الفلسطينيون في اليمن
الفلسطينيون في اليمن
ظروف الإقامة صعبة والجهات الرسمية الفلسطينية غير مهتمة
منذ بداية السبعينيات شهدت اليمن وصول الفلسطينيين على شكل دفعات مبتعثة للعمل في مجال التعليم، حين كانت اليمن لا تزال تضع أولى خطوات الاستقرار عقب حروب دامت حوالي عشر سنوات بعد قيام الثورة اليمنية.
واستمر القادمون على شكل دفعات متتالية كان أكبرها الدفعة التي قدمت عقب حصار بيروت عام 1982، وكانت في أغلبها مشكلة من أفراد منضمين إلى القوات الفلسطينية جاءوا مع عائلاتهم، واستمر وصول الدفعات حتى كان وصول آخر دفعة عام 2003 عقب الاحتلال الأمريكي للعراق.
شكلت اليمن محطة ترانزيت للفلسطينيين استمرت حتى منتصف التسعينيات، ليصلوا إليها ومن ثم يبحثون عن أماكن أفضل للعيش ويغادرونها أسراباً كلما لاحت لهم فرصة الحصول على فرصة أفضل للعيش في بلد آخر.
وعلى الرغم أن السفير الفلسطيني بصنعاء خالد شيخ يرفض تسميتهم باللاجئين إلا أنه يؤكد أن هؤلاء جاؤوا من عدة دول ولا يستطيعون الذهاب إلى أي مكان، فمنهم من لا يحمل وثائق فلسطينية ولا رقماً وطنياً ولا وثائق سفر تمكنهم من العودة إلى فلسطين، حتى أن بعض من لديهم هويات صادرة من بلدان عربية يمنعون من الدخول إليها.
ويستبدل السفير الفلسطيني بصنعاء صفة اللجوء التي لا يحبذ إطلاقها عليهم ويقول إنهم ضيوف على اليمن ومضطرون إلى أن يبقوا في هذا البلد ((إلى أن نجد لهم حلاً بشكل أو بآخر)) على حد قوله.
لم يكن القادمون في أول دفعة لاجئين لكنهم جاؤوا للإسهام في وضع اللبنات الأساسية للتعليم كغيرهم من الكوادر التي جاءت من أنحاء الوطن العربي، إلا أن كثيراً منهم واصلوا البقاء حتى أصبح من الصعب عليهم العودة إلى الأراضي الفلسطينية واستمروا في العمل في حقل التعليم حتى حل عليهم (قرار الإحلال) الصادر عن وزارة التربية والقاضي بالاستغناء عن كل الكوادر العربية العاملة في حقل التربية والتعليم، فتمّ الاستغناء عن ما يزيد عن مئة معلم فلسطيني وأصبحوا ضمن العاطلين عن العمل في صفوف الجالية الفلسطينية.
وبين بداية السبعينيات و2003 ظلت الأمور تتأرجح بين جزء يذهب وآخر يأتي، وكان من بين تلك الدفعات القادمة دفعة كبيرة وصلت عقب حرب الخليج الثانية عام 1990 تكررت بعد احتلال العراق، حيث أصبح الفلسطينيون هناك يعانون من مشاكل، خاصة أنهم أصبحوا يعدون جزءاً من مخلفات النظام السابق كما ينظر إليهم الاحتلال الأمريكي والحكام الجدد، فبعد أن أصبحت حياتهم في خطر وجد بعضهم اليمن أفضل مكان حيث وصلت دفعة يقدر عددها بمئة أسرة بحسب إحصاءات السفارة، والتي تقول إن عدد الفلسطينيين المقيمين حالياً في اليمن يقدر بحوالي (7000) نسمة يشملون كافة المقيمين في اليمن بما فيهم الطلبة الدارسون في اليمن والعاملون في عدة مهن كمهندسين أو معلمين أو أطباء، أو العاملين في مجال التجارة والاستثمار.
قرية فلسطينية
في العاصمة اليمنية صنعاء تبدو -القرية الفلسطينية- كما يحب أصحابها تسميتها فهي العنوان الأبرز للجالية الفلسطينية على الرغم أن أعداد الساكنين في هذه القرية الفلسطينية تناقصت بشكل كبير وأصبحت مجرد رمز لتواجدهم لا أكثر، فالمنازل المبنية من الصفائح المعدنية لم تعد صالحة للسكن فهي لا تقيهم الحر ولا البرد، يقيم فيها حوالي (700) نسمة معظمهم من القادمين عام 1982 من بيروت والذين كانوا محسوبين على القوات الفلسطينية وهم مجموعة من الفقراء والمعاقين، حتى أن كثيراً منهم فقدوا مرتباتهم ومستحقاتهم التي كانوا يتسلمونها من منظمة التحرير الفلسطينية في السابق.
وبقي ذلك العدد في المجمع بعد أن تناقص من حوالي أربعة آلاف وعقب نزوح كثيرين إما إلى غزة والضفة بعد قيام السلطة الفلسطينية أو إلى بلدان أخرى.
كما اختفت في بداية التسعينيات تجمعات أخرى للفلسطينيين في اليمن فالمخيم الذي كان موجوداً في عدن أغلق وسلم للجهات المختصة في النصف الأول من التسعينيات عقب قيام الوحدة اليمنية والمشاكل التي تبعتها، ولم يتبقَّ سوى أُسر قليلة تقيم في مبنى القنصلية الذي كان سابقاً مبنى السفارة الفلسطينية في عدن، عاصمة ما كان يعرف بجمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية سابقاً.
كما أغلقت في وقت لاحق مزرعة كبيرة كانت تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية في منطقة (عبس) بمحافظة حجة (400 كم) غرب العاصمة اليمنية صنعاء، والتي كان يعمل فيها ويديرها عشرات الفلسطينيين وتباع منتجاتها لصالح الفلسطينيين المقيمين في اليمن، لكنها سلمت للسلطات اليمنية. كما سلم المستشفى التابع للقرية الفلسطينية وكان يتبع الجالية وأصبح أثراً بعد عين، ولم يبق منه سوى مبنى متهالك يقع في حوش القرية الفلسطينية وتسكنه الهوام، بعد أن كان يقدم خدمات صحية على مستوى عالٍ للفلسطينيين وغيرهم -على حد قول أحد سكان القرية- الذي قال إنه كان يديره طاقم من الأطباء الفلسطينيين المتمكنين.
وكلما تآكلت تلك القوالب التي كانت تجمعهم يحاول من اضطر من الفلسطينيين البقاء في اليمن والاندماج في مجتمع يختلف كثيراً عن عاداتهم وطبيعة حياتهم –لكنها الضرورة– جعلتهم يحاولون التواؤم إلى حد كبير مع المجتمع اليمني ليتمكنوا من الحصول على فرص عمل.
أصبحت هناك علاقات اجتماعية جيدة إلى حد ما بين اليمنيين والفلسطينيين وصلت إلى حد المصاهرة في كثير من الأحيان، فمحمد (14 عاماً) كان يلعب مع أحد الأطفال اليمنيين في الملعب التابع للمجمع لم يعد يبدو أي فرق بينه وبين زميله اليمني خاصة أن محمد الذي يقول عن جنسيته أنه ((نص نص)) من أب فلسطيني وأم يمنية.
كما يداهم سكان تلك القرية الموجودة في حي (حدة)- أحد أرقى أحياء العاصمة– شبح الإخراج من تلك القرية التي يقول أبو زهري نائب مسؤول السكن إن الشركة ترفض إعادة تأجير المساحة التي يقع فيها المجمع وتطالب الساكنين فيها بالخروج من المجمع، ويعتبر هذا التهديد أكبر مشكلة بالنسبة للساكنين حالياً، فخروجهم منها يعني تشرد حوالي سبعمائة نسمة في الشوارع. ويقول السفير إنها مشكلة فيها تعقيدات كبيرة فإلى جانب رفض الشركة المؤجرة تجديد العقد هناك مشكلة على ملكية الأرض فيقول إنها ليست ملكاً للشركة، وإن مواطنين يمنيون يدعون ملكيتهم للأرض ويطالبونهم بالبقاء فيها، وهي مشكلة الأراضي ذاتها التي يعاني منها سكان العاصمة اليمنية صنعاء انعكست على الفلسطينيين الذين لا ناقة لهم فيها ولا جمل ولكنها رمتهم فيها الأقدار، ورغم أن السفير الفلسطيني يؤكد أن السفارة تسعى لحلها بشكل ودي من خلال الحكومة اليمنية، لكن هناك من يرى من الفلسطينيين المقيمين في السكن أن السفير لا يبحث إلا عن إبراز شخصه ويجعل الجالية ومشاكلها عبارة عن ديكور يختبئ خلفها فهو يتعامل مع الجالية بنظرة حزبية حسب قولهم
.
الوضع التربوي
على الرغم من إشادة السفير الفلسطيني د. خالد الشيخ بدور الحكومة اليمنية في منح أبناء الجالية الفلسطينية منح دراسية حيث يقول ((تقريباً منذ مجيئي إلى اليمن منذ سنتين وكل خريجي الثانوية من أبناء الجالية الفلسطينية يحصلون على منح من قبل الحكومة اليمنية للدراسة في الجامعات اليمنية، ونحن نقدمها لكل خريجي الثانوية المقيمين في اليمن وتوزع حسب معدلاتهم)). إلا أن عمر همام رئيس اتحاد الطلبة الفلسطينيين يؤكد أن المنح التي تقدمها الحكومة اليمنية قليلة ولا تتجاوز مائتين منحة سنوياً، وأن الطلاب الفلسطينيين الذين يصل عددهم إلى 1800 طالب معظمهم يدرسون على حسابهم الخاص سواء في الجامعات الخاصة أو بالتسجيل في النظام الموازي في الجامعات الحكومية.
ويؤكد همام أن من إجمالي مئتي منحة الموزعة على كل التخصصات هناك سبع منح فقط في مجال الطب وهو التخصص الذي يهواه الجميع ويطمح في دراسته معظم الطلبة الفلسطينيين سواء المقيمين في اليمن أو الوافدين للدراسة، ولهذا يضطرون للتسجيل في الجامعات الخاصة التي مكنتهم من هذه الفرصة، ويؤكد همام أن الجامعات اليمنية الخاصة والحكومية تقدم دعماً غير محدود للطلبة الفلسطينيين وتتعاطف معهم.
ويشير إلى أن الطلبة الفلسطينيين إلى جانب تواجدهم في السكن الجامعي يتواجدون في سكن خاص بهم، فهناك سكن الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر –رئيس مجلس النواب اليمني- والذي أنشئ بدعم منه ويضم أكثر من 50 طالباً فلسطينياً وهم يشكلون تكتلاً نوعياً، فأغلبهم قادمون من دول الخليج. إلى جانب سكن طلابي آخر في مدينة ذمار (60 كم) شرق العاصمة صنعاء يضم 120 طالباً بحسب همام رئيس اتحاد الطلبة الفلسطينيين 95% منهم يدرسون الطب البشري في الجامعات.
ويشير همام إلى تنفيذ الاتحاد لعدد من الأنشطة في أوساط الطلبة سواء الموسمية منها والتي تهدف الى إحياء المناسبات الفلسطينية وتذكير الطلبة بقضاياهم.
كما يعمل اتحاد الطلبة الذي أعيد تأسيسه في منتصف 2003 على التواصل مع معاهد كمبيوتر ولغات بغرض الحصول على تخفيضات للطلبة الفلسطينيين الراغبين في الدراسة، كما يتواصل مع شركات الطيران للحصول على تخفيضات في قيمة التذاكر.
العمل لفلسطين
من خلال جولتنا بين الجالية شاهدنا أن العلاقة شبه منقطعة بين المؤسسات العاملة لفلسطين وأعضاء الجالية الفلسطينية، باستثناء الناشطين في بعضها، فالسفير يشير إلى أن المؤسسات العاملة لفلسطين في اليمن لا تقدم أي مساعدات للفقراء من الفلسطينيين المقيمين في اليمن، باستثناء جمعية كنعان لفلسطين التي يرأسها نجل شقيق الرئيس اليمني علي عبد الله صالح والتي تظل موسمية ومحدودة لا تسد حاجة الفقراء منهم، كما تركز على دعم الأنشطة التي تحييها الجالية في المناسبات التي لها علاقة بالقضية الفلسطينية، بينما ترى بعض الأُسر التي تمّت زيارتها أن هناك مؤسسات كثيرة تدعم الأُسر الفلسطينية بكل تنوعها السياسي، من ضمن تلك المؤسسات التابعة لمكتب حماس في صنعاء.
وتؤكد مديرة لجنة نساء فلسطين –إحدى المؤسسات النسوية العاملة لفلسطين في اليمن والتي تقيم أنشطة متواصلة على مدار السنة وتحيي المناسبات بشكل دائم- أن اللجنة لديها العديد من المشاريع الخيرية التي تسهم في دعم الجالية، منها مشروع دعم الأسر الفقيرة وتقدم فيها مساعدات نقدية وعينية، ومشروع الطالب الفلسطيني وتوفر لهم منحاً دراسية وتمول النادي الصيفي الذي يقام سنوياً وتستفيد منه معظم الفتيات الفلسطينيات، وتنظم لقاءات مع الجالية الفلسطينية لربطهم بالقضية الفلسطينية.
ومن خلال التباين بين ما أدلى به كل من السفير الفلسطيني ومديرة لجنة نساء فلسطين التي لمسنا نشاطها الكثيف من خلال البيانات الموثقة التي أطلعتنا عليها والسندات الرسمية التي تثبت ما تقدمه لسكان الجالية اتضح أن العلاقة مقطوعة كلياً بين السفارة والمؤسسات العاملة لفلسطين، وليس بين تلك المؤسسات والجالية فقط.
فالجمعية الخيرية لنصرة الأقصى الشريف التي يديرها كلياً يمنيون لا تقدم شيئاً لأعضاء الجالية الفلسطينية في اليمن، على اعتبار أنها متخصصة بتقديم الدعم للفلسطينيين في الداخل نظراً للظروف القاسية التي يعيشونها بحسب مصدر في الجمعية التي تعد أكبر وأقدم مؤسسة عاملة لفلسطين في اليمن، والتي حكمت المحاكم الأمريكية على رئيسها السابق الشيخ محمد المؤيد بالسجن لمدة 75 سنة بسبب جمعه التبرعات لصالح فلسطين ولا يزال يقبع في سجونها مع مرافقه محمد زايد. إضافة إلى مؤسسة القدس (فرع اليمن)، والتي تعمل على الحفاظ مدينة القدس وربط الشارع اليمني بمقدساته على أرض فلسطين ودعم مشروع اليتيم الفلسطيني وكفالة الأُسر الفقيرة في القدس.
رغم الصعوبات والمشاكل نلاحظ أن هناك علاقة وثيقة بين الفلسطينيين واليمنيين، وأن الشعب اليمني يؤيد القضية الفلسطينية، لكن المشاكل المتعلقة بالعمل والسكن والإقامة للفلسطينيين بحاجة إلى روح من التعاون لتذليلها.(1)