ساحة الحناطير في حيفا

ساحة الحناطير في حيفا
بقلم المؤرخ: الدكتور جوني منصور
تميزت بعض مدننا في فلسطين بوجود ساحة عامة او اكثر في حيز المدينة. وإحدى هذه الساحات المشهورة ليس فقط على مساحة مدينة حيفا إنما الوطن كله تحمل الاسم "ساحة الحناطير". اما اسمها السابق فكان "ساحة الخمرة" نسبة الى عائلة الخمرة الحيفاوية العريقة التي امتلكت بعضا من المنازل والعقارات في المنطقة. ولما دخل استعمال الحنطور في اواخر الفترة العثمانية تحول اسمها على لسان العامة الى "ساحة الحناطير"... وبقي هذا الاسم قائما حتى العام 1959 عندما قررت بلدية حيفا الغاء الاسم العربي واعتماد اسم بديل هو "ساحة باريس" تكريما وشكرا لفرنسا لدعمها مشروع مترو "الكرمليت" في المدينة وتقديرا للحكومة الفرنسية التي زودت اسرائيل بمئات الطائرات الحربية من نوع "ميراج" وغيرها... ولكن بقي اسم "ساحة الحناطير" على لسان اهالي المدينة وكل الوافدين اليها من الجليل والمثلث وسواهما...
كانت هذه الساحة بمثابة عصب حياة المدينة، فهي نقطة التقاء ومواعيد، ونقطة انطلاق الى الاحياء الغربية، ونقطة دخول الى المدينة - البلدة القديمة داخل الاسوار. وشهدت هذه الساحة سلسلة من المظاهرات الوطنية الفلسطينية ضد الاحتلال البريطاني والمشروع الصهيوني، كما وشهدت مظاهرات واعتصامات ضد سياسات الاجحاف بحقوق العمال الذين اشتغلوا في سكة الحديد والميناء والمرافق الصناعية في حيفا الى ما قبل العام 1948. وللأسف كانت هذه الساحة نقطة او موقع ترحيل وتهجير اهالي المدينة الى المنفى والمجهول عبر بوابة الميناء القريبة حيث كانت تنتظرهم سفن تم تجهيزها على يد الانجليز المحتلين والمنظمات الصهيونية وبتواطؤ من منتفعين وعملاء عرب ... وقبل عقود قليلة دمرت بلدية حيفا اجزاء من الساحة واحدثت تغييرات تصميمية وبنائية عليها، لدرجة انها لم تعد ساحة بالمرة... فقدنا معلما مركزيا في مدينتنا الجميلة... ولكن... وبالرغم من كل ما جرى لهذه الساحة من ابادة مكانية، فإنها تبقى ساحتنا المليئة بالذكريات والذاكرة التي تربطنا بالمكان الذي نحب... "حيفا".
تصدير المحتوى ك PDF