"غرباء في مخيماتهم" فاقدو الأوراق الثبوتية من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان

"غرباء في مخيماتهم" فاقدو الأوراق الثبوتية من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان

"غرباء في مخيماتهم"  فاقدو الأوراق الثبوتية من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان

 

 

"غرباء في مخيماتهم

فاقدو الأوراق الثبوتية من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان

 

تحقيق: عصام الحلبي

 

في زوايا المخيمات الفلسطينية في لبنان، يعيش آلاف الأفراد دون أي اعتراف قانوني بوجودهم، محرومين من أبسط الحقوق التي تكفلها القوانين والأعراف الدولية. لا أوراق هوية، لا شهادات ميلاد أو وفاة، ولا حتى إثبات على الوجود القانوني داخل بلد يقيمون فيه منذ أكثر من نصف قرن. هؤلاء هم "فاقدو الأوراق الثبوتية" من اللاجئين الفلسطينيين، فئة مهمشة تعيش خارج النظام، خارج الدولة، وخارج الذاكرة الرسمية.

 

البداية من الثورة... والنهاية في النسيان

 

تبدأ قصة هؤلاء منذ العام 1968، حين دخل عدد كبير من الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة إلى لبنان، التحقوا حينها بفصائل منظمة التحرير الفلسطينية في إطار العمل الوطني. لم تكن لديهم أوراق رسمية عند وصولهم، باعتبارهم منفيين قسراً أو منخرطين في عمل سياسي وتنظيمي. اعتُبر وجودهم مؤقتًا، لكن الحرب الأهلية اللبنانية، والاجتياح الإسرائيلي، وتغيرات المشهد الإقليمي جعلت من المؤقت إقامة دائمة بلا اعتراف.

 

هؤلاء لم يسجَّلوا لا في الدولة اللبنانية، ولا في سجلات الأونروا، ولا يمتلكون أي وثيقة من بلدهم الأصلي. واليوم، وبعد أكثر من خمسة عقود، نعيش الجيل الرابع منهم، ويُقدَّر عددهم بحوالى 2500 شخص يعيشون بين المخيمات والتجمعات في صيدا، بيروت، صور، البقاع، وطرابلس.

 

ممنوعون من الحياة: الحرمان الشامل

 

فاقدو الأوراق الثبوتية يعيشون حالة من الإقصاء الكامل:

 

لا زواج رسمي: غير قادرين على تسجيل عقود الزواج لدى الدوائر الرسمية، ما يعني أن أبناءهم يولدون بلا أوراق.

 

لا تعليم: لا يمكنهم الالتحاق بالمدارس الرسمية اللبنانية، وغالبًا يُرفض تسجيلهم حتى في مدارس الأونروا لعدم امتلاكهم رقم تسجيل" يتم تسجيلهم في المرحلة الابتدائية وتبدأ المشاكل معهم من المرحلة التكميلية "

 

لا عمل قانوني: لا يحصلون على إجازات عمل أو تصاريح، ويعتمدون على أعمال هامشية غير منتظمة.

 

لا تنقل: لا يمكنهم عبور الحواجز أو السفر أو حتى إصدار أي مستند يتيح لهم إثبات هويتهم.

يقول "س.ع." (42 عامًا)، وهو أحد أبناء الجيل الثاني من فاقدي الأوراق:

 "أنا من مواليد مخيم شاتيلا، لا أملك أي إثبات على اسمي، حتى بطاقة تعريف داخلية. لم أستطع الزواج رسميًا، ولا تسجيل أبنائي، ولا أستطيع دخول المستشفى. كل حياتي شفهية وغير قابلة للتوثيق."

 

الواقع القانوني: مسؤولية الدولة والأونروا والمجتمع الدولي

 

قضية فاقدي الأوراق ليست مسؤولية فردية أو فصائلية. المسؤولية الأولى تقع على الدولة اللبنانية التي تحتضن اللاجئين، لكنها لم تجد حتى اليوم إطارًا قانونيًا يعترف بهؤلاء الأشخاص، ويمنحهم الحد الأدنى من الحقوق. كما أن وكالة الأونروا، وهي الجهة الدولية المخوّلة بحماية اللاجئين الفلسطينيين، تستثنيهم من خدماتها الأساسية لعدم امتلاكهم رقم تسجيل رسمي (RQ).

 

من جهة أخرى، فإن المجتمع الدولي الذي يدّعي التزامه بحقوق الإنسان، لم يضغط بما فيه الكفاية على السلطات اللبنانية أو على الأونروا لإيجاد حل قانوني وإنساني لهذه الفئة، رغم وضوح انتهاك حقوقها الأساسية.

 

دور منظمة التحرير: تمثيل لا يعفي من المسؤولية الأخلاقية والسياسية

 

صحيح أن منظمة التحرير الفلسطينية ليست جهة تسجيل قانوني، ولا تملك صلاحية إصدار وثائق رسمية، لكنها تبقى الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، بما في ذلك هذه الشريحة المنسية. من واجبها   الأخلاقي أن تضع هذا الملف على طاولة الضغط السياسي، وأن تحشد الجهود باتجاه:

 

الضغط على الدولة اللبنانية لإيجاد إطار قانوني يعترف بهؤلاء كفئة إنسانية خاصة.

 

التواصل مع الأونروا لتوسيع مظلة التسجيل والخدمات لتشمل من تنطبق عليهم معايير اللجوء.

 

العمل مع منظمات حقوقية ودولية لدفع الأمم المتحدة إلى وضع آلية خاصة لحماية هؤلاء، أو على الأقل إصدار وثيقة مؤقتة تتيح لهم الحياة الكريمة، دون المساس بمبدأ رفض التوطين وحق العودة.

 

مقترحات واقعية للحل

 

يقدّم حقوقيون ومتابعون مقترحات قانونية يمكن أن تشكّل مدخلاً لحل مأساة فاقدي الأوراق:

 

1. إصدار بطاقة إقامة إنسانية خاصة من الدولة اللبنانية، بضمانة سياسية من منظمة التحرير، تتيح لحاملها التنقل والعمل والتعليم.

 

2. تعديل معايير تسجيل الأونروا مؤقتًا لتشمل أبناء هذه الفئة بناءً على إثباتات اجتماعية وشهادات موثّقة.

 

3. إطلاق مبادرة فلسطينية-لبنانية مشتركة، برعاية دولية، لتوثيق هذه الفئة ومنحها وضعًا قانونيًا انتقالياً.

 

اعتراف لا يعني توطين، وكرامة لا تنتظر

لا يطلب فاقدو الأوراق الثبوتية أكثر من الحق بالحياة الكريمة. لا يطالبون بالجنسية اللبنانية، ولا يسعون للتوطين، بل فقط إلى الاعتراف بإنسانيتهم، وقدرتهم على الزواج، وتسجيل أبنائهم، والعمل والتعلم والعلاج.

 

الهوية ليست فقط ورقة، لكنها في العالم اليوم مفتاح كل شيء. وحرمان آلاف الفلسطينيين في لبنان من "الشخصية القانونية" هو انتهاك صريح لحقوق الإنسان، لا يمكن التسامح معه تحت أي ذريعة.

 

فهل آن الأوان ليُرفع الظلم عن هؤلاء؟

وهل تتحرك الجهات المعنية – من دولة، وأونروا، ومجتمع دولي، ومنظمة التحرير – قبل أن يُدفن الجيل الرابع كما وُلد: مجهولًا، صامتًا، غير مرئي؟



تصدير المحتوى ك PDF

إضافة محتوى