يوميات الأسبوع الأخير من الحصار / تل الزعتر

يوميات الأسبوع الأخير من الحصار / تل الزعتر

يوميات الأسبوع الأخير من الحصار / تل الزعتر

يوميات الأسبوع الأخير من الحصار

الخميس 5 آب "الأطفال يموتون من الجفاف" 

في هذا اليوم ،لم تصل قافلة الصليب الأحمر،كما كان متوقعاً، إنما منظر الأطفال الذين لم يبق منهم إلا الهياكل من شدة الجفاف . وصلت في هذا اليوم أكثر من ١٥ عشر حالة جفاف أطفال ،تحملهم أمهاتهم وهنّ يصرخن :" دخيلك يا دكتور إبّني...إبّني ! ".اطفال لم يبقَ منهم. إلا الجلد والعظم،، والعيون الغائرة،ويتنفسون بصعوبة.والأمهات يلححّن في الطلب:"الماء..الماء"،كان الماء في تلك الأيام كل شيئ،وتقول إمرأة:يعني ما في فايدة يا دكتور ؟… "ابحش" له قبر سلف…؟"ويصعُب علي الجواب … وأنا أسمع نفس السؤال … من كل الأمهات .كبُرت نفسي بهؤلاء النسوة،وببطولاته…لانه لم يكن هناك أي طلب آخر، يدّل على الانكسار أو الاستسلام !!!.
في المساء،كنّا نستمع إلى الأخبار ، من إذاعة صوتا في بيروت الغربية. الجرحى الذين غادرونا مع الصليب الأحمر بالأمس، يضربون عن الطعام ، تضامناً مع أهالي مخيم تل الزعتر، ويطلبون منّا المزيد من الصمود والصبر. كان الخناق يزداد على أهل المخيم .الماء والحصول عليه من أصعب المهمات ، ويأتي الليل لأسمع "طقطقة المواعين" وكأنهامظاهرةصامتة،تتجه نحو مصدر الماء الوحيد، ومرّةً أُخرى نستعدّ ونستنفر قوانا …فالذهاب لإحضار الماء يعني بالنسبة لنا مزيداً من الإصابات . وتمُرّ ساعات الليل متثائبة بعد نهارحامي الوطيس.
"أبو السعيد" ،يبذل كل ما في وسعه للحصول على بعض الماء لعائلته. ولنا في المستشفى.كان دائماً يريد لنا الاستمرار في عملنا. كان أحياناً يأتينا فٓرِحاً كأنه حقق انتصاراً كبيراً !لقد أحضر زجاجة ماء . نحاول النوم في تلك الليلة ، ولكن وقع الحصار،ووجوه الأطفال وعيونهم لاتفارقني، وأفكاري تذهب بعيداً… هل تصل النجدة ؟ هل يشقّون الطريق إلينا؟ هل يصلون لننقذ ما تبقى من الأطفال؟!!.
وجاء سلمان ليوقظني من شرود افكاري، ويخبرنا بتلقي برقية لاسلكية من القيادة تفيد بان بعثة الصليب الأحمر الدولي ستحضر صباح اليوم التالي لإخلاء الدفعة الثالثة، و إن علينا تدبر الأمر…
**
لوحة من أعمال د.يوسف عراقي تجسد ذلك اليوم المشؤوم الذي سقط فيه الأطفال في تل الزعتر نتيجة الجفاف


إضافة محتوى