة لنهاية ذلك الانتداب.
إن المحاولات الساعية الآن للوصول إلى اتفاق مع الصهيونيين على صيغة يكمن فيها التنازل عن حق العودة ستخدم الصهيونية بإتاحة مزيد من الوقت لتأسيس واقع موسع على الأرض وقد ترشح القائمون عليها لنيل جوائز السلام خالية من كل سلام. وعلينا ألا نخدع أنفسنا كما فعلنا في السابق: ففي ظل موازين القوة الحالية لن تعطي إسرائيل شيئاً في الوقت الذي تسعى فيه للحصول على كل شيء.
قد تبدو قضية اللاجئين اليوم مشكلة بسيطة تستطيع إسرائيل تجنب الخوض فيها وجعل الحديث عنها من الممنوعات والمحرمات ولكنها قد تصبح غداً سيفاً مسلطاً يرفعه أحرار العالم في وجه هذه الدولة العنصرية لا ليشكل كابوساً لها ولكن ليعود مرة أخرى هو لب القضية وقلبها ولن يستقيم حق دون ممارسة حق العودة. فللتاريخ منطق يتبلور بهدوء وروية كي يحق الحق وينتصر المستضعف.
وكذلك غرور بوش وشريكه شارون إذا استمر في هذا المسلك الأعمى المتجاهل لكل قيم الإنسانية التي تراكمت عبر حضارات شتى ـ هذا الغرور والصلف ربما يلحق بأمريكا وإسرائيل ضرراً لا يقل عما لحق بالاتحاد السوفياتي من تفكك وانهيار.
الحق ـ وعي الحق ـ واجب الأخذ به
يحيى عمايري،
الحق قيمة تعلو جميع القيم بما فيها القيم العقلية والفكرية التي ما كان لها أن تأخذ هذه المكانة الرفيعة إلا لأنها تثبت ذلك الحق فالحق واحد واضح عند العقلاء الموضوعيين من البشر، والباطل كثير متعدد عند المعتدين المدَّعين.
وعندما رأى العقلاء الموضوعيون من بني البشر أساليب المعتدين المدّعين ومن أساليب الطغيان والعدوان على حقوق الإنسان، انطلقوا ممّا يجمع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصلية فيهم متساوية وثابتة تشكل أساس الحرية والعدل والسلام فأقروا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كي يكون الجميع على فهم مشترك لهذه الحقوق باعتبارها المثل الأعلى المشترك الذي ينبغي أن تبلغه الشعوب والأمم كافة والعمل بالتعليم والتربية على توطيد احترام هذه الحقوق.
حق الفلسطينيين العرب في أرضهم حق وجودي، فهم أصحاب الأرض يعيشون عليها منذ آلاف السنين، وحق العودة للاجئين والنازحين منهم في العودة إلى أرض آبائهم وأجدادهم حق مقدس وواجب مشروع.
لكن الحق لكي يظهر يحتاج إلى قوة وعي بهذا الحق وتربية مستدامة بوعي الحق، والإصرار عليه والتصميم على واجب الأخذ به كي يشكل حاضراً له توهجه الدائم مادام مغتصباً ومعتدى عليه. فما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، بكل معانيها وعلى رأسها وعي هذا الحق.
وعي الحق يقتضي أن نعرف أن مشكلة فلسطين ليست مشكلة دولية، إن فقه القانون الدولي مليء بالنظريات عن الاعتراف بالدول وطبيعته المنشئة أو المقررة أو المختلطة، وبآثارها الملزمة فيما بين الدول المعترف بها والدولة أو الدول المعترفة ولكن ليس في فقه القانون الدولي ولا في قواعده ولا في تطبيقاته ما يجعل لاعتراف دولة بدولة ثانية أثراً ملزماً لدولة ثالثة لم تعترف بها. إذ أن القاعدة الأساسية التي يقوم عليها كل بناء القانون الدولي هي أن الدولة لا تلتزم إلا بإرادتها الخاصة.
وعي الحق يقتضي أن نعرف أنه لما كانت الأمة العربية تكويناً تاريخياً فإن اشتراك الشعب العربي في الوطن العربي هو مشاركة تاريخية بين الأجيال المتعاقبة وهذا يعني أنه ليس من حق الشعب العربي كله مُجْتَمِعاً ومنفرداً أن يتنازل عن أرض فلسطين ولا بالتنازل عن العودة إلى فلسطين، لأن هذه الأرض ملك مشترك للأجيال العربية القادمة.
ومن هنا يبرز المكافئ الموضوعي للحق وهو واجب الأخذ به والتصدي لمن يقف في طريق تحقيقه. إنه واجب فردي وطني قومي ديني إنساني:
حق إنساني كفلته المواثيق الدولية ابتداءً من الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة إلى مجلس الأمن الدولي بالقرار 194 بتاريخ 11/12/1948.
واجب ديني أكدته الهيئة الإسلامية المسيحية في 22/7/2000 بأنه قضية العرب مسلمين ومسيحيين الذين ارتبطوا بروح التضامن الإسلامي المسيحي عبر التاريخ العربي وإنه قضية عادلة عربية.
واجب أكدته الفتوى الشرعية للمفتي العام للقدس والديار الفلسطينية التي حذّرت من التعويض فحرّمته، وفرّقت بين التعويض عن الأرض والتعويض عن الأضرار التي لحقت باللاجئين الذين هجروا عن ديارهم بغير حق.
واجب قومي لأن دولة الوحدة العربية لا تكتمل وجوداً مادامت أرض فلسطين مغتصبة ومادامت الصهيونية ترفض حق عرب فلسطين في العودة إلى أرضهم.
النتيجة هنا هي عدم شرعية التنازل عن حق العودة.
واجب فردي وهو الأساس، لأن الإرادة الشخصية بالعزم والتصميم على انتزاع الحق من مغتصبه هو العامل الفاعل والمؤثر الذي ينقل الفكرة إلى واقع والنظر إلى تطبيق ومن هنا جاءت مبادرة الهيئة الفلسطينية لحق العودة.
تتجسد هذه الإرادة مبدئياً ببطاقة القرار الوطني الشعبي الفلسطيني التي هي محصّلة القرارات الإرادية الفردية التي تصمم وتعزم على العودة إلى أرضها وطن الآباء والأجداد.
البعد القانوني لحق العودة
حق العودة في القانون الدولي:
يرتكز حق العودة إلى عدد من ركائز القانون الدولي ومنها قانون الجنسية كما هو مطبّق في تعاقب الدول؛ وقانون اللاجئين (كجزء من قانون حقوق الإنسان والمنسجم والقانون الإنساني). كما وتؤكد العديد من قرارات الأمم المتحدة حق العودة بخصوص قضايا لجوء أخرى في العالم، بالإضافة إلى تأكيدات القوانين والتشريعات الوطنية والإقليمية.
1) بموجب قانون الجنسية:كما هو مطبّق في تعاقب الدول ، فإن على الدول الوريثة الجديدة والناشئة أن تلتزم بمنح جنسيتها إلى كل المواطنين/ السكان في المنطقة التي اجتازت عملية التحوّل في السيادة، ومن ثم السماح لهم بتطبيق حقهم بالعودة إلى ديارهم الأصلية ، بغض النظر في مكان تواجدهم أثناء الفترة الزمنية المحددة لعملية التوارث. وبموجب قانون الجنسية فإن على الدول أن لا تجرّد المواطنين من جنسيتهم في محاولة لإقصائهم إلى الخارج. كما وتطلب الدول بشكل خاص بالاعتراف بجنسية هؤلاء من جديد.
2) بموجب قانون اللاجئين ، فإن هنالك حقا عاما بالعودة، المطبّق على كل الأشخاص المهجرين والنازحين، بغض النظر عن سبب نزوحهم أو تهجيرهم خلال فترة الصراع. وعلى القوة المحتلة أن تسمح للسكان المحتلّين بمواصلة وجودهم الطبيعي والحرص عدم التدخل في شؤونهم. ويشمل هذا، السماح للسكان المحليين [المحتلّين] بالبقاء أو بالعودة إلى أماكن سكنهم الأصلية فور توقف أعمال القتال. ويحرّم القانون الإنساني صراحة عمليات الطرد القسري خاصة تلك التي تحدث بشكل جماعي ([2]).
حق العودة حق من حقوق الإنسان:
حق العودة هو حق من حقوق الإنسان الواقعة في نطاق القانون الدولي لحقوق الإنسان. فهو بهذا المعنى يصبح حقاً مطلقاً غير قابل للتصرف به من شخص لشخص آخر. كذلك فإنه حق غير قابل للمفاوضة أو التنازل ، و لا تسقط أو تعدل أو يتغير مفهومها في أي معاهدة أو اتفاق سياسي من أي نوع ، حتى لو وقعت على ذلك جهات تمثل الفلسطينيين أو تدعي أنها تمثلهم ([3]) .
استنتاج
٭ أنّ من حق الفلسطينيين تقرير مصيرهم بموجب نصوص القانون الدولي والفقه والقضاء الدوليين، فالجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت عدداً كبيراً من القرارات المتعلقة بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره إعمالاً لممارسته لحقوقه غير القابلة للتصرف.
٭ لا يحق لأي سلطة حاكمة أو ممثل دولي التخلي عن حق أي فرد لاجئ بالعودة.
٭ إن حق العودة هو حق ذو أساس راسخ في القانون الدولي لحقوق الإنسان.
اقرأ عن حق العودة في :
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان :
نصت المادة 13 الفقرة ( 2 ) من على: "لكل إنسان الحق في مغادرة أي بلد بما في ذلك بلده والحق في العودة إلى بلده". ونصت المادة 17فقرة ( 2 ) على أنه "لا يمكن حرمان أي شخص تعسفياً من ممتلكاته".
معاهدة جنيف الرابعة:
تنص المادة 49 "يمنع الترحيل الفردي أو الجماعي وكذلك طرد الأشخاص المحليين ( بموجب المعاهدة ) من الأراضي المحتلة لأراضي القوة المحتلة أو لأراضي أي دولة أخرى سواء أكانت تحت الاحتلال أم لا بغض النظر عن دوافع هذه الأفعال" .
العهد الدولي لحقوق الإنسان المدنية والسياسية:
أشار في المادة 12 فقرة ( 2 ) إلى أنه: "لا يجوز حرمان أحد بشكل تعسفي من حق الدخول إلى بلده" .
[1] سلمان أبو ستة سلسلة نداء العودة –دليل حق العودة - ط 1 مؤسسة العودة للثقافة و النشر– ت 2006 ص 7 .
[2] إياد عيسى حق العودة في القانون الدولي - ( العام , حقوق الإنسان , الإنساني )- بحث مقدم إلى أكاديمية دراسات اللاجئين – الدورة الأولى .
[3] سلمان أبو ستة سلسلة نداء العودة –دليل حق العودة - ص 9 – مرجع سابق .
اللاجئون الفلسطينيون وحق العودة والتعويض في القانون الدولي
د. هواش شاهين
يرتبط الحديث عن حق العودة بالحديث عن حقوق الإنسان وحق تقرير المصير ومبادئ الأمم المتحدة وقراراتها. وعندما نتحدث عن حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة فهذا يعني وبالتأكيد وجود وطن لهؤلاء اللاجئين يسمى فلسطين أجبروا على مغادرته بوسائل شتى من الإرهاب والقتل والطرد ومصادرة الأراضي وغير ذلك من الوسائل الهمجية التي ترفضها الشرائع الدولية كافة.
إن أي حل للقضية الفلسطينية لا يمكن أن يكون كاملاً وعادلاً ودائماً إلا بعودة اللاجئين إلى ديارهم التي طردوا منها قسراً والتعويض عليهم (وليس أو التعويض عليهم. فحق العودة يستند إلى حق أي إنسان بالعيش في وطنه بحرية تامة وحمايته وفقاً للشرائع الدولية، أما الحق في التعويض فهو مرتبط بالأضرار التي تعرض لها اللاجئون الفلسطينيون مادياً وجسدياً وكذلك الحال وربما الأهم في العصر الحديث وهو التعويض عن الضرر المعنوي الناجم عن معاناة الفلسطينيين بشكل عام واللاجئين منهم بشكل خاص والتي بدأت منذ قيام العصابات الإرهابية المؤسسة للكيان الصهيوني بأعمال القتل والإرهاب للفلسطينيين وازدياد هذه الأعمال مع نشوء هذا الكيان العنصري وحتى يومنا هذا.
إن موضوع حق عودة اللاجئين والتعويض عليهم واسع جداً ومهم جداً ويمكن اعتبار حق العودة المحور الرئيس لإيجاد أي حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية. وبما أن القرارات الدولية التي تؤكده عديدة أيضاً فمن الصعب بل من المستحيل تغطيته في لقاء قصير لأنه يحتاج إلى الكثير من التعمق والدراسة والتحليل والنقاش لإظهار جوانبه ومؤيداته القانونية كافة، إلا أن هذا لا يمنعنا من القيام بجزء من واجبنا القومي وتسليط الضوء على بعض جوانبه الرئيسة على سبيل المثال وليس الحصر وذلك استناداً ووفقاً لقواعد القانون الدولي المعمول بها والقرارات الدولية المتعلقة بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين والتعويض عليهم.
أولاً ـ حق العودة وحق تقرير المصير:
إن حق تقرير المصير مبدأ أساسي من مبادئ الأمم المتحدة الواردة في ميثاق المنظمة الدولية. وقد أكدت ذلك المبدأ الفقرة الأولى من المادة الثانية من الميثاق. ومع ذلك فلم تقم الأمم المتحدة بدورها بشكل فعال وحقيقي لمساعدة الشعب العربي الفلسطيني للتمتع بحقه المشروع لتقرير مصيره أسوة ببقية الشعوب المستعمرة، بل على العكس من ذلك فقد أصدرت منظمة الأمم المتحدة متمثلة بمجلس الأمن والجمعية العامة قرارات مجحفة أو منقوصة بحقوق الفلسطينيين ومنها على سبيل الذكر لا الحصر:
1ـ القرار رقم (181) الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 29/11/1947:
الذي تضمن التوصية بخطة لتقسيم فلسطين. وقد خالفت الجمعية بذلك ميثاق المنظمة حيث سلبت في هذا القرار الشعب العربي الفلسطيني حقه في تقرير مصيره، الأمر الذي سمح فيما بعد بقيام الدولة الصهيونية العنصرية واعتراف المجتمع الدولي بها. وهكذا يتضح أن المنظمة الدولية ساهمت في تكريس وتعميق الوضع المأساوي للشعب الفلسطيني بشكل مباشر وغير مباشر.
2 ـ القرار رقم (194) تاريخ 11/12/1948:
جاء في الفقرة (11) من هذا القرار أن الجمعية (تقرر وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وعن كل مفقود أو مصاب بضرر، عندما يكون من الواجب وفقاً لمبادئ القانون الدولي أن يعوض عن ذلك الفقدان أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة)، ودفع تعويضات عن الخسارة والضرر الذي أصاب الممتلكات لإصلاحها، وإرجاعها إلى أصلها.
كما تم في القرار ذاته إنشاء لجنة التوفيق الخاصة بفلسطين وأناط بها القرار مهمة تسهيل عودة اللاجئين وتوطينهم من جديد وإعادة تأهيلهم الاقتصادي والاجتماعي ودفع التعويضات لهم.
ومع ذلك فقد قصرت الأمم المتحدة في إيجاد آلية واضحة وملزمة لتنفيذ هذا القرار بصورة واضحة حيث لم تقم المنظمة باتخاذ قرار من الجهاز التنفيذي فيها وهو مجلس الأمن يفرض على الكيان الصهيوني الالتزام بتنفيذ القرارات الدولية الصادرة عن الجمعية العامة، وبالتالي بقيت قراراتها حبراً على ورق في كل ما يتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني. ومن المعلوم أن الكيان الصهيوني لم يكترث بأي من القرارات الدولية ومع ذلك فقد تم قبول (إسرائيل) عضواً في الأمم المتحدة.
3 ـ قرار قبول (إسرائيل) عضواً في الأمم المتحدة:
صدر قرار الجمعية العامة رقم 273/تاريخ 11/5/1949، يقضي بقبول (إسرائيل) عضواً في الأمم المتحدة، بعد قبولها الالتزام بإعادة اللاجئين، ومع ذلك لم تنفذ هذا القرار، وبالتالي فإن شرعية عضويتها مطعون بها.. إن عدم إلزام الأمم المتحدة لإسرائيل بتنفيذ قراراتها يعني أن المنظمة الدولية شجعت الدولة الصهيونية على المضي قدماً في تنفيذ سياستها الاستعمارية والاستيطانية على حساب أصحاب الأرض الحقيقيين، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى الاستمرار بتحويل حق الشعب العربي الفلسطيني بتقرير مصيره على أرضه ووطنه إلى قضية لاجئين يتم البحث فيها من ناحية إنسانية واقتصادية فقط.
ومن الجدير بالذكر أنه ليس من الصعب من الناحية القانونية تحميل (إسرائيل)، بل ومعها الأمم المتحدة، المسؤولية عن نشوء قضية اللاجئين الفلسطينيين واستمرار معاناتهم. فالقواعد القانونية تتطلب لإعمال المسؤولية وجود رابطة سببية بين فعلٍ والنتيجة التي أدى إليها، وهذا ما يتضح من قيام العصابات الصهيونية ودولة الاحتلال بأفعال إجرامية أدت إلى إجبار الشعب الفلسطيني على مغادرة أرضه، ورغم ذلك فقد ساهمت الأمم المتحدة في إنشاء (إسرائيل) واعتراف المجتمع الدولي بها.
ومع أنه من الواضح تقصير الأمم المتحدة في حماية الشعب الفلسطيني والسماح له بتقرير مصيره فإن لبعض القرارات أهمية من حيث ربط قضية عودة اللاجئين بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وضرورة تمتعه بحقوقه غير القابلة للتصرف. وأهم هذه القرارات القرار رقم (3236) تاريخ 22/11/1974 الذي يؤكد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره دون تدخل خارجي والحق في الاستقلال والسيادة الوطنيين، وهذا القرار يؤكد أيضاً حق الفلسطينيين غير القابل للتصرف في العودة إلى ممتلكاتهم التي شردوا منها واقتلعوا منها وتطالب الجمعية فيه بإعادتهم إلى وطنهم.
وقد تتالت القرارات التي تؤكد هذه الحقوق ولكن دون وجود أية آلية فعالة لتنفيذها وهو ما أدى ويؤدي في نهاية الأمر إلى تجاهلها جميعاً وبما أن إسرائيل لم تلتزم بهذه القرارات وبتعهداتها باحترام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة التي تم قبولها عضواً فيه فقد كان من المتوجب أن تقوم الأمم المتحدة بطرد إسرائيل من عضويتها لأن احترام القواعد القانونية الدولية شرط لابد من توافره في قبول أعضاء الأمم المتحدة.
ثانياً ـ العودة أو التعويض والتوطين:
تعددت قرارات الأمم المتحدة التي تطالب (إسرائيل) بإعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم. وقد عبرت هذه القرارات عن أسف الجمعية الشديد لعدم إعادة اللاجئين إلى أوطانهم أو تعويضهم ومنها القرار رقم (3089) تاريخ 7/12/1973 الذي عبرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة عن أسفها لعدم تنفيذ القرار رقم (194) تاريخ 11/12/1948 وأكدت فيه أيضاً حق النازحين في العودة إلى ديارهم التي شردوا منها نتيجة عدوان 1967. وأهاب (بإسرائيل) أن تسهل عودة السكان الذين فروا من مناطقهم منذ نشوب الأعمال العدائية.
إن جميع القرارات التي سبقت غيرها لا تخلو من الأهمية وذلك لتأكيدها على حق العودة والتعويض وحق تقرير المصير. ومن الأهمية بمكان في هذا المجال التذكير بأن حق العودة والتعويض حقان متلازمان ومترابطان من حيث أنهما حقان للشعب الفلسطيني بأكمله وحقان لكل لاجئ فلسطيني شرد من دياره ولكل نازح أيضاً.
ومن الناحية القانونية فلابد من التذكير أيضاً بأساس كل حق. فحق العودة يرتبط بحق أساسي لا ينفصل عن حق تقرير المصير وحق التعويض هو حق يرتبط بالأضرار التي تعرض لها الشعب الفلسطيني جماعة وأفراداً منذ اقتلاعه من أرضه وممتلكاته وهو يشمل أيضاً التعويض عن الأضرار المادية والجسدية التي تعرض لها اللاجئون الفلسطينيون والنازحون، كما يشمل التعويض عن الأضرار المعنوية التي لا تقل أهمية عن الأضرار المادية وفقاً للاتجاهات الحديثة في القانون المعاصر. ومن هنا يجب عدم الحديث عن حق العودة أو التعويض بل عن حق العودة وحق التعويض لأن أساسهم القانوني مختلف من حيث الموضوع والجوهر.
ثالثاً ـ حق العودة وحق التصرف:
بما أن العودة والتعويض هما جماعيان للشعب الفلسطيني كوحدة بشرية وحقان لكل إنسان فلسطيني لاجئ فإن التنازل عن أحدهما أو عنهما لا يمكن أن يتم من الناحية القانونية إلا بموافقة أصحابهما الشرعيين. حيث من يملك الحق يملك حرية التنازل عنه شريطة أن يكون حر الإرادة وغير مقيد، وهذا لا ينطبق على الشعب الفلسطيني المشرد والذي طرد من أرضه ودياره التي اغتصبتها عصابات القتل والإرهاب واستكملت احتلالها قوات الكيان الصهيوني العنصري المصطنع.
وهكذا فلابد أولاً من إعادة اللاجئين إلى أرضهم وديارهم في فلسطين التاريخية وإعادة الحرية لهم على هذه الأرض كي يستطيعوا التعبير بإرادة مطلقة عن مطالبتهم بالتعويض عن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت بهم منذ طردوا من وطنهم.
وبما أن حق العودة والتعويض حقان متلازمان للشعب الفلسطيني كمجموعة وأفراد فإنه من غير المعقول أو المقبول أن يتم التصرف بحقوقهم التي نصت عليها القرارات الدولية. وهذا ما ينطبق أيضاً على حق تقرير المصير غير القابل للتصرف أيضاً. والقرارات التي تؤكد هذه الحقوق كثيرة جداً ولا نجد هنا مجالاً لذكرها وتحليلها برمتها.
والمهم أن حق الملكية هو حق لا يستطيع أن يتنازل عنه إلا من يملكه وبالتالي فإنه لا يحق لأية جهة مهما كانت أن تتنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير والتعويض (وليس فقط في العودة أو التعويض). وإنه بالإمكان القول إن كل جهة تخالف ذلك تكون قد تعدت على حقوق الشعب الفلسطيني برمته وحقوق اللاجئين جميعاً، وتكون قد قامت بما يماثل ما قامت به بريطانيا بوعد (بلفور المشؤوم) وذلك بمنحها أرضاً لا تملكها عصابات ليس لها الحق فيها وكذلك ما قامت به الأمم المتحدة بإصدار قرار التقسيم رقم (181) تاريخ 29/11/1947 حيث تصرفت بأرض فلسطين التي لا تملكها دون حق ودون استفتاء الشعب العربي الفلسطيني صاحب الحق في أرضه ووطنه وتقرير مصيره بنفسه وبملء إرادته.
وفي الختام لابد من القول هنا أن ما كتب في هذه الأسطر ليس إلا جزءاً يسيراً مما يمكن كتابته وتحليله في موضوع حق العودة وما يستحقه من عناية واهتمام كواجب قومي.
حق العودة في الوثائق والأعراف الدولية
حديثي عن حق العودة في الوثائق والأعراف الدولية يتضمن عدة نقاط، أولها أن المشكلة نشأت من أفكار هرتزل عن دولة اليهود والمشروع الصهيوني الاستيطاني الهادف إلى إخراج الناس من بيوتهم وجلب آخرين يحلون محلهم.
هذا هو جوهر المشروع الاستيطاني الصهيوني ؛ وثانيها أن وعد بلفور جاء في 29/ت2/1917 ليؤكد أفكار هرتزل، وثالثها أن انتداب بريطانيا على فلسطين في أعقاب الحرب العالمية الأولى جاء لتنفيذ المشروع الصهيوني الاستيطاني التوسعي.
إننا نعلم أن عملية تهجير الفلسطينيين وطردهم من ديارهم وأراضيهم قد بدأت قبل انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين في 15/5/1948. واستمر بعد هذا التاريخ إذ كان إنهاء الانتداب حينذاك بمثابة ضوء أخضر للقيادة الصهيونية كي تعلن عن إقامة دولة إسرائيل في التاريخ نفسه.
ونعلم كذلك أن الأمم المتحدة عينت وسيطاً دولياً من السويد اسمه الكونت فولك برنادوت لحل مشكلة اللاجئين، وجاء في تقريره ضرورة إعادة اللاجئين، فما كان من القيادة الصهيونية إلاَّ أن اغتالته في 15/9/1948 في وضح النهار أمام سمع العالم وبصره. ومع ذلك فقد أسفر تقريره عن صدور القرار 194 عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة بتاريخ 11 /12/1948. ولابد لي من الإشارة إلى أن هذا القرار كان منسجماً مع المنظمة العالمية لحقوق الإنسان ومبادئها ومطالبها، ومع التجارب التي عرفتها الشعوب الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية حيث هُجر كثير من البشر، فنشأت منظمة اللاجئين الدولية التي أعادت اللاجئين إلى بلدهم. وكان مشروع برنادوت يدعو إلى تطبيق ما جرى في البلدان الأوروبية على فلسطين والفلسطينيين. ومن هنا نص القرار 194 على وجوب إعادة اللاجئين الفلسطينيين، ونص كذلك على إنشاء لجنة عرفت باسم لجنة التوفيق الدولية مؤلفة من عدة دول للمساعدة في عملية إعادة اللاجئين. وينسجم القرار 194 كذلك مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يمنح كل إنسان حقه في عودته إلى وطنه الذي خرج منه أو أُخرج لأي سبب كان. وجرى تأكيد القرار أكثر من مائة مرَّة حتى الآن. وبالتالي يصبح هذا القرار ملزماً دولياً نتيجة التكرار والتأكيد المستمرين.
ثم صدر القرار 242 الذي دعا الأطراف المتحاربين في العام 1967 إلى وقف القتال، مع النص على عدم جواز ضم أراضي الغير بالقوة، وعلى ضرورة تسوية مشكلة اللاجئين.
ومن المواقف الدولية البارزة التي تناصر حق اللاجئين الفلسطينيين في عودتهم إلى ديارهم وأرضهم هو ذلك الموقف الذي اتخذه مؤتمر " دربن " الذي ضم هيئات مدنية من جميع أنحاء العالم وشهده مسؤولون من دول عظمى، إذ أصر المؤتمر على وجوب إعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم وأراضيهم ومزارعهم، ودعا المجتمع الدولي إلى العمل على تنفيذ القرار 194 المتعلق بعودة اللاجئين الفلسطينيين. صحيح أن المؤتمر لم يستطع إدانة الكيان الصهيوني بالعنصرية، ولم ينجح في إعادة تفعيل وإحياء القرار 3379 الذي يعتبر الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية. لم ينجح بذلك بفضل دعم أمريكا لإسرائيل كعادتها في كل المحافل الدولية، وتهديدها باتخاذ إجراءات ضد من يسعى إلى إحياء ذلك القرار. ومع ذلك اعتبرت إسرائيل إصرار المؤتمر على ضرورة إعادة اللاجئين الفلسطينيين بأنه إنذار لها بالدمار.
الواقع أن حق العودة ثابت في المواثيق والأعراف الدولية. وهذا أمر لا يمكن إنكاره. لكن هذا القرار لن يجد طريقة إلى التنفيذ ما لم تكن هناك قوة تدفعه في ذلك الاتجاه.
ومن المفارقات أن إسرائيل أعلنت التزامها بإعادة اللاجئين الفلسطينيين في العام 1949 عندما تقدمت بطلب عضوية إلى الأمم المتحدة لأن من شروط القبول أن تكون إسرائيل دولة مسالمة وتلتزم بإعادة اللاجئين إلى ديارهم ووطنهم. فقبلت ذلك وبالتالي قُبل طلبها وأصبحت عضواً في هيئة الأمم المتحدة بموجب القرار 273 تاريخ 11/5/1949. لكن سرعان ما تنكرت لذلك الالتزام، ولم تستطع الدول العربية إجبارها على تنفيذ التزامها، ولم تبذل دول العالم أي جهد يذكر لإلزامها به.
ومنذ أن بدأت محادثات السلام في مدريد في مطلع العقد الأخير من القرن العشرين شعر الفلسطينيون بالخطر يحدق بحق العودة. فنشأت لجان ومراكز عدة في مختلف أنحاء العالم، وفي البلاد العربية تعمل من أجل حق العودة. من هذه اللجان والمراكز مركز لندن للعودة، ومؤسسة سلمان أبو ستة ؛ وهنا في سوريا توجد مجموعة عائدون، ومجموعة 194، والهيئة الفلسطينية لحق العودة التي تقيم هذه الندوة والتي تتابع عقد الندوات في مختلف المحافظات السورية. هناك مؤتمرات كثيرة عقدت حول حق العودة كالذي عقده مركز دراسات الشرق الأوسط في عمان منذ حوالي سنتين. وظهرت مطبوعات كثيرة عن حق العودة. حتى في فلسطين المحتلة منذ العام 1948 عقد مؤتمر لحق العودة في حيفا شارك فيه كثيرون ونشرت صحيفة ديلي ستار البيروتية الصادرة بالانكليزية تقريراً مفصّلاً عنه ووصفته بأنه كان حاشداً جمع الفلسطينيين وبعض الإسرائيليين الذين يؤيدون الحقوق الفلسطينية.
يجب أن تهتم مؤسسات أهلية بحق العودة وتحاول إقناع الرأي العام العالمي بضرورة تنفيذه. وهذه مهمة ليست سهلة، وليس الطريق معبداً، ولكنه مفتوح أمام التوصل إلى نتائج إيجابية كما حصل في مؤتمر " دربن " فما من أحد يستطيع التشكيك بهذا الحق أو التنازل عنه.ولكن هناك من يرى أن هذا الحق ربما يضيع بالتقادم، خصوصاً إذا لم يكن هناك من يدافع عنه ويطالب بتنفيذه يومياً.
وقد حدثني السيد نجم الدين الرفاعي، المقيم في حلب، وهو من الشخصيات السورية السياسية البارزة التي عملت في الأمم المتحدة ؛ حدثني عن محاولة قامت بها الولايات المتحدة في العام 1953 لإلغاء القرار 194 لولا أن تابعه هو والأستاذ أحمد الشقيري، الفلسطيني، الذي كان ضمن الوفد السوري حينذاك إلى الأمم المتحدة.
ويجب ألا ننسى أن الولايات المتحدة استطاعت في العام 1991 إلغاء القرار 3379 الذي يساوي الصهيونية بالعنصرية، وكانت تلك بادرة غير مسبوقة في تاريخ الأمم المتحدة. ومن يضمن أن تتكرر هذه المحاولة لإلغاء القرار 194 وغيره من القرارات التي تعتبرها الصهيونية وأمريكا في صالح الشعب العربي الفلسطيني وقضية العودة، إن لم تتواصل الجهود المنظمة والموحدة من أجل إحباط أية محاولة من هذا القبيل ومن أجل وضع حق العودة موضع التنفيذ؟!.
وكانت الذريعة التي صدقها بعض العرب هو أن إلغاء القرار 3379 يمهد الطريق أمام عملية السلام، ولولاه ما عقد مؤتمر مدريد. ولكن لنتساءل ماذا كانت النتيجة؟ القرار ألغي والسلام لم يتحقق. فمن يدري إن كانوا سيخرجون علينا بذريعة مماثلة؟. لذلك لابد من الحذر، ولابد من الاستمرار في العمل من أجل حق العودة.
حتى القرار 242 يتعرض لمحاولات تعديله وإخراجه عن المدلول الذي صدر من أجله. ألم تصرح إدارة بوش في 14/12/2003 بأن العودة إلى حدود العام 1967 ليست ضرورية؟ فما معنى ذلك؟ ثم ألم يصرح الرئيس الأمريكي بوش بأن عودة اللاجئين الفلسطينيين تعني العودة إلى دولتهم، التي ستقوم في المستقبل، وليست إلى إسرائيل ؛ وماذا يعني ذلك أيضاً؟
هناك محاولات من جهات معينة لاحتواء حق العودة كأطراف وثيقة جنيف، وهذه أمور يمكن بحثها بالتفصيل في وقت لاحق.
وأحب القول هنا أنه من المناسب جداً، بل من الضروري والمفيد أن يكون هناك برنامج جدي لمحاولة إعادة الأمور إلى نطاقها الطبيعي، إلى القرار 242 والقرار 194.
وثمة مناسبات عديدة يمكن الاستفادة منها. فمثلاً لابد من مخاطبة اللجنة الرباعية، والإعلان عن رفض ما صرح به بوش بشأن عودة اللاجئين والمستوطنات. كما ينبغي مخاطبة قمة الدول الصناعية، وحشد الجهود لإظهار القضية العربية متماسكة وقوية.
وأخيراً أقول إن المعوَّل عليهم بالدرجة الأولى في العمل من أجل العودة هم اللاجئون الفلسطينيون الذين يجب أن يبذلوا كل ما بوسعهم وكل ما لديهم من طاقات، والتوجه إلى جميع الهيئات الأهلية والرسمية الفلسطينية والعربية والدولية من أجل هذا الحق المقدس.
العودة... مشكلة... أم حل...؟!
في الواقع لا يكون الحق مشكلة إلا عندما يصر الطرف الآخر على رفض هذا الحق أو رفض الاعتراف به.
ولذلك قد لا يبدو هذا السؤال مشروعاً عندما نتحدث عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي طردوا منها في فلسطين عام 1948 لأن حق العودة كأي حق طبيعي للبشر واضح بطبيعة الحال ولا يمكن أن يكون مشكلة إلا عند اللصوص والقراصنة والغاصبين.
إنه حق غير خاضع لمعايير أو بيانات اعتراف أو عدم اعتراف من أية جهات دولية كانت أو غير ذلك.
ولكننا نضعه في صيغة السؤال ـ مع الأسف ـ لنعبر عن الحالة التي يصل فيها الإنسان إلى وضع يضطر فيه أن يمد يده ليتحسس قلبه ليتأكد من أن قلبه لا زال موجوداً ولا زال ينبض... أي حالة الاضطرار إلى تأكيد المؤكد...
ونحن هنا جميعاً ومنذ أكثر من خمسين عاماً نتناقل لاحقاً عن سبب السؤال اليومي الجارح هل نعود؟ جدي تساءل ذلك وأبي تساءل ذلك فهل أجد نفسي محاصراً بالسؤال نفسه أورثه لابني وحفيدي..؟ السؤال مزروع على كل شفة ولسان على بساطته ووضوحه لأنه بالنتيجة هو السؤال المطلوب من كل النظريات والأفكار والسياسات المتداولة أن تجيب عليه.
إنه العطش الحقيقي للاجئ الفلسطيني منذ أكثر من نصف قرن وحتى الآن بل وحتى العودة.
ومن المسلم به أن هذا السؤال ليس له سوى إجابة واحدة هي "نعم" مهما بلغ اليأس منا مبلغه ومهما اسودت الصورة حولنا.
وهذا الإحساس بالإيمان والحتمية بالعودة هو السلاح الأمضى في أيدينا بل هو السلاح الوحيد الذي لن يتمكن العدو من امتلاك مثيل مضاد له. وحتى تكون هذه أل "نعم" قريبة التحقيق والقبض عليها ليس كالقبض على الريح نقول: ماذا أعددنا وماذا خططنا وماذا فعلنا وماذا نفعل من أجل العودة...
إن الجذور التاريخية لمشكلة اللجوء الفلسطيني تعود إلى بداية التحالف الذي نشأ بين سلطة الانتداب البريطانية على فلسطين والحركة الصهيونية العالمية والذي وضع نصب عينيه هدف ما سمي إقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين والذي تم تكريسه بموجب ما سمي بوعد بلفور عام 1917 وما أدى إليه التحالف بين القوى الاستعمارية والصهيونية العالمية منذ ذلك التاريخ وحتى طرد الفلسطيني سكان البلاد الأصليين من فلسطين عام 1948 وإقامة ما سمي بدولة إسرائيل بعد أن كان قد تم زرع الفكرة في مؤتمر بال بسويسرا عام 1897.
إن التلميح إلى الصعوبات والمحبطات التي تحيط بحق العودة والذي يتردد دائماً ليس مرده أية إشكاليات أو غموض يتعلق بالحق نفسه بل إنه غير مقبول منا إطلاقاً أن نعلق على شماعة الظروف الصعبة هذه أية تبريرات أو تفسيرات أو غير ذلك مما قد يريح النفس من عبء المسؤولية إلى حين ويبعد العودة إلى حين أبعد.
ولا يتجادل اثنان في حقيقة معروفة ومفهومة وهي أن لا تصنيف لشعبنا في هذا المجال ـ مجال حق العودة ـ فليس من فلسطيني إلا وهو متمسك بهذا الحق ومن الثابت والمسلم به أيضاً أن التمسك بهذا الحق يزداد طرداً لدى الأجيال التي ولدت خارج أرض فلسطين، لذا فليطمئن التاريخ بأننا لن نخذله وبأننا لمنتصرون.
إن تعميق الوعي التاريخي لدى أجيالنا المتعاقبة بما يكرس ثقافة العودة يجب أن يكون مرتكزاً أساسياً من مرتكزاتنا التربوية والوطنية على الدوام لأن هذه الثقافة هي خط الدفاع الأخير عن وجودنا وتاريخنا برمته.
وقد يقول قائل بأن حق العودة ليس بحاجة إلى ثقافة خاصة به وقد يكون ليس بحاجة إلى ثقافة أصلاً على اعتبار أنه مسألة تتعلق بالوجود وكيفية الدفاع عن هذا الوجود وهذا أمر فطري وغريزي في الإنسان تحركه الغريزة والفطرة قبل أي شيء آخر.
وهذه مقولة صحيحة تماماً ولكن ثقافة العودة التي ندعو إليها هي ثقافة تهدف إلى ابتكار واشتقاق النضال والعمل المناسب من أجل تحقيق هذا الهدف، هذا من جانب ومن جانب آخر حتى نظل متيقظين ومتصدين للمحاولات الصهيونية المستمرة لتزوير تاريخنا وتكييف تاريخهم بما يخدم مصالحهم العدوانية والاستيطانية والتوسعية.
إن تاريخ الشعوب والأمم هو سلسلة من النهضات التي تعتريها بعض الكبوات هنا وهناك. في مطلع الخمسينات من هذا القرن وخلال السنوات العشر الأولى التي تلت النكبة كان الوضع الفلسطيني في بلاد اللجوء يبدو للناظر كبوة لا نهوض منها وإن العودة ـ حتى أمل العودة ـ صار بعيد المنال أو مستحيلاً ولكن مطلع الستينات سرعان ما شهد بداية النهضة الثورية الفلسطينية التي انطلقت من عقالها لتحول الفلسطيني الواقف أمام كشك الأونروا لاستلام مؤونته إلى عملاق ثوري يدوي اسمه ويتردد نضاله في كافة أرجاء المعمورة.
منذ عام 1948 وحتى الآن نستند في مطالبتنا بحق العودة إلى القرار رقم 194 تاريخ 11/12/1948 والصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة والذي نص في مادته رقم 11 على ما يلي:
وجوب إعادة اللاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم في أقرب فرصة سانحة، كما يجب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين لا يرغبون في العودة، وتعويضات عما أصاب الممتلكات من أضرار وخسارة بموجب القانون الدولي والعدالة والإنصاف، وذلك من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة.
ونلاحظ هنا نص القرار بالتعويض والعودة معاً وليس أحدهما.
ونذكر بالمناسبة أن الولايات المتحدة الأمريكية التي تتنكَّر الآن لحق العودة بكل صلافة كانت من بين الدول التي صوتت مع هذا القرار وأيدته، وإن تنكرها الآن لحق العودة يشكل مفارقة قانونية وسابقة عبثية على صعيد العلاقات الدولية واحترام ميثاق الأمم المتحدة وقراراتها والالتزام بها.
وفي هذا السياق نقول إن اعترافنا بالقرار 181 أي قرار التقسيم الصادر عام 1947 أو القرار رقم 194 المتضمن حق العودة والصادرين عن الأمم المتحدة وكل القرارات الأخرى الصادرة عنها لا يعني بأي حال من الأحوال بأن عدالة قضيتنا وحقنا في أرضنا ينبعان من هذه القرارات فنحن على هذه الأرض منذ آلاف السنين، فشعبنا موجود على أرضه بقوة الحق والتاريخ الضارب إلى الأزل، وإنما يعني أننا نقبل بقرارات دولية صدرت في ظل ظروف اختلال موازين القوى بيننا وبين عدونا الصهيوني وأن الاعتماد على هذه القرارات في الظروف الحالية الصعبة أيضاً سوف يكون أحد وسائل تفعيل قضيتنا وإبقائها موجودة على الخارطة السياسية وفي الضمير العالمي وحتى يتسنى لنا إقناع هذا الضمير بحقنا الكامل في أرضنا، وفي كل الأحوال يظل مفتاح الحل وتحقيق العودة مرهوناً بقدرة شعبنا على المقاومة والصمود والتضحية وهذا ما فعله شعبنا وما زال يفعله وسيظل حتى العودة.
مدخل إحصائي مبسط:
إن عملية اللجوء الفلسطيني إلى أماكن وبلدان خارج فلسطين وداخلها قد تمت نتيجة تكريس واقع استيطاني استعماري عن طريق الأعمال الحربية والإرهاب والعنف والمجازر ضد المدنيين أصحاب الأرض الحقيقيين وتهجيرهم بالقوة إلى خارج ديارهم وذلك تطبيقاً للنظرية الصهيونية الاستيطانية التي أقرها المؤتمر الصهيوني المنعقد في لاهاي عام 1908 والذي قرر (على اليهود أن يضيقوا الخناق على الفلسطينيين حتى يجبروهم على ترك ديارهم إلى الأقطار العربية الواسعة وبكل الوسائل).
وفعلاً وبحلول عام النكبة 1948 كانت إسرائيل قد هجرت بالقوة والإرهاب ما يقارب 90% من الفلسطينيين من الأراضي التي استولت عليها وأن أكثر من ثلثي تلك الأراضي كانت زيادة على المساحات الواردة في قرار التقسيم.
وتقدر الأونروا هذا العدد بحوالي 960 ألف. أما تقديرات الصليب الأحمر فتقدرهم بحوالي مليون شخص من أصل 1.200.000 مليون ومئتي ألف شخص هو عدد الفلسطينيين عام 1948.
أما عدوان 1967 فقد أدى إلى نزوح أكثر من 350000 فلسطيني. تختلف قليلاً الأرقام التي توردها الجهات الإحصائية الفلسطينية ومراكز الأبحاث والدراسات العاملة في هذا المجال ومصادر الأونروا ونحن هنا سنعتبر معدلاً متوسطاً لهذه الإحصائيات.
يقدر عدد الفلسطينيين كافة (الآن) بحوالي 8250000 نسمة موزعين كما يلي:
43% الضفة الغربية وقطاع غزة وفلسطين الـ 48.
44% الأردن وسوريا ولبنان ومصر والعراق.
14% في باقي دول العالم.
أي أن أكثر من نصف عدد الشعب الفلسطيني لاجئون حيث يبلغ عددهم 4700000 نسمة مسجل منهم في سجلات الأونروا فقط 3.1 مليون نسمة بينما يقدر الدكتور سلمان أبو سته عدد اللاجئين الحالي بـ 5.248.000 نسمة بما فيهم اللاجئين الفلسطينيين داخل إسرائيل المقدر عددهم بحوالي 250000 نسمة.
أما بالنسبة للأراضي فقد استولى اليهود عام 1948 على 77.4% من أرض فلسطين التاريخية بينما كانوا يملكون فقط 5.6% من الأراضي في ذلك الحين.
وأما قضية اللجوء فإذا أردنا أن نعرفها كقضية لاجئين فلا بأس أن نأخذها من فم الآخرين في قول لبيرتراند رسل في رسالة إلى أعضاء مجلس النواب البريطاني عام 1970 وقبل أن يموت بقليل حيث قال:
مأساة شعب فلسطين أن بلدهم أعطي بقوة أجنبية إلى شعب آخر لخلق دولة جديدة.
النتيجة كانت مئات الآلاف من الأبرياء جعلوا مشردين بشكل دائم. إلى متى يحتمل العالم هذا المنظر شديد القسوة؟ من الواضح جداً أن اللاجئين يمتلكون كل الحق في الوطن الذي طردوا منه ونكران هذا الحق هو جوهر النزاع المستمر.
ومن أجل استكمال الصورة نقول إن توزيعاً آخر للاجئين هو كما يلي:
لاجئي عام 1948
لاجئي عام 1967
اللاجئون الفلسطينيون داخل ما يسمى إسرائيل.
لم يسجل التاريخ الإنساني البعيد أو القريب أن شعباً من الشعوب قد اقتلع من أرضه وتم نفيه إلى خارج هذه الأرض وزرع شعب آخر غريب مكانه كما حصل للشعب العربي الفلسطيني عام 1948 في سابقة لا مثيل لها بقصد فرض واقع لم تستطع الصهيونية المدججة بالسلاح والذرة ومعها أمريكا والغرب المساند لها بكل أشكال المساندة حتى الآن جعله أمراً واقعاً.
لم يستطيعوا فرض الاستسلام لحظة واحدة فما زالت الأمة العربية والشعب الفلسطيني بل والعالم الحر كله يمور بالهياج والرفض والمقاومة لهذا الحدث الجلل الذي يتناقض مع منطق التاريخ والحياة والقانون.
فقط استثناء تاريخي واحد أو تشابه جزئي واحد في العقلية العدوانية الإبادية الاستيطانية جرى لشعب آخر هو الشعب الهندي الأحمر(سكان أمريكا الأصليون) على يد المهاجرين الجدد أجداد الأمريكيين الحاليين مع فارق واحد وهو أن الهنود الحمر اقتلعوا من أرضهم ولكنهم لم يهجروا منها بل تركوا جذوعاً ملقاة في أرضهم لكي تيبس وتجف وتموت مع الزمن.. على أيدي حماة حقوق الإنسان الأمريكيين.
ولعل من المفارقة أن يحدث ما حدث للشعب الفلسطيني من عدوان صارخ وظلم لا مثيل له، ذلك الشعب الذي كان على الدوام وعبر كل العصور مهد الرسالات وحاضنة الأديان السماوية والذي حفظ للبشرية تاريخها وكان اميناً في ذلك صادقاً كل الصدق مثل كل القيم الإنسانية الخيرة وتمثلها برضى وقناعة ووقف في وجه كل محاولات التزوير والتشويه والسرقة التي تعرض لها هذا التاريخ على أرض فلسطين هذا الشعب الذي عبر على الدوام عن قدرته المدهشة على فهم التاريخ وتمثل حقائقه فلم يذكر أبداً أن فتنة دينية أو طائفية أو عرقية حصلت في فلسطين في يوم من الأيام، لقد وعى شعبنا دائماً معنى كونه أرض الرسالات ومهد الحضارات وملهم الإنسانية إنسانيتها نقول هذا بمنتهى الشفافية وفي إطار إنسانية الإنسان العربي وقيمه وتسامحه وتاريخه.
لا أريد لأحد أن يتبادر إلى ذهنه أنني أقول هذا لأستفز في ذهنه؟ سؤالاً مثل:
هل ما جرى لشعبنا في فلسطين 1948 هو مكافأة العالم له على كل ذلك؟ إن ما جرى لشعبنا هو ليس كذلك بل هو تآمر دولي صهيوني استعماري خارج عن كل القيم والمثل ومنطق التاريخ ليس ضدنا فقط بل ضد الأمة العربية كلها بتاريخها وحضارتها ورسالاتها ووجودها... إن من فعلوا ذلك هم فئة قرأت التاريخ ولم تفهمه وفئة أخرى ـ هي الصهيونية ـ قرأت التاريخ ووجدت أنه في غير صالحها فعملت على تزويره وتشويهه وقلب حقائقه لخدمة مصالحها الشريرة، فئة تعتقد ـ مستهترة بالتاريخ والعقل معاً ـ على سبيل المثال أن التاريخ يصنع بآلات الحفر في الآثار بل وحتى بصنع الآثار تحت الحرم أو تحت المسجد الأقصى وكأن العالم لا ذاكرة له ولا هوية ولا تاريخ.
إنهم يعتقدون على سبيل المثال أن تغيير اسم قرية عين غزال إلى عين ايالاه أو اسم قرية جبع إلى جفع كرمل أو الفالوجة إلى بلوجوت يمكن أن ينسف جذور التاريخ ويغير حقائقه، وهذا أمر مناقض تماماً لمنطق الحياة والعقل ولا ينسجم حتى مع منطق سوبر ماركت العولمة الذي ينادون به ليل نهار...! هذا المنطق الذي لا يستطيع إلا أن يقر مثلاً بأن قطعة الجبنة لا تصبح رغيفاً بمجرد أنك وضعت عليها لصاقة تقول إنها رغيف، فقرية لوبية ستظل لوبية حتى لو سوروها بألف جدار من اللصاقات التي تحمل اسم (لافي).. إنهم يتوهمون أن الشعوب كالشجر تزرع وتقلع، بينما الحقيقة القدرية تقول إن الشعوب بتاريخها وإيمانها راسخة كالأرض فوق أرضها لا تتزعزع...
وهنا أعتقد أننا بحاجة إلى معرفة الموقف الصهيوني من قضية العودة وذلك من باب أن معرفة ما يدور في ذهن العدو هو أحد أسلحة مجابهته.
يستند الرفض الصهيوني المعلن لعودة اللاجئين إلى ديارهم على مرتكزين أساسيين هما:
الأول استراتيجي بالنسبة "لإسرائيل" وهو الحلم الصهيوني الاستعماري في إقامة دولة يهودية صافية في فلسطين مستندين في ذلك على دعاوى توراتية زائفة وأوهام تاريخية وضعها دهاقنة اليهود لكي يستخدموها لتحقيق مصالح استعمارية واستيطانية على حساب أرض الشعب الفلسطيني ووجوده.
وهم في ذلك لم يترددوا في تزييف وتحوير وتشويه حتى تاريخهم ودينهم.
والثاني تكتيكي يقول بأن حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ما يسمى إسرائيل يهدد كينونة الدولة العبرية كدولة يهودية وأن هؤلاء العائدين إلى ديارهم سيشكلون قنبلة سكانية أخرى إضافة للقنبلة السكانية التي يشكلها ما يسمى بعرب إسرائيل 1948 حالياً.
ولذلك طرحت إسرائيل عددا ًمن المشاريع التي تحقق لها عدم عودة هؤلاء اللاجئين إلى ديارهم وإذابتهم في أماكن وجودهم خارج فلسطين كمشروع الون واقتراحات رعنان فايتس ومشروع موشي ديان وغير ذلك.
وكان آخر مشروع لتوطين اللاجئين الفلسطينيين ما عرضه بعض النواب الأمريكيين وبإيعاز من اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الذي اقترح على عدد من الدول العربية من بينها دول الخليج العربي توطين 35 ألف فلسطيني سنوياً في كل دولة لمدة عشر سنوات ليصل عدد المواطنين مع نهاية السنوات العشر إلى حوالي مليوني شخص.
وطبيعي أن هذا الاقتراح قد رفض من قبل الدولة العربية المعنية لأسباب عديدة أولها وأهمها أنها تعرف مسبقاً أن الفلسطينيين سوف يرفضون هذا المشروع فوراً ومن أساسه.
وباختصار يتلخص الموقف الصهيوني المخادع والمضلل من حق العودة بما يلي:
ـ إن مسألة لاجئي عام 1948 كانت من صنع الدول العربية...؟!
ـ إن نحو 600 ألف لاجئ يهودي اضطروا في بداية الخمسينات إلى الهرب من الدول العربية إلى إسرائيل... (هكذا)...
ـ إن عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين نزحوا في حربي 1948 و1967 أقل بكثير من زعم الجانب العربي.
إن تعريف اللاجئ الفلسطيني وفق قرارات الأمم المتحدة كان غير دقيق ومختلفاً عن التعاريف الدولية الأخرى لماهية اللاجئ (يشككون حتى في ضمير العالم وفهمه)..!
وعلى اعتبار أن الموقف الأمريكي متطابق مع الموقف الإسرائيلي وليس منحازاً له فقط فسوف نعرض الأفكار التي طرحها عام 2000 في كامب ديفيد الرئيس الأمريكي كلنتون وهي تتلخص بما يلي:
يعترف الجانبان بحق اللاجئين في العودة إلى وطنهم، وسيحدد الاتفاق بينهم كيفية تنفيذ هذا الحق إلى الأماكن المحتملة التالية:
ـ دولة فلسطين:
مناطق في إسرائيل ستنقل إلى فلسطين ضمن تبادل الأراضي.
إعادة تأهيل في الدول المضيفة.
إعادة توطين في دولة ثالثة.
الاستيعاب داخل إسرائيل شرط أن يتوافق ذلك مع سياسة إسرائيل.
وواضح من كل ما تقدم الرفض الإسرائيلي القاطع لحق العودة من خلال محاولة الالتفاف المفضوح على هذا الحق والتلاعب بالألفاظ والتحايل المكشوف للتملص منه.
وطبيعي فقد رفضت القيادة الفلسطينية والأوساط السياسية والشعبية الفلسطينية وبإجماع مطلق هذه المقترحات جملة وتفصيلاً الأمر الذي دعا كلنتون في حينه إلى السخط على الفلسطينيين ونعرف جميعاً الثمن الباهظ الذي دفعه شعبنا بعد ذلك ولا زال يدفعه عن طيب خاطر.
إن الفلسطيني المستعد للتخلي عن حق العودة إلى بيته وأرضه في فلسطين التاريخية لم يخلق بعد ونجزم أنه لن يخلق لأن شعب الجبارين هم أولاً وأخيراً سد الحق في وجه الباطل وصخرة الصمود التي لا ينبت فوقها التراخي.
حـق العـودة: الأب الياس زحلاوي
دعوني أصارحكم، بادئ الأمر، أني لحظة وافقت على المشاركة مع فضيلة الشيخ حسين شحادة في الحديث عن "حق العودة" إنما كانت تحدوني الرغبة أولاً في التركيز على حقيقة تاريخية مُرّة، يواجهها جميع العرب، ويتوقف عليها في نظري، لا مصير الأمة العربية وحسب، بل مصير العالم أيضاً، كما كانت تحدوني الرغبة ثانياً في طرح العديد من التساؤلات المقلقة، والرغبة في التقدم ببعض المقترحات العملية الملحة.
وأرجو ألا يفوتكم ألا صفة رسمية لي، إنما أنا مواطن عادي، يعنيه ما يعني كل إنسان عربي، بل كل إنسان مواطن اختار ذات يوم أن يكون كاهناً، كي يعانق بالروح والفكر والعمل، قضايا شعبه وأمته، لأنّي لا أستطيع فصل ما هو لله عما هو للإنسان، ولا سيّما الإنسان العربي.
ولأبدأ بالحقيقة التي وصفتها بالمُرّة.
1 ـ هذه الحقيقة التاريخية، بدت لي بديهية وصارخة، وهي أننا، نحن العرب، في معظم ما يتعلق بالشأن العام، أمة تخدّرها الكلمة، حتى أدمنتها كالأفيون، بحيث باتت الكلمة توهمُها غالباً، ولاسيّما في المفاصل الهامة، شخصيّة كانت أم جماعيّة، بأنّها حلّت مشاكلها بإحلال الكلمة محل العمل المطلوب.
فنطلق الكلمات الكبيرة، ونحوّلها إلى شعارات وخطب رنّانة، ثم نعود إلى ما نحن فيه، أو بالأحرى إلى ما وضعنا فيه.
وإذ بنا نُحجم عن الفعل المنتظر والضروري، ونظل نرجئ ونتخبّط ونقحم أنفسنا في متاهة التنقل من هروب إلى هروب، ومن ردّ فعل إلى ردّ فعل، ومن هزيمة إلى هزيمة، بل من قمّة إلى قمّة، نحن ننهار من قاع إلى قاع، وليس من تغيير يذكر، لا في العُمق ولا في البُعد....
يحزنني كعربي أن أقول ما أقول، بشأن حقيقة تاريخيّة أرى أن مجال تطبيقها من السعة بحيث يشمل حقبة طويلة من تاريخنا.
إلا أني أكتفي اليوم، من هذا المجال الواسع، بما يعني موضوعنا، وهو "حقّ العودة"....
ماذا عن "حق العودة"؟
في الدورة الثالثة من الجمعية العمومية للأمم المتحدة صدر القرار رقم 194، بتاريخ 11/12/1948، يقول "بإنشاء لجنة توفيق تابعة للأمم المتحدة، وتقرير وضع القدس في نظام دولي، وتقرير حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم، في سبيل تعديل الأوضاع، بحيث تؤدّي إلى تحقيق السلام في فلسطين في المستقبل..."
كلام جميل... لم يُنفذ منه ولا حرف واحد...
والكل يعرف أن جميع قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وهي تُقدَّر بالمئات، المتعلقة بحقوق الشعب الفلسطيني، لم ينفذ منها ولا قرار واحد... حتى قرار التقسيم خُرق منذ اللحظة الأولى...
بالمقابل نرى "حقاً للعودة" آخر، سبق قرار الأمم المتحدة بخمسين عاماً، وقد أعلن في مؤتمر بال الصهيوني، ووجد تطبيقه المطلق حتى اللحظة الحاضرة، خلافاً للإرادة العربية، وفي تحدّ شكلي وظاهري لقسم واسع من الإرادة الدولية في آن واحد...
هذا "الحق" يصفه أحد المراجع الصهيونية (الصادر في باريس عام 1976، بعنوان "الإسرائيليون " ضمن "موسوعة العالم المعاصر"، الصفحة 14) بأنه أحد البنود الأساسية في الدستور الإسرائيلي وهو بمثابة وثيقة الولادة الحقيقية لدولة إسرائيل، والمبدأ الأساسي في الصهيونية". وقد قال عنه دافيد بن غوريون:
"إن هذا الحق سبق دولة إسرائيل وهو الذي سيبني هذه الدولة".
قال ذلك وهو يطرحه على الكنيست كمشروع قانون، في ذكرى وفاة تيودور هرتزل، في 5 تموز عام 1950، وقد تبناه الكنيست قانوناً ينظم علاقات إسرائيل بجميع اليهود في العالم كله...
وكان "حق العودة" هذا اليهودي يشكل جزءاً لا يتجزأ من برنامج أول مؤتمر صهيوني عالمي عقد عام 1897، ثم أُدرج في البند السادس من نظام الانتداب البريطاني على فلسطين عام 1922، كما أدرج في إعلان استقلال دولة إسرائيل في 14 أيار 1948، وهو يقرر أمراً واقعاً حدتً نهائياً لتحديد هجرة اليهود إلى فلسطين، كما أنه خوّل قوة رجعية بحيث يمنح أي يهودي "حق العودة" ـ على ما في هذه التسمية من تناقض! ـ إلى فلسطين حتى لو لم يولد فيها.
وقد اتضح في ما بعد أن السياسة الغربية في الشرق كله، بُنيت بهدف إنشاء دولة إسرائيل وتدعيم بقائها واستمرارها وتفتيت الأمة العربية إلى دويلات، ينتهي معها كابوس الوحدة العربية، وبذلك يسهل ابتلاعها واستثمارها، وإخضاعها للغرب!...
بالطبع من شأن هذا "القانون الإسرائيلي" أن يثير أسئلة كثيرة وشائكة تدور كلها حول السؤال الأساسي: "من هو يهودي"؟...
دون الدخول في متاهة الإجابات الكثيرة وبشيء من الاختزال، حسبي أن أذكر ما ورد بهذا الصدد من كتاب وضعه بالفرنسية عام 1975، وصدر في باريس كاتب إسرائيلي شهير هو "إسرائيل شاحاق" والكتاب بعنوان: "عنصرية دولة إسرائيل".
في الفصل الثاني من كتابه هذا، يقدم الكاتب تعريفاً "للدولة اليهودية" في الصفحة 56 بالحرف الواحد:
في الدولة اليهودية، اليهود وحدهم يعتبرون بشراً، فيما غير اليهود هم بمثابة حيوانات... حيوانات أحياناً مفيدة وأحياناً ضارة، بل خطيرة. ثمة أناس يرون أنه لا يجوز التصرف بقسوة حيال الحيوانات وغيرا ليهود، وآخرون يرون أن مثل هذا الأمر لا يستحق الاهتمام، إلا أن كل من يؤمن بمبدأ اليهودية يوافق على أن غير اليهودي في الدولة اليهودية، ليس بإنسان)وفق تعريف الفيلسوف كانت: أي ليس غاية في ذاته) بل هو فقط وظيفة في خدمة المصلحة اليهودية.
وهذا ما كتبه عام 1975 إسرائيل شاحاق رئيس لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان آنذاك! فماذا تراه يكتب لو كان يشاهد اليوم ما يجري في فلسطين... وامتداد في العراق وأفغانستان إلخ..؟ فهل الذي يقاوم هنا وهناك بشر أم حيوانات؟..
ألا ترون معي أن المفارقة هائلة ومفجعة؟
من جهة: قرار دولي ـ أعلنته أعلى مرجعية سياسية في العالم، بشأن حق عودة الفلسطينيين إلى فلسطين لا ينفذ منه ولا حرف واحد منذ أكثر من خمسين عاماً... وقد أعقبته مئات القرارات التي ضاعت في متاهات السياسة الإسرائيلية الأمريكية الغربية والعربية...
ومن جهة ثانية قرار يهودي محض يبتدعه أناس قلة، خرجوا به على القوانين جميعاً، يجد طريقه إلى التنفيذ حتى اللحظة الحاضرة في تحد سافر ودموي لجميع الدساتير والقوانين الدولية، وفي دعم سافر ودموي أيضاً من قبل أقوى دولة على الأرض، وفي دعم خجول وخبيث ولكن ثابت، من قبل الدول المسماة كبرى...
أفلا نرى، أن ما وصلت إليه البشرية اليوم من وضع مأساوي شامل بالغ الإزدواجية والوحشية، من جراء هذه المفارقة الهائلة والمفجعة، التي جرّت إليه الصهيونية العالم بأسره، هو ما انتهى إليه "إسرائيل شاحاق" من حيث التمييز بين اليهودي الذي يدّعي الاستئثار بالإنسانية دون سواه، فيما هو يعتبر كل ما عداه خادماً له أو حيواناً مستباحاً في سبيل مصلحته، كما عاد فأكد على ذلك أيضاً "ديفيد ديوك" عضو الكونغرس الأمريكي الأسبق، في كتابه المذهل: "الصحوة" الذي يحمل عنواناً صغيراً كبيراً هو:
"النفوذ اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية" والذي ندين بترجمته للدكتور إبراهيم الشهابي؟
أخيراً ألا ترون معي أن هذا الذي انتهت إليه البشرية اليوم، من وضع متفجّر يهدد العالم بأسره، هو هو ما سبق ورآه في استنتاج شبه نبوي، أحد كبار مفكري أمتنا العربية، التعيسة والعظيمة في آن واحد، منذ عام 1905؟
أذكركم بما جاء في كتاب نجيب عازوري "يقظة الأمة العربية"، الذي وضعه باللغة الفرنسية عام 1905، والذي لم يترجم إلى العربية إلا عام 1978!.
يقول نجيب عازوري:
"ظاهرتان هامتان لهما الطبيعة ذاتها، بيد أنهما متعارضتان، لم تجذبا انتباه أحد حتى الآن، تتوضحان في هذه الآونة، في تركيا الآسيوية، أعني: يقظة الأمة العربية، وجهد اليهود الخفي لإعادة تكوين مملكة إسرائيل القديمة على نطاق واسع. إن مصير هاتين الحركتين هو أن تتعاركا باستمرار حتى تنتصر إحداهما على الأخرى، وبالنتيجة النهائية لهذا الصراع بين هذين الشعبين اللذين يمثلان مبدأين حضاريين، يتعلق مصير العالم بأسره".
أوليس هذا هو بعينه ما عبّر عنه بوضوح مفاجئ، الرأي العام في أوربا في 3/11/2003 إذ أعلن أحد الاستطلاعات فيها أن إسرائيل هي الدولة الأولى التي تشكل أكبر خطر على السلام العالمي؟
أفلا تذكرون يومها كيف سارع معظم رؤساء الدول والحكومات في أوربا إلى تقديم الاعتذار إلى المسؤولين في إسرائيل، عن "مبالغات الرأي العام" لديهم؟...
2 ـ هذه الاستنتاجات المقلقة والخطيرة، تقودنا إلى مواجهة أسئلة أكثر إقلاقاً وخطورة... حسبي بعضها.
الأول: هل ما يزال الأمر يتعلق بحق العودة، أم يتعداه إلى حق البقاء؟
الثاني: هل ما يزال الأمر يتعلق بحق البقاء للعرب أم بحق البقاء للبشرية؟
الثالث: وهو الأكثر إيلاماً في نظري، هل ما يزال الأمر يتعلق بحق الدفاع عن حقنا في الوجود فوق أرضنا، أم بحق الدفاع عن كوننا بشراً وحسب، وفي آن واحد بحق الدفاع عن سائر المستضعفين في الأرض، كبشر؟
مثل هذه الأسئلة، وسواها كثير، تستدعي أسئلة أخرى مقلقة، مقلقة بسبب إرجاء الإجابة عنها من قبل من بيدهم الإجابة...
السؤال الأول: إزاء خطر محدق كهذا، هل رسمنا نحن العرب، خطة واحدة شاملة، أم ترانا لا نزال غارقين في ما "قسّم" الغرب، منذ قرابة مائة عام، لبعض زعمائنا وقبائلنا، من أرض وبشر، يسعى الغرب اليوم من جديد إلى تقسيمها استجابة لمصالحه وخصوصاً لمصلحة إسرائيل العليا؟...
السؤال الثاني: ترى هل بلغ بعض الزعماء العرب، من مدنيين وعسكريين وروحيين، حداً من ضعف الرؤيا، يمنعهم من التحديق بوضوح وبُعد نظر في سياسة غربية، تفتعل الزعماء وتستخدمهم لأغراضها فقط، وتؤلبهم الواحد على الآخر، وعلى شعوبهم، ثم تحطمهم لتستبدلهم بآخرين شرّ منهم، وسط بحر من الدم؟
السؤال الثالث: أي إعلام نُقدم نحن العرب، في طول الوطن العربي وعرضه، لهذا الرأي العام الغربي، الذي ينوء بعقدة ذنب متأصلة تجاه اليهود، والذي يسيطر عليه إعلام مدروس ومركز يخضع لتأثير صهيوني واسع، والذي برّر لإسرائيل ما لا يُبرر طوال عشرات السنين، والذي استيقظ قسم هام منه، بفعل البحث الذاتي لدى بعض المثقفين، ومنهم يهود، وبفعل إعلاميين غربيين قلة، ولكن آثروا الحقيقة والصدق على كل إغراء او تهديد؟ أجل هذا الرأي العام الغربي الذي يغشى شوارع أوربا وأمريكا، ماذا نقدم له نحن العرب من إعلام حتى اليوم؟
لا شيء! أجل لا شيء!
السؤال الرابع: أليس في هذا الغياب أو التغيب لإعلام عربي ذكي ومدروس، يخاطب الغرب والعالم بلغاته، في موضوعية، وبلغة الحقائق، لغز غريب، وربما سر مريب... في حين أن المليارات تنفق بسخاء في سبيل إعلام عربي عربي، لا يخلو على كل حال من ثغرات، بل من شبهات...؟
السؤال الخامس: هل بلغنا نحن العرب من الجهل لتاريخنا وفكرنا وروحنا وإسهامنا الحضاري، على صعيد الدين والثقافة والعلم والفن، وعلى صعيد احتضاننا الدائم لليهود، يوم كانوا يضطهدون بانتظام في الغرب كله، وعلى صعيد تعايشنا اليومي المسيحي ـ الإسلامي، وتعاوننا في السراء والضراء منذ قرون... أقول هل بلغنا من الجهل لكل ذلك ما يجعلنا نقف عاجزين، بل صامتين إزاء ما يصوره حتى اليوم إعلام غربي عن جميع العرب، وبوصفهم أبداً متخلفين، متوحشين، واليوم إرهابيين؟
السؤال السادس: أوليس لدينا ما نقوله أو نقدمه للغرب، كل الغرب، من حقائق بسيطة وجميلة حول تاريخنا، وحول نظرتنا إلى الوجود، ومفهومنا للحق والعدالة والأخوة بني البشر، وحول علاقتنا بالله وبالبشر، وحول ما نمارس من حياة يومية، ترقى بنا إلى مستوى إنساني يحسدنا عليه من يتعرف علينا من غربيين عاشوا بيننا، فنظروا من ثم إلى الشرق العربي باحترام، إن لم أقل بإكبار، وإن كانوا يأسفون كمواطنين غربيين، لما لا نزال عليه من تخلف وانقسام، يقرّون بأن للغرب مسؤولية كبيرة فيه...؟
حسبي من الأسئلة هذه.
3 ـ أود الآن تقديم بعض المقترحات، من وحي ما ورد في النقطتين السابقتين، وهي لا تعدو كونها أمنيات بقصد بناء جسور من التعارف والاحترام والتعاون، أولاً بين المواطنين العرب جميعاً، أياً كان انتماؤهم الديني، وثانياً بين الوطن العربي والعالم بدءاً من الغرب المهيمن.
اقتراحي الأول: أمنية سبق لي أن طرحتها على بعض المسؤولين من كنسيين وسواهم:
وهي أن يصار إلى عقد مؤتمر كنسي عالمي في إحدى العواصم العربية بقصد بسط حقائق الصراع العربي الإسرائيلي على أكبر قدر من المسؤولين الكنسيين والمفكرين في العالم.... فالمعروف أن الغربي، عندما يرى الحقيقة، لا يتخاذل... والكنيسة في الغرب، على انهيار المسيحية فيه، لا تزال تتمتع بتأثير واسع، فلا يجوز إسقاط هذا الجانب من حساباتنا أكثر مما فعلنا حتى اليوم... ولنا في مواقف قداسة البابا يوحنا بولس الثاني وبعض رجالات الكنيسة في الغرب خير مثال على ذلك....
أما الاكتفاء بلقاءات فردية مع هذا أو ذاك من رجالات الكنيسة في الشرق أو الغرب، فأمر لا بأس به ولكنه ليس بذي نفع يذكر.
كما أنه لا يجوز لنا إغفال أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه الكنائس العربية، المقيمة في الأوطان، أو المهاجرة بشأن هذا التفاهم والتعاون مع الكنائس الغربية.
اقتراحي الثاني: إنه يطال بعض المثقفين والإعلاميين في الغرب، فهناك من كتب منذ زمان بعيد، وأحياناً في جرأة خارقة، ضد قيام إسرائيل، وبعضهم يهود مرموقون، وضد ممارساتها السابقة والحالية... أفلا يجدر بنا أن نسعى لجمع ما كتبوا فيها، كي يطلع الكثيرون على آرائهم وينشروها بدورهم؟
بالطبع مثل هذا العمل الثقافي يفترض أولاً تنظيم لقاءات إنسانية مع من تبقى منهم على قيد الحياة، ومع من يجاريهم فكراً ومواقف. وهذا يعني دعوتهم لزيادة البلاد العربية، لتكريمهم وتنظيم لقاءات لهم مع الناس فيها، من مسؤولين ومثقفين ورجالات دين، مسيحيين ومسلمين، وأناس عاديين.
اقتراحي الثالث: يأتي في امتداد عمل جوقة الفرح.
أعتقد أن الكثيرين منكم يعرفون جوقة الفرح، ويعرفون ما رمت إليه من خلال الترانيم الدينية العامة التي وضع ألحانها وديع الصافي واخترنا لها كلمات تتوجه إلى الله وحده، وتذكر كل إنسان بأن الله لا يمكنه إلا أن يكون إله الحياة والمحبة والرجاء فيتوجب على كل من يعتبر نفسه "من عيال الله" أن يكون بدوره حياة والمحبة والرجاء، لذاته ولجميع من حوله...
هذا النمط من الترانيم بنى جسوراً رائعة بين العديد من الناس في الوطن العربي، كما أنه أدهش الغربيين الذين استمعوا إلى جوقة الفرح، إن في أوربا عامي 1995، 1996، أو في استراليا مؤخراً...
وتعرفون دون شك أننا قمنا بنشاط مشترك مع الأستاذ الصديق حمزة شكور، فقدمت رابطة منشدي مسجد بني أمية وجوقة الفرح ثلاث حفلات مشتركة حتى الآن، اثنتان في دمشق، والثالثة في بيروت...
ونحن الآن بصدد إنشاء جوقة مشتركة ثابتة من رابطة منشدي مسجد بني أمية وبعض منشدي جوقة الفرح، تجوب العالم لتبرز وجه التعايش الإسلامي المسيحي في سورية أولاً، ولتدعو الناس إلى التوجه إلى الله بروح نقية سامية، وإلى البشر جميعاً بروح محبة شاملة.
بالطبع، إن أي عمل جماعي، كالذي أشير إليه، لا يعفي الإنسان، إذا استطاع، من أن يقوم بجهده الفردي الخاص. وبدوري، إذ شعرت بهذه المسؤولية، حاولت أن أقوم، بما أوتيت من قدرات، ببعض الأعمال: من تأليف مسرحيات هادفة، ومن كتابة متواصلة في الشأن الفلسطيني...
ويسعدني أن أختم لقائي معكم بنموذج من هذه الكتابات هو رسالة مفتوحة أرسلتها إلى وزير خارجية فرنسا السابق، دومينيك دوفيلبان، إثر القرار الذي اتخذته المجموعة الأوربية ليلة السادس إلى السابع من أيلول عام 2003، حول اعتبار الحركات الفلسطينية كلها، حركات إرهابية.
دعوني أتلو عليكم هذه الرسالة وأختم بها حديثي.
السيد الوزير:
دعني أسألك مباشرةً:
ما الذي حوّلك بين ليلة وضحاها من أسد زائر إلى أرنب مجتر؟!
بالأمس كنّا نحن المواطنين العرب، نتتبع مع الدنيا كلها تصريحاتك ومواقفك، حتى في قلب أميركا، بدهشة وإعجاب...!
وكنّا إذ نراك ونسمعك، نردد في أعماقنا وفي ما بيننا: ما زالت الدنيا في خير، ما زال في عمق الوجدان العالمي الأخذ في التفسخ، بقية من نبض قد يعيد إليه الحياة، وكنّا ندعو ونقول: عسى فرنسا تستعيد روح المقاوم العظيم شارل ديغول، لتبثها في الجسم الأوربي الناهض، قبل فوات الأوان.
وإذ بك تطلع علينا اليوم، السادس من أيلول 2003، باسم الاتحاد الأوربي، بقرار تصنيف "حركة حماس" المقاومة في عداد التنظيمات الإرهابية!
فما الذي تغيّر؟
هل لك ان تقول لي أي منطق بات يحكم في اوربا والعالم، بعد أن حكم الولايات المتحدة الامريكية؟
متى كان من يدافع عن أرضه، بل عما تبقى له من أرض سُرقت ومُزقت، وعن بيته، بل عن وجوده كله... إرهابياً.
ومتى كان من يسرق هذه الأرض وهذا البيت وهذا الوجود، صاحب حق؟!
السيد الوزير..
يوم كنت تناهض الحرب على العراق، هل تراك كنت تدافع فقط عن حصة فرسنا وأوربا في النفط العراقي؟
يا للسذاجة التي انتابتني مع الكثيرين الذين ظنوا انك كنت، باسم فرنسا وأوربا، إنما تدافع عن الشرعية الدولية أمام الوحش الأميركي.
فلقد تبين أنكم كلكم في الغرب سواسية!
وقد فاتنا يومها أن العراق ليس فلسطين!
إلا أن ما فاتكم في أوربا هو الأخطر. فلقد فاتكم أن النازية التي احتلتكم سنوات طويلة، جاء من يمحوها من ذاكرتكم، الصهيونية التي عرفت كيف تحتل ضمائر المسؤولين فيها وتشريعاتهم ومؤسساتهم وضمائر شعوبهم!
أجل، الويل لكم مما كان، ومن الآتي.
أبمثل هذه الخسة تهربون من احتلال ألغى وجودكم لتقعوا ضحية احتلال يلغي يوماً بعد يوم وجودكم الحق، ويسعى لإلغاء وجود الآخرين بأيديكم وتشريعاتكم وأسلحتكم... إلى الأبد؟!
يا للعار!
السيد الوزير:
كيف لك ولزملائك في الاتحاد الأوربي أن تفعلوا ما فعلتم اليوم، دون أن تتنكروا لتاريخكم وتاريخ شعوبكم في مقاومة الاحتلال النازي؟
ما لم تكن، أنت وبعض زملائك هؤلاء، تسعون لكرسي الرئاسة في بلدانكم، بأرخص الأثمان، على حساب ضميركم وحساب ما تبقى من فلسطين التي كنتم أنتم أصلاً، من قسّمها وقسّم معها العالم العربي، حليفكم السابق ضد ألمانيا وتركيا!
فدعني أهنئك وأهنئ زملاءك في الاتحاد الأوربي، لما تزرعون لذواتكم ولشعوبكم في أوربا الغد، من أسباب الذل والخراب، الزاحفين عليكم حتماً، بفعل انسحاقكم تحت أقدام الصهيونية والولايات المتحدة الأميركية.
وإلى ذلك، تدّعون مكافحة الإرهاب!
ألا ليتكم تكافحون أصل الإرهاب، ألا ترى معي أن سياسة الغرب هي أحد أهم أسباب الإرهاب في العالم؟ هل لك ان تقول لي من سواكم حوّل الشبان في فلسطين، قسراً إلى قنابل موقوتة، لا لشيء إلا لأنهم فقدواً كل شيء، ولم يعودوا يملكون سوى تفجير أنفسهم، أملاً منهم بإحداث تفجّر في الضمير العالمي؟
السيد الوزير:
قد تذكر أن أحد الفلسطينيين قال منذ ألفي عام، كلاماً رهيباً بحق من "يملكون هذه الدنيا"، كلاماً كنت أتمنى لمسؤولي الكنيسة في الغرب أن يردّدوه بين حين وآخر على مسامع المسؤولين السياسيين فيه، لعلّهم!..
فدعني أذكر لك بعضه. قال:
"الويل لكم أيها الأغبياء، لأنكم نلتم عزاءكم!
"الويل لكم أيها الشِباع الآن، فإنكم ستجوعون!
"الويل لكم أيها الضاحكون، فإنكم ستنوحون وتولولون!"
وقال أيضاً عن ساعة الوقوف المحتوم بين يدي الله الديّان:
"كل ما صنعتم لأحد إخوتي هؤلاء المستصغرين، فلي أنا صنعتموه!"
وقد لا تجهل أن هذا الفلسطيني العظيم كان يحمل اسم يسوع!
فدعني أبوح لك باعتزاز:
أننا مع يسوع الفلسطيني ومع كل فلسطيني!
السيد الوزير:
أود في الختام أن اقترح عليك وعلى المسؤولين في الاتحاد الأوربي، أمرين يأتيان، في نظري، في منطق قراركم "التاريخي" اليوم بحق "حركة حماس" والمقاومة الفلسطينية.
الأول: هو إدراج اسم المقاومين العظيمين ديغول الفرنسي وأديناور الألماني، في قائمة الإرهابيين الأوربيين، لأنهما كانا أعظم من قاوم هتلر.
الثاني: هو السعي الحثيث إلى إطلاق اسم تيودور هرتزل على أرقى ساحة في العالم، أعني بها ساحة النجمة في باريس.
ويوصفك وزير خارجية فرنسا، تقبّل ما أكنّ لفرنسا ديغول من احترام.
العودة الفلسطينية بين عدالة الحق وإشكالية الحقيقة.
الشيخ حسين أحمد شحادة.
في القرآن الكريم [لا يَنْهَاكُم الله عَنْ الذينَ لمْ يُقَاتِلوكُم في الدين ولم يُخْرِجُوكُم مَنْ ديارِكم أنْ تبروهم وتقسطوا إليهم إنَّ الله يُحبُ المقسطين... إنما يَنهاكم الله عَنْ الذينَ قاتلوكم في الدينِ وأخرجوكم مِنْ دياركم وظاهروا على إخراجِكم أنْ تولوهم ومَنْ يتولهم فأولئك هم الظالمون]
في الآية الأولى إشارة إلى أن الشرط الموضوعي للسلام والعيش المشترك يجب أن يستند على قيمتين من قيم العدالة الاجتماعية..
أحدهما: احترام حرية المعتقد
وثانيهما: احترام واقع التعددية.
وفي الآية الثانية إشارة إلى أن العائق الأساس في إحراز السلام وتطبيع العلاقات في الخصومات الدينية والسياسية يتمحور في عقبتين..
أحدهما: عقيدة القتل والتدمير.
ثانيهما: ثقافة النفي والإلغاء والإقصاء.
في مثال الصراع العربي مع العقل الإسرائيلي نحن أمام مأزق حقيقي للسلام يتبدى واضحاً في ذهنية الدولة العبرية في التعاطي مع الحق الأكبر من الحقوق الفلسطينية عَنيتُ به حق العودة.. وبقراءة فكرية فلسفية تاريخية فإن مشروع نفي الفلسطيني من أرضه كان يهدف إلى:
أولاً: ضرب العيش المشترك وتهديم نموذج التعددية لان الكيان الصهيوني الإسرائيلي مؤسس على تقديس الدين الواحد، واللون الواحد، والعرق الواحد،.
ثانياً: تحويل الفلسطيني إلى أقلية في أرضه تمهيداً لإقامة دولة الباطل على أنقاض دولة الحق.
ثالثا: تغذية الاستغلال البشع للدين في المنطقة لتقسيم الوطن العربي إلى دويلات طائفية وعرقية كما حدث في لبنان إبان الحرب الأهلية التي لم تخمد إلا بتدخل الشقيقة سوريا لإفشال مخطط التقسيم ورد الاعتبار لنسيج العيش المشترك في ظل دولة القانون والمؤسسات...
آمل أن يتسع لي الوقت في المستقبل لدراسة مفهومي الحق والوطن التي عالجها القرآن بعشرات الآيات التي تصدت لإنهاء عصر النفي وإنهاء عصر تزوير الحقوق والأوطان والأديان والأخلاق...
والقرآن يقترح للخلاص من ذلك كله برد الاعتبار لميزان العدالة المكسور... [والسماء رَفَعها ووَضَعَ المِيزان ألاّ تطغوا في الميزان]...
فإما إذا انكسر ميزان العدالة، واستبدال به المطففون سياسة ازدواجية المعايير وثقافة كتمان الحق أو ألبسوه بالباطل والظلم فإن العالم بأسره ذاهب إلى الكارثة العظمى.
ولقد آثرت أن أتحدث بعفوية الإنسان الذي يرى مشهد الكارثة ويبحث عن الشمعة الأخيرة والسراج الأخير في زمن انهيار المعنى الإنساني من إنسانية الإنسان...
هل يحتاج ـ حق العودة ـ إلى فلسفة قانونية أو دينية لتوثيق معنى حدود البيت والوطن في زمن العولمة...؟!
وهل نحن الآن داخلون في عصر الإنسان ـ الطائر المهيض الذي لا جناح له في عصر محو الهويات ولا شجر ولا سماء؟!.
منذ قرن وحتى اللحظة الراهنة لم تنضبط السياسة العالمية على ـ استراتيجية ـ تصحيح الأخطاء وحماية الحقوق وإنما على منطق استبدال الأخطاء المميتة بالأخطاء القاتلة في مشهد يتم فيه تعطيل القانون الدولي واغتياله في واضحة النهار لنفتح أعيننا على حقيقة كارثية،، يدفع ثمنها العالم بأسره باختطافه لجوهرة السلام.. ذلك أن مصطلح السلام الذي تمت صياغته وتفسيره بمنطق الدفاع عن اختلال توازن القوى ينتهي مصلوباً تحت أقدام القوة في عصر اختلال موازين القيم.
فإذا حدث أن تأسست دولة إسرائيل على منطق التسوية بقاعدة توازن القوى وعلى منطق تسوية المشكلات باستبدالها بمشكلات جديدة كان المأزق السياسي العالمي تجاه حق العودة في فلسطين وسواها من الحقوق الإنسانية المهدورة في العالم معبّراً تمام التعبير عن مأساة العقل البشري الذي لم يقترب بعد من منطقة التفكير بالأسس العميقة لمشكلاته في السياسة والاقتصاد والإصلاح والتنمية.
وأزعم أن الخطأ الفلسفي في تعريف السياسة بأنها البحث في شروط ما هو ممكن وليس في شروط ما هو قانوني وشرعي انتهى بشر منها إلى ما نراه الآن في ارتباكات المجتمع الدولي حول الفاصلة المفقودة بين تعريف الإرهاب وتعريف المقاومة... وما من شك في أن القانون الدولي بخبرته الحضارية الواسعة قادر على إدراك هذه الفاصلة لكنه وهو المضرّج بالفيتو الأمريكي سيعفي نفسه من مهمة تحليل فلسفة الأخلاق المختلفة باختلاف العقائد والثقافات.
إن الحضارة التي أعلنت في مطلعها عن موت الله هي نفسها التي تدق مساميرها الحديدية في نعش القانون الدولي معلنة بذلك نهاية الأخلاق وموت العقل...
يوم كنا صغاراً قرأنا بان عماد الحضارة يبنى على قيم ثلاث وهي: قيمة الحق متمثلة في علم المنطق، وقيمة الخير متمثلة في علم الأخلاق، وقيمة الجمال متمثلة في علم الجمال...
ويوم كنا على مقاعد الدين والدراسة كان السجال بيننا هل بوسع الحضارة الإنسانية أن تمشي على ساق واحدة... هل تستطيع أن تمشي بعلم المنطق دون أن يحمي روحها وغايتها في الوجود علم الأخلاق وعلم الجمال؟..
وما كنت أظن يومها أن يأتي زمن على الحضارة فتصاب بالعمى وبعمى الألوان وبعمى البصر والبصيرة فتمشي مكبة على وجهها بلا حق، بلا خير، بلا جمال..
حتى بدأت بدراسة ظاهرة التطهير العرقي، وظاهرة مخيمات ما يسمى باللاجئين.... وصولاً إلى ظاهرة انتهاك حقوق الإنسان من أدنى الأرض إلى أقصاها..
ومن المفارقات الساخرة بحسب ملف المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، أن يتم النقاش بينهما على كل شيء باستثناء هذه الحقوق وعلى رأسها حق العودة وتأجيلها إلى مفاوضات ـ الوضع النهائي ـ ما يعني محاولة جر المفاوض الفلسطيني نفسه إلى التوقيع من حيث لا يشعر على التنازل عن جوهر هويته التي اختزلتها المفاوضات بالحديث عن شكل المساحة المتبقية من فلسطين وشكل سلطتها المستقبلية والإقرار بشرعيتها تمهيداً لانتزاع القرار الأخطر بالتنازل عن حق العودة مروراً بالتنازل عن حق الكفاح المسلح لاسترداد الهوية والحقوق وإنهاء الاحتلال وهي محاولة باءت بالفشل التدريجي.
حتى يتبدى لنا في وضوح أن مأساة الشعب الفلسطيني تعلق اليوم على مشانق السياسة الدولية التي ارتقت بياناتها الرسمية من الحديث عن الحقوق المشروعة لشعب أخرج من وطنه بقوة القهر والعنف والسلاح إلى الحديث عن حقوق المحتل الإسرائيلي ما يكشف من وراء باطنية السياسة الإسرائيلية أن اعترافها بوجود السلطة الفلسطينية كان مفتوحاً على شهيتها لتجنيد الضحية لحماية مملكة الجلاد.. غير أن انتفاضة الأقصى كانت هي الإعلان التاريخي الصريح لمقاومة مشروع تمزيق الوحدة الفلسطينية في الداخل.. أي لمقاومة تهويد السلطة التي تحاول أن تحتفظ ببقية الأمل الفلسطيني في تأسيس دولته المستقلة..بذلك لا مفر من الحديث عن احتشادات الوحدة ذلك أن عزة الوحدة الفلسطينية في أحلك ظروف التحدي من شأنها أن تخرج حق العودة إلى نور الأمل والرجاء...
لن أقارب إشكالات الخلاف الفلسطيني ـ الفلسطيني وتأثيراتها على اختناق حق العودة لأن انتصار الدم الفلسطيني في امتحانات الوحدة أنهت وإلى الأبد المناكفات والمماحكات الفلسطينية لتستقبل عصر التضامن بوصفه الشرط الموضوعي لصبغ الحقيقة الفلسطينية من الحق الفلسطيني نفسه الذي أثبت عن كفاءة عالية في إنتاج المستقبل من مصانع الألم.. في فصول مشرفة من إرادة البقاء والحياة وبهواجس الوحدة والمستقبل لم يكن الفلسطيني معها يخشى على حق عودته من العقل السياسي الإسرائيلي وإنما من العقل الديني الإسرائيلي الذي يمثله الحاخامات برفضهم الحق الفلسطيني بتقرير مصيره.. لأن تزييف التوراة تأسس على نبوءة أن كل فلسطين هي لليهود ومع علمنا بصعوبة الفصل بين الديني والسياسي في إسرائيل إلا أن الخطر المستقبلي على حق العودة سيظل مستفحلاً لا في الصراع بين دولة فلسطينية ودولة إسرائيلية بل في التناقض الجذري بين دولة عربية راضية بالحق الأدنى من الاعتراف الدولي ودولة عبرية لا حدود جغرافية لنبواءتها التوراتية. وفي المدى المنظور في ضوء الاستشراق لنتائج احتلال العراق سيتداخل هذه المرة حق العودة إلى الوطن فلسطين بحق الحرية في الوطن ـ العراق ـ ما يعني أن عواقب إهمال قضية اللاجئين النائمة.. وعواقب إهمال التصدي لتزوير حق العودة واستبداله الإسرائيلي بمفهوم ـ التئام شمل العائلات، وعواقب إهمال التصدي لسياسة تجزئة قضايانا العربية سيدفع بواقع الهزيمة العربية وفق معادلة تغدو فيها دولة إسرائيل دولة لكل يهودي في العالم بينما الدول العربية مذوبة بأسيد ما يسمى الآن مشروع الشرق الأوسط الكبير...
لقد أصبح سؤال العدالة وطلب العدالة في زمن العولمة الأمريكية شائكاً ومعقداً وساخراً من مهزلة الحديث عن الإصلاح والديموقراطية فمنذ اللحظة التي شهدت إسقاط قرار الأمم المتحدة المتصل بمساواة الصهيونية بالعنصرية.. أقول منذ تلك اللحظة تغيّر علم الحق وعلم الأخلاق وعلم الخير وعلم الجمال.. ليشمخ رأس إسرائيل لتغريب دفة المعركة وتزوير حقيقتها من معركة بين احتلال ومحتل إلى معركة بين دولة إسرائيل ومخربين إرهابيين يهددون وجودها وأمنها واستقرارها المزعوم وبهذه اللعبة الجهنمية يصبح التنازل عن حق العودة شرطاً إسرائيلياً للعفو عن الإرهابيين.
وبعد هذا العرض السريع لقراءة حق العودة من منظور سقوط الحضارة أتطلع الآن إلى سؤال التحدي والمواجهة بلغة الدين والأنبياء أي بإيقاظ معنى الانتصار ـ لمظالم الإنسان منادياً بجعل معركة حق العودة الفلسطينية معركة إنسانية أي معركة كل المصابين بانتهاكات حقوقهم الإنسانية، وكل المفجوعين بأوطانهم...
وفي الزمن الرديء والسقوط المريع لنظام القيم في مشهد التواطؤ البشع بين أعلى المرجعيات الدولية ضد الحق والعدالة فإن الدعوة إلى إيقاظ الضمير العالمي هي معركة شرفاء العالم وأحراره... وعندما تزني السياسة الظالمة بأمومة الأمم المتحدة فإن بوصلة المعركة الحضارية يجب أن تستنفر العدالة العالمية لمقارعة الاستبداد العالمي.. وفي ميدان هذه المواجهة فإني أقترح مؤتمراً عالمياً للمنظمات الإنسانية؟ يضم أحراراً من مسيحيين ومسلمين وعلمانيين على مستوى العالم... بوصفها الجزء المعافى من الحضارة استطاعت في العقود الماضية أن ترسم الخط الحاد الذي يفصل بين الحق والباطل فأحرزت نصراً في معارك التمييز العنصري والتعصب والتطهير العرقي والاستغلال في جبهات مختلفة من حلبات الصراع... وليس من المتعذر على أمتنا العربية أن تفتح منظماتها الإنسانية على تلك المنظمات لترتيب حملة قوية تلفت انتباه العالم إلى مظالم وأوجاع فلسطين لا سيما وأن حق العودة يمثل 70% من بشرية فلسطين المشرّدة في أربع رياح الأرض...
ويطوف بخاطري في زمن التزوير، وتمزيق الشتات الفلسطيني لمصير مجهول.. أن تجمع وثائق حق العودة لكي لا نشهد العصر الذي يباع فيه الفلسطيني لأعدائه كما يباع الرقيق...
إن سياسة تهديم البيوت واقتلاع الأشجار وقتل الأطفال في الداخل وإقامة الجدار الفاصل لعزل الفلسطيني عن منابع الماء والحياة لا تهدف إلى طمس حق العودة فحسب، وإنما إلى تشريد ما تبقى في فلسطين من فلسطين..
ولعلنا نلحظ من سياسة الاعتداء على الكنائس والمساجد ظاهرة تدل على هستيريا العقل الإسرائيلي المجنون المهووس بنظرية محو التاريخ الفلسطيني والتراث الفلسطيني والذاكرة الفلسطينية..
يوم تنزل القرآن بالآية الكريمة: [يَا أيها الذينَ آمنوا لا تدخلوا بُيوتاً غيرَ بيوتكُم حتى تَستَأنِسوا وتُسَلِموا على أهلها ذلكَ خير لكُم لعلكم تذكرون] (النور27) استيقظ العقل العربي على قدسية حرمة البيوت وحرمة الوطن ويوم استيقظ على معنى اتصال عزة المؤمن بعزة الله. وفتح عينيه على حقيقة جديدة من نظام القيم مفادها أن الكرامة لا تباع فلا يحق لمؤمن أن يتصرف بعزته على هواه لأن عزته مجدولة بعزة الله وبذلك فإن حق العودة من القيم التي لا تقبل التزييف بالتنازل عن مضامينها المقدسة قداسة الإنسان. المؤمن مأمور بحسب القرآن بالدفاع عن جغرافية ذاته وجغرافية بيته وجغرافية وطنه ولم يكن من قبيل الصدفة التاريخية ارتباط تشريع الجهاد والمقاومة بحق العودة إلى البيت وإلى الوطن بصريح الآية المباركة [أذن للذين يُقَاتَلون بأنهم ظلموا..] وعنوان الظلم.. لأنهم أخرجوا من ديارهم بغير حق والسؤال... لماذا فلسطين؟ لماذا استطاع ملايين الناس في القرن الماضي استرداد حقوقهم والانتصار على نظام التمييز العنصري؟ لماذا فشلت الأمم المتحدة في تنفيذ القرار 194 بالرغم من إجماع العالم والأسرة الدولية على لفظه وتفسيره ومعناه وتجديده في كل عام لأكثر من مئة مرة ولأكثر من خمسين عاماً...؟ أليست من المفارقات الساخرة مزاعم من يزعم بأن تنفيذ قرار حق العودة مستحيل لأن المتغيرات الجغرافية لا تحتمل استيعاب ملايين المشردين الفلسطينيين؟؟ والسؤال هل من منطق الديموغرافيات الإسرائيلية ـ الأميركية أن يسيطر 200.000 يهودي على قرى خمسة ملايين لاجئ مشردين في أنحاء المعمورة ومحرومين من أبسط حقوقهم في الهوية والعودة والوطن.
ومن مهازل المنطق السياسي ـ الإسرائيلي أن المساحات الفارغة في فلسطين تمثل مشكلة ضاغطة على الإدارة الإسرائيلية إلى حد أنها تحاول اليوم استحداث قوانين جديدة لاستيراد بشر من غير أن يكونوا إسرائيليين للعيش في هذه الأراضي الشاغرة ويباع المتر الواحد إلى الأسترالي أو الكندي أو الأمريكي بمبلغ ألف دولار ويذهب التزوير الإسرائيلي بعيداً بمقترحات من الحلول النظرية تسمح بعودة محددة إلى الدولة الفلسطينية المنتظرة لا إلى ديارهم، والحل السحري أن يعاد توطين اللاجئين كبديل وحيد عن حق العودة.
في دراسة عملية قيمة يقول الباحث سلمان أبو ستة مؤسس جمعية أرض فلسطين: "أن حق العودة ممكن وقابل للتنفيذ خلافاً للمزاعم الإسرائيلية فهناك حيز كاف لاستيعاب اللاجئين العائدين مع تعديل طفيف لأماكن وجود اليهود والأفكار الإسرائيلية المتكررة بشأن الاحتفاظ بمجتمع يهودي حصري ومتفوق هي أفكار غير شرعية وغير أخلاقية وببساطة لا يمكن الدفاع عنها في المدى البعيد، وهذا يقودنا إلى استنتاج أن السياسة الإسرائيلية الحالية التي تنكر على اللاجئين حق العودة مصيرها الفشل وسيكون من الحصافة أن يعلق الإسرائيليون أمالاً على المستقبل ببناء جسور الإرادة الطيبة بدلاً من ترسانات أسلحة الدمار الشامل"..
غير أن إسرائيل المتمردة على شرائع الأرض وشرائع السماء... لا تملك شيئاً من تلك الإرادة الطيبة ما يقودنا إلى الرهان من جديد على فاعلية الدور الدولي للمنظمات الإنسانية... لماذا؟ ثمة حلقة مفقودة في الرهان على المجتمع الدولي والدبلوماسية الدولية... رأيناها في مساندة هذا المجتمع لحق العودة في ونامبيا وقبرص... فلماذا لا يفعل ذلك في فلسطين.
والمجتمع الدولي نفذ قرارات للأمم المتحدة بالقوة العسكرية في البوسنة وتيمور الشرقية والكويت وكوسوفو ورواندة والسلفادور.. فلماذا لا يفعل ذلك في فلسطين؟!.
وإذن فإنه من الوهم السياسي أن يحكم على خمسة ملايين إنسان بالإلغاء والنفي والنسيان.. ومن الوهم السياسي كذلك الاعتقاد بان في إمكان السلام العادل والشامل أن يعمّ من دون التزام بترجمة قانون حق العودة، على أكبر لاجئي العالم حججاً وأقدمهم عهداً وأهمهم سياسياً.. وفي صورة الصبر الفلسطيني على الأمرّ من الصبر ربما تنجح إسرائيل بتدمير القرى وتحويل عناوينها إلى مخيمات لكنها لم ولن تتمكن من تدمير الانتماء إلى تلك القرى الحزينة المتوهجة أبدأ بإسلامييها ومسيحييها في الذاكرة الفلسطينية وهي عندي الكنز الخالد للذاكرة العربية والحوار والتعددية والعيش المشترك..
وطالما كان هناك طفل فلسطيني على وجه الأرض فإن هذا الطفل سيولد ويولد معه حق العودة إلى فلسطين المسببة باعتراف القانون الدولي حيث تعتقد منظمة العفو الدولية ان حق العودة لا ينطبق فقط على أولئك الذين طردوا مع عائلاتهم مباشرة بل أيضاً على أولئك المتحدرين من أصلابهم..
إنني أحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية في تفريغ أرض فلسطين من أهلها الشرعيين لكل دولة كبرى أو عظمى أو صغرى ساهمت بتأسيس دولة إسرائيل وعلى هذه الدول مجتمعة أن تعتذر عن خطئها التاريخي وتصححه بمساندة الشعب الفلسطيني بالضغط لتنفيذ قرارات حق العودة ولن يسقط حق العودة بالتقادم ومن أغرب غرائب التدليس على الحضارة والقانون الدولي أن تعتمد إسرائيل في البند السادس من تحفظاتها على خارطة الطريق لنسفها بالقول: "على الدولة الفلسطينية أن تصدر إعلاناً بشان حق إسرائيل في الوجود كدولة يهودية وبشأن التنازل عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين لما هو الآن دولة إسرائيل" وفي البند الرابع عشر: "تساعد الدول العربية العملية بإدانة العنف ولا يتم الربط بين المسار الفلسطيني ومسارات السلام الأخرى".
ولأن إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات فإن مجلس الحكم الانتقالي في العراق المعين من قبل سلطات الاحتلال يسمح لليهود الذين غادروا العراق في الخمسينات بالعودة إلى العراق والحصول على تعويضات واستعادة ممتلكاتهم وذلك ابتداءً من شهر يونيو القادم.
وفي زمن التزوير وازدواجية المعايير صدر عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في أوائل عام 1996 بأن ما لا يقل عن تسعة ملايين لاجئ تم إعادتهم لأوطانهم خلال السنوات الخمسة الماضية، والسؤال الذي يعيد نفسه جارحاً ومجروحاً... لماذا فلسطين؟.
وعلى مدى نصف قرن لم تنجح عشرون مبادرة عالمية لتزوير حق العودة الفلسطيني... لأنها كانت تفتقد إلى الحد الأدنى من علم الحق وعلم الخير وعلم الجمال...وعلى جلجلة العدالة المذبوحة من الوريد إلى الوريد يتراصف السجال بين تقديس حق العودة اليهودية إلى فلسطين باسم النبوءات الدينية المزيفة وبين تحريم حق العودة الفلسطينية إلى فلسطين بقوة اللوبي الصهيوني الحاكم المطلق في البيت الأبيض. غداً سيكتب التاريخ أن تسخير الدين لأغراض سياسية هو اللغم الموقوت الذي سيدمر الحضارة الإنسانية نفسها، وسيفضح الأستاذ الجامعي الإسرائيلي شاحاك الأساطير التنلمودية المحشوة في عقل شارون بقوله: "أن فكرة الترانسفير تظهر كواحدة من بدائل إبادة الجنس البشري فنحنُ نرى في مقطع مشهود من التلمود: يشوع قبل دخوله إلى فلسطين التي سيفتحها يوجه إنذاراً إلى السكان: إما أن تخضعوا وتصبحوا حطابين وسقايين كما حدث لأهل جعبون، وإما أن تهاجروا بإرادتكم وإذا ما استمر هؤلاء فستتم إبادتهم".
ولا أعرف أنا المهموم بهزيمة الحق والعدالة..بأي لغة وبأي شريعة وبأي قانون يطرح الشعار الزائف "فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" ثم توقع دول الحضارة الغربية على هذا الشعار بأصابعها العشرة ثم تكتب أطناناً من الكتب في حملة منظمة على الإسلام بأنه الدين المتخلف اللاإنساني الذي يفتي بقطع يد السارق إذا سرق؟...
ومن وعد بلفور إلى وعد بوش يستشري سرطان التزوير العالمي ليندلع العالم كله على اختلال موازين القيم. فكل له حق على كوكب القوة إلا الصمت العربي المتخصص بالتبذير والإسراف إلى حد تبديد النفط وتبديد الأرض ليجر من رأسه في العقد الثاني من هذا التاريخ حطاباً أو سقاءً أو نادلاً في فندق الشرق الأوسط الكبير.
في القرن الماضي عمد يوسف فايتس من منظري الحركة الصهيونية إلى وضع خطة لترحيل الفلسطينيين وتصديرهم إلى العراق وقد حظيت الخطة في عهد بن عوريون بتأييد سخي من الرئيس الأمريكي هومر وتحين الآن اللحظة المناسبة لفتح ملفات الخطة القديمة! ألم تكن فكرة تفريغ فلسطين مجرد حلم من أحلام هرتزل في يومياته في صبيحة 21 حزيران لعام 1895 معتبراً أن دولة إسرائيل هي المركز الأمامي للحضارة الغربية في وجه البربرية العربية فيقول إن اليهود سيكونون بعودتهم إلى وطنهم التاريخي ممثلين للحضارة حاملين النظافة والنظام وعادات الغرب الراسخة إلى هذه الزاوية من الشرق الذي تتفشى فيه الأوبئة والآفات... وليس من الغرابة ما نسمعه من الإدارة الأمريكية... عن وعودها للعالم العربي والإسلامي بالإصلاح والديموقراطية وتخليص الأمم المنكوبة من أنظمة الفساد والقمع والاستبداد... وعلى درب جنائز حق العودة تبدو فاجعة المشهد بظهور رأس حق العودة محاصراً بسيفين: سيف السلطة الإلهية التي وعدت بأرض لشعب واحد... وسيف السلطة الحضارية التي تقود العالم إلى عصرها الحجري الأول..
ومن أخطر الخطر على علم الحق وعلم الخير وعلم الجمال أن يرى بعض المسيحيين واليهود في الولايات المتحدة الأمريكية في الصهيونية بيدقاً إلهياً يعمل على وعد السماء بتجميع اليهود في فلسطين... وفي مثل هذا التعبد الروحاني سيعتبر كل معارض للصهيونية معارضاً لذات الله وحكمة الله ومشيئة الله...وبذلك يكتسي البيشوف أو الاستيطان طابع الانقياد لإرادة الله... وتجدر الإشارة التاريخية إلى جميع القرى الفلسطينية التي أخليت من سكانها كانت واقعة تحت مرمى النيران المباشرة أو تحت مرمى المجازر المعروفة أو تحت مرمى التهديد المباشر بالسلاح وسواها من دوافع القسر والإكراه فلم يخرج الفلسطينيون من قراهم بمقايضات مالية بموجبها تَمَّ إخلاء الأرض كما تروّج له الشائعات الإسرائيلية...
ولقد قاوم الفلسطيني الأعزل تلك الحرب النفسية والعسكرية بإمكانات متواضعة لم تصمد أمام قرارات الطرد العنيفة والتي لم تستثنِ شيخاً أو طفلاً أو امرأة وتشير الوثائق إلى أن مصرعهم في مسيرة الإرغام على الخروج من ديارهم بسبب التجفاف والأمراض... إن اقتراف حوالي عشر مجازر كبرى وحوالي مئة مجزرة صغيرة كانت كفيلة بتعجيل إلقاء الفلسطيني إلى مصيره المجهول ليظهر الفلسطيني الحي في منفاه شاهداً لا على معاناته التي كابدها فحسب بل على انكشاف الخديعة الإسرائيلية المزورة للإنسان والأرض والتاريخ... زاعمة في المحافل الدولية بأن الأرض الفلسطينية كانت خالية وبأن اللاجئين الفلسطينيين شكلوا صفقة من التبادل السكاني مع أولئك اليهود الذين غادروا الوطن العربي في الخمسينات والسؤال كيف نواجه التضليل الإسرائيلي وبهتانه؟.
يبدو لي أن أخطر نظرية إسرائيلية تناولت حق العودة هي الشعار الاستراتيجي الذي تبنته الخارجية الإسرائيلية بالقول: إن كنت لا تستطيع حلها فأذبها" أي إذا كنت لا تستطيع حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين كمشكلة سياسية فحاول إذابة المشكلة وتفريق فاللاجئين من خلال دمجهم في اقتصادات بلاد إقامتهم ومجتمعاتها أي من خلال التوطين...
وها هنا فإني أدعو إلى صياغة جديدة لحق العودة بوصفه جزءاً لا يتجزأ من سائر الحقوق الفلسطينية المهدورة فلا فرق بين لاجئ أخرج من دياره عام 1948 ولاجئ أخرج من دياره عام 67 ما يعني أن أولوية المواجهة لتحديات حق العودة يجب أن تنطلق من ثوابت الإطار القانوني بوصفه الأساس المعرّف للحقوق الفلسطينية كافة ومهما كانت التسويات المقترحة فإن من أخطر الخطر التفريط بهذا الإطار القانوني المستهدف في هذه المرحلة بحملة من التشكيك بفاعليته وجدواه حيث يجري الكلام الإسرائيلي عن تفسير حق العودة بعودة الفلسطيني إلى الدولة الفلسطينية وليس إلى أرضه المحتلة.. وإزاء هذا العبث بالإطار القانوني لحق العودة يجدر بصوت العقل الفلسطيني أن يرتفع عالياً في معركته الدبلوماسية ليحشد مع قواه الذاتية قوى المنظمات المناصرة لحقوق الإنسان... والاستفادة من منابرها للتأثير على المجتمع الدولي الذي لن ينخدع مرة أخرى بعد الفضائح المرئية واللامرئية من احتلال العراق شرط أن نأخذ نحن الدرس البليغ من معركة الإعلان والتوفر على أدواتها وشروطها الموضوعية والمستقبل لكلمة الحرية وحرية الكلمة... ولقد كتبنا كثيراً عن معاناة حق العودة وتحدثنا كثيراً عن مآسي حق العودة وأنشدنا كثيراً عن غربة حق العودة وآن للعقل العربي هذه المرة أن يزيح الستار عن قوة حق العودة... الذي لم تستطع مجزرة صبرا وشاتيلا على مصادرته واستلابه...ولئن استطاعت إسرائيل نهب الأرض الفلسطينية وسلبها فإن حق العودة القانوني وحق العودة البشري قادر على جعل المستحيل ممكناً. وأقرأ ذلك من واقع القوة الاقتصادية والقوة العلمية والقوة الإعلامية والقوة السياسية المتوفرة لرجال الشتات الفلسطيني في شرق العالم وغربه ولهذه القوة أن تتناغم مع قوة الانتفاضة في الداخل ليكتمل مشهد الفلسطيني الجبار بصورته المقاومة في الداخل ومراياها الممانعة في الخارج... ولقد قيل بأن بديل المقاومة هو الرضوخ لشروط التسويات الجائرة وأقول صارخاً لا بديل عن مقاومة الاحتلال إلا بالامتناع عن نوازع ثقافته ليبقى الحق المغسول بدمه هو شمس الحقيقة التي لا هوية لها.
دون الانتصار لها شهوداً وشهداء... أيها الفلسطينيون تناسلوا لتثقلوا الأرض بقداس الحق وكلمة الحقيقة وفي المعركة الفاصلة بين نظام المصالح ونظام القيم فإن الحق موعود بالنصر وعداً من السماء....
حق العودة
حق العودة
- "هو حق الفلسطيني الذي طرد أو خرج من موطنه لأي سبب عام 1948 أو في أي وقت قبل أو بعد ذلك، في العودة إلى الديار أو الأرض أو البيت الذي كان يعيش فيه حياة اعتيادية قبل 1948.
- هذا الحق ينطبق على كل فلسطيني سواء كان رجلاً أم امرأة، وينطبق كذلك على ذرية أي منهما مهما بلغ عددها وأماكن تواجدها ومكان ولادتها وظروفها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
- يعتبر الفلسطينيون حق العودة مقدساً؛ لأنه حق تاريخي ناتج عن وجودهم في فلسطين منذ الأزل وارتباطهم بالوطن؛ ولأنه حق شرعي لهم في أرض الرباط؛ ولأنه حق قانوني ثابت، وحق الفلسطينيين في وطنهم فلسطين ضارب في أعماق التاريخ، وجذوره أقدم من جذور البريطانيين في بريطانيا، وبالطبع أقدم من الأمريكيين في أمريكا"
- حق العودة هو حق من حقوق الإنسان الواقعة في نطاق القانون الدولي لحقوق الإنسان. فهو بهذا المعنى حق مطلق غير قابل للتصرف من شخص لشخص آخر. وغير قابل للمفاوضة أو التنازل، ولا تسقطه أي معاهدة أو اتفاق سياسي من أي نوع، حتى لو وقعت على ذلك جهات تمثل الفلسطينيين
- نصت المادة 13 الفقرة ( 2 ) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن: "لكل إنسان الحق في مغادرة أي بلد بما في ذلك بلده، والحق في العودة إلى بلده". ونصت المادة 17 فقرة ( 2 ) على أنه " على أنه "لا يمكن حرمان أي شخص تعسفياً من ممتلكاته". وأشار في المادة 12 فقرة ( 2 ) إلى أنه: "لا يجوز حرمان أحد بشكل تعسفي من حق الدخول إلى بلده".
:تنص المادة 49 من معاهدة جنيف الرابعة: "يمنع الترحيل الفردي أو الجماعي، وكذلك طرد الأشخاص المحليين -بموجب المعاهدة- من الأراضي المحتلة لأراضي القوة المحتلة أو لأراضي أي دولة أخرى، سواء أكانت تحت الاحتلال أم لا، بغض النظر عن دوافع هذه الأفعال".
قانون العودة الإسرائيلي، 1950
قانون العودة الإسرائيلي، 1950
حق العودة
يحق لكل يهودي أن يهاجر إلى إسرائيل.
تأشيرة الهجرة
أ) تكون الهجرة بموجب تأشيرة مهاجر.
ب) تمنح تأشيرة مهاجر لكل يهودي يعرب عن رغبته في الاستقرار بإسرائيل، إلا إذا ثبت لوزير الهجرة أن الطالب –
(1) يعمل ضد الشعب اليهودي، أو
(2) من شأنه أن يعرض للخطر صحة الجمهور أو أمنه.
شهادة مهاجر
أ) إن اليهودي الذي قدم إلى إسرائيل، وبعد قدومه أعرب عن رغبته بالاستقرار فيها، يحق له، طالما هو في إسرائيل، أن يحصل على شهادة مهاجر.
ب) إن التحفظات المفصلة في المادة 2 (ب) تسري كذلك على منح شهادة مهاجر، غير ان الشخص لا يعد معرضاً صحة الجمهور للخطر بسبب مرض أصيب به بعد قدومه إلى إسرائيل.
السكان والمولودون
كل يهودي هاجر إلى إسرائيل قبل بدء العمل بهذا القانون، وكل يهودي ولد في إسرائيل، سواء قبل بدء العمل بهذا القانون أم بعده، فإن حكمه كحكم من هاجر وفقاً لهذا القانون.
تنفيذ وأنظمة
وزير الهجرة مكلف بتنفيذ هذا القانون، ويحق له أن يضع أنظمة بصدد كل ما يتعلق بتنفيذه وكذلك بمنح تأشيرات مهاجر وشهادات مهاجر للقاصرين لغاية سن الثامنة عشرة.
دفيد بن غوريون موشى شبيرا
رئيس الحكومة وزير الهجرة
يوسف شبرينساك: رئيس الكنيست ورئيس الدولة بالوكالة
المصدر: "الوقائع الإسرائيلية: كتاب القوانين"، العدد 51 (6 تموز/يوليو 1950)، ص 196.
أقرته الكنيست في 20 تموز 5710 (في 5 تموز 1950).
قانون العودة "الإسرائيلي" 1950… الطرد مقابل الاستجلاب والتهجير مقابل الهجرة
يوسف فوزي كنانة
في يوم التاسع والعشرين من شهر تشرين الثاني 1947، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة، قرارها رقم 181 (قرار التقسيم)، والذي دعا الى تقسيم فلسطين الى دولتين “واحدة يهودية وأخرى للعرب”. ولكن العرب الفلسطينيون رفضوا هذا القرار كونه يعطي لليهود أكثر من 52% من الأراضي التي كان يملكها الفلسطينيون في عهد الانتداب البريطاني. فالفلسطينيون العرب الذين كانوا يملكون 95% من الأراضي، حصلوا فقط على 5،44 بالمئة منها، بينما حصل اليهود على 5،55 بالمئة من أرض فلسطين التاريخية والتي يبلغ قوامها 27009 كيلو مترات مربعة، رغم أنهم يشكلون 6 بالمئة منها، ولكن بسبب حرب النكبة 1948 وما أعقبها من اتفاقيات الهدنة 1949 في رودوس، مع دول الطوق العربية (سوريا والأردن ولبنان ومصر) وبرعاية الأمم المتحدة، تمكّنت إسرائيل من بسط السيطرة على 78 بالمئة من أرض فلسطين التاريخية، ليس قبل أن تقوم العصابات الصهيونية بطرد 800 ألف فلسطيني، كانوا يمثلون آنذاك 6،53 بالمئة من مجموع الشعب الفلسطيني البالغ مليون وربع المليون فلسطيني، وتهجير حوالي 419 قرية ومدينة كانوا يسكنونها.
وهكذا تركز معظم اللاجئين الفلسطينيين 85%، في مناطق خارج الخط الأخضر، أي في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، في حين اضطر 20 بالمئة من اللاجئين الفلسطينيين الذين فقدوا بين ليلة وضحاها، بيوتهم وأملاكهم، وغدوا في غياهب اللجوء، في الدول العربية الشقيقة، كسوريا والأردن والعراق ولبنان ومصر، بينما توجّه العديد من الفلسطينيين إلى أوروبا وأمريكا، وكذلك نحو دول الخليج العربي.
في المقابل، فقد بقي حوالي 151 ألف عربي في أراضيهم، يسكنون قراهم ومدنهم، داخل الخط الأخضر، وقد تركزوا في مناطق: الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة كحيفا ويافا واللد والرملة وآخرين في غربي مدينة القدس.
فبالرغم أنّ الغلبة الإسرائيلية اليهودية في الشق المتعلق بالأرض، فإن صناع القرار في الحركة الصهيونية وقيادة دولة إسرائيل، قد أولوا موضوع الديموغرافيا، اهتماما خاصا، لا يقل أهمية عن الأرض، واتفقوا على أن الخطر الديموغرافي يهدد دولة إسرائيل ويهدد يهودية الدولة، لأجل ذلك، سارعت حكومة إسرائيل الأولى، والتي قادها آنذاك حزب (المباي) بزعامة دافيد بن غيريون، إلى سنّ وتشريع قانون أساس الكنيست في عام 1950 وقد عرف هذا القانون (حق العودة لليهود 1950) واعتبره بن غيريون، أحد أهم القوانين التي سيعرفها الكنيست أو السلطة التشريعية الإسرائيلية، إذ يتم تأسيس دولة إسرائيل اليهودية بواسطة استجلاب عامة اليهود إلى البلاد. وأعلن بن غيريون، أن إسرائيل ليست دولة يهودية لان اليهود يشكلون الأكثرية فيها فقط، بل هي دولة اليهود حيثما وجدوا، ودولة كل يهودي يرغب في الإقامة فيها، وبغض النظر عن جنسيتهم أو الشعوب والأمم التي ينتمون إليها، وبغض النظر عن عدم وجود أية علاقة أو صلة بينهم وبين أرض فلسطين، وحتى انه لا تستطيع الدولة ومؤسساتها منع أي يهودي من القدوم الى إسرائيل، بل يجب على مؤسسات الدولة العبرية، أن تمنح كل قادم يهودي جنسية إسرائيلية في اللحظة التي يهاجر فيها الى أرض فلسطين. والقانون يشمل أبناء وبنات أبنائهم وأحفاد اليهود أيضا.
إذا أمعنا النظر والبحث، فإن الكنيست الإسرائيلية، تعمدت عدم تشريع أي قانون أو أي بند يمنح ويضمن عودة الفلسطينيين، أصحاب الأرض والمكان الأصليين الى أراضيهم، وإن كانوا يتسلحون ويملكون “الكواشين” وأوراق الطابو والوثائق التي تشهد على ملكيتهم للأرض والمسكن.
إجمالا، فإن هذا القانون يجسد استراتيجية الطرد مقابل الاستجلاب والتهجير مقابل الهجرة.
تصدير المحتوى ك PDF