حكاية البقجة ومخيم المحطة
هاني على الهندي / مخيم المحطة
ها أتاك حديث القجة؟
البقجة وما أدراك ما البقجة، هي قطعة من القماش مربعة الشكل يوضع في منتصفها بعض الملابس، وتلملم أطرافها الأربعة وتعقد مع بعضها لتصبح بقجة.
البقجة لعنة رافقت الشعب الفلسطيني عندما هاجمت قراهم عصابات الصهيونية المسعورة عام 1948، ولازمتهم في دول الشتات؛ في الأردن وسوريا ولبنان والعراق حتى أصبحت جزءا من التراث الفلسطيني.
اختلفت البقجة الأولى عن باقي البقج؛ فالبقجة الأولى كانت تحمل في ثنايا الملابس رائحة الأرض الفلسطينية، ورائحة أمي التي خاطت الملابس ورائحة عرق والدي وأختي الصغيرة، أما باقي البقج فكانت تحمل رائحة العار والهزيمة، وتوالت رائحة الذل والحسرة والانكسار.
كانت وكالة الغوث توزع البقج في فصل الشتاء على سكان أهل المخيم، فيها الملابس دون مراعاة عدد أفراد الأسرة أو أعمارهم أو جنسهم، و"أنت وحظك يا ابو الحظوظ"، وفي بعض الأحيان كان الجيران يقومون يتبادل بعض الملابس من البقجة لتلائم مقاساتهم ليستفيد منها الجميع.
في يوم التوزيع نهتف نحن الأطفال بفرح" اليوم في بقج .. اليوم في بقج"، ويخرج الرجال والنساء والأطفال إلى مركز الطباع لاستلام مخصصاتهم.
تلقفت أم محمود بقجتها من المسؤول وعادت مسرعة إلى بيتها، يهرول خلفها أطفالها فرحين بما تحمله أمهم، متلهفين للحظة فتحها وإعطاء كل واحد حصته؛ هذا قميص واسع فضفاض، و(كبُّوت) بلا لون، و(بنطلون) ليس بمقاس أحد أفراد الأسرة، وفستان وتنورة وحذاء(كعب عالي) لا يناسب قدم أم محمود.
نظرت أم محمود إلى كومة الملابس بألم وحسرة، ابتسمت، أسبلت جفنيها، انحدرت دمعة حرى، لا بأس، ربما تسهر الليلة تقصقص و(تكيِّف) بعض الملابس لأطفالها وهي متأكدة أن هذه الملابس لا تحمل إلا رائحة الذل والعار.
توقفت هذه الخدمات وحصرت الإعاشة فقط بحالات العسر الشديد.
من كتاب مخيم المحطة:
حكاية البقجة ومخيم المحطة
تصدير المحتوى ك PDF