قضية اللاجئين الفلسطينيين

يوجد في التاريخ الحديث جريمة توازي جريمة تهجير الفلسطينيين من ديارهم عام 1948م على أيدي اليهود الصهاينة. لقد هاجمت أقلية أجنبية الأكثرية الوطنية وطردتها من ديارها ومحت آثارها العمرانية، وذلك بتخطيط مسبق ودعم سياسي وعسكري ومالي من الغرب والصهيونية العالمية.. هذه هي نكبة فلسطين عام 1948.
ورغم عدة حروب وغارات برية وجوية ورغم الاحتلال والتشريد فإن 88% من الفلسطينيين لا زالوا يعيشون في أرض فلسطين التاريخية والشريط الذي حولها في الأردن ولبنان وسوريا، و46% من هؤلاء لا يزالون على أرض فلسطين التاريخية و42% في الدول العربية المجاورة. أما الباقون (12% أي حوالي مليون شخص) فنصفهم يقيم في بلاد عربية أخرى، والنصف الآخر في أوروبا وأميركا. وهؤلاء جميعاً ذوو خبرة مميزة وتعليم عال مما مكنهم من العمل في هذه البلاد.(الجدول رقم (1) يبين مواطن الفلسطينيين التي عاشوا فيها عدة قرون إلى أن اقتلعهم الغاصب منها. والجدول رقم (2) يبين توزيعهم في الشتات)88% من الفلسطينيين لا زالوا يعيشون في أرض فلسطين التاريخية والشريط الذي حولها في الأردن ولبنان وسوريا
لقد طرد الصهاينة بقوة السلاح أهالي 530 مدينة وقرية وقبيلة عام 1948م واستولوا على أراضيهم التي تبلغ مساحتها حوالي 18,6 مليون دونم أو ما يساوي 92% من مساحة إسرائيل (انظر جدول3). واقترف الصهاينة ما يزيد على 35 مجزرة لكي يتحقق لهم الاستيلاء على فلسطين. لقد بينت الملفات الإسرائيلية التي فتحت أخيراً أن 89% من القرى قد هُجرت بسبب عمل عسكري صهيوني، و10% بسبب الحرب النفسية (نظرية التخويف وإثارة الرعب)، و1% فقط بسبب قرار أهالي القرية (انظر جدول4).
89% من القرى هُجـرت بسبب عمل عسكري صهيوني، و10% بسبب الحرب النفسية و1% فقط بسبب قرار أهالي القرية
النظرة الإسرائيلية لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين
د. مردخاى كيدار
محلل سياسي ومحاضر في قسم الدراسات العربية في جامعة بار-إيلان الإسرائيلية.
بعد ان تبين لكل ذي عقل ان مشكلة اللاجئين هي اصعب عثرة في اي طريق للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين, قررتُ ان اتوجه الى كل من يهمه الأمر في كل مكان بهذه الرسالة المبنية على إلمامي بحقيقة ما يدور في الذهن الجماعي اليهودي في إسرائيل كوني يهوديا صهيونيا ولد في إسرائيل قبل 55 عاما. وهذه الرسالة نابعة من رغبتي الصادقة في احلال السلام بين إسرائيل والفلسطينيين والأمة العربية بعد ان كنت نشيطا في حركات السلام الإسرائيلية خلال التسعينيات.
لقد تصاعدت في الاونة الاخيرة حدة الجدل الاعلامي والشعبي حول قضية اللاجئين وحق عودتهم الي بيوتهم داخل اراضي إسرائيل 1948. وفي الواقع, كلما اقتربت المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين من نقطة الحسم هناك من يثير موضوع اللاجئين علما منه ان مجرد طرحه على طاولة المفاوضات سوف يعرقلها ويوقفها ويعيدها الى المربع الاول لان الإسرائيليين يرفضون حتى التعرض لموضوع اللاجئين. لماذا؟ لماذا ترفض اغلبية المجتمع الإسرائيلي اليهودي الساحقة حتى الاعتراف بمسؤولية إسرائيل عن مشكلة اللاجئين؟ لماذا لم ولن يشترك اي من دعاة السلام الإسرائيليين في أي فعالية هدفها تحقيق ما يسمى بحق العودة حسب التفسير الفلسطيني لهذا الحق؟ ما هي العلاقة بين استعداد يوسي بيلين للقبول بعودة بعضهم إلى إسرائيل وإقصائه إلي سلة المهملات السياسية الإسرائيلية وهو اليوم وربما إلى الأبد أقصى ما يمكن من مواقع اتخاذ القرار في إسرائيل؟
هذه السطور موجهة إلى جميع الناطقين بالضاد رغبة مني في تسليط الضوء على أهم نقاط طريقة التقكير الإسرائيلي الجماعي فيما يخص هذه المسألة:
- مصدر قضية اللاجئين في المنظور الإسرائيلي هو غزو جيوش سبع دول عربية الى إسرائيل يوما واحدا فقط بعد اعلان استقلالها, والحرب الضروس التي اعلنتها تلك الدول ضد «الكيان الصهيوني» الوليد. وهناك العديد من الشهادات والأدلة عن النداءات التي أذيعت من محطات الراديو العربية والمنشورات التي تم توزيعها في حيفا والتي نادت الجماهير العربية بمغادرة فلسطين لمدة أسبوعين أو ثلاثة أسابيع حتى تنتهي تلك الجيوش العربية الجرارة الجبارة من القضاء على اليهود في فلسطين وبعدها سيرجع الفلسطينيون الى ارضهم منتصرين غانمين. فحسب الرؤية الإسرائيلية مَن اعلن حربا وغزا دولة ثم انهزم في حربه هذه عليه ان يتحمل نتائج أخطائه ويمنح المأوى لمن دعاه لمغادرة بيته او هرب الى أراضيه جراء حربه الخاسرة ضد دولة آمنة لم تعتد عليه. ولهذا فان مسؤولية خلق مشكلة اللاجئين تقع على عاتق الدول العربية التي غزت إسرائيل فعليها ان تحل هذه المشكلة على ما منحها الله تعلى من الأراضي الرحبة والمساحات الواسعة.
- هناك إحساس عميق في نفوس الإسرائيليين أن هؤلاء الذين هربوا من إسرائيل عام 48 فعلوا ذلك خشية منهم من أن تفعل إسرائيل بهم ما كانوا هم سيفعلونه باليهود لو كانت نتائج الحرب عكس ما كانت. او بتعبير آخر - حسب العادات والتقاليد السائدة في المحيط العربي الجانب المهزوم يتعرض للقتل والمجازر كما نشاهد في دارفور وكان الكثير من سكان فلسطين العرب يخشون من ان يتصرف اليهود بهم حسب الأسلوب المتبع بين العرب, وبسبب هذه الخشية النابعة من عقليتهم الجماعية ومن العادات والتقاليد الخاصة بهم هربوا الى المأوى في الدول المجاورة. فهل يُتوقع ان تتحمل إسرائيل مسؤولية العادات والتقاليد العربية؟
- بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 كانت أروبا مغطاة بما لا يقل عن خمسين مليون لاجئ من كافة الامم الأوربية, ولكن بعد مرور ست سنوات لم يبق في أروبا ولو لاجئ واحد لم تحل قضيته - إما بالعودة الى بيتة أو بالتوطين في المكان الذي لجأ اليه او بإعادة توطينه في مكان اخر وهذه هي الطريقة الحضارية التي يجب ان يتعامل بها الانسان مع أخيه الذي شرد من بيته. أما الدول العربية فأبقت اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات أكثر من 60 سنة, بلا حقوق وبلا خدمات وبلا كرامة وخاصة في لبنان حيث ما زال القانون اللبناني يحرم اللاجئ الفلسطيني من حق ممارسة ما لا يقل عن 73 مهنة بغرض منعه من الانخراط في الاقتصاد اللبناني ولتحريمه من كسب قوت بيته بصورة مشرفة ولتمكين المتخمين اللبنانيين من استغلاله ماديا وابتزازه معنويا حتى يأتى اليوم لقذفه على إسرائيل. فهل تعتبر هذه المعاملة معاملة بشر؟ لماذا لم يستوعب العرب أشقاءهم العرب؟ وحينما يقارن اليهودي الإسرائيلي مجتمعه الذي استوعب ملايين من اليهود الذين هاجروا او لجؤوا الى إسرائيل منذ تأسيسها بالمجتمعات العربية التي تأبى ان تستوعب الإخوة اللاجئين العرب الفلسطينيين فهو يتساءل: أين الخلل في العقلية العربية؟ وهل هذه المعاملة نابعة من تعاليم الإسلام السمحة أو من العادات والتقاليد البدوية التي ما زالت تتحكم بطريقة التفكير العربية؟ وهل نحن الإسرائييليون علينا أن نتحمل عواقب النفسية العربية المشوهة التي ما زالت أسيرة منطق «انا وأخي على ابن عمي» ولا تسمح للعربي باستيعاب أخيه العربي الفلسطيني, وهو مسلم مثله - أخوه في الله - في غالبية الأحوال؟ أفليست المخيمات الجديدة الذي تم انشاؤها مؤخرا للفلسطينيين الساكنين في العراق دليلا على أن هذه العقلية المشوهة ما زالت تتحكم بالسلوك العربي حيال الناطقين بالضاد؟
- اليهودي الإسرائيلي يتساءل: أليست معاناة اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية طيلة الستين السنة الماضية جزءً لا يتجزأ من الأسلوب العربي المشهور لاحترام حقوق الانسان المتمثل بالمقابر الجماعية وزنازين التعذيب وقطع الرقاب واختفاء المعارضين وكم الأفواه وهتك أعراض الرجال وتدنيس كرامة النساء وغيرها من أساليب القمع الجماعي والاضظهاد الفردي؟ فقبل ان يوجهوا الى إسرائيل المطالبة باحترام حقوق اللاجئين فعلى الحكام العرب ان يسجلوا أنفسهم للدورة الأولى للمبتدئين في مدرسة حقوق الانسان التابعة للحضارة المعاصرة, لأن الإسرائيلي يعلم يقينًا ان الحكام العرب كلما يتفوهون بحقوق اللاجئين ليست نيتهم إلا ابتزاز العالم, وجميع شعاراتهم عن القتال حتى النصر واستعادة حقوق اللاجئين ليست إلا لتبرير أساليب قمع شعوبهم في خدمة مصالحهم الشخصية. وقد نشر مؤخرا أن الدول العربية المضيفة للاجئين تتقاضى كل سنة مئات الملايينمن الدولارات من الأمم المتحدة, ف"وين الملايين"؟
- لا يختلف اثنان من اليهود في إسرائيل أن عودة جماعية للاجئين إلى داخل إسرائيل ستقضي على الهوية اليهودية للدولة اليهودية الوحيدة في العالم وستكون بمثابة انتحار جماعي للمجتمع اليهودي في إسرائيل. وليس من العدل المطالبة من المجتمع الإسرائيلي اليهودي أن يلقي بنفسه الى التهلكة بغرض حل مشكلة يمكن حلها بتعويضات عادلة دون ان تشوه الهوية اليهودية لإسرائيل.
- عودة جماهير اللاجئين الى ديارهم داخل إسرائيل 1948 هو تدوير عجلة التاريخ الى الوراء مثلها مثل عودة الأسرة الهاشمية الى الحكم في الحجاز او في بغداد. القصد وراء عودة اللاجئين هو اعادة فلسطين بكاملها الى أيدي العرب بمعنى إزالة دولة إسرائيل اليهودية من خارطة الشرق الأوسط بعد أكثر من نصف قرن منذ تأسيسها وبعد ان اثبتت الحروب متانة كيانها. فهل يعقل ان يوافق أي من اليهود على ازالة دولتهم بواسطة ادارة عجلة التاريخ الى الوراء؟ هل حدث في التاريخ ان تخلت دولة عن كيانها بغرض إشباع رغبة جمهور يسكن خارجها أكثر من خمسين عاما ومعظمه لم يولد فيها؟
- إن الكثير من الذين لجؤوا عام 48 من إسرائيل كان أصلهم من الدول العربية القريبة والبعيدة الذين انتقلوا إلى فلسطين خلال العشرينيات والثلاثينيات وحتى الاربعينيات من القرن العشرين بحثا عن العمل في المستوطنات اليهودية التي تم إنشاؤها في تلك الفترة. فإلى اين يحق لعائلة اسمها «المصري» أو «الطرابلسي» أو «الحوراني» أو «الصوراني» أو «العراقي» أو «الصيداوي» أن تعود؟ وإلى اين يستحق العودة هؤلاء «الفلسطينيون» الظاهر عليهم وهم لا ينفون انهم انتقلوا إلى فلسطين قبيل 1948 من السودان او من أرمنيا؟
- ولو افترضنا على سبيل المثال عودة ابناء عائلة لاجئين معينة من مخيم الراشدية في لبنان الى ترشيحا (قرية عربية داخل إسرائيل) وهم يستحقون طبعا ان يتقاسموا بيت جدهم مع أقاربهم الذين ورثوه وقطنوه طيلة الستين السنة الماضية. فهل يمكن تصور ماذا سيحدث بين الأقارب ورثة الجد في هذه الحالة؟ هل تكفي مقبرة ترشيحا لدفن نتائج هذا اللقاء العائلي «الحميم»؟
- ولو افترضنا موافقة إسرائيلية على عودة جزء من اللاجئين مقابل إغلاق ملف اللاجئين بصورة نهائية (وهذا ما اقترحه بيلين في محادثات طابا عام 2000) فهل هناك شخص فلسطيني واحد يجرؤ على انتقاء اللذين يحققون العودة فعلا ويقرر من سيبقي في مخيمات الشتات؟ ماذا سيكون مصير العلاقة بين رأس هذا الشخص وكتفيه؟
- الإسرائيلي العادي يتساءل: هل هناك حق عودة لشعب لم يأت ذكره في اي كتاب طُبع قبل سنة 1910 أي لم يُعرف قبل أقل من مائة سنة؟ واذا كان هناك اليوم شعب فلسطيني فهو - مثله مثل الشعب الأردني والسوري - خليق التطورات الديمغرافية والسكانية والثقافية والسياسية والدولية التي مرت فيها منطقة الشرق الاوسط برمتها خلال القرن العشرين, بينما ورد ذكر اليهود وعلاقتهم بأرض إسرائيل منذ أكثر من ألفي سنة في العديد من الكتب القديمة اليونانية والرومانية والبيزنطية والفارسية, وفي مخطوطات على الجدران في بابل ومصر القديمة, وحتى في كتاب الله تعالى, من هم اللذين قال موسى عليه السلام لهم «أدخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم»؟ هل قال ذلك لليهود الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم مئات المرات ام للفلسطينيين الذين لم يعثر لهم على ذكر ولو مرة واحدة في كتاب الله تبارك وتعالى؟
- الحالة السائدة في العالم اليوم هي انه ليست هناك دول تريد استيعاب اليهود الإسرائيليين حتى ولو أبدوا الرغبة في الهجرة الجماعية اليها. فهل يُتوقع من اليهود ان ينضموا الى أسماك البحر أو يبحثوا عن مكانا آخر لهم على القمر أو على المريخ؟
- هناك العديد من المواطنين اليهود في إسرائيل الذين أتوا اليها من الدول العربية مثل العراق ومصر والمغرب وليبيا فالإسرائيلي ينظر إلى ما حدث مع هؤلاء اليهود بمثابة أنه استبدال السكان مثلما حدث في كثير من الدول بعد الحرب العالمية الثانية. وكما ان الدولة اليهودية استوعبت اللاجئين اليهود فعلى الدول العربية ان تستوعب بالمقابل اللاجئين العرب. أضف الى ذلك ان تلك الدول العربية قد صادرت معظم ممتلكات اليهود بعد ان حرمت عليهم إخراجها أو بيعها وتمت مصادرة الأموال والعقارات من هؤلاء اليهود بذريعة انها ستستخدم لصالح اللاجئين الفلسطينيين. فأين هذه الأموال والممتلكات؟ ولماذا لم تستخدم في استيعاب اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية؟
- كلما يتكلم اللاجئون الفلسطينيون عن حقهم التاريخي في أرض إسرائيل يتزايد عدد الإسرائيليين الذين يؤيدون عودة جميع اللاجئين العرب بما فيهم الفلسطينيين الى المكان الأصلي الذي خرجوا منه في القرن السابع للميلاد ألا وهو أرض الحجاز فهل هناك من ينكر ان العرب فتحوا البلدان الأخرى قادمين من شبه جزيرة العرب في تلك الحقبة التاريخية؟ هل بدأ التاريخ في 1948؟ فإلى اين يحق لهم تاريخيًا ان يعودوا؟ ألا تحق لهم العودة الى المساحات الشاسعة لجزيرة العرب المشبعة بالكميات الهائلة للنفط التابع تاريخيا للفلسطينيين كونهم عربا كما يتبع للعرب الآخرين امثال آل سعود؟
المهجرون الفلسطينيون "الحاضر الغائب"
تمثل قضية اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين المثال الحي على أطول مأساة إنسانية في التاريخ الحديث، فقد حُرِم الفلسطينيون من حقهم بالعودة إلى بيوتهم التي أجبروا على تركها بعد ارتكاب العصابات الصهيونية مجازر بشعة وممنهجة ضد القرى والمدن الفلسطينية، حيث ترك الفلسطينيون ليعيشوا حالة من التهجير وعدم الاستقرار ما تزال مستمرة منذ أكثر من ستة عقود.
يمثل الفلسطينيون النسبة الأكبر من تعداد اللاجئين في العالم، ويقدر تعدادهم بنحو سبعة ملايين لاجئ ومهجر فلسطيني، وتتضمن الإحصائية السابقة كل من أجبروا على ترك منازلهم وأراضيهم؛ بسبب إرهاب العصابات الصهيونية ضدهم في الفترة التي سبقت إعلان دولة الاحتلال الصهيوني عام 1948، وفق ما يسمى "خطة دالت" التي وُضعت من قبل منظمة الهاجاناه الصهيونية بين عامي 1947 و1948؛ لحماية تأسيس دولة الاحتلال في فلسطين التي كانت عبارة عن خطة تطهيرعرقي ممنهجة ضد الشعب الفلسطيني. كما تشمل الإحصائية اللاجئين الذين هُجِّروا خلال وعقب النكبة الفلسطينية، إضافة إلى الذين هُجِّروا بعد هزيمة العرب في حرب الأيام الستة ضد دولة الاحتلال الصهيوني عام 1967، حيث يمثل أولئك اللاجئون والمهجرون النسبة الأكبر من مجموع الشعب الفلسطيني.
يمكننا تقسيم اللاجئين الفلسطينيين حسب أماكن استقرارهم المؤقت إلى قسمين؛ القسم الأول: ظهر قبل وفي أعقاب حرب عام 1948، وهم النسبة الأكبر، وتتكون من الذين أجبروا على الانتقال إلى خارج حدود وطنهم فلسطين، ويعيش معظمهم الآن في دول الطوق العربي وهي: سورية، لبنان، الأردن، مصر، كما توزع عدد منهم في العديد من بلدان العالم، ويشمل هذا القسم الفلسطينيين الذين انتقلوا إلى مناطق احتلها الصهاينة في حرب 1967.
أما القسم الثاني فهم الذين شرّدوا من قراهم ومدنهم تحت ضربات ومجازر العصابات الصهيونية، لكنهم لم ينتقلوا إلى خارج حدود فلسطين التاريخية، بل نزحوا إلى قرى ومدن أخرى داخل فلسطين، وهو ما يطلق عليهم اسم المهجرين الفلسطينيين، وسوف يتناول كتابنا القسم الثاني بشكل خاص.
ترتكز قضية المهجرين واللاجئين الفلسطينيين على عنصرين أساسيين لا يمكن إغفالهما عند تنفيذ أي دراسة أو بحث يتعلق بتلك القضية، وهما: الإنسان والأرض، حيث يشير عنصر "الإنسان" إلى اللاجئين الفلسطينيين الذين أجبروا على ترك قراهم ومدنهم، ليبدأوا رحلة من الإقصاء والتهميش ما تزال مستمرة منذ أكثر من ستة عقود، أما عنصر "الأرض" فيشير إلى ما تمثله الأرض من مصدر للثروة والقوة، فمن يمتلكها تكون له الكلمة الفصل في الصراع العربي- الصهيوني، إضافة إلى ما تتمتع به الأرض من مكانة خاصة عند الفلسطينيين؛ إذ يستمدون منها الهُوية والتاريخ الفلسطيني.
يمثل المهجرون الفلسطينيون جزءًا هامًا من المواطنين الفلسطينيين الذين يعيشون داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1948، والذين يشار إليهم بـ"عرب إسرائيل" أو "فلسطينيي الداخل" أو "عرب 48"، ولهم مطالب تقوم أساسًا على الحق الواضح والبسيط؛ وهو العودة إلى قراهم ومدنهم التي هجروا منها.
استمرت الحكومات الصهيونية المتعاقبة في رفض إعطاء المهجرين الفلسطينيين ذلك الحق، نافيةً عن نفسها أي مسؤولية عن تهجيرهم من مدنهم وقراهم، رامية بالمسؤولية على القوات العربية التي شاركت في حرب عام 1948، وهذا بطبيعة الحال قَلْبٌ للحقائق؛ لأن العصابات الصهيونية استعملت "خطة دالت" من أجل تهجير الفلسطينيين من أرضهم، تمهيدًا لإعلان دولتها، فقامت العصابات الصهيونية بتنفيذ عملية تطهير عرقي ضد الفلسطينيين، معتمدةً على المجازر والترويع ضد المدنيين الفلسطينيين. وأعلنت دولة الاحتلال الصهيوني في العديد من المناسبات أن تهجير الفلسطينيين حالة مؤقتة سوف يتم معالجتها فور توقف العمليات العسكرية، لكن دولة الاحتلال الصهيوني لم تفِ بوعودها، بل استخدمتها غطاءً لتشريعات أُصدرت فيما بعد، لتنفيذ سياسات تضمن الحفاظ على سيطرة الأغلبية اليهودية على جميع جوانب الاقتصاد والمجتمع والسياسة والثقافة، وحتى السيطرة على الرواية التاريخية للصراع العربي– الصهيوني.
واجه المهجرون صعوبات كبيرة، وبخاصة عندما حاولوا التأقلم في أماكن اللجوء؛ فالغالبية العظمى منهم استقروا في شمال دولة الاحتلال الصهيوني في القرى العربية، حيث تعيش الغالبية العظمى من الفلسطينيين، وبعضهم استقر في المدن الكبرى مثل الناصرة وشفا عمرو، بينما استقر البعض الآخر في المدن المختلطة بين السكان اليهود والعرب، وحتى في المدن المختلطة يعيش المهجرون في أحياء منفصلة تعاني التمييز في غالب الأحيان.
وتسبب فقدان المهجرين الفلسطينيين لأراضيهم -التي كانت مصدر رزقهم الوحيد- في تغير نمط حياتهم من مزارعين إلى عمال مأجورين، وذلك التحول أطاح بقاعدتهم الاقتصادية والاجتماعية؛ إذ وجدوا أنفسهم يكافحون من أجل تلبية احتياجاتهم الأساسية، تكيفًا مع الأوضاع الجديدة.
كما كان للنظام العسكري المفروض على جميع العرب الفلسطينيين في دولة الاحتلال الصهيوني حتى عام 1966 تأثير أشد في المهجرين؛ مما زاد أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية سوءًا، كما قيد حركتهم في مساحة جغرافية ضيقة، متسببًا في قلة الموارد لتحسين معيشتهم، وضيق فرصتهم في حياة أفضل.
ومع نهاية الحكم العسكري، شهد عام 1966 تحسنًا طفيفًا في حياة المهجرين الفلسطينيين، وبخاصة بعد حرب 1967 واحتلال الصهاينة بقية الأراضي الفلسطينية؛ حيث أصبحت الحدود مفتوحة بين الفلسطينيين داخل دولة الاحتلال، والفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
أدى الوضع الجديد إلى مزيد من النشاط الاقتصادي؛ بسبب الفرص التجارية الجديدة والتعاون المشترك بين الفلسطينيين، ومع ذلك كان هذا التحسن محدودًا لأنه تم ربط الاقتصاد الفلسطيني باقتصاد دولة الاحتلال الذي تسيطر عليه أغلبية يهودية همشت الفلسطينيين، واستبعدتهم من مواقع صنع القرار.
وقد ساهمت سياسات الحكومات الصهيونية المتعاقبة تجاه الفلسطينيين الذين يعيشون داخل دولة الاحتلال، بما في ذلك المهجرين، في إيجاد فجوة آخذة في الاتساع بين الأغلبية اليهودية والأقلية الفلسطينية.
وتشهد وضعية المهجرين حالة من التناقض؛ كونهم مواطنين في دولة الاحتلال، ومهجرين في نفس الوقت، كما ساهم عدم الاعتراف بهم دوليًا كمهجرين في تعقيد وضعهم أكثر، فمنذ وقف الخدمات المقدمة للمهجرين داخل دولة الاحتلال من قبل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى[i] (أونروا) في عام 1952، لا توجد أي حماية أو مساعدة دولية مقدمة لهم، وعلى الرغم من أن تعريف المهجر في المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة، بشأن التهجير الداخلي، ينطبق على المهجرين الفلسطينيين فليس هناك اعتراف دولي بهم كمهجرين، صحيح أن المجتمع الدولي لا يوفر المساعدة الكاملة والحماية للمهجرين في جميع أنحاء العالم، ولكن على الأقل هناك اعتراف دولي بهم ومحاولة لمساعدتهم.
ما تزال قضية اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين مستمرة ليومنا هذا، على الرغم من إصدار الأمم المتحدة القرار 194 في عام 1948 الذي ينص على حق اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم، والحصول على تعويض، فلم يقم المجتمع الدولي بأي ضغط على دولة الاحتلال لتنفيذ هذا القرار، على الرغم من أن الأمم المتحدة كانت مسؤولة مسؤولية مباشرة عن تقسيم فلسطين بعد إصدار القرار 181، وتسليم نسبة 57 في المئة من أرض فلسطين إلى اليهود.
ونتيجة لقرار الحكومات الصهيونية المتعاقبة في إنكار حق المهجرين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم، أصبح المهجرون أكثر إصرارًا في جهودهم الرامية على حشد التأييد المحلي والدولي للدفاع عن قضيتهم العادلة، وقد تعاظم هذا الإصرار بسبب فشل المجتمع الدولي في الاعتراف بهم، وعدم إدراج قضيتهم في مفاوضات السلام بين السلطة الفلسطينية ودولة الاحتلال؛ إذ اعتبرته شأنًا داخليًا لدولة الاحتلال. وكردة فعل، شكل المهجرون الفلسطينيون لجان ضغط محلية، حيث أُنشئت في منتصف التسعينيات "اللجنة القطرية للدفاع عن حقوق المهجرين في (إسرائيل)" كممثل شرعي للمهجرين داخل دولة الاحتلال، مهمتها تبني قضاياهم والدفاع عنهم.
وقد تلقت اللجنة دعمًا من جميع قطاعات المجتمع الفلسطيني داخل دولة الاحتلال، كما تلقت بعض الردود الإيجابية على الصعيد الدولي، وما يزال المهجرون ينتظرون من الحكومة المحلية الاعتراف بحقهم في العودة إلى بيوتهم وقراهم التي هجروا منها، وينتظرون من المجتمع الدولي الاعتراف بهم، وتوفير حلول دائمة لهم من خلال قرار الأمم المتحدة رقم 194، والقوانين الدولية والمبادئ التوجيهية الدولية الخاصة بالتهجير الداخلي.
يركز هذا الكتاب على مناقشة السياسة الصهيونية تجاه المهجرين الفلسطينيين، إضافة إلى مناقشة الحماية الدولية لهم، ونحاول من خلاله الإجابة عن السؤال الذي يدور في أذهان الكثيرين: لماذا لم يتم الاعتراف بالمهجرين الفلسطينيين محليًا داخل دولة الاحتلال، وخارجيًا من قبل دول العالم؟
للتعرف على سبب عدم اعتراف دولة الاحتلال بالمهجرين، سنبحث في السياسة الصهيونية تجاههم منذ النكبة، كما سنبحث هل أنَّ هذه السياسة بقيت على حالها أم أنها تغيرت مع مرور الوقت، وسنبحث أيضًا في سبب عدم اعتراف المجتمع الدولي بهم كمهجرين، وعدم تقديمه المساعدة والحماية الضرورية لهم، مثلهم مثل غيرهم من المهجرين داخليًا في جميع أنحاء العالم. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الدراسة تحاول البحث عن حلول دائمة لمشكلة المهجرين الفلسطينيين.
[i] أنشئت أونروا بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302 (رابعا) في 8 ديسمبر 1949 لتقديم المساعدة للاجئين الفلسطينيين والمهجرين
المخيمات الفلسطينية.. شواهد النكبة ونكبة الشواهد
د. محسن صالح
حتى أيامنا هذه يقف 64 مخيما فلسطينيا شاهدا على النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني سنة 1948، عندما اقتلعت العصابات الصهيونية أكثر من 57% من شعب فلسطين من أرضه.
ومن هذه المخيمات هناك 58 مخيما مسجلة رسميا لدى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، تتوزع على 19 مخيما في الضفة الغربية وثمانية مخيمات في قطاع غزة وعشرة في الأردن وتسعة في سوريا و12 في لبنان. وهناك ثلاثة مخيمات في الأردن وثلاثة أخرى في سوريا غير معترف بها لدى الأونروا. كما أن هناك أربعة مخيمات كانت قائمة في لبنان تمّ تدمير ثلاثة منها، بينما تم نقل سكان الرابع وإغلاقه.
ويبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى الأونروا حاليا نحو خمسة ملايين و400 ألف لاجئ، غير أن هؤلاء ليسوا كل اللاجئين الفلسطينيين؛ فالكثير من الفلسطينيين رفض التسجيل لدى الأونروا لاستغنائه عن خدماتها، كما أن الكثير من الفلسطينيين لم يسجلوا أنفسهم لإقامتهم خارج مناطق عمل الأونروا التي تنحصر في الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن وسوريا ولبنان.
أما عدد اللاجئين الحقيقي فهو يصل في مطلع سنة 2017 إلى نحو ثمانية ملايين و490 ألفا يمثلون نحو 66.8% من مجموع الشعب الفلسطيني البالغ 12 مليونا و700 ألف نسمة؛ إذ أضيفت إلى لاجئي 1948 أعداد كبيرة من أبناء الضفة الغربية وقطاع غزة "النازحين" المقيمين خارج فلسطين التاريخية وغير القادرين على العودة إلى بيوتهم. كما أن هناك نحو 150 ألفا ممن هُجِّروا من أرضهم ولكنهم ظلوا مقيمين في مناطق فلسطين المحتلة 1948.
" |
منذ البداية ظلت المخيمات الفلسطينية أحد أكبر الشواهد الحقيقية على نكبة الشعب الفلسطيني، وشواهد حية على الجرائم الصهيونية بحقه، وأحد أكبر رموز المعاناة الفلسطينية. وفي الوقت نفسه، برزت كأحد أكبر معالم الصبر والصمود والعطاء الفلسطيني، والإصرار على أن اللجوء مؤقت بانتظار العودة إلى فلسطين. غير أن هذه المخيمات، خصوصا في الشتات، أصبحت عرضة للنكبات، بينما كان هناك من تَتسبَّبُ ممارساتُه بتشويهها، ومحاولة حرفها عن رسالتها ومهمتها النضالية.
لا يسكن كل اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات في هذه الأيام، فمنذ بداية اللجوء تدبر الكثير منهم أمورهم خارجها، كما انتقل الكثير من سكان المخيمات، مع مرور الزمن، إلى أماكن معيشة أخرى مع تحسّن ظروف حياتهم أو انتقالهم إلى أماكن عمل مختلفة داخل هذه البلدان أو خارجها، أو بسبب تعرض مخيماتهم لهجمات عسكرية وظروف أمنية أجبرتهم على الرحيل. ولذلك فنسبة المقيمين في المخيمات إلى عدد اللاجئين المسجلين هي نحو 51% في لبنان، و42% في قطاع غزة، و30% في سوريا، و24% في الضفة الغربية، و17% في الأردن؛ وبمعدل عام 28.7% وفق بيانات الأونروا.
في بدايات اللجوء، رفض الكثير من الفلسطينيين تحويل الخيام التي يسكنونها إلى أبنية، غير أن طول المعاناة فرضت نفسها على واقعهم، فاضطروا للتكيّف التدريجي مع أوضاعهم.. فاتخذت المخيمات شكل أبنية بسيطة مكتظة، تفتقر للتنظيم المدني والبنى التحتية والخدمات، لتصبح نسخة محدَّثة من المعاناة اليومية المستمرة.
في لبنان مثلا تضاعفت أعداد الفلسطينيين في المخيمات دون أن تسمح السلطات بتوسيع حدودها، فاضطر الفلسطينيون لتكثيف البناء داخل المخيمات، فأصبحت ثُلث البيوت لا تدخلها الشمس، وأصبحت الكثير من الأزقة لا تتسع لمرور السيارات، ولا حتى لنقل الأثاث الذي لجأوا لنقله من فوق أسطح المنازل، بينما هي تسمح بالكاد لمشي شخصٍ أو شخصين يسيران بشكل معتاد من تحت لفائف من أسلاك الكهرباء، التي تنقطع لساعات طويلة لا يقل معدلها عن 12 ساعة يوميا. وفي الوقت نفسه، يعيش نحو ثلاثة أرباع اللاجئين تحت خط الفقر، بينما تمنع السلطات اللبنانية الفلسطينيين من معظم مجالات العمل، كما تمنعهم من حقوق التملُّك.
وبالرغم من أن المخيمات شكلت بؤر "فقر وقهر"، فإنها شكلت في الوقت نفسه بؤر ثورة وتمرد على الواقع، وأصبحت نماذج لعزة الإنسان الفلسطيني وكرامته، وحرصه على هويته ورفضه للتوطين وتطلعه للعودة. ولذلك كانت
في سنة 1974 دمر الطيران الحربي الصهيوني مخيم النبطية بالكامل، وتسبب في تشريد نحو ثلاثة آلاف من سكانه. وفي صيف 1976 حاصرت القوات الانعزالية الكتائبية وحلفاؤها مخيم تل الزعتر حتى انتهى الأمر بتدميره بعد صمود دام 52 يوما، واستشهاد ثلاثة آلاف من أبنائه معظمهم مدنيون، وتم تهجير نحو عشرين ألفا ليدخلوا في لجوء جديد. وفي أيلول/سبتمبر 1982 وقعت مذبحة صبرا وشاتيلا على يد المليشيات الانعزالية نفسها، وبإشراف وغطاء إسرائيلي، مما أدى لاستشهاد نحو ثلاثة آلاف فلسطيني ولبناني؛ لتصبح هذه المذبحة أحد الشواهد البارزة على مأساة الإنسان الفلسطيني في مواطن اللجوء.
" |
انعكست الأوضاع الداخلية العربية والأجندات السياسية للأنظمة على الجاليات الفلسطينية المقيمة التي وجدت نفسها بعد عشرات السنوات من الإقامة في مخيمات لجوء وترحيل مؤقتة. كما حدث مع النظام الليبي الذي تعامل مع الفلسطينيين بعد اتفاقات أوسلو كـ"مادة بشرية" تُستخدم في الضغط السياسي والمناكفة مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية. فوضع الآلاف من الفلسطينيين في السفن والشاحنات لطردهم.. ونشأ مخيم السلوم القريب من الحدود المصرية، والذي سماه النظام الليبي "مخيم العودة"؛ بينما سماه الفلسطينيون "مخيم العار."
وفي العراق دفع الفلسطينيون أثمانا هائلة إثر الاحتلال الأميركي سنة 2003، وإثر تصاعد الاضطراب السياسي والأمني والصراع الطائفي؛ ليجدوا أنفسهم بسبب دعايات وتحريض إعلامي أَسود يُشردون ويُقتلون على الهوية، بينما نشأت مخيمات لجوء لهم، معظمها على الحدود مع الأردن وسوريا، مثل مخيمات العودة، والرويشد، والكرامة، وطريبيل، والهول، والتنف، والوليد. وتضاءلت أعداد الفلسطينيين من نحو 44 ألفا قبيل الاحتلال الأميركي، إلى نحو ستة آلاف بعد ذلك بثلاث سنوات.
إعلان
أما مخيم نهر البارد الذي كان ثاني أكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان، حيث كان يقطنه نحو أربعين ألفا سنة 2007، فقد تعرض للتدمير نتيجة مشكلة لم يكن هو نفسه سببها. ففي ظروف تحمل علامات استفهام كثيرة دخلت جماعة "فتح الإسلام" التي انفصلت عن "فتح الانتفاضة" إلى المخيم.. وكان من بين أفرادهم أعضاء من جنسيات لبنانية وسورية وعربية أخرى.. وقد أدى سلوكهم إلى اعتصام شعبي لأهالي المخيم طالبوا فيه برحيل هذه العناصر.
وعندما قام عناصر "فتح الإسلام" بمهاجمة عناصر الجيش اللبناني، لم تحدث عملية معالجة سياسية أمنية قضائية للتعامل مع مرتكبي الجرائم فقط، ولكن تطور الأمر إلى معالجة عسكرية تحمّل فيها المخيم وزر دخول هذه المجموعة، مما أدى إلى تدمير المخيم حيث خسر نصف سكانه، بينما تعرض نحو 3200 منزل لتدمير كلي أو جزئي، بعد معارك استمرت 106 أيام، ولم يكن أهل المخيم جزءا منها.
وحتى الآن لم تحدث مساءلة حقيقية عن المسؤول الفعلي عن هذه المأساة، ومن هي الجهات التي سهَّلت أو سكتت عن دخول هذه العناصر إلى لبنان وعن تموضعها في المخيم، ولماذا لم يتم حتى الآن -بعد نحو عشر سنوات- إعمار المخيم إلا جزئيا بالرغم من توفر التمويل اللازم لذلك؟!
وفي سوريا، يبرز مخيم اليرموك في ضواحي دمشق كأحد أعظم النكبات التي أصابت المخيمات الفلسطينية طوال تاريخها. فهذا المخيم الذي يُعدّ أحد أكبر مخيمات الشتات الفلسطيني، والذي كان يقيم فيه نحو 144 ألفا وفق تقديرات الأونروا، لم يعد يقيم فيه سوى بضعة آلاف (ثلاثة آلاف فقط وفق متخصصين). لقد عانى أبناء هذا المخيم بشكل هائل نتيجة الصراع الداخلي في سوريا، ووُضعوا أمام استحقاقات صعبة بسبب حالة الاستقطاب بين النظام السوري وحلفائه وبين فصائل المعارضة بكافة أشكالها، وكذلك بين القوى الفلسطينية المختلفة.. وحتى منتصف أبريل/نيسان 2015 كان المخيم قد عانى من 628 يوما من الحصار المستمر، ومن 728 يوما من انقطاع الكهرباء، ومن 218 يوما من انقطاع الماء.
وفي أجواء الصراع في سوريا، نُكِبت المخيمات الأخرى في سوريا أيضا بدرجات متفاوتة، فمثلا تعرض مخيم درعا لتدمير 70% من مبانيه، كما تعرضت مخيمات الرمل وعين التل (حندرات) والسبينة.. لعمليات تهجير ومنع عودة.
ونتيجة للأوضاع في سوريا فمن بين نحو 600 ألف فلسطيني اضطر 175 ألف فلسطيني للهجرة خارج سوريا، كما اضطر نحو 225 ألفا للجوء إلى مناطق أكثر أمنا داخل سوريا نفسها. وحتى منتصف شباط/ فبراير 2017 كان قد استشهد نحو 3,440 فلسطينيا في سوريا، وفق إحصاءات مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا.
" |
ومنذ بضع سنوات، يتزايد احتمال انفجار كبير للأوضاع في مخيم عين الحلوة، أكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان، وأحد أكبر رموزها في الشتات الفلسطيني. وكانت الاشتباكات التي حدثت في أواخر فبراير/شباط 2017 أحد المظاهر لتوترات وأحداث عنف يشهدها المخيم بين فترة وأخرى.
والمخيم الذي يسكنه نحو سبعين ألف فلسطيني لا تزيد مساحته عن كيلومترين مربعين، ويعاني من بنى تحتية مهترئة، ورعاية صحية وتعليمية سيئة، ومعدلات فقر وبطالة عالية. ولأن السلطات اللبنانية لا تمارس صلاحياتها الأمنية والإدارية عليه، ولأن من يتحكم فيه من داخله فصائل وقوى فلسطينية مختلفة ومتنازعة، فقد أصبح مكانا للاستقطاب والتجاذب، وحاولت أن تستخدمه جهات إقليمية ومحلية ساحة لتصفية الحسابات و"تبادل الرسائل"، كما أصبح مكانا تأوي إليه عناصر كثيرة مطلوبة للسلطات اللبنانية وغيرها، وفي الوقت نفسه فرض الجيش طوقا أمنيا حوله يتحكم في الدخول والخروج إليه.
وحتى هذه اللحظة، نجح الفلسطينيون في تجنيب المخيم الصراعات الإقليمية والفتن الطائفية والانقسامات المحلية والخارجية، والتي تنعكس عليه بدرجات متفاوتة بحسب القوى والفصائل المتنافسة داخله، وبحسب الجهات التي تدعمها وتمولها. غير أن المخيم يعيش على "برميل بارود" يهدد بالانفجار، في ظل استمرار وضع أمني هش، نتيجة عدم قدرة القوى داخل المخيم على إنهاء أزمة إدارته وضبط أمنه، ونتيجة عدم رغبة السلطات اللبنانية حاليا في بسط سيطرتها عليه لأنها لا تريد تحمل المسؤوليات الاقتصادية والاجتماعية المتعلقة باللاجئين، وبسبب الأثمان الكبيرة وغير المضمونة النتائج لمحاولة اقتحام المخيم والسيطرة عليه. (لمزيد من المعلومات يرجى الرجوع إلى التقدير الإستراتيجي الذي نشره مركز الزيتونة في آذار/ مارس 2017 حول مخيم عين الحلوة).
من جهة أخرى، فإن نكبة "شواهد النكبة" في لبنان تزداد مع وجود من يسعى إلى تشويه صورة المخيمات النضالية، ليس فقط من خلال تقديمها كـ"بؤر أمنية" ومعاقل للمطلوبين و"الفارين من القانون"، ولكن كبؤر لانتشار المخدرات.. حيث أخذت بعض مظاهره تزداد في السنوات الأخيرة في بعض المخيمات، وهو ما يستدعي علاجا سريعا وحكيما وحاسما.
وأخيرا، فإن كل ما سبق يفرض مسؤولية كبرى على القوى والمؤسسات والفصائل الفلسطينية للقيام بواجباتها تجاه الشعب الفلسطيني ومخيماته، وتجنيبه الدخول في المشاكل الداخلية للدول المضيفة، والإبقاء على الصورة النضالية المشرقة والصامدة للمخيمات. والسعي الحثيث لدى الجهات الرسمية لتوفير ما تحتاجه من دعم ورعاية وبنى تحتية وفرص عمل، وخدمات صحية وتعليمية؛ وإعطاء الفلسطينيين حقوقهم في العمل والتملك لتجنيبهم الوقوع فريسة البطالة والإحباط وتيارات التطرف، ومنع استغلال حاجتهم المادية من القوى المختلفة التي تسعى لخدمة أجنداتها الخاصة.
ولعل القائمين على المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج، الذي تشكَّل مؤخرا، يولون اهتماما خاصا بمخيمات الشتات وأوضاعها، والسعي للارتقاء بها ودعم صمودها.
الجزيرة نت
وثيقة أبو مازن –بيلين
وثيقة أبو مازن –بيلين: والتي أخذت اسم "مشروع معاهدة لقضايا الحل النهائي"
النص الكامل لـ « خطة أبو مازن ـ بيلين » تاريخ الصدور15 ـ 10 ـ 1995
نشرت مجلة «نيوزويك» الأمريكية مسودة خطة صاغها عن الجانب الفلسطيني محمود عباس أبو مازن وعن الجانب الإسرائيلي الوزير السابق يوسي بيلين في الحادي والثلاثين من تشرين الأول (أكتوبر) 1995، بعد محادثات جرت على مدى 18 شهراً بين عامي 1993 و1995 . وقالت «نيوزويك» إن رابين لم يقرأ الوثيقة التي عالجت بعضا من أصعب القضايا التي تثير الخلاف بين الإسرائيليين والفلسطينيين حيث اغتال إسرائيلي متطرف رابين قبل وصول المسودة النهائية إلى مكتبه.
وهنا ترجمة النص الكامل للمسودة كما نشرت على موقع المجلة على الإنترنت:
إطار لعقد اتفاقية بشأن الوضع النهائي بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية
أن تحقيق السلام بين الشعبين إسرائيلي، ويستهل عهدا من السلام الشامل ، ليسهم بذلك في الاستقرار والأمن والازدهار في منطقة الشرق الأوسط بكاملها.
أن حكومة دولة إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية ، ممثل الشعب الفلسطيني ، وضمن إطار عملية السلام في الشرق الأوسط التي انطلقت في مدريد في تشرين الأول (أكتوبر) 1991: وهما تهدفان إلى تحقيق سلام عادل ودائم وشامل في الشرق الأوسط ، قائم على تطبيق قراري مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اللذين يحملان الرقمين 242 و338 بكل جوانبهما:
ويعيدان تأكيد تمسكهما بالالتزامات التي ورد التعبير عنها في إعلان المبادئ الذي جرى التوقيع عليه في واش في 12 أيلول (سبتمبر) 1993، واتفاقية القاهرة في الرابع من أيار (مايو) 1994، والاتفاق المؤقت في 28 أيلول (سبتمبر) 1995: وتعيدان تأكيد تصميمهما على التعايش معا بسلام، وكرامة وأمن مشتركين: وتعلنان بطلان وانعدام وجود أي اتفاق أو إعلان أو وثيقة آو تصريح، يناقض اتفاقية الإطار هذه.
وترغبان في التوصل إلى اتفاق شامل بشأن جميع قضايا الوضع النهائي البارزة في أسرع وقت ممكن، لا يتجاوز الخامس من أيار (مايو) 1999 ، طبقا لما اتفق عليه في إعلان المبادئ : توافقان بموجب ذلك على الإطار التالي لاتفاقية بشأن الوضع النهائي:
مادة 1: إنشاء الدولة الفلسطينية وعلاقاتها بدولة إسرائيل
1ـ كجزء مكمل لاتفاقية الإطار هذه واتفاق الوضع النهائي الشامل:
أ ـ سوف تضفي حكومة إسرائيل اعترافها بالدولة الفلسطينية المستقلة ضمن حدود آمنة ومعترف بها بعاصمتها القدس لدى ظهورها إلى الوجود في وقت لا يتجاوز الخامس من أيار (مايو) 1999.
ب ـ في الوقت ذاته، سوف تضفي الدولة الفلسطينية اعترافها بدولة إسرائيل ضمن حدود آمنة ومعترف بها بعاصمتها أورشليم.
ج ـ يواصل الطرفان تحبيذ احتمال إقامة اتحاد كونفدرالي أردني ـ فلسطيني، يجري الاتفاق عليه بين الدولة الفلسطينية والمملكة الأردنية الهاشمية.
2ـ وبذلك، سوف تتبادل دولة إسرائيل والدولة الفلسطينية (اللتان سنشير إليهما من الآن فصاعدا بتعبير «الطرفان») الاعتراف بحقهما في العيش بأمن وسلام ضمن حدود تتبادلان الاعتراف بها طبقا لتعريفها في (المادة 2) من هذه الاتفاقية، وفي اتفاقية الوضع النهائي. وبوجه خاص، فإن الطرفين سوف:
أ ـ يعترف كل منهما بسيادة الآخر، وتكامل أراضيه واستقلاله السياسي والاقتصادي، ويحترمها.
ب ـ ينبذان استخدام القوة، والتهديد باستخدام القوة وسيلة للسياسة، ويلزمان نفسيهما بحل سلمى لجميع النزاعات القائمة بينهما.
ج ـ يمتنع كل منهما عن تنظيم أعمال العنف، والتخريب أو الإرهاب ضد الطرف الآخر ، كما يمتنع عن التحريض على ذلك أو الحث عليه، والمساعدة، والمشاركة فيه.
د ـ يتخذان إجراءات فعالة لضمان إلا تنطلق أعمال العنف أو التهديد به من أراضيهما أو عبرها، بما في ذلك أجواؤهم ومياههم الإقليمية، ويتخذان إجراءات ملائمة ضد من يرتكبون مثل هذه الأفعال.
هـ يتعهد كل منهما بعدم الانضمام، والمساعدة أو التعاون مع أي ائتلاف أو منظمة أو تحالف عسكري أو أمني معاد للطرف الآخر.
و ـ يتبادلان ويصادقان على أدوات السلام بينهما كما سيرد تعريفها في اتفاق الوضع النهائي الشامل.
مادة 2: إعادة تخطيط الحدود الآمنة والمعترف بها
1ـ يرد وصف الحدود الآمنة والمعترف بها بين دولة إسرائيل والدولة الفلسطينية المقبلة في الخرائط المرفقة وفي الملحق واحد لاتفاقية الوضع النهائي. ويعترف الطرفان بأن هذه الحدود ، بما فيها باطن الأرض فيهما، وأجواؤهم ومياههم الإقليمية لن تكون قابلة للانتهاك.
2ـ سوف يعرف الطرفان مسار وطريقة تطبيق، ومساحة الأرض التي سوف تمنحها «إسرائيل» من أجل الممر البري بين قطاع غزة والضفة الغربية (كما ورد وصفه في الملحق واحد من اتفاقية الوضع النهائي).
3 ـ سوف يعاد تخطيط الحدود في منطقة القدس طبقا لشروط (المادة 4) من اتفاقية الإطار.
4ـ سوف يعترف الطرفان بالحدود النهائية بين الدولتين بوصفها دائمة وغير قابلة للانتهاك.
مادة 3: إقامة علاقات عادية ومستقرة بين الدولتين
1ـ بشأن تبادل أدوات التصديق على معاهدة السلام، يوافق الطرفان على إنشاء علاقات دبلوماسية وقنصلية كاملة بينهما، وتطوير علاقات اقتصادية وثقافية، بما في ذلك الحركة الحرة للناس، والبضائع، ورأس المال والخدمات عبر حدودهما.
2ـ سوف يواصل الطرفان تعاونهما في جميع الميادين التي تحظى باهتمام مشترك ، وسوف يسعيان إلى تطوير تعاون إقليمي مشابه مستقل ومشترك مع دول أخرى في المنطقة ومع المجتمع الدولي.
3ـ سوف يسعى الطرفان إلى تطوير علاقات ثقافية متبادلة، كما سيشجعان قيام برامج مشتركة ليشر كل منهما العادات والتقاليد الشعبية والفلكلور، الخاصة به لدى الطرف الآخر.
4ـ سوف يؤمن الطرفان حرية الوصول إلى الأماكن الدينية والتاريخية المهمة من دون تمييز. كما سيكون الدخول إلى جميع الأماكن المقدسة، والتعبد فيها وحمايتها، مضمونة من قبل الطرفين.
مادة 4 : جدول الانسحاب العسكري الإسرائيلي وترتيبات الأمن.
1- في تطبيق قراري مجلس الأمن رقم 242 ورقم 338، يتفق الطرفان على أن انسحاب قوات الأمن والقوات العسكرية الإسرائيلية سوف ينفذ على ثلاث مراحل:
أ ـ الانسحاب من المناطق الوسطى من الضفة ومن قطاع غزة بكاملة (كما هي معرفة في الملحق اثنين التابع لاتفاقية الوضع النهائي وخرائطها المرفقة)، يبدأ في موعد لا يتجاوز الخامس من أيار (مايو) 1999، وينتهي في موعد لا يتجاوز الرابع من أيلول (سبتمبر) 1999.
ب ـ الانسحاب من المناطق الشرقية من الضفة الغربية (كما هي معرفة في الملحق اثنين من اتفاقية الوضع النهائي)، يبدأ في موعد لا يتجاوز الخامس من أيلول (سبتمبر) 1999، وينتهي في موعد لا يتجاوز الرابع من كانون الثاني (يناير) 2000.
ج ـ الانسحاب من المناطق الغربية من الضفة الغربية (كما هي معرفة في الملحق (2) من اتفاقية الوضع النهائي) يبدأ في موعد لا يتجاوز الخامس من كانون الثاني (يناير) 2000، وينتهي في موعد لا يتجاوز الرابع من أيار (مايو) 2000.
2ـ سوف تحتفظ إسرائيل بعد ذلك بحد أدنى من القوات ضمن منشآت عسكرية متفق عليها، وفي مواقع محددة. وسوف تتشكل هذه القوة من:
أ ـ ثلاث كتائب معززة، مخزني طوارئ عسكريين قائمين وقوات لوجستية موحدة (توجد تفاصيل موقعها وشروط تأجيرها ومدة إيجارها وطريقة نشرها ومهمتها وقوتها العديدة في الملحق الثاني من اتفاق الوضع النهائي).
ب ـ ان ثلاث محطات إنذار مبكر وثلاث وحدات دفاع وجوي حسبما تم تحديدها والاتفاق عليها في الملحق الثاني من اتفاق الوضع النهائي سيتم الاحتفاظ بها حتى 5 أيار (مايو) 2007، أو حتى التوصل لاتفاقيات سلام وترتيبات أمن ثنائية بين إسرائيل، والأطراف العربية ذات الصلة أيهما يحدث أخيرا.
3ـ يوافق الطرفان على تكوين لجنة تنسيق أمنى إسرائيلية ـ فلسطينية للإشراف على تنفيذ الانسحاب العسكري الإسرائيلي وعلى إنشاء الأجهزة التي تنظم وجودها العسكري المتبقي ، وعلى تنسيق كافة الأمور الأمنية الأخرى (وقد وردت تفاصيل تركيبة اللجنة وصلاحياتها في الملحق (2) لاتفاق الوضع النهائي).
وستقوم لجنة التنسيق الأمني أيضا بتنفيذ جدول متفق عليه لدخول قوات الأمن الفلسطينية إلى الأراضي الفلسطينية في الوقت الذي تنسحب فيه القوات الإسرائيلية من تلك الأراضي. ويوافق الطرفان على أن لجنة التنسيق الأمني ستباشر مداولاتها في موعد لا يتجاوز 5 أيار (مايو) 1998 (انظر الملحق (2) من اتفاق الوضع النهائي).
4 ـ يتم تنظيم دوريات إسرائيلية ـ فلسطينية مشتركة بطول نهر الأردن وبطول جانبي الحدود الإسرائيلية ـ الفلسطينية من اجل وردع ومنع ومكافحة التسلل، أو تنظيم أعمال إرهابية أخرى وأشكال أخرى لنشاطات عنيفة عبر الحدود. ويتم تحديد التفويض الممنوح لتلك الدوريات ومدة عملها بوساطة لجنة التنسيق الأمني حسبما هو موضح تفصيليا في الملحق (2) من اتفاق الوضع النهائي.
5 ـ يوافق الطرفان على إن دولة فلسطين ستكون منزوعة السلاح. وستبقى قوات الأمن الفلسطينية خاضعة لقيود متفق عليها حسبما هو موضح في الملحق (2) من اتفاق الوضع النهائي وبمقتضى اتفاق مشترك وفي موعد لا يحل قبل 5 أيار (مايو) 2007، يتفاوض الطرفان على القدرات الدفاعية الذاتية الفلسطينية.
6ـ يوافق الطرفان على إن الدول الراعية للاتفاق والأطراف الأخرى المتفق عليها يجب دعوتها لضمان الترتيبات الخاصة بالانسحاب العسكري الإسرائيلي والاتفاقيات الأمنية الثنائية الأخرى، حسبما هو منصوص عليه في اتفاق الإطار هذا وبصفتهم ضامنين للاتفاق، يجب دعوة تلك الأطراف الثلاثة، للمشاركة في المراقبة، والتحقق والواجبات الفنية الأخرى التي سيتم الاتفاق عليها في لجنة التنسيق الأمني. وسيطلب من الأطراف الثلاثة المذكورة إنشاء وتمويل قوة مراقبة دولية تم توضيح واجبها ومهامها في الملحق (2) من اتفاق الوضع النهائي.
المادة 5: المستوطنات «الإسرائيلية»
1ـ وعقب إنشاء دولة فلسطين المستقلة واعتراف دولة إسرائيل بها كما هو موضح في المادتين (1) و (3) من هذا الاتفاق :
أ ـ لن تكون هناك مناطق سكنية مدنية خاصة بالإسرائيليين في دولة فلسطين.
ب ـ يخضع الأفراد الإسرائيليون الباقون داخل حدود الدولة الفلسطينية للسيادة الإسرائيلية وأحكام القانون الفلسطيني.
ج ـ وبالنسبة للأفراد الإسرائيليين الذين يقيمون بصفة دائمة داخل الدولة الفلسطينية اعتبارا من 5 أيار (مايو) 1999، يتم منحهم المواطنة الفلسطينية أو تخييرهم للبقاء كمقيمين غرباء على ألا يمس ذلك مواطنتهم الإسرائيلية.
د ـ وضمن الجدول المتفق عليه لانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي الفلسطينية حسبما هو موضح في المادة (4) من الملحق الثاني من اتفاق الوضع النهائي، تستمر الحكومة الإسرائيلية وقوات الأمن التابعة لها في تحمل مسؤولية السلامة والأمن بالنسبة للمستوطنات الإسرائيلية خارج مناطق اختصاص الأمن الفلسطيني لحين انتقال المناطق المذكورة إلى الحكم الفلسطيني الكامل.
هـ ـ يجب على لجنة التنسيق الأمني وضع آلية للتعامل مع القضايا الأمنية ذات الصلة بالمواطنين الإسرائيليين في فلسطين والمواطنين الفلسطينيين في «إسرائيل».
المادة 6: القدس
1ـ تبقى القدس مدينة مفتوحة وغير مقسمة يتاح دخولها لأتباع جميع الديانات السماوية من كل الجنسيات.
2ـ يوافق الطرفان أيضا على إن إصلاحا للنظام البلدي الحالي للقدس وتخومها يجب القيام به في موعد لا يتجاوز 5 مايو / أيار 1999 ويجب ألا يخضع لتغيير آخر بموجب قانون أو غيره إلا باتفاق مشترك قبل الوفاء بأحكام البند (9) أدناه، ويجب إن يمتد هذا الإصلاح ليشمل التخوم البلدية الحالية للقدس وان يحدد حدود «مدينة القدس» لتشمل أبو ديس والعيزرية ، والرام ، والزيم ، ومعالية ادوميم، وجبعات زيئيف، وجيفون والمناطق المتاخمة حسبما هو موضح في الخريطة / الخرائط المفرقة.
3 ـ وداخل «مدينة القدس» فإن مناطق الجوار التي يقطنها «إسرائيليون» سيتم تعريفها باعتبارها «أقساما إدارية إسرائيلية» وسيتم تعريف مناطق الجوار التي يقطنها فلسطينيون باعتبارها «أقساما إدارية فلسطينية»، وقد تم على نحو دقيق تخطيط وبيان حدود «مدينة القدس» والأقسام الإدارية الإسرائيلية والفلسطينية في الملحق (2) من اتفاق الوضع النهائي والخريطة / الخرائط المرفقة.
وسيعكس عدد الأقسام الإدارية الإسرائيلية والفلسطينية التوازن الديموجرافي الحالي ونسبته 1.2 وسيتم تحديث هذه النسبة حسب الأشكال والمعايير والجدول كما هو موضح في الملحق (3) من اتفاق الوضع النهائي.
4 ـ يوافق الطرفان على الإبقاء على بلدية «مدينة القدس» في شكل مجلس بلدي أعلى مشترك يتكون من ممثلي الأقسام الإدارية، وينتخب هؤلاء الممثلون رئيس بلدية «مدينة القدس». وفي كافة الأمور ذات الصلة بمناطق «مدينة القدس» التي تخضع للسيادة الفلسطينية ، يجب إن يسعى المجلس البلدي الأعلى المشترك للحصول على موافقة حكومة فلسطين . وفي كافة الأمور ذات الصلة بمناطق «مدينة القدس» التي تخضع للسيادة الإسرائيلية يجب إن يسعى المجلس البلدي الأعلى المشترك للحصول على موافقة حكومة إسرائيل.
5 ـ تتألف «مدينة القدس» من المجلس البلدي الأعلى المشترك وبلديتين فرعيتين أي بلدية فرعية «إسرائيلية» ينتخبها سكان الأقسام الإدارية الإسرائيلية وبلدية فرعية فلسطينية ينتخبها سكان الأقسام الإدارية الفلسطينية ، ولجنة تعادل مشتركة لمنطقة المدينة القديمة حسبما هو موضح في البند 12 أدناه.
6 ـ يوافق الطرفان أيضا على إن بلدية «مدينة القدس»:
أ ـ ستفوض صلاحيات محلية قوية للبلديتين الفرعيتين تشمل حق فرض ضرائب محلية والخدمات المحلية ونظام التعليم المستقل والصلاحيات الدينية المفصلة وتخطيط الإسكان والتقسيم لمناطق حسبما هو موضح تفصيليا في الملحق الثالث من اتفاق الوضع النهائي.
ب ـ ستضع خطة أساسية مدتها خمسة وعشرون عاما «لمدينة القدس» مع أجهزة متفق عليها لتنفيذها على نحو متوازن ويشمل ذلك ضمانات مصالح الطائفتين.
ج ـ ستعمل على إن يدلي المواطنون الإسرائيليون والفلسطينيون الذين يقيمون داخل حدود منطقة اختصاصي بلدية مدينة القدس والبلديتين الفرعيتين بأصواتهم وان يسعوا إلى الترشيح لجميع المناصب التي يتم الاختيار لها عن طريق الانتخاب حسبما سيتم تحديده في اللوائح البلدية الخاصة بالقدس.
7 ـ يعترف الطرفان ـ داخل «مدينة القدس» ـ بالجزء الغربي من المدينة باعتبار انه «أورشليم» وبالجزء الشرقي من المدينة الذي يخضع للسيادة الفلسطينية باعتبار انه «القدس» انظر الخريطة / الخرائط المرفقة.
اتفاقية وضع اللاجئين 1951
الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين
تم اعتمدها يوم 28 تموز/يوليه 1951 مؤتمر الأمم المتحدة للمفوضين بشأن اللاجئين وعديمي الجنسية، الذي دعته الجمعية العامة للأمم المتحدة إلي الانعقاد بمقتضى قرارها رقم 429 (د-5)
المؤرخ في 14 كانون الأول/ديسمبر 1950
تاريخ بدء النفاذ: 22 نيسان/أبريل 1954، وفقا لأحكام المادة 43
الديباجة
إن الأطراف السامين المتعاقدين،
إذ يضعون في اعتبارهم أن ميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الجمعية العامة في 10 كانون الأول/ديسمبر 1948، قد أكدا مبدأ تمتع جميع البشر دون تمييز بالحقوق والحريات الأساسية.
وإذ يرون أن الأمم المتحدة قد برهنت، في مناسبات عديدة، عن عمق اهتمامها باللاجئين وعملت جاهدة علي أن تكفل لهم أوسع تمتع ممكن بهذه الحقوق والحريات الأساسية،
وإذ يعتبرون أن من المرغوب فيه إعادة النظر في الاتفاقات الدولية السابقة حول وضع اللاجئين، ودمج هذه الاتفاقات وتوسيع نطاق انطباقها والحماية التي توفرها من خلال اتفاق جديد،
وإذ يعتبرون أن منح الحق في الملجأ قد يلقي أعباء باهظة علي عاتق بلدان معينة، وأن ذلك يجعل من غير الممكن، دون تعاون دولي، إيجاد حل مرض لهذه المشكلة التي اعترفت الأمم المتحدة بدولية أبعادها وطبيعتها،
وإذ يعبرون عن الأمل في أن تبذل جميع الدول، إدراكا منها للطابع الاجتماعي والإنساني لمشكلة اللاجئين، كل ما في وسعها للحؤول دون أن تصبح هذه المشكلة سببا للتوتر بين الدول،
وإذ يلحظون أن مهمة المفوض السامي لشؤون اللاجئين هي الإشراف علي تطبيق الاتفاقيات الدولية التي تكفل حماية اللاجئين، ويدكون أن فعالية تنسيق التدابير التي تتخذ لمعالجة هذه المشكلة ستكون مرهونة بمؤازرة الدول للمفوض السامي،
قد اتفقوا علي ما يلي:
الفصل الأول: أحكام عامة
المادة 1: تعريف لفظة "لاجئ"
ألف- لأغراض هذه الاتفاقية، تنطبق لفظة لاجئ علي:
1. كل شخص اعتبر لاجئا بمقتضى ترتيبات 12 أيار/مايو 1926 و 30 حزيران/يونيه 1928، أو بمقتضى اتفاقيتي 28 تشرين الأول/أكتوبر 1933، و 10 شباط/فبراير 1938 وبروتوكول 14 أيلول/سبتمبر 1939، أو بمقتضى دستور المنظمة الدولية للاجئين.
ولا يحول ما اتخذته المنظمة الدولية للاجئين أثناء ولايتها من مقررات بعدم الأهلية لصفة اللاجئ دون منح هذه الصفة لمن تتوفر فيهم الشروط المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذا الفرع،
2. كل شخص يوجد، بنتيجة أحداث وقعت قبل 1 كانون الثاني/يناير 1951، وبسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلي فئة اجتماعية معينة أو آرائه السياسية، خارج بلد جنسيته، ولا يستطيع، أو لا يريد بسبب ذلك الخوف، أن يستظل بحماية ذلك البلد، أو كل شخص لا يملك جنسية ويوجد خارج بلد إقامته المعتادة السابق بنتيجة مثل تلك الأحداث ولا يستطيع، أو لا يريد بسبب ذلك الخوف، أن يعود إلي ذلك البلد.
فإذا كان الشخص يحمل أكثر من جنسية، تعني عبارة "بلد جنسيته" كلا من البلدان التي يحمل جنسيتها. ولا يعتبر محروما من حماية بلد جنسيته إذا كان، دون أي سبب مقبول يستند إلي خوف له ما يبرره، لم يطلب الاستظلال بحماية واحد من البلدان التي يحمل جنسيتها.
باء- 1. لأغراض هذه الاتفاقية، يجب أن تفهم عبارة "أحداث وقعت قبل 1 كانون الثاني/يناير 1951"، الواردة في الفرع "ألف" من المادة 1، علي أنها تعني: (أ) إما "أحداثا وقعت في أوروبا قبل 1 كانون الثاني/يناير 1951"، أو (ب) "أحداثا وقعت في أوروبا أو غيرها قبل 1 كانون الثاني/يناير 1951"، وعلي كل دولة متعاقدة أن تعلن، وهي توقع هذه الاتفاقية أو تصدقها أو تنضم إليها، بأي من هذين المعنيين ستأخذ علي صعيد الالتزامات التي تلقيها عليها هذه الاتفاقية.
2. لأي دولة متعاقدة اختارت الصيغة (أ)، في أي وقت، أن توسع التزاماتها باختيار الصيغة (ب)، وذلك بإشعار توجهه إلي الأمين العام للأمم المتحدة.
جيم- ينقضي انطباق هذه الاتفاقية علي أي شخص ينطبق عليه الفرع "ألف" من هذه المادة:
1. إذا استأنف باختياره الاستظلال بحماية بلد جنسيته،
2. إذا استعاد باختياره جنسيته بعد فقدانه لها، أو
3. إذا اكتسب جنسية جديدة وأصبح يتمتع بحماية هذه الجنسية الجديدة، أو
4. إذا عاد باختياره إلي الإقامة في البلد الذي غادره أو الذي ظل مقيما خارجه خوفا من الاضطهاد، أو
5. إذا أصبح، بسبب زوال الأسباب التي أدت إلي الاعتراف له بصفة اللاجئ، غير قادر علي مواصلة رفض الاستظلال بحماية بلد جنسيته،
وذلك علما بأن أحكام هذه الفقرة لا تنطبق علي أي لاجئ ينطبق عليه الفرع ألف (1) من هذه المادة ويستطيع أن يحتج، في رفض طلب الاستظلال بحماية بلد جنسيته، بأسباب قاهرة ناجمة عن اضطهاد سابق.
6. إذا كان شخص لا يملك جنسية وأصبح، بسبب زوال الأسباب التي أدت إلي الاعتراف له بصفة اللاجئ، قادرا علي أن يعود إلي بلد إقامته المعتادة السابق،
وذلك علما بأن أحكام هذه الفقرة لا تنطبق علي أي لاجئ ينطبق عليه الفرع ألف (1) من هذه المادة ويستطيع أن يحتج، في رفض العودة إلي بلد إقامته المعتادة السابق، بأسباب قاهرة ناجمة عن اضطهاد سابق.
دال- لا تنطبق هذه الاتفاقية على الأشخاص الذين يتمتعون حاليا بحماية أو مساعدة من هيئات أو وكالات تابعة للأمم المتحدة غير مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
فإذا توقفت هذه الحماية أو المساعدة لأي سبب دون أن يكون مصير هؤلاء الأشخاص قد سوي نهائيا طبقا لما يتصل بالأمر من القرارات التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة يصبح هؤلاء الأشخاص، بجراء ذلك، مؤهلين للتمتع بمزايا هذه الاتفاقية.
هاء- لا تنطبق أحكام هذه الاتفاقية علي أي شخص اعتبرته السلطات المختصة في البلد الذي اتخذ فيه مقاما له مالكا للحقوق وعليه الالتزامات المرتبطة بجنسية هذا البلد.
واو- لا تنطبق أحكام هذه الاتفاقية علي أي شخص تتوفر أسباب جدية للاعتقاد بأنه:
(أ) ارتكب جريمة ضد السلام أو جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية، بالمعني المستخدم لهذه الجرائم في الصكوك الدولية الموضوعة للنص علي أحكامها بشأنها،
(ب) ارتكب جريمة جسيمة غير سياسية خارج بلد اللجوء قبل قبوله في هذا البلد بصفة لاجئ،
(ج) ارتكب أفعالا مضادة لأهداف الأمم المتحدة ومبادئها.
المادة 2: التزامات عامة
علي كل لاجئ إزاء البلد الذي يوجد فيه واجبات تفرض عليه، خصوصا، أن ينصاع لقوانينه وأنظمته، وأن يتقيد بالتدابير المتخذة فيه للمحافظة علي النظام العام.
المادة 3: عدم التمييز
تطبق الدول المتعاقدة أحكام هذه الاتفاقية علي اللاجئين دون تمييز بسبب العرق أو الدين أو بلد المنشأ.
المادة 4: الدين
تمنح الدول المتعاقدة اللاجئين داخل أراضيها معاملة توفر لهم علي الأقل ذات الرعاية الممنوحة لمواطنيها علي صعيد حرية ممارسة شعائرهم الدينية وحرية توفير التربية الدينية لأولادهم.
المادة 5: الحقوق الممنوحة بمعزل عن هذه الاتفاقية
لا يعتبر أي حكم في هذه الاتفاقية مخلا بأية حقوق أو مزايا تمنحها دولة متعاقدة للاجئين بمعزل عن هذه الاتفاقية.
المادة 6: عبارة "في نفس الظروف"
لأغراض هذه الاتفاقية، تعني عبارة "في نفس الظروف"، ضمنا، أن علي اللاجئ، من أجل التمتع بحق ما، أن يستوفي كافة المتطلبات التي تقضي من الفرد العادي للتمتع بهذا الحق (ولا سيما تلك المتعلقة بمدة أو شروط المكوث والإقامة) لو لم يكن لاجئا، باستثناء تلك التي تحول طبيعتها دون استيفاء اللاجئ لها.
المادة 7: الإعفاء من المعاملة بالمثل
1. حيثما لا تنص هذه الاتفاقية علي منح اللاجئين معاملة أفضل، تعاملهم الدولة المتعاقدة معاملتها للأجانب عامة.
2. يتمتع جميع اللاجئين، بعد مرور ثلاث سنوات علي إقامتهم، بالإعفاء، علي أرض الدول المتعاقدة، من شرط المعاملة التشريعية بالمثل.
3. تواصل كل دولة متعاقدة منح اللاجئين الحقوق والمزايا التي كانوا مؤهلين لها فعلا، مع عدم توفر معاملة بالمثل، بتاريخ بدء نفاذ هذه الاتفاقية إزاء الدولة المذكورة.
4. تنظر الدول المتعاقدة بعين العطف في إمكانية منح اللاجئين، مع عدم توفر معاملة بالمثل، حقوقا ومزايا بالإضافة إلي تلك التي تؤهلهم لها الفقرتان 2 و 3، وكذلك في إمكانية جعل الإعفاء من المعاملة بالمثل يشمل لاجئين لا يستوفون الشروط المنصوص عليها في الفقرتين 2 و3.
5. تنطبق أحكام الفقرتين 2 و 3 علي الحقوق والمزايا المذكورة في المواد 13 و 18 و 19 و 21 و 22 من هذه الاتفاقية كما تنطبق علي الحقوق والمزايا التي لا تنص عليها هذه الاتفاقية.
المادة 8: الإعفاء من التدابير الاستثنائية
حين يتعلق الأمر بالتدابير الاستثنائية التي يمكن أن تتخذ ضد أشخاص أو ممتلكات أو مصالح مواطني دولة أجنبية معينة، تمتنع الدول المتعاقدة عن تطبيق هذه التدابير علي أي لاجئ يحمل رسميا جنسية تلك الدولة لمجرد كونه يحمل هذه الجنسية. وعلي الدول المتعاقدة التي لا تستطيع بمقتضى تشريعها تطبيق المبدأ العام المنصوص عليه في هذه المادة أن تقوم، في الحالات المناسبة، بمنح إعفاءات لمثل هؤلاء اللاجئين.
المادة 9: التدابير المؤقتة
ليس في أي من أحكام هذه الاتفاقية ما يمنع دولة متعاقدة، في زمن الحرب أو في غيره من الظروف الخطيرة والاستثنائية، من أن تتخذ مؤقتا من التدابير، بحق شخص معين، ما تعتبره أساسيا لأمنها القومي، ريثما يثبت لتلك الدولة المتعاقدة أن هذا الشخص لاجئ بالفعل وأن الإبقاء علي تلك التدابير ضروري في حالته لصالح أمنها القومي.
المادة 10: تواصل الإقامة
1. حين يكون اللاجئ قد أبعد قسرا خلال الحرب العالمية الثانية ونقل إلي ارض دولة متعاقدة، ويكون مقيما فيها، تعتبر فترة مكوثه القسري هذه بمثابة إقامة شرعية في أرض هذه الدولة. 2. حين يكون اللاجئ قد أبعد قسرا أثناء الحرب العالمية الثانية عن أرض دولة متعاقدة، ثم عاد إليها قبل بدء نفاذ هذه الاتفاقية ليتخذ مقاما فيها، تعتبر فترتا إقامته السابقة واللاحقة لهذا الإبعاد القسري، من أجل أية أغراض تتطلب إقامة غير منقطعة، بمثابة فترة واحدة غير منقطعة.
المادة 11: البحارة واللاجئون
في حالة اللاجئين الذين يعملون بصورة منتظمة كأعضاء في طاقم سفينة ترفع علم دولة متعاقدة، تنظر هذه الدولة بعين العطف في إمكانية السماح لهؤلاء اللاجئين بالاستقرار علي أرضها وتزويدهم بوثائق سفر، أو في قبولهم مؤقتا علي أرضها تسهيلا، علي الخصوص، لاستقرارهم في بلد آخر.
الفصل الثاني: الوضع القانوني
المادة 12: الأحوال الشخصية
1. تخضع أحوال اللاجئ الشخصية لقانون بلد موطنه، أو لقانون بلد إقامته إذا لم يكن له موطن.
2. تحترم الدولة المتعاقدة حقوق اللاجئ المكتسبة والناجمة عن أحواله الشخصية، ولا سيما الحقوق المرتبطة بالزواج، علي أن يخضع ذلك عند الاقتضاء لاستكمال الشكليات المنصوص عليها في قوانين تلك الدولة، ولكن شريطة أن يكون الحق المعني واحد من الحقوق التي كان سيعترف بها تشريع الدولة المذكورة لو لم يصبح صاحبه لاجئا.
المادة 13: ملكية الأموال المنقولة وغير المنقولة
تمنح الدول المتعاقدة كل لاجئ أفضل معاملة ممكنة، لا تكون في أي حال أدني رعاية من تلك الممنوحة، في نفس الظروف، للأجانب عامة، في ما يتعلق باحتياز الأموال المنقولة وغير المنقولة والحقوق الأخرى المرتبطة بها، وبالإيجار وغيره من العقود المتصلة بملكية الأموال المنقولة وغير المنقولة.
المادة 14: الحقوق الفنية والملكية الصناعية
في مجال حماية الملكية الصناعية، كالاختراعات والتصاميم أو النماذج والعلامات المسجلة والأسماء التجارية، وفي مجال حماية الحقوق علي الأعمال الأدبية والفنية والعلمية، يمنح اللاجئ في بلد إقامته المعتادة نفس الحماية الممنوحة لمواطني ذلك البلد، ويمنح في إقليم أي من الدول المتعاقدة الأخرى نفس الحماية الممنوحة في ذلك الإقليم لمواطني بلد إقامته المعتادة.
المادة 15: حق الانتماء للجمعيات
تمنح الدول المتعاقدة اللاجئين المقيمين بصورة نظامية في إقليمها، بصدد الجمعيات غير السياسية وغير المستهدفة للربح والنقابات المهنية، أفضل معاملة ممكنة تمنح، في نفس الظروف لمواطني بلد أجنبي.
المادة 16: حق التقاضي أمام المحاكم
1. يكون لكل لاجئ، علي أراضي جميع الدول المتعاقدة، حق التقاضي الحر أمام المحاكم.
2. يتمتع كل لاجئ، في الدولة المتعاقدة محل إقامته المعتادة، بنفس المعاملة التي يتمتع بها المواطن من حيث حق التقاضي أمام المحاكم، بما في ذلك المساعدة القضائية، والإعفاء من ضمان أداء المحكوم به.
3. في ما يتعلق بالأمور التي تتناولها الفقرة 2، يمنح كل لاجئ، في غير بلد إقامته المعتادة من بلدان الدول المتعاقدة، نفس المعاملة الممنوحة فيها لمواطني بلد إقامته المعتادة.
الفصل الثالث: أعمال الكسب
المادة 17: العمل المأجور
1. تمنح الدول المتعاقدة اللاجئين المقيمين بصورة نظامية في إقليمها أفضل معاملة ممكنة تمنح، في نفس الظروف، لمواطني بلد أجنبي في ما يتعلق بحق ممارسة عمل مأجور.
2. وفي أي حال، لا تطبق علي اللاجئ التدابير التقييدية المفروضة علي الأجانب أو علي استخدام الأجانب من أجل حماية سوق العمل الوطنية إذا كان قد أعفي منها قبل تاريخ بدء نفاذ هذه الاتفاقية إزاء الدولة المتعاقدة المعنية، أو إذا كان مستوفيا أحد الشروط التالية:
(أ) أن يكون قد استكمل ثلاث سنوات من الإقامة في بالبلد،
(ب) أن يكون له زوج يحمل جنسية بلد إقامته. علي أن اللاجئ لا يستطيع أن يتذرع بانطباق هذا الحكم عليه إذا كان قد هجر زوجه،
(ج) أن يكون له ولد أو أكثر يحمل جنسية بلد إقامته.
3. تنظر الدول المتعاقدة بعين العطف في أمر اتخاذ تدابير لمساواة حقوق جميع اللاجئين بحقوق مواطنيها من حيث العمل المأجور، وعلي وجه الخصوص حقوق أولئك اللاجئين الذي دخلوا أراضيها بمقتضى برامج لجلب اليد العاملة أو خطط لاستقدام مهاجرين.
المادة 18: العمل الحر
تمنح الدول المتعاقدة اللاجئين المقيمين بصورة نظامية في إقليمها أفضل معاملة ممكنة، وعلي ألا تكون في أي حال أقل رعاية من تلك الممنوحة للأجانب عامة في نفس الظروف، في ما يتعلق بممارستهم عملا لحسابهم الخاص في الزراعة والصناعة والحرف اليدوية والتجارة، وكذلك في إنشاء شركات تجارية وصناعية.
المادة 19: المهن الحرة
1. تمنح الدول المتعاقدة اللاجئين المقيمين بصورة نظامية في إقليمها، إذا كانوا يحملون شهادات معترفا بها من قبل السلطات المختصة في الدولة ويرغبون في ممارسة مهنة حرة، أفضل معاملة ممكنة، على ألا تكون في أي حال أقل رعاية من تلك الممنوحة للأجانب عامة في نفس الظروف.
2. تبذل الدول المتعاقدة قصارى جهدها، وفقا لقوانينها ودساتيرها، لتأمين استيطان مثل هؤلاء اللاجئين في غير إقليمها المتروبولي من الأقاليم التي تتولى هذه الدول المسؤولية عن علاقاتها الدولية.
الفصل الرابع: الرعاية
المادة 20: التوزيع المقنن
حيثما وجد نظام تقنين ينطبق علي عموم السكان ويخضع له التوزيع العمومي للمنتجات غير المتوفرة بالقدر الكافي، يعامل اللاجؤون معاملة المواطنين.
المادة 21: الإسكان
فيما يخص الإسكان، وبقدر ما يكون هذا الموضوع خاضعا للقوانين أو الأنظمة أو خاضعا لإشراف السلطات العامة، تمنح الدول المتعاقدة اللاجئين المقيمين بصورة نظامية في إقليمها أفضل معاملة ممكنة، علي ألا تكون في أي حال أقل رعاية من تلك الممنوحة للأجانب عامة في نفس الظروف.
المادة 22: التعليم الرسمي
1. تمنح الدول المتعاقدة اللاجئين نفس المعاملة الممنوحة لمواطنيها في ما يخص التعليم الأولي.
2. تمنح الدول المتعاقدة اللاجئين أفضل معاملة ممكنة، علي ألا تكون في أي حال أقل رعاية من تلك الممنوحة للأجانب عامة في نفس الظروف، في ما يخص فروع التعليم غير الأولي، وخاصة علي صعيد متابعة الدراسة، والاعتراف بالمصدقات والشهادات المدرسية والدرجات العلمية الممنوحة في الخارج، والإعفاء من الرسوم والتكاليف، وتقديم المنح الدراسية.
المادة 23: الإغاثة العامة
تمنح الدول المتعاقدة اللاجئين المقيمين بصورة نظامية في إقليمها نفس المعاملة الممنوحة لمواطنيها في مجال الإغاثة والمساعدة العامة.
المادة 24: تشريع العمل والضمان الاجتماعي
1. تمنح الدول المتعاقدة اللاجئين المقيمين بصورة نظامية في إقليمها نفس المعاملة الممنوحة للمواطنين فيما يخص الأمور التالية:
(أ) في حدود كون هذه الشؤون خاضعة للقوانين والأنظمة أو لإشراف السلطات الإدارية: الأجر بما فيه الإعانات العائلية إذا كانت تشكل جزءا من الأجر، وساعات العمل، والترتيبات الخاصة بساعات العمل الإضافية، والأجازات المدفوعة الأجر، والقيود علي العمل في المنزل، والحد الأدنى لسن العمل، والتلمذة والتدريب المهني، وعمل النساء والأحداث، والاستفادة من المزايا التي توفرها عقود العمل الجماعية،
(ب) الضمان الاجتماعي (الأحكام القانونية الخاصة بإصابات العمل والأمراض المهنية والأمومة والمرض والعجز والشيخوخة والوفاة والبطالة والأعباء العائلية، وأية طوارئ أخري تنص القوانين والأنظمة علي جعلها مشمولة بنظام الضمان الاجتماعي)، رهنا بالقيود التي قد تفرضها:
"1" ترتيبات ملائمة تهدف للحفاظ علي الحقوق المكتسبة أو التي هي قيد الاكتساب،
"2" قوانين أو أنظمة خاصة ببلد الإقامة قد تفرض أحكاما خاصة بشأن الإعانة الحكومية الكلية أو الجزئية المدفوعة بكاملها من الأموال العامة، وبشأن الإعانات المدفوعة للأشخاص الذين لا يستوفون شروط المساهمة المفروضة لمنح راتب تقاعدي عادي.
2. إن حق التعويض عن وفاة لاجئ بنتيجة إصابة عمل أو مرض مهني لا يتأثر بوقوع مكان إقامة المستحق خارج إقليم الدولة المتعاقدة.
3. تجعل الدول المتعاقدة المزايا الناجمة عن الاتفاقات التي عقدتها أو التي يمكن أن تعقدها، والخاصة بالحفاظ علي الحقوق المكتسبة أو التي هي قيد الاكتساب علي صعيد الضمان الاجتماعي، شاملة للاجئين، دون أن يرتهن ذلك إلا باستيفاء اللاجئ للشروط المطلوبة من مواطني الدول الموقعة علي الاتفاقات المعنية.
4. تنظر الدول المتعاقدة بعين العطف في إمكانية جعل الاتفاقات المماثلة، النافذة المفعول أو التي قد تصبح نافذة المفعول بين هذه الدول المتعاقدة ودول غير متعاقدة، بقدر الإمكان، شاملة للاجئين.
الفصل الخامس: التدابير الإدارية
المادة 25: المساعدة الإدارية
1. عندما يكون من شأن ممارسة اللاجئ حقا له أن تتطلب عادة مساعدة سلطات بلد أجنبي يتعذر عليه الرجوع إليها، تعمل الدول المتعاقدة التي يقيم اللاجئ علي أراضيها علي تأمين هذه المساعدة إما بواسطة سلطاتها أو بواسطة سلطة دولية.
2. تصدر السلطة أو السلطات المذكورة في الفقرة الأولي للاجئين، أو تستصدر لهم بإشرافها، الوثائق أو الشهادات التي يجري إصدارها للأجنبي، عادة، من قبل سلطاته الوطنية أو بواسطتها.
3. تقوم الوثائق أو الشهادات الصادرة علي هذا النحو مقام الصكوك الرسمية التي تسلم للأجانب من قبل سلطاتهم الوطنية أو بواسطتها، وتظل معتمدة إلي أن يثبت عدم صحتها.
4. رهنا بالحالات التي يمكن أن يستثني فيها المعوزون، يجوز استيفاء رسوم لقاء الخدمات المذكورة في هذه المادة، ولكن ينبغي أن تكون هذه الرسوم معتدلة ومتكافئة مع ما يفرض علي المواطنين من رسوم لقاء الخدمات المماثلة.
5. لا تمس أحكام هذه المادة بالمادتين 27 و 28.
المادة 26: حرية التنقل
تمنح كل من الدول المتعاقدة اللاجئين المقيمين بصورة نظامية في إقليمها حق اختيار محل إقامتهم والتنقل الحر ضمن أراضيها، علي أن يكون ذلك رهنا بأية أنظمة تنطبق علي الأجانب عامة في نفس الظروف.
المادة 27: بطاقات الهوية
تصدر الدول المتعاقدة بطاقة هوية شخصية لكل لاجئ موجود في إقليمها لا يملك وثيقة سفر صالحة.
المادة 28: وثائق السفر
1. تصدر الدول المتعاقدة للاجئين المقيمين بصورة نظامية في إقليمها وثائق سفر لتمكينهم من السفر إلي خارج هذا الإقليم، ما لم تتطلب خلاف ذلك أسباب قاهرة تتصل بالأمن الوطني أو النظام العام. وتنطبق أحكام ملحق هذه الاتفاقية بصدد الوثائق المذكورة. وللدول المتعاقدة إصدار وثيقة سفر من هذا النوع لكل لاجئ آخر فيها. وعليها خصوصا أن تنظر بعين العطف إلي إصدار وثيقة سفر من هذا النوع لمن يتعذر عليهم الحصول علي وثيقة سفر من بلد إقامتهم النظامية من اللاجئين الموجودين في إقليمها.
2. تعترف الدول المتعاقدة بوثائق السفر التي أصدرها أطراف الاتفاقات الدولية السابقة في ظل هذه الاتفاقات، وتعاملها كما لو كانت قد صدرت بمقتضى أحكام هذه المادة.
المادة 29: الأعباء الضريبية
1. تمتنع الدول المتعاقدة عن تحميل اللاجئين أية أعباء أو رسوم أو ضرائب، أيا كانت تسميتها، تغاير أو تفوق تلك المستوفاة أو التي قد يصار إلي استيفائها في أحوال مماثلة.
2. ليس في أحكام الفقرة السابقة ما يحول دون أن تطبق علي اللاجئين القوانين والأنظمة المتعلقة بالرسوم المتصلة بإصدار الوثائق الإدارية، بما فيها بطاقات الهوية.
المادة 30: نقل الموجودات
1. تسمح الدول المتعاقدة للاجئين، وفقا لقوانينها وأنظمتها، بنقل ما حملوه إلي أرضها من موجودات إلى بلد آخر سمح لهم بالانتقال إليه بقصد الاستقرار فيه.
2. تنظر الدول المتعاقدة بعين العطف إلي الطلبات التي يقدمها اللاجؤون للسماح لهم بنقل أي موجودات أخري لهم، أينما وجدت، يحتاجون إليها للاستقرار في بلد آخر سمح لهم بالانتقال إليه.
المادة 31: اللاجئون الموجودون بصورة غير مشروعة في بلد الملجأ
1. تمتنع الدول المتعاقدة عن فرض عقوبات جزائية، بسبب دخولهم أو وجودهم غير القانوني، على اللاجئين الذين يدخلون إقليمها أو يوجدون فيه دون إذن، قادمين مباشرة من إقليم كانت فيه حياتهم أو حريتهم مهددة بالمعني المقصود في المادة 1، شريطة أن يقدموا أنفسهم إلي السلطات دون إبطاء وأن يبرهنوا علي وجاهة أسباب دخولهم أو وجودهم غير القانوني.
2. تمتنع الدول المتعاقدة عن فرض غير الضروري من القيود علي تنقلات هؤلاء اللاجئين، ولا تطبق هذه القيود إلا ريثما يسوي وضعهم في بلد الملاذ أو ريثما يقبلون في بلد آخر. وعلي الدول المتعاقدة أن تمنح اللاجئين المذكورين مهلة معقولة، وكذلك كل التسهيلات الضرورية ليحصلوا علي قبول بلد آخر بدخولهم إليه.
المادة 32: الطرد
1. لا تطرد الدولة المتعاقدة لاجئا موجودا في إقليمها بصورة نظامية، إلا لأسباب تتعلق بالأمن الوطني أو النظام العام.
2. لا ينفذ طرد مثل هذا اللاجئ إلا تطبيقا لقرار متخذ وفقا للأصول الإجرائية التي ينص عليها القانون. ويجب أن يسمح للاجئ ما لم تتطلب خلاف ذلك أسباب قاهرة تتصل بالأمن الوطني، بأن يقدم بينات لإثبات براءته، وبأن يمارس حق الاستئناف ويكون له وكيل يمثله لهذا الغرض أمام سلطة مختصة أو أمام شخص أو أكثر معينين خصيصا من قبل السلطة المختصة.
3. تمنح الدولة المتعاقدة مثل هذا اللاجئ مهلة معقولة ليلتمس خلالها قبوله بصورة قانونية في بلد آخر. وتحتفظ الدولة المتعاقدة بحقها في أن تطبق، خلال هذه المهلة، ما تراه ضروريا من التدابير الداخلية.
المادة 33: حظر الطرد أو الرد
1. لا يجوز لأية دولة متعاقدة أن تطرد لاجئا أو ترده بأية صورة من الصور إلي حدود الأقاليم التي تكون حياته أو حريته مهددتين فيها بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلي فئة اجتماعية معينة أو بسبب آرائه السياسية.
2. علي أنه لا يسمح بالاحتجاج بهذا الحق لأي لاجئ تتوفر دواع معقولة لاعتباره خطرا علي أمن البلد الذي يوجد فيه أو لاعتباره يمثل، نظرا لسبق صدور حكم نهائي عليه لارتكابه جرما استثنائي الخطورة، خطرا علي مجتمع ذلك البلد.
المادة 34: التجنس
تسهل الدول المتعاقدة بقدر الامكان استيعاب اللاجئين ومنحهم جنسيتها، وتبذل علي الخصوص كل ما في وسعها لتعجيل إجراءات التجنس وتخفيض أعباء ورسوم هذه الإجراءات إلي أدني حد ممكن.
الفصل السادس: أحكام تنفيذية وانتقالية
المادة 35: تعاون السلطات الوطنية مع الأمم المتحدة
1. تتعهد الدول المتعاقدة بالتعاون مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أو أية مؤسسة أخري تابعة للأمم المتحدة قد تخلفها، في ممارسة وظائفها، وتتعهد علي وجه الخصوص بتسهيل مهمتها في الإشراف على تطبيق أحكام هذه الاتفاقية.
2. من أجل جعل المفوضية، أو أية مؤسسة أخري تابعة للأمم المتحدة قد تخلفها، قادرة علي تقديم تقارير إلى الهيئات المختصة في الأمم المتحدة، تتعهد الدول المتعاقدة بتزويدها علي الشكل المناسب بالمعلومات والبيانات الإحصائية المطلوبة بشأن:
(أ) وضع اللاجئين،
(ب) وضع هذه الاتفاقية موضع التنفيذ،
(ج) القوانين والأنظمة والمراسيم النافذة أو التي قد تصبح بعد الآن نافذة بشأن اللاجئين،
المادة 36: تبليغ المعلومات عن التشريع الوطني
توافي الدول المتعاقدة الأمين العام للأمم المتحدة بنصوص ما قد تعتمده من قوانين وأنظمة لتأمين تطبيق هذه الاتفاقية.
المادة 37: علاقة الاتفاقية بالاتفاقيات السابقة
مع عدم المساس بأحكام الفقرة 2 من المادة 28 من هذه الاتفاقية، تحل هذه الاتفاقية بين الأطراف فيها محل ترتيبات 5 تموز/يوليه 1922 و 31 أيار/مايو 1924 و 12 أيار/مايو 1926 و 30 حزيران/يونيه 1928 و 30 تموز/يوليه 1935، واتفاقيتي 28 تشرين الأول/أكتوبر 1933 و 10 شباط/فبراير 1938، وبروتوكول 14 أيلول/سبتمبر 1939، واتفاق 15 تشرين الأول/أكتوبر 1946.
الفصل السابع: أحكام ختامية
المادة 38: تسوية المنازعات
كل نزاع ينشأ بين أطراف في هذه الاتفاقية حول تفسيرها أو تطبيقها، ويتعذر حله بطريقة أخري، يحال إلى محكمة العدل الدولية بناء علي طلب أي من الأطراف في النزاع.
المادة 39: التوقيع والتصديق والانضمام
1. تعرض هذه الاتفاقية للتوقيع في جنيف في 28 تموز/يوليه 1951 وتودع بعد ذلك لدي الأمين العام للأمم المتحدة. وهي تعرض للتوقيع في المكتب الأوربي للأمم المتحدة بين 28 تموز/يوليه و 31 آب/أغسطس 1951 ثم تعرض مجددا للتوقيع في المقر الرئيسي للأمم المتحدة بين 17 أيلول/سبتمبر 1951 و 31 كانون الأول/ديسمبر 1952.
2. يتاح توقيع هذه الاتفاقية لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وكذلك لأية دولة أخري دعيت إلي مؤتمر المفوضين حول وضع اللاجئين وعديمي الجنسية أو وجهت إليها الجمعية العامة دعوة لتوقيعها. وتخضع هذه الاتفاقية للتصديق، وتودع صكوك التصديق لدي الأمين العام للأمم المتحدة.
3. تكون هذه الاتفاقية متاحة لانضمام الدول المشار إليها في الفقرة 2 من هذه المادة ابتداء من 28 تموز/يوليه 1951. ويقع الانضمام بإيداع صك انضمام لدي الأمين العام للأمم المتحدة.
المادة 40: بند الانطباق الإقليمي
1. لأية دولة، عند التوقيع أو التصديق أو الانضمام، أن تعلن أن هذه الاتفاقية ستشمل جميع الأقاليم التي تمثلها علي الصعيد الدولي أو واحد أو أكثر منها. ويبدأ سريان مفعول هذا الإعلان في تاريخ بدء نفاذ هذه الاتفاقية إزاء الدولة المعنية.
2. وفي أي وقت آخر بعد ذلك يتم توسيع نطاق شمول هذه الاتفاقية بإشعار يوجه إلي الأمين العام للأمم المتحدة ويصبح ساري المفعول ابتداء من اليوم التسعين الذي يلي استلام الأمين العام للأمم المتحدة هذا الإشعار، أو من تاريخ بدء نفاذ هذه الاتفاقية إزاء الدولة المعنية أيهما جاء لاحقا.
3. وفي ما يتعلق بالأقاليم التي لا يوسع نطاق الاتفاقية، لجعله شاملا لها، عند التوقيع أو التصديق أو الانضمام، تنظر كل دولة معنية في إمكانية اتخاذ الخطوات اللازمة لجعل انطباق هذه الاتفاقية شاملا لها بعد الحصول، عند اقتضاء ذلك لأسباب دستورية، علي موافقة حكوماتها.
المادة 41: بند الدولة الاتحادية
حين تكون الدولة اتحادية وغير مركزية، تطبق الأحكام التالية:
(أ) في ما يتعلق بمواد هذه الاتفاقية التي تقع ضمن الولاية التشريعية للسلطة التشريعية الاتحادية، تكون التزامات الحكومة الاتحادية ضمن هذا النطاق نفس التزامات الدول الأطراف التي ليست دولا اتحادية،
(ب) وفي ما يتعلق بمواد هذه الاتفاقية التي تقع ضمن الولاية التشريعية لمختلف الدول أو الولايات أو المقاطعات المكونة للاتحاد وغير الملزمة، وفقا للنظام الدستوري لهذا الاتحاد، باتخاذ إجراءات تشريعية، تقوم الحكومة الاتحادية في اقرب وقت ممكن بإحالة هذه المواد، مع توصية إيجابية إلي السلطات المختصة في هذه الدول أو الولايات أو المقاطعات،
(ج) تزود الدولة الاتحادية الطرف في هذه الاتفاقية أية دولة متعاقدة أخري تطلب ذلك عن طريق الأمين العام للأمم المتحدة ببيان عن الأحكام القانونية والممارسات المعمول بها في الاتحاد والوحدات المكونة له بشأن أي حكم من أحكام هذه الاتفاقية مبينة مدي المفعول الذي أعطي له بإجراء تشريعي أو بإجراء آخر.
المادة 42: التحفظات
1. لأية دولة، عند التوقيع أو التصديق أو الانضمام، حق إبداء تحفظات بشأن أية مواد في الاتفاقية غير المواد 1 و 3 و 4 و 16 (1) و 33 والمواد 36 إلي 46 شاملة المادة الأخيرة المذكورة. 2. لأي دولة أبدت تحفظا وفقا للفقرة 1 من هذه المادة أن تسحب تحفظها في أي حين برسالة موجهة إلي الأمين العام للأمم المتحدة.
المادة 43: بدء النفاذ
1. يبدأ نفاذ هذه الاتفاقية في اليوم التسعين الذي يلي تاريخ إيداع صك التصديق أو الانضمام السادس. 2. أما الدولة التي تصدق الاتفاقية أو تنضم إليها بعد إيداع صك التصديق أو الانضمام السادس فيبدأ نفاذ الاتفاقية إزاءها في اليوم التسعين الذي يلي تاريخ إيداع هذه الدولة صك تصديقها أو انضمامها.
المادة 44: الانسحاب
1. لأي دولة متعاقدة أن تنسحب من هذه الاتفاقية في أي حين بإشعار موجه إلى الأمين العام للأمم المتحدة.
2. يبدأ سريان مفعول هذا الانسحاب إزاء الدولة المتعاقدة بعد مرور عام علي تاريخ استلام الأمين العام الإشعار الذي يرد فيه قرار الانسحاب.
3. لأية دولة أصدرت إعلانا أو إشعارا وفقا للمادة 40 أن تعلن في أي حين، بإشعار موجه إلي الأمين العام، أن هذه الاتفاقية ستتوقف عن شمول إقليم ما بعد سنة من تاريخ استلام الأمين العام لهذا الإشعار.
المادة 45: إعادة النظر
1. لكل دولة متعاقدة، في أي حين، أن تطلب إعادة النظر في هذه الاتفاقية، بإشعار موجه إلي الأمين العام للأمم المتحدة.
2. توصي الجمعية العامة للأمم المتحدة بالخطوات الواجب اتخاذها، عند الاقتضاء، إزاء هذا الطلب.
المادة 46: الإشعارات التي يصدرها الأمين العام للأمم المتحدة
يقوم الأمين العام للأمم المتحدة بإعلام جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والدول غير الأعضاء المذكورة في المادة 39:
(أ) بالإعلانات والإشعارات المذكورة في الفرع "باء" من المادة 1،
(ب) بالتوقيعات وصكوك التصديق والانضمام المذكورة في المادة 39،
(ج) بالإعلانات والإشعارات المذكورة في المادة 40،
(د) بالتحفظات ورسائل سحب التحفظات المذكورة في المادة 42،
(هـ) بالتاريخ الذي سيبدأ فيه نفاذ هذه الاتفاقية وفقا للمادة 43،
(و) بالانسحابات والإشعارات المذكورة في المادة 44،
(ز) بطلبات إعادة النظر المذكورة في المادة 45.
وإثباتا لما تقدم، ذيله الموقعون أدناه، المفوضون حسب الأصول بالتوقيع باسم حكوماتهم بتواقيعهم.
حرر في جنيف، في هذا اليوم الثامن والعشرين من تموز/يوليه عام ألف وتسعمائة وواحد وخمسين، علي نسخة وحيدة يتساوى في الحجية نصها الإنكليزي والفرنسي، تودع في محفوظات الأمم المتحدة وتعطي صور مصدقة عنها لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وللدول غير الأعضاء المذكورة في المادة 39
من مشاريع التسوية: وثيقة نسيبة أيالون
النص الكامل للوثيقة بين الرئيس الأسبق لجهاز الشاباك الصهيوني " عامي أيالون" ورئيس جامعة القدس المفتوحة " الدكتور سري نسيبة"
تقديم
يعترف الشعبان، اليهودي والفلسطيني، كل واحد بالحقوق التاريخية لغيره على نفس الأرض. على مدار الأجيال سعى الشعب اليهودي إلى إقامة الدولة اليهودية في كافة أرجاء أرض "إسرائيل"، بينما سعى الشعب الفلسطيني هو الآخر إلى إقامة دولة في كافة أرجاء فلسطين.
يتفق الطرفان بهذا على حل وسط تاريخي، يقوم على مبدأ دولتين سياديتين دائمتين تعيشان الواحدة بجانب الأخرى.
إعلان النوايا المقدم هنا هو تعبير عن إرادة غالبية الشعب.
يؤمن الطرفان أن هذه المبادرة ستسمح لهما بالتأثير على قادتهما وبذلك يفتحان فصلاً جديداً في تاريخ المنطقة. هذا الفصل الجديد سيتم تحققه أيضا بدعوة الأسرة الدولية لضمان أمن المنطقة والمساعدة في تطوير الاقتصاد فيها.
إعلان النوايا:
1- دولتان لشعبين: يعلن الطرفان أن فلسطين هي الدولة الوحيدة للشعب الفلسطيني و"إسرائيل" هي الدولة الوحيدة للشعب اليهودي.
2- الحدود: تتفق الدولتان على إقامة حدود دائمة بينهما على لساس حدود 4 حزيران 1967 وقرارات الأمم المتحدة ومبادرة السلام العربية (المبادرة السعودية).
- تقوم التعديلات الحدودية على تبادل مناطق بالتساوي (واحد إلى واحد) بموجب المتطلبات الحيوية للطرفين، ويضمنها الأمن والتواصل الإقليمي والاعتبارات الديموغرافية.
- المنطقتان الجغرافيتان اللتان ستشكلان الدولة الفلسطينية – الضفة الغربية وقطاع غزة – تكونان متصلتان ببعضهما.
- بعد إرساء الحدود المتفق عليها لن يبقى مستوطنون في الدولة الفلسطينية.
3- القدس: تكون القدس مدينة مفتوحة وعاصمة للدولتين. يتم ضمان حرية الديانة والوصول التام للأماكن المقدسة للجميع.
- الأحياء العربية في القدس تكون تحت سيادة فلسطينية والأحياء اليهودية تحت سيادة "إسرائيلية".
- لن تكون لأي طرف سيادة على الأماكن المقدسة، ويتم تعريف دولة فلسطين على أنها حارسة (guardian)للحرم الشريف لصالح المسلمين. وتعرّف "إسرائيل" كحارسة للحائط الغربي لصالح الشعب اليهودي. ويتم الحفاظ على الوضع القائم بخصوص الأماكن المقدسة للمسيحية. لن تجري حفريات داخل الأماكن المقدسة أو تحتها.
4- حق العودة: اعترافا بمعاناة وضائقة اللاجئين الفلسطينيين، فإن الأسرة الدولية و"إسرائيل" والدولة الفلسطينية ستبادر وتقدم الأموال لصندوق دولي لتعويض اللاجئين.
- اللاجئون الفلسطينيون يعودون فقط إلى دولة فلسطين، واليهود يعودون فقط لدولة "إسرائيل".
- تقترح الأسرة الدولية تقديم تعويضات لتحسين حال اللاجئين الراغبين بالبقاء في الدول التي يعيشون فيها أو الراغبين بالهجرة إلى دول ثالثة.
5- تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح وتضمن الأسرة الدولية أمنها واستقلالها.
6- نهاية الصراع: مع التطبيق الكامل لهذه المبادئ توضع نهاية لكافة مطالب الطرفين ويصل الصراع "الإسرائيلي – الفلسطيني" إلى نهايته.
مسئولية بريطاني العظمى في ما يتعلق بخلق مشكلة اللاجئين الفلسطينيين
مسئولية بريطاني العظمى في ما يتعلق بخلق مشكلة اللاجئين الفلسطينيين
د.إبراهيم دراجي
لا ُيمكن لنا أن نتحدث عن قضايا اللاجئين الفلسطينيين دون الإشارة إلى المسؤولية التاريخية لبريطانية العظمى عن هذه الجريمة الدولية الُكبرى والكارثة الإنسانية التي لا زالت ُمستمرة منذ عقود طويلة وبحيث ُيمكننا التأكيد بصورة حاسمة أن الاحتضان البريطاني للحركة الصهيونية ، منذ بدايتها ، كان هو الدافع الحاسم في نجاح مشروعها الاستعماري في فلسطين ، حتى الآن ، علماً أن هذا التحالف لم يأت بصورة عارضة أو عفوية ، فقد سعى الفكر الصهيوني منذ بدايته لأن يوفر مناخ دولي يسمح له بتشكيل غطاء من التحالفات الدولية ينمو فيه الوطن القومي اليهودي، و أدرك مبكراً أن نجاح مشروعهم الاستيطاني في فلسطيني يقتضي تبنيه من قبل دولة عظمى تمتلك الوسائل الشرعية اللازمة لتلتقي مع مقومات فكرية لا غنى عنها لتحقيق أهدافها ومخططاتها وهنا حدث التلاقي البريطاني ـ الصهيوني .
وأعتقد هنا أنه لإبراز مسؤولية بريطانية عما حدث ينبغي تقسيم دراستنا هذه إلى قسمين نعرض في أولهما لمسؤولية بريطانية الناجمة عن وعد بلفور . ومن ثم إبراز مسؤولية بريطانية بسبب ممارساتها اللاحقة في فلسطين وتسهيلها مهمة العصابات الصهيونية في تلك المرحلة .
أوّلاً ـ مسؤولية بريطانية عن وعد بلفور
يأخذ الحديث عن وعد بلفور أبعاداً عديدة ولا يمكن إحصاؤها في عدة أوراق لما لهذه الأبعاد من أهمية على كافة الأصعدة.
وبصورة موجزة يتعين الإشارة إلى بداية الاهتمام الدولي بفلسطين منذ القرن الثامن عشر ففي تلك المرحلة على وجه الخصوص أدركت بريطانية وفرنسا وروسيا وألمانيا أهمية فلسطين على جميع المستويات, فمن هذه الدول من نظر إليها على أنها طريق مهم يربط المستعمرات ببعضها بعضاً كبريطانيا وفرنسا ومنهم من وجد فيها أرضا مقدسة يتم من خلالها كسب تأييد المسيحيين في العالم ومنهم من رأى أنها بوابة لعلاقات جيدة مع الإمبراطورية العثمانية.
في أواخر القرن الثامن عشر بدأت فرنسا وبريطانيا تفكران ملياً في السيطرة على فلسطين أو أخذ امتيازات لهم فيها, وقد بدأت أولى محاولاتهم في حملة نابليون على مصر وبلاد الشام, وكان اليهود وقتئذ يتمددون اقتصادياً بينما فرنسا تعيش إرهاصات ثورتها المشهورة والشعب يأكل بعضه, ولم يكن نابليون يستطيع أن يمول حملاته دون مساعدة من اليهود الذين اتفقوا سراً مع نابليون على تمويل حملته في حال أمّن لهم موطئ قدم في فلسطين.
وتذكر المصادر التاريخية أن نابليون أول سياسي أوروبي ينادي علانية بإقامة دولة لليهود على أرض فلسطين, وهو صاحب النداء المشهور الموجه لليهود "ورثة أرض إسرائيل الشرعيين" الذي صدر في نيسان 1799م وقد دعا نابليون اليهود بهذا النداء للنهوض والالتفاف حول علمه, من أجل تحقيق أحلامهم, وإعادة دولتهم في الحملة الفرنسية التي احتلت مصر عام 1798م .
وتجمع المصادر التاريخية على أن نابليون حاول استغلال اليهود بإثارته حججهم الدينية من أجل تجنيدهم وأموالهم وفي استكمال حملته على بلاد الشام, ولاستغلالهم في حربه ضد بريطانية، إلا أن حملته فشلت في سنتها الثانية لتبدأ مرحلة جديدة في استغلال نابليون لليهود الأوربيين.
بعد عودته إلى فرنسا منهزما في مصر وبلاد الشام، دعا نابليون الطوائف اليهودية في المستعمرات الفرنسية إلى عقد مجلس (السانهدرين) وهو أعلى هيئة قضائية كانت قائمة في التاريخ اليهودي القديم, وحجته في ذلك مساواتهم بالفرنسيين والبدء بتأسيس الدولة اليهودية (في المنفى) لحين احتلال فلسطين .
كان وعد نابليون لليهود بتأسيس دولة لهم أساس التفكير اليهودي الجدي والعملي بإعادة ما يسمونه باطلاً "أرض إسرائيل", ولم يكن يدرك أحد أن نابليون هو من وضع حجر الأساس في العقلية اليهودية, فبعد هذه التجربة التي خاضوها مع نابليون وفشلهم في تحقيق أمانيهم أدركوا أن فرنسا لن تقوم لها قائمة بعد هزائم بونابرت فانتقلوا إلى دول أخرى على رأسها بريطانية فألمانيا فروسيا والنمسا.
بعد تجربة اليهود مع فرنسا لم تعد تذكر الدولة اليهودية سوى في البيوتات اليهودية وفي بيوت المفكرين على وجه الخصوص, واستمر ذلك الحال نحو مائة عام وذلك حتى ظهور هرتزل على مسرح الأحداث الذي بدأ بالتحرك سريعا لاستغلال الظروف العالمية وانتهاز فرصة ضعف الدولة العثمانية والمباشرة في إقناع زعماء أوروبا والسلطان العثماني بتشكيل دويلة صغيرة في أي مكان في العالم, ولم تكن فلسطين حينئذ في أعلى الهرم، فقد كانت أولويته تجميع اليهود وإخراجهم من شتاتهم في أي مكان.
وبعد عقد مؤتمر بازل في سويسرا وجد البريطانيون أن قيام دولة يهودية على أرض فلسطين صار أمراً ممكناً خصوصا أن الوكالة اليهودية والأغنياء اليهود تعهدوا بحماية المشروع الصهيوني وبلورة جهوده في احتلال الأرض الفلسطينية، فاتخذت عدة خطوات وعلى عدة مستويات كان أهمها:
- عزل فلسطين عن محيطها العربي والإسلامي بوضع حاجز بشري مختلف في الدين والقومية والانتماء باستجلابها العمالة اليهودية والسماح للوكالة اليهودية بشراء الأراضي وبناء مستوطنات في المناطق الهامة.
- الاتفاق مع بعض القيادات السياسية العربية النافذة بضرورة العطف على اليهود والأخذ بعين الاعتبار وجودهم على أنه مساعدة إنسانية.
- تدريب كوادر عسكرية يهودية في الجيش البريطاني في المستعمرات البريطانية وخصوصاً الهند.
- تسليح التجمعات اليهودية بعتاد ثقيل بذريعة حماية الممتلكات.
- كسب تأييد الدول الكبرى سواء بالضغط عليها أو بالتنازل لها عن بعض المستعمرات البريطانية.
ومع كل هذه الخطوات التي اتخذتها بريطانية لمنح فلسطين لليهود بالمجان جاء وعد بلفور الذي يعتبر الحلقة الأولى المعلنة من قبل بريطانية في بلورة وتكريس الاحتلال الصهيوني.
الدوافع الحقيقية لوعد بلفور:
جاء اهتمام بريطانية بفلسطين مبكراً وكان لأسباب اقتصادية صرفة، إلا أنه هناك ما لم يذعْ للعلن، وما لا يعرفْه كثيرون أن التماهي الكبير بين بريطانية والحركة الصهيونية هو الذي دفع باتجاه إصدار هذا الوعد, وهذه الدوافع يمكن أن نلخصها في الآتي:
1. تحقيق ما يعتقد أنّه تعاليم المسيحيّة: فتصاعد النزعة الصهيونيّة المسيحية جعل فكرة "عودة" اليهود إلى أرض فلسطين تبرز بقوّة كشرط لعودة المسيح عليه السلام ودخول اليهود في المسيحيّة وبالتالي نهاية العالم، وهو ما يعني أنّ تسهيل احتلال اليهود لأرض فلسطين كان عبارة عن نوع من العمل الديني المسيحي لدى الصهاينة الغربيّين، أي أنّ منشأه "لم يكن حبّا في اليهود ولكن تطبيقا لمعتقدات دينية متطرفة".
2. ضمان تأييد اليهود في العالم في حربهم مع الحلفاء وتأييدهم لهم ولا سيما اليهود الموجودون في الولايات المتحدة الأمريكية الذين دفعوا بالفعل أمريكا إلى دخولها الحرب رسميا في العام 1917.
3. التنافس الإمبريالي على السيادة والمصالح الإستراتيجيّة: ففي الوقت الذي كان لفرنسا موطأ قدم في فلسطين بعلاقتها مع المسيحيين الكاثوليك هناك وروسيا بعلاقتها بالأرثوذكس فإنّ بريطانيا لم يكن لها من بين السكّان الأصليّين حليف، وهو ما جعلها تسعى إلى أن تعقد تحالفاً مع الصهاينة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإنّ موقع فلسطين الاستراتيجي كنقطة التقاء لثلاث قارات وسعي ألمانيا وروسيا وفرنسا إلى تعزيز مواقعهم إما بمدّ شبكة القطار من برلين إلى بغداد أو بالسيطرة على البوسفور أو بمحاولة السيطرة على منطقة الشام ككلّ، كلّ ذلك جعل بريطانيا تفكّر بجدية في بسط النفوذ على فلسطين حتى تضمن عدم تحوّلها إلى أيادي أخرى بعد الحرب، وبالتالي تضمن مصالحها الإستراتيجيّة لفترة طويلة.
4. حمل يهود روسيا ويهود الدول المحايدة لتأييد قضية الحلفاء ولا سيما منع انخراط اليهود في صفوف الحزب الشيوعي الذي وقف ضد مواصلة روسيا الحرب.
5. المركز المالي الذي يتمتع به اليهود في العالم وما كان له من أثر في كسب الحرب لصالح الحلفاء.
6. تنفيذ الوعد الذي قطعته بريطانية لحاييم وايزمن (أول رئيس للكيان الصهيوني وأحد مؤسسيه) بإنشاء وطن قومي لليهود حين تمكن وايزمن من تحضير الجلسرين وإنتاجه من السكر بالتخمير ثم استخدمه في عمل المتفجرات وعرضت عليه الحكومة البريطانية أن تشترى منه حق الاختراع مقابل ما يطلبه, و كان طلب وايزمان هو الحصول على وعد من الحكومة البريطانية بوطن قومي لليهود في فلسطين مقابل حق انتفاع الجيش البريطاني بالجلسرين المبتكر لصناعة المتفجرات التي استخدمها ضد الجيش الألماني، ووافق لويد جورج على شرط وايزمان وكلف وزير خارجيته بلفور بأن يعلن وعده لليهود.
7. في عام 1952 نشرت وزارة الخارجية البريطانية وثائق سرية عن فترة 1919 ـ 1939، بما فيها تلك التي تتعلق بتوطين اليهود في فلسطين، ويتضمن المجلد الرابع من المجموعة الأولى، في الصفحة السابعة نقلا عن مذكرة وضعها آرثر بلفور في عام 1917 ما يأتي:
"ليس في نيّتنا حتى مراعاة مشاعر سكان فلسطين الحاليين، مع أن اللجنة الأميركية تحاول استقصاءها، إن القوى الأربع الكبرى ملتزمة بالصهيونية، وسواء أكانت الصهيونية على حق أم على باطل، جيدة أم سيئة، فإنها متأصلة الجذور في التقاليد القديمة العهد وفي الحاجات الحالية وفي آمال المستقبل، وهي ذات أهمية تفوق بكثير رغبات وميول السبعمائة ألف عربي الذين يسكنون الآن هذه الأرض القديمة".
أما بالنسبة للاستيطان اليهودي في فلسطين فقد أوصى في الجزء الأخير من هذه المذكرة بما يلي:
"إذا كان للصهيونية أن تؤثر على المشكلة اليهودية في العالم فينبغي أن تكون فلسطين متاحة لأكبر عدد من المهاجرين اليهود، ولذا فإن من المرغوب فيه أن تكون لها السيادة على القوة المائية التي تخصّها بشكل طبيعي سواء أكان ذلك عن طريق توسيع حدودها شمالاً (أي باتجاه لبنان) أم عن طريق عقد معاهدة مع سورية الواقعة تحت الانتداب (الفرنسي) والتي لا تعتبر المياه المتدفقة من (الهامون) جنوبا ذات قيمة بالنسبة لها، وللسبب ذاته يجب أن تمتد فلسطين لتشمل الأراضي الواقعة شرقي نهر الأردن".
آمن بلفور كما أوضح في كتابه العقيدة والإنسانية "Theism and Humanity" أن الله منح اليهود وعداً بالعودة إلى أرض الميعاد، وإن هذه العودة هي شرط مسبق للعودة الثانية للمسيح، وإن هذه العودة الثانية تحمل معها خلاص الإنسانية من الشرور والمحن ليعمّ السلام والرخاء مدة ألف عام تقوم بعدها القيامة وينتهي كل شيء كما بدأ.
اكتسب بلفور هذه الثقافة من عائلته، وخاصة من والدته التي تركت في شخصيته الدينية بصمات واضحة من إيمانها بالعقيدة البروتستنتية المرتبطة أساساً بالعهد القديم وبما يبشّر به من خلال النبوءات التوراتية.
ولأجل هذه الدوافع جميعها دون استثناء أصبحت بريطانيا مستعدة لإطلاق هذا الوعد، وقد وجه هذا الوعد للورد روتشليد في الثاني من نوفمبر من عام 1917م من قبل وزير خارجيتها آرثر جيمس بلفور وهذا نصه:
عزيزي اللورد "روتشيلد"
ُيسرني جدًّا أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة صاحب الجلالة التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرّته:
"إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يكون مفهومًا بشكل واضح أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى.
وسأكون ممتنًا إذا ما أحطتم اتحاد الهيئات الصهيونية علمًا بهذا التصريح .
المخلص : آرثر بلفور".
رؤية قانونية حول وعد بلفور :
اتخذت الحركة الصهيونية العالمية من هذا الكتاب مستنداً قانونيا يدعمون به مطالبهم في سبيل إقامة الدولة اليهودية فهل لهذا التصريح أهلية قانونية؟ وقد أجمع رجال القانون في العالم على عدم شرعية هذا الوعد للأسباب التالية:
أولاً: إن التصريح ليس معاهدة وليس لهذه الرسالة أية قيمة قانونية: باعتبار إن وعد بلفور يمنح أرضاً لم تكن لبريطانيا أية رابطة قانونية بها، فبريطانيا لم تكن تملك فلسطين وقت إصدارها هذا التصريح.
فالقوات البريطانية احتلت الأراضي الفلسطينية بشكل تدريجي بدءاً من غزة في 7 نوفمبر عام 1917 ثم احتلت يافا في السادس عشر من نوفمبر من نفس العام، و احتلت القدس في التاسع من ديسمبر من نفس العام أيضاً، و حتى ذلك الوقت كانت فلسطين جزءاً من ولايتي طرابلس وبيروت في الدولة العثمانية التي رفضت تصريح وعد بلفور، ولم تعترف بحق اليهود في فلسطين ولم يرض سكان فلسطين العرب بهذا التصريح و قاوموا مطالب الصهيونية .
فالحكومة البريطانية بإصدارها هذا الوعد قد خولت لنفسها الحق في إن تتصرف تصرفاً مصيرياً في دولة ليست لها عليها أية ولاية وتعطيه للآخرين دون أن ترجع إلى أصحاب هذا الإقليم، مما يجعل هذا الوعد باطلاً من وجهة نظر القانون الدولي و غير ملزم للفلسطينيين.
ثانياً: إن وعد بلفور تنعدم فيه الأهلية القانونية فطرف "التعاقد" مع بريطانيا في هذا الوعد هو شخص أو أشخاص و ليس دولة، فوعد بلفور خطاب أرسله بلفور إلى شخص لا يتمتع بصفة التعاقد الرسمي و هو روتشيلد.
و من صحة انعقاد أي اتفاقية أو معاهدة دولية كما هو معلوم أن يكون طرفا أو أطراف التعاقد من الدول أولاً ثم من الدول ذات السيادة ثانياً, أو الكيانات السياسية ذات الصفة المعنوية المعترف لها بهذه الصفة قانونياً.
أما التعاقد أو الإنفاق أو التعاهد مع الأفراد فهو باطل دولياً شكلاً وموضوعاً ولا يمكن بأي حال من الأحوال امتداد أثر مثل هذا التعاقد بالنسبة لغير أطرافه وبالنتيجة فإنه ليس ملزماً حتى لإطرافه.
ثالثاً: إن وعد بلفور باطل لعدم شرعية مضمونه حيث إن موضوع الوعد هو التعاقد مع الصهيونية لطرد شعب فلسطين من دياره وإعطائها إلى غرباء، فإنه من أسس التعاقد الدولي مشروعية موضوع التعاقد بمعنى أن يكون موضوع الاتفاق بين الطرفين جائزاً و تقره مبادئ الأخلاق ويبيحه القانون وكل تعاقد يتعارض مع إحدى هذه الشروط يعتبر في حكم الملغى و لا يمكن أن يلزم أطرافه.
رابعاً: وعد بلفور هو اتفاق غير جائز بالمطلق ذلك أنه يجسد صورة انتهاك لحقوق شعب فلسطين وهذا يعتبر مخالفاً لمبادئ الأخلاق والقانونين الدولي والإنساني. ويرفض القانون الدولي انتهاك حق الشعوب في الحياة والإقامة في بلادها, وتهجيرها قسرا.
ولاشك بأن وعد بلفور يشكل الحلقة العلنية الأولى في مسلسل التواطؤ البريطاني مع الحركة الصهيونية والذي وجد تعبيراً له لاحقاً حين جعل عصبة الأمم تتبنى وعد بلفور في ٢٤/ ٧/ ١٩٢٢ في صك الانتداب البريطاني على فلسطين والذي دخل حيز التنفيذ في ٢٦/ ٩/ ١٩٢٣ ، ثم تمادت في هذا الغي حين أصدرت الكتاب «الورقة» الأبيض عام ١٩٣٩ والذي وضع على أساس وعد بلفور.
ثانياً ـ مسؤولية بريطانية عن ممارساتها اللاحقة بفلسطين:
إذا نظرنا إلى صك الانتداب القائم على فلسطين عام 1922 يتبين أن بريطانيا قامت بجهود مضنية في ديباجته ليتلاءم مع قيام الوطن القومي لليهود ؛ فقد جاءت مقدمته بوعد بلفور الذي أشار " للحق التاريخي الذي يربط هذا الشعب اليهودي بفلسطين " مما يدل على كثير من المغالطة التاريخية الكبرى لتبين أنها لا تعتبر اليهود بأنهم أجانب متصفين بظاهرة طارئة على فلسطين وعبارة "الشعب اليهودي " تدل على مغالطة أخرى فالجماعات الصهيونية اليهودية المتناثرة هنا وهناك لم تتوفر لها وعلى الإطلاق مقومات الشعب المستقل. وحينما تم الاعتراف بأن هؤلاء اليهود إنما يشكلون شعباً فقد بينت وأشارت المقدمة إلى العرب بأنهم طائفة تذكر ضمن "الطوائف التي هي غير يهودية" من ساكني فلسطين !!!
أما الصك وبنوده التي شرعت على أساس التهويد إذ أنها حددت في المادة الثانية من الصك وصاية الدولة المنتدبة في وضع حالة البلاد في أحوالها السياسية والاقتصادية والاجتماعية تضمن قيام نشوء الوطن اليهودي القومي، وتعترف بكل صراحة من خلال المادة الرابعة بالوكالة اليهودية لتتعاون مع إدارة فلسطين الإدارية " البريطانية" وتعملان معا لتحقيق الوطن اليهودي القومي الأصل بينما افتقر المواطنين الأصليين إلى نظام يمثل هويتهم أمام بريطانيا،وأما المادة السادسة فقد قامت بفتح الباب أمام أفواج المهاجرين اليهود، كما انه تم إقرار وبشكل جرئ اللغة العبرية كلغة رسمية واعتبار الأعياد اليهودية أعياداً رسمية.
ومن الملفت للنظر انه في عام 1937 ووفق ما صرحت به لجنة بيل البريطانية اثر اندلاع ثورة 1936 لفصل العرب عن اليهود تضمن هذا التقرير اعتراف بـ " دولة يهودية " وليس مجرد وطن قومي كما جاء في وعد بلفور مما يدل على أن هذا التصريح سبق قرار تقسيم فلسطين 181 الجمعية العامة للأمم المتحدة .
و منذ أن باشرت بريطانية انتدابها على فلسطين فقد انحازت لسياسة تأييد ودعم الوطن القومي اليهودي وكان اختيار وتعيين هربرت صمويل عام"1920-1925" اليهودي الأصل - كأول مندوب سامي أتى كتعبير مبدأي في هذا السبيل، وقد أدى تعيينه إلى حالة من الغضب لدى العرب الذين طالبوا من بريطانيا التراجع عن هذا الاختيار لكن إدارة الانتداب البريطاني تمسكت باختيارها هذا وقامت بإعداد برقية له سريعة والتي تبين مآثر هربرت صمويل والتي تجعل منه متوافقا ومناسباً للمهمة التي ألقيت على عاتقه ووعدت بأن "يمسك طرفي ذلك الميزان كل بعدل "وكانت أول واجبات ومهام هربرت صمويل إعادة وتعيين الحدود الدولية لفلسطين بحيث تجسد وتحقق المطامع الهادفة للمشروع الصهيوني فتم إدخال الجليل الأعلى وأيضاً إدخال المنابع العليا لنهر الأردن وبحيرة الحولة وطبريا من ضمن الحدود الدولية الفلسطينية لكي يتم توفير الطاقة والمياه للمستوطنين وإنعاش المشروعات الصهيونية.
انتهج الانتداب البريطاني وبشكل ممنهج أربعة منهجيات رئيسية في سياسته لتثبيت الكيان الصهيوني في فلسطين:
1. انتزاع الأراضي الفلسطينية.
2. دعم وتشجيع الهجرة اليهودية.
3. التشجيع والدعم للمشروعات الاقتصادية اليهودية.
4. قمع الشعب الفلسطيني .
1. انتزاع الأراضي الفلسطينية : النقطة الأولى في دعم الانتداب البريطاني تمحورت بمنهجيه حول الأراضي كما يلي :
* فتح باب التشريعات على مصراعيه أمام اليهود ليتملكوا قطاعات كبيرة وواسعة في فلسطين.
* تشجيع وحشد اليهود في الأراضي الموات " الأميرية " التي بلغت آنذاك بنحو45% " تقديرا " من مساحة فلسطين.
* أما الدستور الفلسطيني الذي أصدرته إدارة الانتداب البريطانية فقد ذهب إلى أبعد من ذلك إذ وضع كل ثروات فلسطين الطبيعية من المعادن والمناجم والأنهار تحت تصرف المندوب السامي البريطاني وبشكل مطلق.
* خول المندوب السامي كل الصلاحيات في أن يؤجر او يهب الأراضي العمومية لمن يشاء. وتحقيقاً للنزاهة والإنصاف البريطاني فإن الدستور الفلسطيني اشترط أن يتم كل ذلك وفق ما جاء في صك الانتداب !!!، ومن البديهي أن تكون كل هذه الهبات لصالح الكيان الصهيوني ؛إذ أن سياسة الانتداب البريطاني آنذاك كانت قائمة على هدف انتزاع الأراضي من أصحابها الأصليين بيد ومنحها للكيان الصهيوني باليد الأخرى. وقد شكل قرار المندوب السامي البريطاني الذي ينتمي للحركة الصهيونية هربرت صمويل بإلغاء القوانين العثمانية التي كانت تمنع اليهود من امتلاك الأموال غير المنقولة في فلسطين الأساس الذي استند عليه اليهود في الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، ومصادرتها، والتي كانت تبلغ نحو( 13.500.000) كيلومترًا والتي تتجاوز نصف مساحة فلسطين، بينما تحتفظ بريطانيا تحت مسمى الأراضي "الأميرية" بنحو (12.000000) ويقتصر الوجود اليهودي على مساحة (650) ألفًا
* ومنذ منتصف العشرينات عمدت إدارة الانتداب إلى سن التشريعات الخصوصية والخاصة بانتزاع واقتلاع الأراضي من يد ملاكها وأصحابها العرب واستولت بريطانيا من خلالها على مساحات كبيرة وشاسعة من الأراضي تحت مسوغات ذرائعية متهافتة منها القيام بتوسيع الطرق المؤدية من وإلى المستعمرات الإسرائيلية، واحتياج المشروعات الصهيونية للأراضي وذلك من أجل استكمال منشأتها، وعلى سبيل المثال، القيام بمنح منشأة روتنبيرج لتوليد الكهرباء مساحة 18 ألف دونم من الأراضي الخصبة المملوكة للعرب تحت ذريعة توسيع تلك المنشأة.
2. دعم وتشجيع الهجرة اليهودية : شجع السخاء البريطاني في اجتثاث وانتزاع الأراضي من أيدي أصحابها وإعطاءها كهبة للصهاينة كثير من مهاجري اليهود بالقدوم إلى فلسطين، وشجعت إدارة الانتداب الهجرة الصهيونية فقامت بفتح المجال واسعاً لقدوم المهاجرين تحت مسمى أن صك الانتداب يشجع على الهجرة اليهودية وبذريعة أن اليهود القادمين ذو كفاءات فنية وعلمية وتقنية ومهنية عالية وباستطاعتهم المساهمة في تقدم وترقية البلاد. وغضت سلطة الانتداب الطرف في كثير من الأحيان عن الهجرة غير الشرعية وسمحت بالتجاوزات العددية المقررة وخاصة في الظروف التي بدأت تشهد صعود الحكم النازي في ألمانيا. وحينما كان عدد الكيان الصهيوني مع بدء الانتداب 50 ألف مما يجعلهم أقل من 7% من السكان، حيث واجهت بريطانيا تحديات كبيرة في مواجهة مخططها بتهويد فلسطين تمهيدًا لإقامة الوطن القومي لليهود نتيجة الفارق الكبير بين عدد السكان العرب، واليهود باعتبار اليهود أقلية قومية، إلا أنها تغلبت عليها بفتح أبواب الهجرة لليهود من شتى أنحاء العالم، وأحدثت تفوقًا يهوديًا في عدد السكان.
وأسهمت تلك السياسة بتهجير العديد من الفلسطينيين قسرًا تحت تهديد العصابات الصهيونية، والنفوذ العسكري البريطاني الداعم لها، وتم الاستيلاء على أملاك وأراضي النازحين، وكذلك إقامة المستوطنات لاستيعاب اليهود المهاجرين. ولكن حينما غادرت حكومة الانتداب البلاد عام 1948 فقد بلغ عدد اليهود 650 ألف نسمة فأصبحوا يشكلون 31% من عدد السكان.
وقد استمرت الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وبتسهيل من حكومة الانتداب التي ساعدت اليهود على امتلاك الأرضي بعدة طرق منها :
* كانت تسجل الأراضي العربية باسم الدولة المنتدبة، ولم تسجلها باسم صاحب الأرض رغم إثبات ملكيته لها.
* استخدمت بريطانيا القوة العسكرية ضد العرب من اجل إجبارهم على ترك أراضيهم والرحيل عنها، كما حدث في وادي الحوارث قرب طولكرم ’ وسهل مرج بن عامر.
* التضييق الاقتصادي بفرض ضرائب باهظة على الأراضي، مما أوقع صاحب الأرض تحت طائلة الديون التي لم يستطيع سدادها، فيضر لبيعها لسداد الديون المتراكمة عليه.
وقد سهلت بريطانيا لليهود شراء الأراضي العربية بمنع المزارعين الفلسطينيين من تصدير منتجاتهم حتى تهبط أسعارها، ولا يتمكنون من تسديد الديون والضرائب فيضطروا لبيعها لليهود
كما أن هناك أراض مسجلة لعائلات لبنانية وسورية اشترتها المنظمة الصهيونية بثمن بخس، وكانت تقدر بآلاف الدونمات، ومن هذه العائلات ال سرسق وال التيان وال خوري وغيرهم
واستطاع الصهاينة شراء أكثر من نصف مليون دونم في الفترة الواقعة بين 1931 – 1935، وبلغت مساحة الاراضي التي سيطر عليها اليهود حتى عام 1947حوالي 6.8 % من مساحة فلسطين وتقدر بحوالي 1588365 دونما سواء أكان عن طريق البيع أم عن طريق منحها كهبة من حكومة الانتداب لليهود.
3. التشجيع والدعم للمشروعات الاقتصادية اليهودية : فإستمراراً لسياستها الخصوصية والهامة بتهويد ارض فلسطين خصت سلطة الانتداب الشركات والمنشآت الصهيونية بالكثير من امتيازات المشروعات الاقتصادية التنموية الكبرى في فلسطين لتصبح وتتحول فيما بعد إلى بؤرة القطاع التنموي والاقتصادي والإنمائي والصناعي مع قيام الدولة وأهم هذه المشروعات والمنشات منشأة روتنبيرج للكهرباء، ومنشأة استغلال مياه البحر الميت، ومشروع منطقة الحولة.
ومن ذلك يتبين أن فكر الرأسمالية الصهيونية اختارت الأراضي الخصبة والمواقع ذات البعد الإستراتيجي كمنطقة الجليل والحولة لتؤسس عليها مشروعاتها ومنشاتها الاقتصادية برعاية بريطانية، يلاحظ أن عقود الامتياز التي امتازت بها تلك المشروعات تبين أن سلطات الانتداب قد سمحت للصهاينة وحدهم دون غيرهم باحتكار كل الثروات بما فيها الثروات المعدنية وغير المعدنية وبهذه الصفة العنصرية الاحتكارية قد تمكن الكيان الصهيوني في النهاية من وضع يده على كل الموارد الطبيعية لتلك البلاد.
وقد ساعدت هذه المشروعات المشروع الصهيوني من عدة جوانب فمن جانب ساهمت في إنشاء المزيد من المستوطنات على حساب الأراضي العربية، وقامت بفتح الآفاق لآلاف المهاجرين الجدد للعمل في هذه المشروعات إذ أن نصوص دستور الوكالة اليهودية لا يجيز العمل لغير اليهود في هذه المشروعات، وساعد على ذلك الإعفاء الضرائبي للأشياء التي تستوردها هذه الشركات إلى دعم وتشجيع وتوسيع الصناعة اليهودية مما أدى إلى تقدم الإنتاج الصهيوني وتراجع الصناعات العربية أمام التحديات التقنية التي فرضت عليها
4. قمع الشعب الفلسطيني : فقد قامت السلطات البريطانية بقمع المقاومة الفلسطينية، والتصدي لثورتي البراق 1929، والقسام 1936، ودعم جرائم العصابات الصهيونية، والتي من أشهرها "الأرغون" و"شتيرن" و"الهاغاناة".، وسهّلت إرتكاب المجازر لإجبار الفلسطينيين علي النزوح عن أرضيهم ومصادرتها.
أن بريطانيا عند انسحابها من فلسطين، وإنهاء انتدابها تركت الأراضي الأميرية تحت تصرف الوكالة اليهودية، وكذلك قامت بتسليمها الإدارة في المناطق التي تنسحب منها والمطارات، ومستودعات السلاح، الأمر الذي يشكل انتهاكًا خطيرًا لالتزاماتها بالحفاظ على السلامة الإقليمية، والاستقلال السياسي بموجب نص المادة (22) من عهد العصبة.
إن مرحلة الانتداب البريطاني على فلسطين وحتى قيام دولة إسرائيل قد أطلق العنان لبدأ الاستيطان الفعلي في فلسطين حيث تم تكثيف عمليات استملاك اليهود للأراضي الفلسطينية، وتدفق الهجرة اليهودية، حيث شهدت هذه المرحلة الموجات الثالثة والرابعة والخامسة من الهجرات اليهودية مما أدى إلى ضياع ارض فلسطين وفق تخطيط صهيوني وإدارة بريطانية جسدت هذا التخطيط على ارض الواقع لتثبيت اليهود في ارض فلسطين.
المؤرخ البريطاني توينبي شاهد على جريمة بريطانيا في فلسطين :
ُأشير أخيراً إلى أن اللورد ارنولد توينبي المؤرخ البريطاني الأعظم والأشهر والأكثر موضوعية، والموسوعي الثقافة والذي كتب موسوعة قصة التاريخ، لم يملك سوى أن يجرم بلده بريطانيا على ما اقترفته بحق الشعب الفلسطيني وتسليم وطنهم لقمه سائغة للحركة الصهيونية، إذ يرى أن بريطانيا شاركت بالخديعة والدسيسة والوقيعة والمؤامرة بل والجريمة في تشريد الشعب الفلسطيني وضياع فلسطين وحصول النكبة الفلسطينية التي يرى "أنها مأساة وجوهر هذه المأساة هو أن مليون ونصف من الفلسطينيين العرب (الآن أكثر من سبعة ملايين) أصبحوا لاجئين محرومين من وطنهم وديارهم وممتلكاتهم دون أن يسمح لهم بإبداء رأيهم في تقرير مصيرهم" وأن هذه المأساة تمس العالم أجمع لأنها ظلم يهدد السلم العالمي".
والسبب في تجريم بريطانيا واتهامها بصراحة ووضوح وعلانية لأنها هي صاحبة وعد بلفور. الذي يتبرأ منه تماماً مما جعله يشعر كمواطن إنجليزي "بالذنب وتبكيت الضمير على ما حل بالشعب الفلسطيني جراء هذا الوعد المشؤوم"
. فكتب يقول "كمواطن إنجليزي أكره أن اتهم/ أجرم بلدي بيد أنني اعتقد أن بريطانيا تستحق الاتهام وهذا هو التعويض الشخصي الوحيد الذي في وسعي أن أقدمه".
ويقول أيضاً" أن ذنب بريطانيا في هذه الجريمة لا يقلل منه الحقيقة المهينة وهي أن بريطانيا عاجزة الآن عن رفع الظلم الذي أوقعته بالشعب الفلسطيني".
ويقدم المؤرخ توينبي المسوغات والقرائن لتجريم بريطانيا على جريمتها الكبرى ضد الشعب الفلسطيني إذ يقول "في تقديري أن النقطة الكارثية في لائحة الاتهام ضد بلدي هي أن فلسطين في ذلك الوقت كانت تحت الإدارة البريطانية لمدة ثلاثين عام 1918 – 1948 وأنها خلال تلك السنوات لم تقرر أو تعلن بأي شكل من الأشكال سياستها حول مستقبل فلسطين، والأكثر من ذلك أنها خلال السنوات الثلاثين كانت تسمح لليهود بالهجرة إلى فلسطين بنسب متفاوتة تختلف حسب الأوضاع والضغوط اليهودية أو العربية ولولا الدعم والحماية والسيطرة البريطانية، لما سمح لهذه الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ويضيف اللورد توينبي قائلاً "لو بقيت فلسطين تحت الحكم العثماني التركي، أو لو أصبحت فلسطين دولة مستقلة منذ عام 1918 لما سمح لليهود بالقدوم إلى فلسطين بتلك الأعداد الكبيرة التي مكنتهم من التغلب على العرب الفلسطينيين في بلدهم العربي فلسطين.
أما السبب في وجود إسرائيل الآن، ووجود ملايين اللاجئين الفلسطينيين فهو "أن الحكم العسكري البريطاني فرض الهجرة اليهودية على فلسطين لمدة ثلاثين عام على التوالي، حتى أزداد اليهود بأعداد ضخمة وتسلحوا تسليحاً كبيراً وبأفضل الأسلحة المتقدمة مكنتهم من فرض أنفسهم بالدبابات والطائرات.
ويقول توينبي إن وعد بلفور في الثاني من نوفمبر عام 1917 "كان الورقة الرابحة في السباق المظلم بين فئتين من المحاربين في الحرب العالمية الأولى لكسب دعم اليهود في ألمانيا، والنمسا والمجر والأهم من ذلك الولايات المتحدة الأمريكية".
بيد أن بريطانيا استخدمت ما يسمى اليوم بازدواجية اللغة وسياسة المعايير المزدوجة، لأنها في وعدها لإعطاء وطن قومي لليهود في فلسطين "استعملت لغة مضللة، ولهذا كمواطن من المملكة المتحدة أعلن عن شعوري بالعار والندامة من فعلة بريطانيا هذه، وتلك كانت هي الحقيقة لأنه خلال الحرب العالمية الأولى وبعدها كانت الحكومة البريطانية تلعب لعبة مزدوجة، حيث كان هناك تناقض بين التعهدات التي قطعتها بريطانيا إلى العرب من جهة وإلى الصهاينة من جهة أخرى، كما كان هناك تناقض في إدخال وعد بلفور في نص الانتداب الذي أعطى لبريطانيا إدارة فلسطين. وبين تصنيف الانتداب من الفئة أ Class A التي بمقتضاها يتوجب على السلطة المنتدبة (بريطانيا) أن تلتزم بإعطاء الشعب الفلسطيني الواقع تحت الانتداب استقلاله في أسرع وقت ممكن ليتمكنوا من ترتيب أمورهم وإدارة شؤونهم بأنفسهم" .
ويواصل توينبي شهادته: "يمكن القول، وبكل أسف، أن بريطانيا قطعت تعهدين متناقضين مع بعضهما البعض. للعرب واليهود، وحين صدر قرار الانتداب كان الفلسطينيون العرب يشكلون 90% من سكان فلسطين، وكان الانتداب على فلسطين انتداباً من الفئة الأولى Class A كما يفهم من مراسلات حسين - مكماهون والتي تنص على الاعتراف بالاستقلال العربي وتدعيمه! ولهذا كان من المنطقي أن يفترض الفلسطينيون بأن بريطانيا تعهدت بالعمل على إعداد فلسطين لأن تصبح دولة عربية مستقلة".
إن المؤامرة، مؤامرة وعد بلفور هي جريمة مع سبق الإصرار والترصد pre-pence malice حسب القانون الدولي، ولهذا فإن القائد العسكري البريطاني الجنرال اللنبي لم يسمح بنشر القرار في فلسطين إلا بعد مرور ثلاث سنوات على صدوره، ومما يؤكد ذلك ما ذهب إليه رئيس وزراء بريطانيا "ونستون تشرشل" الذي كان يفتخر بأنه صهيوني حيث أعترف بالدوافع الحقيقية وراء القرار وذلك بقوله "لا يجب النظر إلى وعد بلفور على أنه وعد أعطي بدوافع عاطفية، لقد كان خطوة عملية اتخذت في صالح قضية مشتركة في لحظة لم يكن في مقدور هذه القضية أن تهمل أي عنصر من عناصر المساعدة المادية والمعنوية، والمقصود هنا وقوف اليهود بأموالهم وإمكانياتهم وقوتهم المادية والمعنوية والمنظورة وغير المنظورة مع بريطانيا أثناء فترة الحرب ولهذا كانت مكافأة اليهود بوعد بلفور وهذا أغرب وأعجب وعد في التاريخ كما يرى الكاتب اليهودي آرثر كوستلر في كتابه الوعد والإيفاء promise and fulfillment الذي وصف الوعد بالعبارة البليغة والصريحة التالية "إن أمة وعدت أمة ثانية بإعطائها وطن أمه ثالثة" أي أن بريطانيا وعدت اليهود بإعطائهم فلسطين وطناً للشعب اليهودي.
وهكذا ضحت بريطانيا بفلسطين وشعبها من أجل مصالحها، بل أن اليهود الذين كانوا ضحية النازية أصبحوا هم الجاني المجرم ضد الشعب الفلسطيني، ولهذا يقول توينبي " من الأشياء الأكثر مأساوية في التاريخ أن (اليهود) الذين عانوا على يد هتلر يقومون بفرض معاناتهم على شعب آخر هو (الشعب الفلسطيني).أي أن ضحية الأمس أصبح مجرم اليوم، وذلك بفعل الدعم اللا محدود الذي تقدمه دول الغرب وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، لهذا يقول توينبي " إذا كانت بريطانيا تتحمل المسؤولية الأضخم حيال القضية الفلسطينية وما يجري في فلسطين، فإن للولايات المتحدة تقوم بالدعايات الأكثر تضليلاً في هذه المأساة، ويقول لو التزمت أمريكا برأي عام محايد حول فلسطين، لتغير الموقف في فلسطين إلى الأفضل!!!
الإطار القانوني لقضية اللاجئين الفلسطينيين
الإطار القانوني لقضية اللاجئين الفلسطينيين
د. إبراهيم درّاجي[1]
مقدمة
ُتعتبر قضية اللاجئين الفلسطينيين أقدم مشكلة للاجئين في العالم. ويبلغ تعدادهم اليوم حوالي خمسة ملايين لاجئ فلسطيني، ويشكلون قرابة ثلثي تعداد الشعب الفلسطيني، ويعتبر الخبراء أن اللاجئين الفلسطينيين يشكلون اكبر مجموعة لاجئين فردية ففي العالم (بمعدل زيادة سنوية قدرها 3%).
وقد تعارف الباحثون على تصنيف اللاجئين في ثلاث مجموعات:
- لاجئي الفترة 1947 – 1949.
- الأشخاص الذين تم تشريدهم نتيجة حرب 1967 (النازحين).
- الأشخاص الذين انتهت مدة تصاريح سفرهم الإسرائيلية إلى الخارج وأصبحوا يعرفوا بفاقدي هوية الإقامة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، أي مواطني الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الذين تجاوزا الفترة التي تسمح بها تصاريح سفرهم الإسرائيلية في الخارج ومنعوا من العودة إلى الأراضي المحتلة.
المحاضرة الأولى
مسئولية الأمم المتحدة تجاه اللاجئين الفلسطينيين
سنستخدم كثيراً مصطلح المسؤولية الدولية مما يقتضي البدء بتحديد مفهوم هذا الُمصطلح وتحديد الآثار والنتائج المترتبة عليه بشكل عام ( يتعين الإطلاع هنا على محاضرات powerpoint الُمرفقة ) .
أعتقد أنه يتعين علينا هنا أن ُنميز فيما يتعلق بمسؤولية الأمم المتحدة عن خلق هذه الإشكالية بين مرحلتين أساسيتين :
- المسؤولية السياسية السابقة : التسبب بخلق المشكلة من خلال إصدار قرار التقسيم 181.
- المسؤولية القانونية اللاحقة : التقصير في حماية اللاجئين الفلسطينيين .
أوّلاً ـ المسؤولية السياسية السابقة : التسبب بخلق المشكلة من خلال إصدار قرار التقسيم 181
ينبغي الإشارة بدايةً وللتذكير فقط أن إرهاصات تقسيم فلسطين كانت قد بدأت وُطرحت بشكل رسمي قبل هذا التاريخ ، حيث ظهرت فكرة تقسيم فلسطين لأول مرة في التقرير الذي وضعته لجنة"بيل" الملكية البريطانية عام 1937؛ وأعدت الحكومة البريطانية العدة لتنفيذه خلال حقبة الانتداب كما تعهدت "وعد بلفور" من ذي قبلٍ؛ ولكنها أجبرت على التراجع عن موقفها هذا بسبب المقاومة العربية الشديدة لهذا التوجه؛ بيد أن التراجع ما كان إلا في ظاهر الأمر بينما استمرت على موقفها في باطنه. إذ إنها عادت في أيار "مايو" 1939 إلى طرح مشروعٍ جديدٍ حمل اسم "الكتاب الأبيض" تعترف فيه :
- بحق العرب في فلسطين بالحكم المستقل.
- كذلك بالحد من هجرة اليهود وشراء الأراضي.
- وتقرر أن حل القضية يتحقق بجعل فلسطين دولةً ثنائية القومية؛ يشترك العرب واليهود في حكومتها.
وانتهى أمر"الكتاب الأبيض" إلى الرفض – آنذاك من قبل العرب وكذلك المستوطنين اليهود.
وبعد حينٍ من الزمان دعت بريطانيا إلى عقد مؤتمر لندن في عام 1946 ، ودعت إليه مصر والعراق وشرق الأردن والسعودية ومندوبين عن عرب فلسطين وكذلك الوكالة اليهودية؛ وعرضت فيه مشروع "هربرت موريسون" المتضمن فكرة تقسيم فلسطين، ووجود اتحاد بين القسمين العربي واليهودي، وقد رفض العرب المشروع، وقدموا بديلاً عنه مشروعاً يقضي بإعلان فلسطين دولة موحدة، تتولى شؤونها في أول الأمر حكومة انتقالية؛ تشكل من سبعةٍ من العرب وثلاثةٍ من اليهود مع كفالة تمتع اليهود بحقوقهم المشروعة.
وفي شباط/فبراير 1947 أعلنت بريطانيا عن مشروعٍ جديدٍ باسم Bevin Plane يقضي :
- وضع فلسطين تحت وصايةٍ بريطانيةٍ لمدة خمس سنوات، يتم خلالها الإعداد لاستقلال فلسطين.
- تتم إدارة فلسطين – خـلال هذه المدة – بتقسيمها إدارياً طبقاً لأغلبية السكان.
- على أن تدعى جمعية تأسيسية بالانتخاب بعد أربع سنوات؛ لإقرار اتفاقٍ بين العرب واليهود، يعلن على إثره استقلال فلسطين.
- وفي حال تعذر التوصل إلى هذا الاتفاق يترك الأمر لمجلس الوصاية.
وعندما رفض العرب واليهود خطة Bevin قررت بريطانيا عرض الأمر على الجمعية العامة في 12/4/1947 .
وبعد أن استمعت اللجنة السياسية – للجمعية العامة – إلى الهيئة العربية العليا وممثلي الوكالة اليهودية؛ اتخذت الجمعية العامة قرارها رقم 106 بتاريخ 15/5/1947 ومؤداه:
إنشاء لجنةً خاصةً بفلسطين سميت لجنة "انسكوب" مؤلفةً من أحد عشر عضواً، ومنحت أوسع السلطات "من أجل التثبت من الوقائع وتدوينها والتحقيق في جميع المسائل والمشاكل المرتبطة بالقضية الفلسطينية؛ وعليها أن تقدم تقريراً – تضمنه المقترحات المناسبة لحل القضية الفلسطينية - في أجل غايته قبل الأول من أيلول "سبتمبر" 1947.
وبالفعل انتقل ممثلو اللجنة الخاصة – المؤلفة بموجب القرار 106 إلى فلسطين ودرسوا المشكلة وكانت النتيجة التي انتهوا إليها وإن اتفقوا على انتهاء الانتداب البريطاني؛ ولكن الحلول التي وضعوها سواء الأغلبية منهم أو الأقلية، دلت على تهافت هذه اللجنة؛ إن لم يكن تواطؤها مع الصهيونية:
فالأغلبية المكونة من دول "كندا، تشيكوسلوفاكيا، غواتيمالا، هولندا، بيرو، السويد، أوروغواي" انتهت إلى ضرورة تجزئة Partition فلسطين إلى دولتين مستقلتين عربية ويهودية، ووضع القدس تحت نظام الإدارة الدولية بواسطة الأمم المتحدة على أن يجمع بين الكيانات الثلاثة اتحاد اقتصادي.
أما الأقلية المكونة من دول "الهند، إيران، يوغسلافيا" فانتهت برأيها إلى إقامة دولةٍ اتحاديةٍ بحكومتين مستقلتين "عربية ويهودية" وتكون القدس عاصمةً موحدةً للدولة الاتحادية.
وانفردت استراليا بموقفٍ مبهمٍ بين الرأيين السابقين.
التصويت على قرار التقسيم:
في 23/9/1947 أنشأت الجمعية العامة العادية لجنةً خاصةً بدراسة القضية الفلسطينية على ضوء ما انتهت إليه المشروعات الثلاثة: المشروع البريطاني والمشروع العربي وتقرير لجنة "انسكوب". وفي سبيل أداء مهمتها شكلت اللجنة الخاصة من بين أعضائها لجنة توفيقٍ ولجنتين فرعيتين.
فدعت اللجنة الفرعية الأولى إلى تبني مشروع التقسيم، أما اللجنة الفرعية الثانية فقدمت ثلاثة مقترحات؛ كان أهمها: "دعوة الجمعية العامة – قبل إصدار توصية – لأن تطلب رأياً استشارياً من محكمة العدل الدولية حول نقاط ثمانية؛ أهمها النقطتان التاليتان:
النقطة السابعة: فيما إذا كان للأمم المتحدة صلاحية بتوصية أي من خطتي التقسيم، أو بتوصية أي حلٍ آخر يقضي بتقسيم أراضي فلسطين، أو بفرض وصايةٍ دائمةٍ على أية مدينةٍ أو جزءٍ من فلسطين دون موافقة أكثرية الشعب الفلسطيني.
النقطة الثامنة: فيما إذا كان للأمم المتحدة أو لأية دولةٍ من الدول الأعضاء صلاحية تنفيذ أو إيصاء بتنفيذ أي مقترحٍ يتعلق بدستور فلسطين المستقبل أو حكمها ولا سيما أية خطةٍ للتقسيم تتعارض مع أماني سكان فلسطين أو يؤخذ بها دون موافقتهم.
ولكن مقترحات اللجنة الفرعية الثانية بما فيها النقاط الثمانية رفضت بأغلبية بسيطة عند التصويت عليها في الجمعية العامة.
وجيء بمشروع التقسيم إلى الجمعية العامة للاقتراع عليه يوم 26/11/1947 حيث وافقت عليه 25 دولة ورفضته 13 دولة وامتنعت عن التصويت 17 دولة؛ أي أن المشروع فشل في الحصول على أغلبية الثلثين اللازمة لإقراره. وبعد ثلاثة أيامٍ أعيد التصويت عليه مرةً أخرى في 29/11/1947 ونال هذه المرة الأغلبية المطلوبة بموافقة 33 دولة ومعارضة 13 دولة وامتناع عشر دولٍ عن التصويت وغياب دولةٍ واحدةٍ هي سيام "تايلاند" .
الظروف الملابسة لإصدار قرار التقسيم ـ الدور الأمريكي:
ُيعد قرار التقسيم هذا من أكثر القرارات التي اتخذتها الأمم المتحدة إثارة للجدل وذلك بسبب الظروف التي رافقت اتخاذه وأعني بذلك الضغوط التي مارستها المنظمات اليهودية على ممثلي الدول لتأييد هذا القرار ، وقد تراوحت هذه الضغوط ما بين شراء الذمم بالأموال والمغريات وتوجيه الاتهام باللاسامية والعداء لليهود واستدرار العطف ( للتكفير عن المذابح المذبوحة ) التي ارتكبها النازيون ضد اليهود وهكذا ( فإن كل سؤال كان يثار حول مصير الشعب الفلسطيني وكل استفهام كان ُيطرح حول الحق في إنشاء وطن قومي على ارض مأهولة ، وكل تردد حول صلاحية الأمم المتحدة بإنشاء دولة وفرضها على شعب مما يؤدي إلى اقتلاعه ونفيه .. كل هذه الأمور شكلت بنظر الصهيونية وفي الجو العاطفي الذي أحاط بالقضية إهانة للذين هلكوا في معسكرات النازية ).
وإضافة إلى هذه الضغوط التي مارستها المنظمات والوكالات اليهودية فإننا لا يمكن أن نغفل الدور الكبير الذي قامت به الولايات المتحدة الأمريكية في سبيل إصدار هذا القرار والتي لم تتوان عن ممارسة الضغوط ووسائل الإكراه المعنوي سواء بواسطة الترغيب أو التهديد ، حيث تركزت الضغوط الأمريكية على ست دول هي هاييتي وليبيرية والفلبين والحبشة والصين الوطنية واليونان ، واستغلت أمريكا نفوذها السياسي والاقتصادي لدفع هذه الدول إلى تأييد قرار التقسيم ، وعندما ُطرح المشروع للتصويت يوم 29 / 11 كانت الأصوات الحاسمة التي أنجحت المشروع هي أصوات ليبيرية وهاييتي والفلبين فقد كانت هذه الأصوات كافية لإكمال أغلبية الثلثين المطلوبة علماً أن هذه الدول الثلاث قبل ذلك كانت تعارض المشروع.
وقد وصف جيمس فورستال وزير الدفاع الأمريكي آنذاك الوسائل التي اتبعت لإرغام الدول في الجمعية العامة على طاعة الولايات المتحدة الأمريكية بأنها تكاد تكون فضيحة ، وقد اعترف حاييم وايزمان أول رئيس للدولة اليهودية بأن هذا القرار ما كان ليصدر لولا التدخل الشخصي القوي من الرئيس الامريكي ترومان الذي برر تدخله لصالح اليهود بقوله ( ليس لدي ناخبون من العرب ) ويقصد بالطبع تأثير اليهود في انتخابات الرئاسة الأمريكية.
كما كشف "هاري ترومان" أيضاً بعض الحقائق عن الموقف الأمريكي الذي تجاوز مرحلة الموافقة على التقسيم إلى تبني الموضوع وفرضه؛ ومما جاء في مذكرات "ترومان" قوله: "لقد أعطيت تعليمات إلى وزارة الخارجية بأن تؤيد أمريكا مشروع التقسيم". وأقر كذلك بجانب من الضغوط التي مارسها الصهاينة بقوله: "في الواقع لم تكن الأمم المتحدة وحدها قد أخضعت لضغوط لم تعرفها من قبل، بل إن البيت الأبيض نفسه تحمل دفقاً من الضغط، ولا أعتقد أنني تعرضت يوماً لحملة دعائية بهذه الشدة".
ويبدو جلياً من كلام "ترومان" أثر السطوة الرهيبة لليهود داخل منظومة الحكم الأمريكي.
مضمون قرار تقسيم فلسطين:
صدر قرار التقسيم بتاريخ 29\11\1947م، وهو من أطول قرارات الأمم المتحدة – آنذاك - إذ يتكون من عشرة صفحات من القطع الكبير وينقسم إلى أربعة أجزاءٍ ومقدمةٍ تشير إلى مبرراته القانونية؛ يلي المقدمة خطة تقسيم فلسطين وأجزائها الأربعة وموجزها:
الجزء الأول: يتضمن دستور فلسطين وحكومتها، والوضع القانوني للأماكن المقدسة والمواقع الدينية والحقوق الدينية وحقوق الأقليات، وخطوات الإعداد للاستقلال والمواطنة، والمواثيق والالتزامات الدولية، وأحكام متنوعة تنصرف إلى مسائل الاتحاد الاقتصادي والمرور بين الدولتين، وقبولمها في عضوية الأمم المتحدة.
الجزء الثاني: يتضمن بياناً دقيقاً بإقليم كل من الدولتين وحدودهما المشتركة.
الجزء الثالث: يحدد الوضع القانوني لمدينة القدس باعتبارها كياناً منفصلاً، يخضع لنظام دولي خاص، وتتولى الأمم المتحدة إدارتها ويعين مجلس وصاية ليقوم بأعمال السلطة الإدارية نيابة عن الأمم المتحدة.
الجزء الرابع: يتضمن دعوة الجمعية العامة الدول التي تتمتع بنظام الامتيازات إلى التخلي عنه.
تقييم دور الأمم المتحدة في إصدار قرار التقسيم:
لقد كان لزاماً على الجمعية العامة وفقاً لنصوص ميثاق الأمم المتحدة؛ إبان تصديها لحل القضية الفلسطينية – وعلى فرض صحة ذلك – أن نختار بين أمرين:
الأول:أن تضع فلسطين تحت نظام الوصاية تطبيقاً للفصل التاسع من الميثاق؛ بحسبانها إقليماً خاضعاً للانتداب، خاصة وأن الأقاليم العربية التي كانت خاضعة للانتداب مثل فلسطين – الفئة نفسها – قد انتقلت إلى الاستقلال دون المرور بنظام الوصاية، أما وإن فلسطين كانت مثقلة (بوعود بريطانيا) فإن قبول الوصاية كان أضعف الإيمان ... لكن بريطانيا امتنعت والجمعية العامة أحجمت...
الثاني:كان على الجمعية العامة - بحسب الفقرة الثانية في المادة الأولى من الميثاق – مراعاة حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. ولكنها قضت – زوراً وبهتاناً – بقصور الشعب الفلسطيني عن ممارسة هذا الحق، وأحلت نفسها محله بغير حق؛ وغيرت من مضمون هذا المبدأ الأساسي من مبادئ الميثاق؛ بحيث أضحى « حق الأمم المتحدة في تقرير مصير الشعوب » بدلاً من «حق الشعوب في تقرير مصيرها». وهو أمر لم يقل به الميثاق، بل يعد تعديلاً له دون مراعاة الأسس التي وضعها الميثاق نفسه للتعديل.
ولكن الجمعية العامة للأمم المتحدة لم تركن إلى أي من الأمرين السابقين وإنما قامت بإصدار قـرار التقسيم في مبادرة منها غير مشـروعة فضلاً عـن أنها غـير صحيحة والخـطأ لا يـولد الـحق .
عدم اختصاص الجمعية العامة في موضوع التقسيم أصلاً:
إصدار الأمم المتحدة لقرار التقسيم تجاوز للاختصاص وافتئات على الحقوق. فمن الثابت قطعاً أنه لا يمكن للجمعية العامة للأمم المتحدة التصرف إلا في حدود أحكام الميثاق الذي منحها اختصاصاً شاملاً، وزودها بسلطاتٍ واسعةٍ لتحقيقه، بيد أن القاعدة العامة فيما يصدر عن الجمعية العامة من قرارات، أن تكون توصياتٍ غير ملزمةٍ، أي يتوقف تنفيذها على رضا الدولة المعنية بها، باستثناء حالات معينة، تتمتع فيها هذه القرارات بقوة الإلزام، ليس منها بحالٍ من الأحوال المساس بوحدة التراب الوطني والسيادة الإقليمية لدولةٍ من الدول، حتى وإن كانت خاضعةً للاحتلال (القانوني) المسمى انتداباً، كما كان عليه الحال في فلسطين.
من أجل ذلك؛ فإن الجمعية العامة علاوة على تقيدها بأحكام الميثاق، فإنه ليس بوسعها التصرف – في الشأن الفلسطيني – إلا ضمن حدود صك الانتداب أيضاً. ولكنها في قرار تقسيم فلسطين تجاوزت حدود التصرف المقررة لها، وظهر ذلك جلياً في المواضع التالية:
1- خالفت الجمعية العامة للأمم المتحدة المادتين 10و14 من الميثاق اللتين تخولاها حق التقدم بتوصياتٍ دون اتخاذ قراراتٍ ملزمةٍ، سوى في حالاتٍ محددة بعينها، ما كان منها أبداً أمر التقسيم، سيما وأن قرار التقسيم كان قراراً مطبوعاً بطابع القسر والإلزام؛ إذ قضى في أحد بنوده باعتبار أن أية محاولةٍ ترمي إلى تعديل الحل المنصوص عليه في القرار تهديد للسلام أو خرق له أو عمل عدواني وفق نص المادة \39\ من الميثاق.
2- تجاوزت الجمعية العامة في قرار التقسيم حدود اختصاصها مرة أخرى، حينما نصت على إنشاء لجنة مؤلفة من خمسة أعضاء وخولتها حق إدارة فلسطين خلال فترة انتقالية، وقد كان للجمعية العامة صلاحية التقدم بتوصيةٍ إلى دولة الانتداب، ولكنها لم تفعل، بل عمدت إلى تصرفٍ لم تكن ذات صلاحيةٍ بإجرائه مطلقاً، وهو إسناد إدارة فلسطين إلى لجنةٍ قامت بتشكيلها.
3- تجاوزت الجمعية العامة - مرة ثالثة – في قرار التقسيم اختصاصها العام المعطى لها في المادة \10\ من الميثاق؛ لأنه لا يخولها – كما لا يخول أياً من أجهزة الأمم المتحدة الأخرى – حق إنشاء الدول ابتداءً، أو قسمة دولةٍ قائمةٍ من أجل إنشاء كيانٍ جديدٍ.
4 – إن الجمعية العامة لا تملك أية سلطةٍ لتنفيذ أي قرارٍ، وهي لا تستطيع على أساس المادة \14\ أن تطلب من مجلس الأمن اتخاذ تدابير قسرية؛ كما فعلت في قرار التقسيم حينما نصت على إن يعتبر مجلس الأمن كل محاولةٍ، ترمي إلى تغيير التسوية التي يهدف إليها هذا القرار بالقوة تهديداً للسلم أو قطعاً أو خرقاً له أو عملاً من أعمال العدوان؛ بموجب نص المادة \39\؛ علماً أن الميثاق لا يعطي للمجلس سلطة فرض تسويةٍ سياسيةٍ، سواء كانت نتيجةً لتوصية الجمعية العامة أو نتيجةً لقرار اتخذه المجلس بنفسه؛ لأن تدابير المجلس لا يمكن أن تستهدف فرض التقسيم بل الحفاظ على السلم.
ونخلص مما تقدم؛ إلى أن قرار التقسيم تصرف غير مشروع، نهض مخالفاً النظام القانوني الذي ينتمي إليه، وبصفةٍ خاصةٍ قواعد الميثاق وصك الانتداب، فضلاً عن إن الجهة التي أصدرته غير ذات اختصاصٍ، إي إن القرار المذكور قد جمع أسباب انعدام المشروعية من أطرافها؛ مما يجعله مدموغاً بالبطلان أبداً؛ لأن البطلان وصف يصاحب التصرف القانوني منذ نشأته؛ ويدور معه وجوداً أو عدماً..
مخالفة قرار التقسيم لصك الانتداب :
صدر القرار 181 بصورة مخالفة أيضاً لصك الانتداب والذي كانت فلسطين خاضعة له ولا سيما المادة الخامسة من هذا الصك والذي تضمن ( عدم التنازل عن أراضي أو تأجيرها .. أو وضعها تحت رقابة سلطة أجنبية ) .
ومن المعلوم انه لو كان للأمم المتحدة حق النظر في قضية فلسطين فإن فرض أي حل كان يجب أن يتم في إطار صك الانتداب ذاته بحيث أن وجود صك قانوني قابل للتطبيق يلزم الجمعية العامة بعدم إقرار أية حلول لا تتفق ونصوص هذا الصك .. وهو ما لم تلتزم به الأمم المتحدة لتفتتح بهذا القرار المبكر في تاريخها عهداً من المحاباة والازدواجية في المعاملة والذي بات نهجاً اعتادت المنظمة سلوكه في القضايا التي لا تتفق ومصالح المهيمنين عليها.
ولا بد من الإشارة أيضاً إلى أن هذا القرار وفضلاً عن عدم مشروعيته فإنه ُيعد أيضاً قراراً جائراً ومخالفاً لمعطيات الأمور وحقائق الواقع لأنه:
1 ـ لم يراع العدد السكاني في فلسطين بالنسبة للعرب واليهود فبينما كان عرب فلسطين حسب إحصائية 1946 هو 1,353,840 نسمة ، فإن عدد اليهود كان قد بلغ 608,023 نسمة معظمهم هجّروا إلى فلسطين تهجيراً.
2 ـ كما انه لم يراع النسبة المئوية لما يملكه العرب من الأراضي في فلسطين ، حيث بلغ مجموع ما تملكه الأقلية اليهودية في فلسطين 1,491,699 دونماً ، بينما كان مجموع ما يملكه العرب 12,574,774 دونماً ، ولكن عند تقسيم فلسطين ُأعطيت الأقلية اليهودية في عدد السكان وفي ملكية الأراضي نسبة تعادل 56% من مجموع أراضي فلسطين .
وهكذا فإن قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة لم يصل إلى حد المساواة في توزيع الأراضي بل العكس حيث أعطى الأقلية من السكان الأكثرية من الأراضي بينما حصلت الأغلبية الساحقة من أبناء فلسطين على الأراضي الأقل مساحةً.
موقف إسرائيل من قرار التقسيم ومدى التزامها به: اجتمع المجلس اليهودي في فلسطين – بعد صدور قرار التقسيم – وقرر إقامة "الدولة" وفقاً لهذا القرار؛ وشكلت لجنة تنفيذية من ثلاثة عشر عضواً برئاسة " بن غوريون " الذي أعلن قيام الكيان الصهيوني يوم 15\5\1948، وأكد في ذلك الإعلان على:
( .. أن الكيان الجديد هو إعادة بناء Re-establishment لما كان موجوداً في الماضي؛ أي إعادة إنشاء الدولة اليهودية القديمة.أن قبول قرار التقسيم لا يعني القبول بالحدود الواردة فيه؛ لأن الحدود يجب أن تتضمن جنوب لبنان وجنوب سوريا وشرق الأردن بأكمله .. ) .
وأضاف بن غوريون قائلاً:
« قبول التقسيم لا يلزمنا بأن نتنازل عن شرقي الأردن، لا يستطيع أحد أن يطلب من الآخرين أن يتخلوا عن أحلامهم، سوف نقبل بحدود الدولة كما ستحدد الآن، ولكن حدود الآمال الصهيونية هي شأن الشعب اليهودي وحده، ولن يستطيع أي عاملٍ خارجي الحد منها ».
وهو الأمر الذي مضى إلى تأكيده " مناحم بيغن " بعيد ذاك الإعلان عام 1948 بقوله:
« تجزئة الوطن شيء غير شرعي لن نعترف به أبداً. وتوقيع المؤسسات والأفراد على اتفاق التقسيم باطل، ولن يقيد الشعب اليهودي. القدس كانت وستبقى عاصمتنا إلى الأبد. أرض إسرائيل سوف تعود إلى شعب إسرائيل ».
ولا بد من الإشارة إلى أن قرار التقسيم باعتباره باطلاً من الوجهة القانونية فهو كقاعدة عامة لا يترتب على مخالفته أي مسؤولية قانونية دولية من الذين لم يقبلوه ..إلا أنه إذا اتخذ هذا القرار وأصر طرف على شرعيته ( كإسرائيل والجمعية العامة التي أصدرته ) فإنه يغدو ملزماً لمن قبله ، وبالتالي فإن هذا القرار ُيعد ملزماً لإسرائيل يجب عليها تنفيذه وتترتب عليها تبعات المسؤولية الدولية عن كل ما نشأ عن مخالفة تنفيذه وتخضع لأحكام المسؤولية الدولية إذا تخلفت عن التنفيذ.مع الإشارة إلى إن إسرائيل كانت قد قبلت هذا القرار وتعهدت بتنفيذه ضمن موجبات قبول عضويتها في الأمم المتحدة.
ثانياً ـ المسؤولية القانونية الواقعة ـ التقصير في حماية اللاجئين الفلسطينيين
أن القانون الدولي الرئيس الذي يحدد حقوق اللاجئين والتزامات الدول تجاههم هو اتفاقية جنيف _ 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين. أن هذا القانون بالإضافة إلى مسودة العام 1967 تعطي التعريف الأكثر قبولا وقابلية للتطبيق لكلمة لاجئ كما تؤمن حدا أدنى من الحماية لهؤلاء اللاجئين عبر الجهات الرسمية (الحكومية).
وعلى هذا يعرف قانون اللاجئين والمسودة "اللاجئ" بأنه أي شخص يقيم خارج وطنه الأصلي وهو لا يرغب أو لا يقدر على الحصول على حماية بلده خوفا من اضطهاد حقيقي يتعرض له لأسباب عرقيه أو دينية أو قومية أو كونه عضوا في مؤسسة اجتماعية أو بسبب آرائه السياسية.
ومن ناحية ثانية تتضمن الاتفاقية بندا مستقلا ينطبق على اللاجئين الفلسطينيين وحدهم. تنص المادة (1د) من اتفاقية 1951 على ما يلي
"أن هذا القانون لا ينطبق على الأشخاص الذين يتلقون الدعم والمساعدة –حالياً- من أعضاء أو هيئات الأمم المتحدة باستثناء مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون للاجئين
وفي حال توقفت هذه الحماية أو المساعدة لسبب أو لآخر، ودون أن يحسم وضع هؤلاء الأشخاص بشكل واضح نهائي وفقا للقرارات التي تبنتها الجمعية العمومية للأمم المتحدة، فان هؤلاء الأشخاص يؤهلون _بطبيعة الحال_ للاستفادة من هذا القانون"
وعلى الرغم من أن اللاجئين الفلسطينيين غير منصوص ذكرهم بالتخصيص في هذا القانون، إلا أن تاريخ المسودة وترابط مضمون المادة (1د) مع ثلاث اتفاقيات أخرى حقيقتان تؤكدان على أن المادة (1د) تنطبق على الفلسطينيين وحدهم. الاتفاقات الأخرى سابقة الذكر: ميثاق مفوضية اللاجئين ، وقوانين الأونروا، و قرار الأمم المتحدة ذا الرقم 194 الذي يعد إحدى الركائز والمستندات التي تعول عليها لجنة التوفيق الدولية حول فلسطين
إن الفقرة السابعة من ميثاق مفوضية اللاجئين تشترط أن "لا تمنح صلاحية وأهلية مندوب اللجنة.. إلى شخص لا يزال يتلقى الحماية أو المساعدة من أعضاء أو هيئات تابعة للأمم المتحدة."
و"الهيئات الأخرى التابعة للأمم المتحدة" يقصد بها أصلا الأونروا و لجنة المصالحة .
أن أهمية اللغة في هذه الاتفاقات تكمن أولا في التفريق الواضح بين كلمتي "حماية" و "مساعدة" وهما مفهومان مختلفان تماما في قانون اللاجئين.
أن تفويض الأونروا هو لمجرد تقديم المساعدة للاجئين فيما يتعلق بحاجاتهم اليومية من مأكل وملبس ومأوى. وعلى العكس من ذلك، فان تفوض مفوضية اللاجئين باعتباره مرادفا لقانون اللاجئين_ يتبنى برنامج حماية شاملا للاجئين المحددة صفاتهم في قانون اللاجئين.
أن هذا النظام يكفل للاجئين كل الحقوق التي تضمنها القوانين الدولية. كما يوصي ويفوض مفوضية اللاجئين تمثيل اللاجئين والاعتراض على الحكومات بالنيابة عنهم، لضمان الحماية اللازمة لهم. علاوة على التفريق القائم بين تفويض الأونروا من جهة ومفوضية اللاجئين من جهة أخرى، فان تعريف اللاجئ المطبق على الفلسطينيين مختلف أضيق مضمونا في قوانين الأونروا مما هو عليه في قانون اللاجئين (جنيف). وتمشيا مع تكليفها بالمساعدة، فان الأونروا تطبق تعريفا لكلمة "لاجئ" ينطبق حصرا على أشخاص من فلسطين تتوفر فيهم معايير معينة وهم "بحاجة" إلى هذه المساعدة
ومن هنا فإن قراءة واقعية وُمنصفة لحال اللاجئين الفلسطينيين ستكشف أن لأمم المتحدة قد قصّرت في تعاملها مع هؤلاء اللاجئين بالنظر إلى أنهم اللاجئين الوحيدين في العالم الذين لا يتمتعون بفوائد الحماية القانونية الدولية من قبل وكالة دولية مفوضة:
- فـلجنة التوفيق من أجل فلسطين UNCCP ، المكونة من ثلاثة أعضاء، والتي أنشئت بموجب الفقرة الثانية من قرار 194 وأعطيت تعليمات بتسهيل إعادة المهجرين إلى أوطانهم وتأهيلهم اقتصادياً واجتماعياً، لم تنجح في ممارسة التفويض الذي أعطي إليها.
- والتفويض الممنوح لـ ((الأونروا)) (وكالة غوث اللاجئين) هو بهدف المساعدة لا الحماية.
- فضلاً عن أن اللاجئين الفلسطينيين مستبعدون من ثم من الحماية بموجب ((اتفاقية عام 1951 حول وضع اللاجئين،)) وهي المعاهدة الكونية الوحيدة التي توفر حالياً الحماية الدولية للاجئين، بما في ذلك استبعادهم من ((المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة)) UNHCR بفضل المادة 1 (د) من الاتفاقية المذكورة. والسبب في اسبتعادهم من اتفاقية عام 1951 يعود بشكل أساسي إلى أن حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين لم يعتبر ماثلاً في استيعابهم أو ضمهم إلى بلد ثالث [غير فلسطين وإسرائيل] – وهو ما كانت تهدف إليه اتفاقية 1951 التي قيل إن لها أساساً منفوياً exilic – بل في ممارسة حقهم في العودة إلى ديارهم.
[1] تتضمن الصفحات التالية خليطاً لأفكار ودراسات قليلها منسوب لي وأغلبها ُمقتبس بشكل حرفي وكامل منم دراسات وأفكار ومقالات متنوعة منشورة لباحثين في مؤلفاتهم أو على شبكة الانترنت وقد تمت الاستعانة بها بحرفيتها لخدمة محاور دراستنا هذه . والتالي فإن هذه الصفحات ُمخصصة ـ فقط ـ لغرض الدراسة والإطلاع في هذا المنهاج الدراسي ولا يجوز نسبة أي شيء منها إلى د. إبراهيم درّاجي حرصاً على حقوق أصحابها ومؤلفيها واحتراماً للأمانة العلمية المطلوبة .
قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة باللاجئين الفلسطينيين
قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة باللاجئين الفلسطينيين
د.إبراهيم دراجي
شغلت قضية اللاجئين الفلسطينيين الأوساط السياسية والدبلوماسية في هيئة الأمم المتحدة منذ حرب عام 1948 ، فعلى أثر نشوء ظاهرة اللاجئين الفلسطينيين، وبناء على مشروع قرار قدمته بريطانيا، إزاء ذلك أصدرت الأمم المتحدة العديد من القرارات، بصدد الموقف من تلك الظاهرة ، القضية، فصدر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي عشرات القرارات التي تتحدث او تتناول عودة اللاجئين الفلسطينيين او تعويضهم!!!.
بيد أن القرار الأهم بين معظم القرارات سواء الصادرة عن الجمعية العمومية او مجلس الأمن القرار "رقم 194"، (د-3) بتاريخ ،11 كانون الأول/ديسمبر 1948، والذي يقضي بإعادة اللاجئين والتعويض عليهم، وقد أوجبت الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها هذا السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن، للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وعن كل مفقود أو مصاب بضرر، عندما يكون من الواجب، وفقاً لمبادئ القانون الدولي والإنصاف، أن يعوض عن ذلك الفقدان أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة وتصدر تعليماتها إلى لجنة التوفيق بتسهيل عودة اللاجئين، وتوطينهم من جديد، وإعادة تأهيلهم الاقتصادي والاجتماعي، وكذلك دفع التعويضات، وبالمحافظة على الاتصال والوثيق بمدير إغاثة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين، ومن خلاله بالهيئات والوكالات المتخصصة المناسبة في منظمة الأمم المتحدة
وتبين الفقرة 11 من القرار 194 حق اللاجئين بالعودة واستعادة الحقوق والممتلكات والتعويض. كما تؤسس للجنة توفيق الدولية حول فلسطين، من أجل تسهيل عملية تنفيذ وتطبيق الحقوق الواردة في الجملة الأولى بناءاً على الاختيار الفردي لكل لاجئ. كما أقرّت الجملة الثانية من الفقرة بأن اللاجئين غير الراغبين في ممارسة حقهم العودة، بحقهم بتلقي التعويضات والتوطين وحق جميع اللاجئين بإعادة التأهيل الاقتصادي والاجتماعي. ومن الجدير ذكره بأن الجمعية العامة أكدت على دعمها للقرار 194 سنوياً من العام 1948.
إذن لقد حدد القرار 194 المعنى الدقيق لحق العودة بتحديده للمواقع الدقيقة التي من المفترض عودة اللاجئين إليها والمقصود هو عودتهم إلى منازلهم. وهذا يعني بدلالة النص الحق في استعادة الممتلكات.
كما وأكد القرار 194 على حق اللاجئين الفلسطينيين في نوعين من التعويضات، تتضمن تعويض اللاجئين عن الخسائر المادية في الأموال والممتلكات وما لحق بها من تخريب وتدمير ( بدون ضرورة عسكرية ملحة) وتعويض اللاجئين الذين قرروا عدم استخدام حقهم بالعودة إلى منازلهم في فلسطين واختاروا التعويض بدلاً منه. أو بعبارة أخرى اختاروا التنفيذ بطريق التعويض. مع التنويه إلى أن هذين الحقين غير متعارضين. فمن يفضل عدم العودة بشكل طوعي وإرادي ودون أي عيب من عيوب الإرادة التي من الممكن أن تشوب الاختيار له كامل الحق بتلقي تعويضاً عن عدم العودة ومصدر العودة أو التعويض واحد. ولا علاقة مباشرة للنوع الآخر من التعويض وهو التعويض عن الخسائر المادية بشكل تنفيذ حق العودة. فلكل ممن اختار العودة أو اختار التعويض بديلاً عنها حقه في التعويض عما لحق بممتلكاته من خسارة.
وبموجب هذا القرار، يذكر أن الأمم المتحدة، أنشئت إطاراً سياسياً محدداً وآلية لمتابعة تنفيذ هذا القرار، "لجنة التوفيق الدولية" الخاصة بفلسطين، وصدرت إليها أو أوعز لها القيام بتسهيل عودة اللاجئين،وإعادة توطينهم من جديد، وتأهيلهم اقتصادياً واجتماعياً، ودفع التعويضات لهم، وإقامة علاقات وثيقة مع مدير هيئة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين، ومن خلاله مع الأجهزة والوكالات المناسبة في الأمم المتحدة.
وقد ضمت في عضويتها مندوبين عن كل من الولايات المتحدة، وفرنسا ، وتركيا، وأوكلت إليها مهام الوسيط الدولي- الكونت برنادوت- وسيط الأمم المتحدة في حينه، وأكدت على حل مشكلة اللاجئين ،وعقدت هذه اللجنة أول اجتماعاتها في جنيف كانون الثاني عام 1949 .
وقررت أن يكون مقرها بعد ذلك بمدينة القدس . ولكن إسرائيل أخلت مهمتها، وأقدمت على اغتيال الكونت برنادوت ، ورفيقه وقد قتل على أيدي عناصر يهودية من منظمة الأرغون الصهيونية ، كما أشارت الأحداث إلى ذلك.
علماً أنه حين فشلت «لجنة التوفيق» بالشق الأول من عملها وهو إعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، كما جاء في القرار 194؛ صبت جهودها لتنفيذ الشق الثاني من الموضوع وهو إنشاء مكتب يتولى:
1- عمل ترتيبات لتقدير التعويضات ودفعها إلى أصحابها، حسب القرار 194.
2- إجراء الترتيبات الممكنة لتنفيذ الأهداف الأخرى الواردة في الفقرة 11 من القرار 194.
3- مواصلة التشاور مع الفرقاء المعنيين بخصوص الإجراءات المتعلقة بحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم ومصالحهم .
كما أرفقت أمانة الأمم المتحدة، فضلاً عن القرار 394/3، المؤرخ في 14/12/1950، ورقتي عمل تستأنس بهما اللجنة:
- تعالج أولاهما التفسير القانوني للفقرة 11، البند الأول من قرار الجمعية العامة ( 194/3) الصادر في 11/12/1948.
- في حين تتعلق الثانية بما سبق، في التاريخ، من حالات أعيدت فيها الممتلكات إلى أصحابها، وعوض فيها اللاجئون.
إلا أن النتائج المتوخاة من عمل هذه اللجنة كان مخيباً للآمال، فبعد أشهر، من عمل اللجنة قدرت مساحة الأرض التي هُجّر منها الفلسطينيون بنحو 16324000 دونماً، منها 4574000 فقط صالحة للزراعة.
وعلى الرغم من أن القرار تجاهل قرارات أخرى صادرة عن الأمم المتحدة، فأهمل المناطق منزوعة السلاح، والأراضي الحرام، كما لو أنه منحها للكيان الصهيوني. فضلاً عن ذلك، وقعت اللجنة في مطبٍ آخر وهو أنها اعتبرت أن كلمة أرض تعني الأملاك غير المنقولة، وبالتالي لم يجرِ تقدير الأشجار والمباني وما تحويه، وبالتالي خرج تقدير الأمم المتحدة عاجزاً وضئيلاً حيث أنه قدّر القيمة الإجمالية لممتلكات اللاجئين العرب بمائة مليون جنيه فلسطيني، أي نحو 280 مليون دولار أميركي، حسب أسعار صرف تلك الأيام . الأمر الذي يعد تقصيراً من الأمم المتحدة في تحري دقة أرقام التعويضات وواقعيتها.
وكان قرار قبول عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة مشروطاً بتنفيذها تلك القرارات غير أن الدولة العبرية ظلت تدير الظهر لكل قرارات الشرعية الدولية، ورفضت بتشجيع ودعم لا محدود من دول الغرب الاستعماري الانصياع للقوانين الدولية المعنية بحقوق الإنسان.
وكنتيجة لانحياز وعجز الأمم المتحدة عن تنفيذ قراراتها وإلزام إسرائيل بذلك، وخاصة القرار رقم(194) (قرار حق العودة /التعويض) أنشأت وكالة الغوث الدولية"الاونروا"، للاجئين الفلسطينيين عام 1949. وهذا القرار يعني أن قضية اللاجئين باقية وحية بشهادة عملية من الأمم المتحدة ،ولابد من الحذر من أن يكرس قرار تشكيل وكالة الغوث، قضية اللاجئين كقضية إنسانية فحسب، ينتهي معها الطابع السياسي لهذه القضية الهامة والخطيرة.
ومنذ ذلك الحين ، وموضوع/ قضية اللاجئين الفلسطينيين بند دائم حاضر يحتل مرتبة الأولوية على أجندة اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وقد تتابعت قرارات الأمم المتحدة التي تؤكد على حق اللاجئين في العودة، وكان أبرزها بعد القرار رقم(194) :
القرار رقم 302، الفقرتان:(20،5) في 8 كانون الأول (ديسمبر) 1949 تأسيس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى وتشغليهم
أن الجمعية العامة،
إذ تذكر قراريها رقم 2121 في 19/11/1948م،ورقم 194 في 11/12/1948 والذين يؤكدان بصورة خاصة أحكام الفقرة 11 من القرار الأخير….
- تعترف بأنه من الضروري استمرار المساعدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين بغية تلافي أحوال المجاعة والبؤس بينهم ودعم السلام والاستقرار مع عدم الإخلال بأحكام الفقرة 11 من قرار الجمعية العامة رقم (194) وتعترف أيضاً بضرورة اتخاذ إجراءات،فعالة في أقرب وقت ممكن بغية إنهاء المساعدة الدولية للإغاثة.
- توعز إلى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى وتشغلهم للتشاور مع لجنة التوفيق بشأن فلسطين التابعة للأمم المتحدة لما فيه خير أداء لمهمات كل منهما، خصوصاً فيما يتعلق بما ورد في الفقرة 11 من قرار الجمعية رقم 194.
قرار مجلس الأمن رقم 237 المؤرخ في 14 حزيران عام 1967
الذي أكدته الجمعية العامة في قرارها رقم 2252 المؤرخ في 4 تموز/1967، وتضمن ما يلي: "أن حقوق الإنسان غير القابلة للتصرف واجبة الاحترام حتى أثناء تقلبات الحرب، "ويدعو حكومة إسرائيل إلى تسهيل عودة السكان الذين فروا من هذه المناطق منذ بدء الأعمال العدوانية".
القرار رقم 242 المؤرخ في 22 تشرين ثاني 1967
الذي دعا إلى تحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين وينص على : أن مجلس الأمن:
1- يؤكد أن تحقيق مبادئ الميثاق يتطلب إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط ويستوجب تطبيق كلا من المبدأين التاليين:
أ- سحب القوات المسلحة الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها إسرائيل في النزاع الأخير.
ب- إنهاء جميع ادعاءات أو حالات الحرب،واحترام واعتراف بالسيادة ووحدة أراضي كل دولة في المنطقة، واستقلالها السياسي وحقها في العيش بسلام ضمن حدود آمنة ومعترف بها وحرة من التهديد وأعمال القوة.
2- يؤكد أيضاً الحاجة إلى:
أ- ضمان حرية الملاحة في الممرات المائية الدولية في المنطقة.
ب- تحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين.
ج- ضمان المناعة الإقليمية والاستقلال السياسي لكل دولة في المنطقة عن طريق إجراءات بينها إقامة مناطق مجردة من السلاح.
3- يطلب من الأمين العام تعيين ممثل خاص للذهاب إلى الشرق الأوسط كي يقيم ويجري اتصالات مع الدول المعنية بغية إيجاد اتفاق، ومساعدة الجهود لتحقيق تسوية سلمية ومقبولة وفقاً لنصوص ومبادئ هذا القرار.
4- يطلب من الأمين العام أن يرفع تقريراً إلى مجلس الأمن حول تقدم جهود الممثل الخاص في أقرب وقت ممكن.
وقد تبني المجلس هذا القرار في جلسته رقم 1382، بإجماع الأصوات .
وبعد عام 1969 أدانت الأمم المتحدة الكيان الصهيوني، عدة مرات، فيما يخص الفلسطينيين، مواطنين ولاجئين، وقد دعت في معظم قراراتها إلى العديد من الإجراءات، على رأسها النقطتان الأساسيتان التاليتان، فيما يخص موضوع اللاجئين( ):
- عدم جواز إجلاء أو نقل أو ترحيل أو طرد المواطنين العرب من الأراضي المحتلة.
- حق اللاجئين والنازحين في العودة إلى ديارهم.
وأخذت الأمم المتحدة على عاتقها التذكير السنوي، أو شبه السنوي، بانتهاك الكيان الصهيوني لحقوق الإنسان الفلسطيني، وعلى رأسها انتهاك حقه في العودة إلى وطنه. بل على العكس من ذلك، أي الفعل القسري لإرغامه على العيش في منافٍ قسرية، حتى أن لجنة حقوق الإنسان ظلت تتخذ، بشكلٍ دوري، قرارات تطالب فيها الكيان الصهيوني بالامتناع عن: «انتهاك حقوق الإنسان في المناطق المحتلة، وخاصة تدمير منازل المدنين العرب وترحيل السكان»( ). واستمر الوضع على تلك الشاكلة حتى المرور بالقرار 2628، لعام 1970، والذي ربط العودة بالسلام الشامل والعادل في الشرق الأوسط( ). غير أن أهم القرارات هو ذاك الذي أصدرته لجنة حقوق الإنسان، في 22/7/1972، والذي ماثل بين الممارسات الإسرائيلية والنازية.
القرار رقم 237 في 14 حزيران (يونيو) 1967
وقد تضمن دعوة إسرائيل إلى احترام حقوق الإنسان في المناطق التي تأثرت بصراع الشرق الأوسط 1967. وجاء فيه :
أن مجلس الأمن إذ يأخذ بعين الاعتبار الحاجة الملحة إلى رفع المزيد من الآلام عن السكان المدنيين أسرى الحرب في منطقة النزاع في الشرق الأوسط.
وإذ يعتبر أنه يجب احترام حقوق الإنسان الأساسية وغير القابلة للتصرف حتى في ظروف الحرب المتقلبة.
وإذ يعتبر أنه يجب الامتثال لجميع الالتزامات الناجمة عن اتفاقية جنيف الخاصة بمعاملة أسرى الحرب تاريخ 12 آب (أغسطس) 1949، من قبل الأطراف المعنية في النزاع.
1- يدعو حكومة إسرائيل إلى تأمين سلامة وخير وأمن سكان المناطق التي جرت فيها عمليات عسكرية، وتسهيل عودة أولئك الذين فروا من هذه المناطق منذ نشوب القتال.
2- يوصى الحكومات المعنية بأن تحترم بدقة، المبادئ الإنسانية الخاصة بمعاملة أسرى الحرب وحماية الأشخاص المدنيين في زمن الحرب، التي تتضمنها اتفاقيات جنيف الصادرة في 12-آب (أغسطس ) 1949.
3- يطلب من الأمين العام متابعة تنفيذ هذا القرار تنفيذ فعالا، ورفع تقرير عن ذلك إلى مجلس الأمن .
قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (3236) الدورة 29 الصادر في 22/11/1974
تضمن أن الجمعية العامة وقد نظرت في قضية فلسطين ، وقد استمعت إلى بيان منظمة التحرير الفلسطينية ممثلة شعب فلسطين، وقد استمعت إلى بيانات أخرى ألقيت خلال المناقشة ، وإذ يقلقها عميق القلق أنه لم يتم، حتى الآن التوصل إلى حل عادل لمشكلة فلسطين وإذ تعترف بأن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين لا تزال تعرض السلم والأمن الدوليين للخطر، واعترافاً منها بأن الشعب الفلسطيني قد منع من التمتع بحقوقه غير القابلة للتصرف، لا سيما حقه في تقرير مصيره، وإذ تسترشد بمقاصد الميثاق ومبادئه.
وإذ تشير إلى قراراتها المتصلة بالموضوع، والتي تؤكد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
1- تؤكد من جديد حقوق الشعب الفلسطيني في فلسطين ، غير القابلة للتصرف وخصوصاً:
أ- الحق في تقرير مصيره دون تدخل خارجي.
ب- الحق في الاستقلال والسيادة الوطنيين.
2- وتؤكد من جديد أيضاً حق الفلسطينيين ، غير القابل للتصرف في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي شردوا منها واقتلعوا منها، وتطالب بإعادتهم.
3- وتشدد على أن الاحترام الكلي لحقوق الشعب الفلسطيني هذه غير القابلة للتصرف وإحقاق هذه الحقوق ، أمران لا غنى عنهما لحل القضية الفلسطينية.
4- وتعترف بأن الشعب الفلسطيني ، طرف رئيسي في إقامة سلم عادل وشامل في الشرق الأوسط.
5- وتعترف كذلك بحق الشعب الفلسطيني في استعادة حقوقه بكل الوسائل وفقاً لمقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه.
6- وتناشد جميع الدول والمنظمات الدولية أن تمد بدعمها الشعب الفلسطيني في كفاحه لاسترداد حقوقه وفقاً للميثاق.
7- وتطلب من الأمين العام أن يقيم اتصالات مع منظمة التحرير الفلسطينية في كل الشؤون المتعلقة بقضية فلسطين.
8- وتطلب إلى الأمين العام أن يقدم للجمعية العامة وفي دورتها الثلاثين تقريراً عن تنفيذ هذا القرار.
9- وتقرر أن يندرج البند المعنون "قضية فلسطين" في جدول الأعمال المؤقت لدورتها الثلاثين.
قرار الجمعية العامة رقم 2535-ب (الدورة –24)
فقد صوتت الجمعية العامة على القرار المذكور ، بعد مناقشة بند "التقرير السنوي لمدير وكالة الغوث"الأونروا" ، وقد جاء في القرار أن "الجمعية العامة إذ تقر بأن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين نشأت عن إنكار حقوقهم الثابتة التي لا يمكن التخلي عنها، والمقررة في ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان تعود وتأكد الحقوق الثابتة لشعب فلسطين، يعد هذا قراراً صريح من الأمم المتحدة بأن اللاجئين الفلسطينيين شعب لا مجرد كتلة من اللاجئين ، ولهذا الشعب حقوقه المشروعة بموجب ميثاق الأمم المتحدة.
وفي عام 1970 ، خطت الأمم المتحدة أبعد في توضيح هذه الحقوق وتفصيلها حين صوتت على:
القرار رقم 2672(الدورة –25)الصادر في 8 كانون الأول(ديسمبر)1970
بعد مناقشة التقرير السنوي للمفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى " الانروا"، عن الفترة من 1 /تموز (يوليو) 1969 إلى 30 /حزيران(يونيو) 1970. يحدد هذا القرار بوضوح أكبر حقوق الشعب الفلسطيني، فالجمعية العامة بعدما استذكرت قرارها السابق رقم 2535-ب(الدورة 24) وما جاء فيه أكدت :" ضرورة الأخذ بمبدأ تساوي الشعوب في الحقوق ، وحقها في تقرير المصير المكرس في المادتين (1،55) من ميثاق الأمم المتحدة والمعاد تأكيده مرة أخرى في الإعلان الخاص بمبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقاً لميثاق الأمم المتحدة. "تعترف لشعب فلسطين بالتساوي في الحقوق، وبحق تقرير المصير، وتطلب مرة أخرى من حكومة إسرائيل أن تتخذ فوراً ، ودون مزيد من التأخير خطوات فعالة لاعادة المشردين .
وأهمية الإشارة إلى المادة رقم(1) من الميثاق هي في أنها ترد في فصله الأول الذي تضمن (مبادئ الهيئة ومقاصدها) ، والذي يؤكد على أن إنماء العلاقات الودية بين الشعوب/ الأمم على أساس احترام المبدأ القاضي بالتساوي في الحقوق بين الشعوب ، ولكل منها حق تقرير مصيرها، فجعل المشروع في هذه المادة، المساواة في الحقوق بين الشعوب وحق تقرير المصير دعامتين من دعائم السلم العالمي.
صوتت الجمعية العامة في نفس السنة على القرار رقم 2628 (الدورة –25) الصادر بتاريخ 4 نوفمبر 1970
بعد مناقشة بند الوضع في الشرق الأوسط، وقد نصت الفقرة (3) منه على أن الجمعية العامة تعترف بأن احترام حقوق الفلسطينيين هو عنصر لا غنى عنه من أجل إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط(133). يعد هذا الاعتراف مهم، لأنه جاء ضمن تصور شامل لحل مشكلة الشرق الأوسط ، ونص على أن احترام حقوق الفلسطينيين عنصر أساسي لا في التوصل إلى السلام فحسب بل في إقامته وتوطيده، ويتضح من ذلك كله أن الجمعية تخطت قرار مجلس الأمن رقم (242) عام 1967.
ويزيد من أهمية هذين القرارين قرار ثالث اتخذ في الدورة نفسها :
القرار رقم (2649) (الدورة –25) الصادر بتاريخ 30 نوفمبر1970.
والذي يدين الحكومات التي تنكر حق تقرير المصير على الشعوب المعترف لها بذلك الحق، خصوصاً لشعوب جنوب أفريقيا وفلسطين ، الأمر الذي جعل قضية فلسطين قضية استعمارية، واعتبر نضال شعبها من اجل تقرير المصير نضالاً مشروعاً ضد الاستعمار الأجنبي ، فقد أكدت الجمعية العامة في مقدمة هذا القرار على أهمية التحقيق العالمي لحق الشعوب في تقرير المصير وضرورة الإسراع في منح الاستقلال للشعوب والبلاد المستعمرة من أجل الضمان الفعال لحقوق الإنسان والتقيد بها .
و بعد أن استذكرت القرارات الأساسية الصادرة عنها حول إنهاء الاستعمار ... واستنادا لهذا جميعه، تؤكد الجمعية على شرعية نضال الشعوب الخاضعة للسيطرة الاستعمارية والأجنبية والمعترف بحقها في تقرير المصير، لكي تستعيد ذلك الحق بأية وسيلة في متناولها، وحقها في البحث عن جميع أنواع المعونة المادية والمعنوية وتلقيها بموجب تلك القرارات وروح ميثاق الأمم المتحدة…. وتدعو جميع الحكومات التي تنكر حق تقرير المصير على الشعوب المستعمرة إلى الاعتراف بذلك الحق واحترامه.
وفي عام 1971 أكدت الجمعية العمومية مرة أخرى في قرارها رقم 2787 (الدورة –26) الصادر في 6/12/1971 "شرعية نضال الشعوب لتقرير المصير والتحرر من الاستعمار والسيطرة والتسلط والاستعباد الأجنبي، بما في ذلك شعب فلسطين ، بكل الوسائل المتوافرة والمنسجمة مع الميثاق .
وقد استمرت الجمعية العامة في تكرار ذلك مراراً، بل وأدرجت قضية فلسطين كبند مستقل على جدول أعمالها في الدورة (29) عام 1974،وأصدرت قرارها رقم 3236 بتاريخ 22 نوفمبر1974 ، بشأن الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، وتضمن في فقرته الثانية: تؤكد الجمعية العامة من جديد حق الفلسطينيين الثابت في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي شردوا عنها واقتلعوا منها، وتطلب بإعادتهم، بعد أن أكدت في الفقرة الأولى من القرار الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، ولاسيما الحق في الاستقلال والسيادة الوطنية، والحق في تقرير المصير دون تدخل خارجي.
في عام 1975 حصل تطوران هامان :
فقد أصدرت الجمعية العامة انطلاقاً من قرارها رقم 3151 ز(الدورة –28) بتاريخ 14-12-1973 الذي شجبت فيه التحالف الأثيم الظالم بين العنصرية في جنوب أفريقيا وبين الصهيونية .
أما التطور الثاني فقد تمثل بإصدار الجمعية العامة القرار رقم 3376 (الدورة 30 بتاريخ10/نوفمبر 1975. حيث شكلت بموجبه لجنة تعني بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه الثابتة ، وكلفتها إعداد برنامج تنفيذي يكون غايته تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه المعترف بها في الفقرتين الأولى والثانية من قرار الجمعية العامة رقم (3236) الدورة (29) مع الأخذ بعين الاعتبار عند صياغة توصياتها بغرض التنفيذ جميع السلطات التي قدمها الميثاق للهيئات الرئيسية في الأمم المتحدة . وقد قدمت اللجنة تقريرها الأول إلى مجلس الأمن بواسطة أمينه العام، فبحث التقرير ونوقشت التوصيات في حزيران 1976،ووفق عليها بالأكثرية ، بيد أن مشروع القرار سقط بالنقض الأمريكي "الفيتو".
لقد درجت هذه اللجنة تقديم تقريراً كل عام إلى الجمعية العامة ، وقدمت تقريرها أنف الذكر ، مع النتيجة التي آلت إليه مناقشات مجلس الأمن في حزيران 1976 ، إلى الدورة الحادية والثلاثين (1976) فأقرت الجمعية العامة توصيات اللجنة في قرارها 31/20(الدورة –31) الصادر في 24 نوفمبر عام 1976، وحثت مجلس الأمن على بحث التوصيات مرة أخرى، بغية اتخاذ التدابير اللازمة لتنفيذ توصيات اللجنة لكي يتحقق في وقت مبكر تقدم نحو حل قضية فلسطين، وإقرار سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط".
تضمن تقرير اللجنة برنامجاً تنفيذياً يمارس الشعب الفلسطيني على أساسه حقوقه الثابتة ، وفيها حق العودة ، وقد تضمن البرنامج مرحلتين لعودة اللاجئين:-
المرحلة الأولى: عودة اللذين نزحوا نتيجة لحرب حزيران 1967، وهي عودة غير مشروطة ، ويتم تنفيذها فوراً.
المرحلة الثانية: عودة اللذين نزحوا في الفترة الواقعة بين عامي 1948 و 1967، وتتولى الأمم المتحدة بالتعاون مع الدول المعنية ومنظمة التحرير الفلسطينية ، اتخاذ الترتيبات اللازمة لتمكين اللاجئين من العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم ، وأما اللذين لا يختارون العودة ، يدفع لهم تعويضاً عادلاً ومنصفاً.
بحث مجلس الأمن توصيات اللجنة بناء على طلب الجمعية العامة أربع مرات خلال الفترة من عام 76 حتى عام 1980 ، وفي كل مرة كانت مشاريع القرارات التي تؤيد التوصيات وتقرر تنفيذها تفوز بأكثرية أصوات أعضاء المجلس إلا أن حق النقض "الفيتو" الذي كانت الولايات المتحدة تستخدمه ضد هذه المشاريع كان يؤدي إلى إسقاطه.
كل هذه التطورات وتفاعلاتها وارتباطها قادنا إلى قرار دولي جديد. فقد حمل الثاني عشر من شهر آذار لعام 2002 في ثناياه بدور تحول صعيد الشرعية الدولية وتحديداً بصدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم"1397" الذي صدر مؤخراً مطلقاً مسمى الدولة الفلسطينية جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل وذلك لأول مرة في تاريخ مداولاته السياسية منذ تأسيسه في العام 1945.
تنحصر أهمية طرح فكرة الدولة التي حلم الشعب الفلسطيني بها وأصر عليها وضحى من أجلها باعتبارها واحدة من منظومة حقوقه الأخرى إلا أنها هذه المرة قد انتقلت من دائرة الاعتراف الجزئي بها إلى دائرة اعتراف أعلى مرجعية سياسية دولية يفترض أنها ممثلة للشرعية الدولية،الأمر الذي أضفى عليها ما تستحقه من شرعية وحصنها في وجه كل الادعاءات الرافضة لها، كونها أصبحت حقيقة لا شك فيها .
ويكتسب القرار رقم 1397 أهمية كبيرة في ظل التطورات السياسية، الإقليمية والدولية لا ينبغي تجاهلها أو التقليل منها:
- فهو أولاً يعتبر انتصاراً للشعب الفلسطيني وانتفاضته .
- ويعتبر ثانياً تتويجاً وتأكيداً على القرارات التي أصدرتها الأمم المتحدة بشأن القضية الفلسطينية ويعيد فتح ملفها من جديد .
نلاحظ أن أغلبية القرارات السابقة إنما هي صادرة عن الجمعية العامة للأمم الُمتحدة وليس مجلس الأمن الدولي وهو ما ُيثير إشكالية مدى القوة القانونية الُملزمة لتلك القرارات باعتبار أن قرارات الجمعية العامة لا ُتصدر ، من حيث المبدأ ، إلا توصيات ليس لها صفة القرارات الُملزمة مما يستدعي التوقف قليلاً لدراسة القوة القانون للقرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة . ( يتعين الإطلاع هنا على محاضرات powerpoint الُمرفقة ) .
سوابق فرضت فيها الأمم المتحدة حق العودة للاجئين ونازحين
لقد قرر مجلس الأمن بموجب المادة 39 من الميثاق أن الخروق الفظيعة لحقوق الإنسان وللقانون الإنساني – بما في ذلك الانتهاكات لحقوق اللاجئين في العودة إلى بيوتهم – تشكل تهديداً للأمن والسلام الدوليين. وينعكس هذا الربط بين تدفقات اللاجئين ومخاطر تهديد السلام في القرار 688 فيما يخص الأكراد، وفيما يتعلق بالصومال وكوسوفو ورواندا. وهكذا تصرف مجلس الأمن حيال الهجرات الجماعية إما بمواجهة تدفق سكان وشيك، أو بمحاولة التصدي للأسباب الأصلية لتلك الهجرات.
- ففي القرار 688 مثلاً أعرب مجلس الأمن عن ((قلقه البالغ لقمع السكان المدنيين العراقيين في أنحاء عديدة من العراق، بما فيها مؤخراً المناطق التي يسكنها أكراد، الأمر الذي أدى إلى تدفق هائل للاجئين باتجاه الحدود الدولية، بما يهدد السلام والأمن الدوليين في المنطقة)).
- وفيما يتعلق بأزمة يوغوسلافيا السابقة، شجب مجلس الأمن كل انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني، بما في ذلك التطهير العرقي، وهي انتهاكات تشكل الأسباب الأصلية للهجرة الجماعية. ففي القرارات 752 و 771 (لعام 1992) و 819 (لعام 1993) دعا مجلس الأمن إلى وقف فوري لأعمال الطرد الجماعي للسكان من بيوتهم، والهادفة إلى تغيير التكوين الإثني للسكان.
- وفي القرار 787 الذي فرض عقوبات اقتصادية على جمهورية يوغوسلافيا الفيدرالية، أعاد المجلس التأكيد على عدم السماح باكتساب الأراضي بالقوة وعدم السماح باللجوء إلى التطهير العرقي، وطالب بعودة كل المرحلين إلى بيوتهم.
وإلحاقاً بهذه القرارات تبنى مجلس الأمن عقوبات اقتصادية وإجراءات أخرى بمقتضى الفصل السابع من الميثاق، ينبغي على الدول أن تطبقها وتفرضها بموجب المادة 25 من ذلك الميثاق.
كما أنشأ المجلس ((مناطق آمنة))، للأكراد أولاً، ثم في البوسنة، ومدد فترة تفويض قوات حفظ السلام من أجل حماية هؤلاء السكان بما في ذلك توفير المساعدة الإنسانية. وأنشأ أيضاً محكمتين جنائيتين دوليتين لمحاكمة المسؤولين في يوغوسلافيا ورواندا عن أعمال الإبادة والتطهير العرقي – وهي الأسباب الأصلية لتدفقات اللاجئين الكبرى من هذين البلدين.
كما أقر مجلس الأمن حق العودة، وذلك في القرار 361(لعام 1974) بخصوص قبرص، والقرار 820 (لعام 1993) بخصوص البوسنة والهرسك. فالمادة الأولى من الملحق 7 عن اللاجئين والمهجرين، وهو الذي يشكل جزءاً لا يتجزأ من اتفاقيات دايتون، ينص على التالي:
((1. كل اللاجئين والمهجرين يملكون الحق في أن يعودوا – بحرية- إلى بيوتهم الأصلية. ولهم الحق في أن تعاد إليهم ممتلكاتهم التي حرموا منها أثناء الأعمال العدائية منذ عام 1991، وأن يعوضوا عن أي ملك لا يمكن إعادته إليهم. إن العودة المبكرة للاجئين والمرحلين هدف مهم لتسوية النزاع في البوسنة والهرسك. وقد أكدت الأطراف قبولها عودة هؤلاء الأشخاص الذين غادروا أرضهم، بمن فيهم أولئك الذين منحوا حمايةً مؤقتة من طرف ثالثة.
2. تضمن الأطراف السماح للاجئين والمهجرين بالعودة سالمين، ومن دون خطر تعرضهم للإزعاج أو التخويف أو الملاحقة أو التمييز، وبخاصة بسبب أصلهم الإثني أو معتقدهم الديني أو رأيهم السياسي.
3. ستتخذ الأطراف كل الخطوات اللازمة من أجل منع النشاطات التي من شأنها أن تعوق أو تمنع العودة الآمنة والطوعية للاجئين والمهجرين(...).
4. إن اختيار الوجهة سيكون من مسؤولية الفرد أو العائلة، وسيتم الحفاظ على مبدأ وحدة العائلة. لن تتدخل الأطراف في خيار العائدين لوجهتهم، ولن تجبرهم على البقاء في /أو الانتقال إلى/ أوضاع تتسم بالخطر أو اللاأمان الشديدين، وإلى مناطق تنقصها البنية التحتية الأساسية اللازمة لمواصلة حياة طبيعية)).
وهكذا تم أيضاً ربط حق العودة بإعادة الممتلكات أو التعويض عن الخسائر في الممتلكات، على ما ينص الملحق السابع من اتفاقية دايتون. بل إن هذه الاخيرة أبدعت لا بإنشاء آليةٍ للتعويض على شكل لجنة مستقلة يعينها رئيس ((المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان)) فحسب، بل أيضاً بتكريس هذا المبدأ في الدستور الجديد للبوسنة والهرسك.
واضح إذاً، أن مشكلة اللاجئين هي هم من هموم المجتمع الدولي ككل. ولقد بدأنا نرى في هذا الصدد انبثاق نظام لا يكتفي بتنظيم التزامات الدولة الأم على أساس حق عودة مواطنيها إليها وخلق ظروف العودة الآمنة بوقف الانتهاكات التي كانت في أصل الهجرة، وإنما يتعدى ذلك إلى تحميل مسؤولية ما للمنظمات الإنسانية الدولية وللمجتمع الدولي ككل على أساس المشاركة في العبء.
وهذه العملية اشتملت على عدد من الشركاء، وضمنهم: المنظمات الإقليمية (الناتو، الاتحاد الأوربي،...)، وهيئات حقوق الإنسان من أجل الإشراف على احترام الالتزام بحقوق الإنسان، والمنظمات الإنسانية بغية عودة منظمة للاجئين والمرحلين إلى بيوتهم، ووكالات التنمية بهدف إعادة بناء المناطق المتضررة.
إذاً على مشكلة اللاجئين الفلسطينيين أن ينظر إليها على خلفية هذه التطورات الراهنة في الأمم المتحدة وفي القانون الدولي. وتصبح بينة، في هذه الحال، المعايير المزدوجة؛ ذلك أنه برغم الإطار القانوني الذي أنشأته الأمم المتحدة بخصوص فلسطين، فإنها لم تستطع أن تفرض أي فعل يطبق قراراتها العديدة.
مسئولية إسرائيل القانونية تجاه اللاجئين الفلسطينيين
مسئولية إسرائيل القانونية تجاه اللاجئين الفلسطينيين.
د.إبراهيم دراجي
إن طرح أي مناقشة لمسؤولية إسرائيل في خلق قضية اللاجئين قد يوحي بشكوك وتردد حول مسؤولياتها مع أنها بمثابة مُسّلمّه تاريخية، سيما وان قضية في هكذا وضوح تتكلم عن نفسها، وتشير بأصابع الاتهام والإثبات لمسؤولية إسرائيل السياسية والقانونية والأخلاقية لحالة التشرد واللجوء والتمزق الاجتماعي، الذي لحق بالغالبية العظمى لشعب فلسطين أبان نكبة 48 وعلى مدار عقود مضت.
يكاد المرء لا يجد فلسطينياً واحداً في شتى أرجاء المعمورة غير منكوب أو متضرر جراء تشريد الشعب الفلسطيني عام 48 واقتلاعه من أرضه وبلاده ومحيطه الاجتماعي، وإقامة كيان مجتمعي وسياسي جديد على أنقاضه. لم تكتف إسرائيل بإبعاد الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني خارج وطنه واحتلال 78% من مساحة فلسطين التاريخية بل بادرت إلى حروب جديدة خلال سنين كيانها، ونجحت في كثير من الأحيان، في إيجاد مناخ تشريد ولجوء .
مع ذلك، وبما أن سؤال مسؤولية إسرائيل عن خلق قضية اللاجئين مطروحاً، فما علينا إلا أن نحاول الإجابة عليه بوضوح وضمن عملية ترسيم لبعض العناصر المفصلية في فهم قضية اللاجئين وإسقاطاتها على القضية الفلسطينية.
إسرائيل تنفي مسؤوليتها بذريعة أنها غير مسؤولة عن رحيل وتهجير اللاجئين الفلسطينيين :
تدعي إسرائيل أنها غير مسؤولة قانونياً وتاريخياً عن ميلاد قضية اللاجئين لان الفلسطينيين استجابوا إلى قادتهم والى أوامر بثتها الإذاعات العربية بضرورة الرحيل عن فلسطين، فيما كان بعض المسؤولين اليهود يلحون عليهم في البقاء!!
إن ادعاء إسرائيل بوجود قرار عربي بالرحيل عارٍ عن الصحة وقد تم تفنيده ودحضه من قبل المؤرخ الايرلندي ارسكابن.ب. شايلدرز. لقد افترى الزعماء الصهاينة هذه الفرية لتضليل الرأي العام من اجل إعفاء إسرائيل من مسؤوليتها حيال قضية الطرد الجماعية للفلسطينيين وميلاد قضية اللاجئين.
لقد اكتشف هذا الباحث أن الزعم الصهيوني لا أساس له، وذلك بعد سماعه إلى جميع برامج الإذاعات العربية في تلك الفترة التي قامت منصتات البي- بي- سي ووكالة الأنباء المركزية الأمريكية الخاصة بتسجيل ما أذيع في اللغات العربية والعبرية والانكليزية من فلسطين والبلاد المجاورة في عامي 1947 و1948 وقد سجلت هذه الإذاعات يومياً في قبرص.
إسرائيل مسؤولة بسبب عمليات الطرد وارتكاب المجازر : يخلص الباحث الفلسطيني نور الدين مصالحة في كتابه "طرد الفلسطينيين" إلى خلاصة مفادها أن مشكلة اللاجئين خُلِقت عمداً وبسبق إصرار وتصميم، ويبين من خلال بحثه أن زعامة اليشوف خططت لِ "الترحيل" وانتهجت سياسة ترحيل غير معلنة بين سنتين 1937 و- 1948، والتي دخلت حيز التنفيذ أبان حرب 1948. كما يشير إلى حقيقة تأليف لجان ترحيل خلال حرب 1948 من جانب المجموعات اليهودية للمساعدة على تسهيل الهجرة الجماعية.
والى جانب ذلك نشر بيني موريس في كتابة "ميلاد قضية اللاجئين الفلسطينيين 1947- 1949" استناداً إلى الأرشيفات الصهيونية حقائق دامغة حول المجازر وعمليات الطرد الجماعية ابتداءً من شهر كانون أول 1948، والى الخطط التي وضعت لاستحالة عودة اللاجئين، ومنها هدم القرى المهجورة والإعلان عن المناطق العسكرية المغلقة، وإقامة المستوطنات الجديدة على أنقاض القرى المهجرة واستيعاب عشرات ألاف من المهاجرين الجدد.
ففي نيسان 1948 استولت القوات الإسرائيلية على مدينتي اللد والرملة الواقعتين تحت سلطة الدولة العربية بموجب قرار التقسيم، وبعد مذبحة في اللد أجلي ما يقارب الـ 70,000 من سكان المدينتين بأمرٍ عسكري موقع من يسحاق رابين.
كانت سياسة الطرد والترحيل التي انتهجتها الهاجناه والجيش الإسرائيلي عام 1948 مبنية على مفاهيم ومخططات تعود جذورها إلى مشاريع الترحيل القسري للقيادة الصهيونية في الثلاثينات والأربعينات، وليس سراً أن ترحيل معظم سكان القرى الفلسطينية إبان الحرب قد أولي أهمية اكبر من ترحيل سكان المدن، والسبب في ذلك يعود إلى تمشي هذا الهدف مع الحملة الصهيونية للاستيلاء على الأرض وتوزيعها لاحقاً على المستوطنات اليهودية والمهاجرين الجدد.
وفعلاً بادرت إسرائيل مباشرة بعد إعلان قيامها إلى جعل إمكان عودة اللاجئين صعب المنال، حيث بادرت إلى إحداث تغييرات واضحة في معالم فلسطين الطبيعية والسكانية. فقد شملت هذه التغييرات تدمير القرى العربية المهجورة بالتدريج بحيث شمل هذا التدمير المباني والمزارع والحقول وتم توزيع الأراضي على المستوطنات اليهودية المحاذية أو الجديدة، وتوطين المهاجرين اليهود في البيوت العربية الخالية في القرى والمدن.
لقد تصرف الفلسطينيون المبعدون عن أرضهم وقراهم كما يتصرف كل بني البشر الذين يجبرون قسراً على ترك منازلهم تحت وطأة الحرب، إذ بدأ اللاجئون في شتى أماكن اللجوء في ربيع سنة 1948 المطالبة بالعودة إلى منازلهم وقراهم. ومنذ مطلع صيف سنة 1948 تعرضت إسرائيل لضغط دولي يقوده الكونت برنادوت، وسيط الأمم المتحدة إلى فلسطين، من أجل عودة جماعية للاجئين إلى وطنهم، مما حدا بالمجموعات اليهودية إلى اغتياله غداة يوم تقديم توصياته.
وقام دافيد بن غوريون، أول رئيس حكومة في إسرائيل في 1948 بوضع سياسة حكومة إسرائيل الرافضة منح حق العودة للاجئين استناداً إلى مصالح السكان اليهود على المدى الطويل واستقرار الدولة.
قبول إسرائيل في الأمم المتحدة ُمرتبط بقبولها مبدأ عودة اللاجئين الفلسطينيين ومحاولاتها للتهرب من المسؤولية :
صرح بن غوريون يوماً قائلاً "إن صراعنا مع الفلسطينيين واضح البساطة، نحن وهم نتنازع على نفس قطعة الأرض، والفرق بيننا وبينهم أننا سنكسب إما بالحرب وإما بالسياسة وإما بالخديعة، ولن يكتمل نصرنا إلا إذا حصلنا على توقيعهم بذلك" .
يلخص هذا التصريح نظرة إسرائيل إلى مجمل الصراع العربي الإسرائيلي. فالتصميم على الانتصار بأي شكل هو الذي دفع إسرائيل أن تقبل بقرار عودة اللاجئين رقم 194 في بداية الأمر. و رغبة إسرائيل في إسباغ الشرعية الدولية على وجودها جعلها تتقدم إلى الأمم المتحدة تطلب قبولها عضوا، ووجه الغرابة في هذا أن كلا الدولتين العظميين تبنت الطلب الإسرائيلي رغم أن الدولتين الأعظم عطلت ما يزيد عن 30 طلباً للعضوية في الأمم المتحدة منذ تأسيسها حتى عام 1955، لم يقبل منها إلا تسعة وكانت إسرائيل من ضمنها.
أحيل هذا القرار إلى الجمعية العامة التي ناقشت موضوع عضوية إسرائيل، استطاعت الدول العربية وبعض المتعاطفين معها إبراز حجج قانونية لم تتوفر لإسرائيل مثل عدم وجود حدود للدولة ثم قيامها بقتل الوسيط الدولى برنادوت، وكان قبول إسرائيل في الأمم المتحدة أول قبول شرطي لدولة عضو وهو الوحيد حتى الآن.
وقد عبر عن هذه الرابطة بوضوح القرار 273 في الدورة الثالثة الصادر بتاريخ 11/5/1949م المتعلق بقبول إسرائيل في الأمم المتحدة وقد نص على
" أن الجمعية العامة وقد تسلمت تقرير مجلس الأمن بشأن طلب إسرائيل الدخول في عضوية الأمم المتحدة إذ تلاحظ تصريح إسرائيل بأنها تقبل دون تحفظ الالتزامات الواردة في ميثاق الأمم المتحدة وتتعهد أن تحترمها منذ اليوم الأول الذي تصبح فيه عضواً في الأمم المتحدة، وإذ تذكّر بقراريها الصادرين في 29 تشرين الثاني عام 1947م القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية، وفي 11 كانون الأول عام 1948م الذي أُقر بموجبه حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وتأخذ الجمعية العامة علماً بالتصريحات والإيضاحات التي صدرت عن ممثل حكومة إسرائيل أمام اللجنة السياسية الخاصة فيما يتعلق بتنفيذ القرارين المشار إليهما.... وإذ تلاحظ أن مجلس الأمن قد أوصى الجمعية العامة بقبول إسرائيل عضواً في الأمم المتحدة".
قبلت إسرائيل شروط الأمم المتحدة ودخلتها في مايو 1949 ، وكان يبدو واضحاً أن الاعتراف الإسرائيلي بقرارات الشرعية الدولية لم يكن إلا موقفاً مرحلياً لإخماد أصوات المعارضة أمام دخول إسرائيل المسرح الدولي من أوسع أبوابه.
إلا أن إسرائيل غيرت موقفها من قضية عودة اللاجئين بشكل جذري ، ففي مذكرة أرسلتها إسرائيل إلى لجنة التوفيق الخاصة بفلسطين أكدت فيها "...أن عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء وأن عودة اللاجئين العرب إلى أماكنهم السابقة شيء مستحيل، هل من المعقول خلق ذلك المجتمع الثنائي الذي عانت منه الساحة الفلسطينية طويلاً وأدى في النهاية إلى حرب مكشوفة؟ في أحسن الأحوال سينشأ وضع معقد وغير مستقر حيث يشترك في دولة واحدة شعبان يختلفان في العنصر والدين واللغة .إن معظم الأوضاع الشبيهة بهذا الوضع قد حلت عن طريق الهجرة طوعاً أو قسراً وبموافقة دولية أو بدونها، إن المعالجة العقلانية الوحيدة هي دمج اللاجئين في تلك البلاد العربية التي تتسع لهم وحيث لا مجال لنشوء مشاكل ازدواجية العنصر والثقافة..".
ومع ذلك لم تقم إسرائيل بالوفاء بالالتزامات التي تعهدت بها أمام المجتمع الدولي عند قبولها كعضو في الأمم المتحدة، وهذا يؤكد أن عدم تنفيذ إسرائيل لقرارات الأمم المتحدة بشأن اللاجئين لا يحملها مسؤولية جسيمة تجاه اللاجئين فحسب، بل يحل أيضاً الأمم المتحدة من التزاماتها تجاهها، فيحق للمنظمة الدولية أن تطرد إسرائيل من عضويتها، وإن المبتغى القانوني من الصلة الوثيقة التي ربطت بها الجمعية العامة في نص واحد بين قبول عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة وتنفيذ القرار رقم 194 الخاص بحق العودة؛ كان هذا المبتغى إعطاء تنفيذ هذا القرار صفة الشرط المُلغي؛ وفي معارضتها بإصرار عودة اللاجئين؛ تكون إسرائيل قد تخلفت عن تنفيذ هذا الشرط، وجردت قرار قبولها في المنظمة الدولية من قانونيته.
قام الرفض الإسرائيلي على المراهنة على أن الجيل القديم الذي ارتبط بأرض فلسطين وغادرها سوف ينتهي خلال مرحلة زمنية محدودة طالت أم قصرت أما الجيل الجديد فسيغرق في متاهة فيذوب في المجتمعات التي يعيشون فيها وبالتالي فإن المطالبة بحق العودة ستنتهي خلال عقدين أو ثلاثة من الزمن.
علماً أن موضوع اللاجئين قد شغل الزعامات والقيادات اليهودية منذ بداية المشكلة ووضعوا تصورات للتعامل معها تتلخص بــ:
1- تدمير أكبر عدد ممكن من القرى خلال العمليات العسكرية.
2- منع العرب من العمل في مزارعهم بعد هدم بيوتهم
3- تبني خط دعائي هدفه منع اللاجئين من العودة.
4- إشغال الفراغ الناشئ عن النزوح بتوطين اليهود في أماكن العرب.
5- تبنى قوانين لمنع عودة اللاجئين الفلسطينيين.
6. المساهمة في توطين الفلسطينيين في الدول العربية عندما يحين الوقت لذلك.
وصرح بن غوريون بأن إسرائيل قد تسمح لعدد من العمال المهرة من الفلسطينيين اللاجئين بالعودة ، ليس استجابة للضغوط الدولية بل لأنها قد تحتاج إلى بعض العمال في تلك المرحلة. ولكن على ألا يعود فلاح فلسطيني واحد إلى أرضه. وهذا الموقف نابع من ارتباط الفلاحين التقليدي بأرضهم وعدم إمكانية توزيعهم ديمغرافياً مرة أخرى.
وفي رد لوزير خارجية إسرائيل موشيه شاري إلى طلب الكونت برنادوت لإعادة اللاجئين الفلسطينيين رفض شاريت رأي برنادوت وطالب بأن يوطن اللاجئون في خارج فلسطين المحتلة وأوصى بمسح القرى والمدن الفلسطينية التي كان يسكنها العرب وذلك حتى لا تترك أثراً يربطهم بأرضهم وتساءل كيف يتصور أن يعاد العرب إلى إسرائيل ألا يهدد ذلك نقاء دولة إسرائيل وألا يعني مزاحمة هؤلاء لليهود.
وفي عام 1956 أثناء زيارة شاريت للولايات المتحدة أبدى استعداد إسرائيل للنظر بجدية إلى مبدأ التعويض شريطة أن يتم توطين اللاجئين الفلسطينيين في البلاد التي لجأوا إليها. وبعد تسع سنوات قدم ليفي أشكول رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك مشروعاً للكنيست الإسرائيلي اقترح فيه تحويل مبالغ مالية إلى الدول العربية التي تستضيف اللاجئين وذلك بغية دمجهم في هذه المجتمعات مقابل فتح أبواب التجارة أمام البضائع الإسرائيلية في البلاد العربية.
وجرى تداول عدد من المشاريع الإسرائيلية للتعامل مع قضية اللاجئين ، منها:
1 ـ مشروع إيجال ألون: قدم هذا المشروع بعد حرب حزيران 1967 ويبدو أن سيطرة إسرائيل على أعداد جديدة من الفلسطينيين بعد الحرب دفع قادتها إلى الانشغال بإيجاد بدائل وأوضاع جديدة لمشكلة اللاجئين.
يقوم مشروع ألون على إنكار مسئولية إسرائيل عن المشكلة ودوامها واتهم البلاد العربية بأنها السبب في ذلك وأكد أنه لا يوجد لدى إسرائيل القدرة الاستيعابية لإعادة اللاجئين وتوطينهم في ضوء قدوم عدد من المهاجرين من البلاد العربية، واعتبار هذه العملية عملية تبادل سكاني بين البلاد العربية وإسرائيل العبرية ودعا إلى تكثيف الزراعة والتنمية الصناعية وتطوير الخدمات الملائمة في المناطق المحتلة حتى يمكن استيعاب اللاجئين القادمين إلى الضفة كما دعا إلى توطين كم آخر من اللاجئين في سيناء سواء قبل المصريون بذلك أم لم يقبلوا، وكي يضع ذلك موضع التنفيذ نادى بضرورة إيجاد تمويل دولي لحل المشكلة في البلاد العربية.
2 ـ مشروع أبا إيبان: وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك، قدم مشروعه في خطاب له أمام الأمم المتحدة عام 1968 وهو يستند إلى خطة خمسية في إطار مؤتمر دولي يضم دول الشرق الأوسط مع الحكومات التي تساهم في إغاثة اللاجئين. والحل في رأيه لا يتم في عودتهم إلى بيوتهم وأراضيهم ولكن من خلال توطينهم في أماكن اللجوء التي يعيشون فيها بمساعده دولية وإقليمية.
3 ـ مشروع موشيه ديان: وزير الدفاع الإسرائيلي أثناء وبعد حرب 1967 الذي شغلته قضية المخيمات كهاجس أمني وكانت سبباً في انتشار المقاومة الفلسطينية قدم مشروعاً مؤلف من عدد من النقاط:
أ - تصفية المخيمات تحت ستار تخفيف كثافة السكان خاصة في قطاع غزة على أن يتم ذلك تدريجياً.
ب - توزيع اللاجئين في مناطق جديدة تسهل السيطرة الأمنية عليها.
ج - تحقيق هدف سياسي هو تجريد اللاجئين من صفة اللاجئين بعد تركهم المخيمات تحت ستار قيام إسرائيل بإعادة تأهيلهم .
4 ـ مشروع آرئيل شارون: كان شارون في هذه الفترة يشغل قائد القوات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة وقدم مشروعه عام 1971 وهو مشروع أمني لتهدئة منطقة غزة . اقترح شارون نقل 40 ألف شخص من مخيمات القطاع إلى مكان آخر لتخفيف الازدحام السكاني الذي يثير القلاقل الأمنية، وقام شارون فعلاً بشق شوارع في المخيمات الرئيسة في القطاع لتيسير دخول القوات إلى المخيمات وتسهيل حركتها فأدى ذلك إلى هدم آلاف البيوت ونقل أصحابها إلى مخيم كندا داخل الأراضي المصرية وعندما وقعت اتفاقية السلام مع مصر لم توافق إسرائيل على عودتهم وشكّلوا جسماً جديداً أضيف إلى سجل اللاجئين السابق.
5 ـ مشروع تامير: أبراهام تامير كان يشغل منصب الأمين العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية وقد وافق عليه كلا الحزبين، العمل والليكود، وتقضى خطة تامير بتوطين 750 ألف فلسطيني في لبنان على أن يرتفع هذا العدد إلى مليون لاحقاً. وتقوم إسرائيل وفقاً لهذا المشروع بترحيل نصف مليون فلسطيني من الضفة الغربية وقطاع غزة إلى لبنان والأردن على أن يتحمل المجتمع الدولي تكاليف توطينهم وإعادة تأهيلهم، هذه الخطة حملها تامير إلى الرئيس الروماني نيكولاي شاوشيسكو الذي كان يدير حواراً غير مباشر بين مسئولين إسرائيليين وفلسطينيين، معتبراً أن الأوضاع الدولية الجديدة باتت مؤهلة لولادة كيان سياسي فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة وحل مشكلة اللاجئين بالتوطين.
حتى لو قبلنا فرضياً، ولغايات النقاش، بادعاءات إسرائيل حول مسببات لجوء اللاجئين الفلسطينيين خارج وطنهم بأنهم لبوا نداء قياداتهم السياسية، فهل يحرم ذلك الفلسطيني من العودة إلى وطنه وممارسة حياته الطبيعية كما كانت قبل اندلاع الحرب؟
في الواقع إن ادعاءات إسرائيل ترتكز إلى القوة والعنف ليس إلا، وأفضل دليل على ذلك مئات المستوطنات التي أقامتها إسرائيل في الضفة الغربية وقطاع غزة بعد حرب 1967 وبناء جدار الفصل العنصري. السؤال الذي يطرح نفسه هل يمكن لحكم القوة أو لحكم قائمٍ على القوة والبطش أن يعطل حقاً؟
أجاب العالم القانوني فيليب مارشال على هذا السؤال بما يلي:
" إن الاحتلال العسكري بذاته لا يعطي صك تملك شرعي ولا يطفئ أمةً وما دام الشعب لا يقبل الغزو العسكري ويعترض ويستطيع التعبير بشكل أو بآخر عن إرادته الثابتة باستعادة حقه فان سيادته تستمر حتى إذا انتقص منها أو غُمطت إلى حين".
إن الأمر الواقع الذي فرضته إسرائيل وسلسلة القوانين الوضعية التي شرعنت عملية السرقة التاريخية لأملاك الشعب الفلسطيني لا تلغي هذه الحقوق، لأن الشعب الفلسطيني عارض وبكل شدة انتهاك حقوقه وناصره في ذلك المجتمع الدولي ممثلاً بالأمم المتحدة، التي أكدت طوال أكثر من خمسين عام حقوق اللاجئين في العودة او التعويض مع كل ما يترتب على ذلك من إجراءات في القانون والواقع.
لقد قامت إسرائيل ومنذ تأسيسها بسن سلسلة من القوانين الملتوية والتي لا تتحدث عن الفلسطينيين إطلاقاً، مع أنها تصب كلها في هدف مقدس - من وجهة نظرها- إلا وهو إضفاء الهوية الجديدة على المكان من خلال تشريعات عنصرية. لقد أصدرت اسرائيل عام 1950 "قانون العودة" وأصبح ساري المفعول في اليوم التالي حيث فتح أبواب الهجرة والجنسية أمام جميع يهود العالم حيث وجدوا.
من جهة أخرى، ورغم أن إسرائيل حصلت على مليارات الدولارات تعويضاً من ألمانيا الاتحادية، نجد المشرع الإسرائيلي يقضي بمصادرة الأراضي والأملاك العربية بحجج مزعومة وتلفيقات قضائية، وبموجب قانون أملاك الغائبين أجازت اسرائيل لنفسها الاستيلاء على أملاك اللاجئين المنقولة وغير المنقولة متجاهلة مبادئ وأعراف قانونية متعارف عليها في القانون الدولي والقانون الطبيعي.
إن أية تسوية لا يمكن أن تكون عادلة وكاملة ما لم يتم الاعتراف من قبل اسرائيل بمسؤوليتها القانونية والسياسية عن قضية اللاجئين بكل جوانبها، وبحق اللاجئين في العودة إلى منازلهم التي طردوا منها واستعادة أموالهم وممتلكاتهم وتعويضهم عن خسائرهم المادية والنفسية.
والسؤال الآن ما هو جدوى البحث في هذا الموضوع سيما وأن اسرائيل تتنكر لهذه الحقوق جمعاء، وما تزال تمعن في سياستها بالضم والاحتلال وبناء جدار الفصل العنصري ضاربة عرض الحائط كل الشرائع والمقررات الدولية؟
إن مهمة الفلسطينيين، واللاجئين خاصة، استدامة المطالبة بحقوقهم وعدم التفريط فيها وأن يحملوا وطنهم معهم أنى حلوا وأن يتناقلوا هذا الحمل والحلم بالعودة عبر أجيالهم – حمل وحلم شكل ويشكل الضمانة الوحيدة لعودتهم.
قرارات جامعة الدول العربية المتعلقة باللاجئين
منذ أن بدأت تداعيات القضية الفلسطينية بدأ الحراك الدولي والعربي لعلاج النتائج المأساوية لها . وقد شرعت الجامعة العربية المؤسسة الإقليمية الناشئة باتخاذ بعض الخطوات العملية والتوجيهية لتنظيم الوجود الفلسطيني في دولها من خلال إصدار العديد من القرارات والاتفاقيات الصادرة عن مجالسها المختلفة خاصةً بعد النكبة حيث استمر الدعم العربي للقضية الفلسطينية وتم اتخاذ العديد من المواقف الايجابية كما صدرت صدر الكثير من القرارات لتقنين وضع اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية, رغم أنه لم يذكر الميثاق صراحة أن اللاجئين موضوع اهتمام الجامعة :
ففي عام 1952 وافق مجلس الجامعة على التوصيتين اللتين قدمتهما لجنة فلسطين الدائمة للسماح بلمِّ شمل أسر اللاجئين المشتتين وإصدار وثائق سفر موحدة .
وفي عام 1954 اتخذ المجلس قراراً مفصلاً بالإجماع يبين المعايير والإجراءات لإصدار هذه الوثائق التي استطاع الفلسطينيون فيما بعد استخدامها في السفر والتنقل بين الدول العربية وغيرها.
وفي عام 1964 صدر القرار 2019 بغالبية الأصوات الذي يمنح المزيد من التسهيلات في إجراءات إصدار وثائق السفر ومعاييرها بحيث يمنح الحق لحاملها في العودة إلى البلد الذي أصدرها دون الحاجة إلى الحصول على تأشيرة عودة، الأمر الذي أدى إلى ظهور خلاف بين الدول الأعضاء حيث تحفظت على القرار كلٌ من السعودية وليبيا ولبنان، وبالتالي أصبح القرار غير ملزم لها حسب نظام الجامعة .
كما أنشأت الجامعة العربية "مؤتمر المشرفين على شؤون الفلسطينيين في الدول العربية المضيفة." الذي كان من أهم ما أنجزه بخصوص اللاجئين الفلسطينيين "بروتوكول معاملة الفلسطينيين في الدول العربية." أو ما ُيعرف ببرتوكول الدار البيضاء .
فاستناداً إلى ميثاق جامعة الدول العربية وملحقه الخاص بفلسطين وإلى قرار مجلس جامعة الدول العربية بشأن القضية الفلسطينية وعلى الخصوص إلى القرار الخاص بالمحافظة على الكيان الفلسطيني.
فقد وافق مجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء في اجتماعه بالدار البيضاء يوم 10 سبتمبر (أيلول) لعام 1965 على الأحكام الآتية، ودعا الدول الأعضاء إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لوضعها موضع التنفيذ:
- مع الاحتفاظ بجنسيتهم الفلسطينية يكون للفلسطينيين المقيمين حالياً في أراضي............. الحق في العمل والاستخدام أسوة بالمواطنين.
- يكون للفلسطينيين المقيمين حالياً في أراضي.................... ومتى اقتضت مصلحتهم ذلك، الحق في الخروج منها والعودة إليها.
- يكون للفلسطينيين المقيمين في أراضي الدول العربية الأخرى الحق في الدخول إلى أراضي.............. والخروج منها متى اقتضت مصلحتهم ذلك. ولا يترتب على حقهم في الدخول الحق في الإقامة إلا للمدة المرخص لهم بها وللغرض الذي دخلوا من أجله ما لم توافق السلطات المختصة على غير ذلك.
- يمنح الفلسطينيون حالياً في أراضي................كذلك من كانوا يقيمون فيها وسافروا إلى المهاجر متى رغبوا في ذلك وثائق صالحة لسفرهم، وعلى السلطات المختصة أينما وجدت صرف هذه الوثائق أو تجديدها بغير تأخير.
- يعامل حاصلون هذه الوثيقة في أراضي دول الجامعة العربية معاملة رعايا دول الجامعة بشأن التأشيرات والإقامة.
مواقف الدول العربية من بروتوكول الدار البيضاء
ينقسم الموقف العربي حيال مواد البروتوكول بين مؤيد لها بشكل كامل وبين متحفظ على بعض المواد، قد أودعت الدول العربية الآتي ذكرها البروتوكول دون تحفظ وهي (سورية والأردن والجزائر والسودان والعراق والجمهورية المتحدة واليمن) .
أما الكويت وليبيا فقد تحفظتا على المادة الأولى:
- فالكويت احتفظت على أن لا تشمل المادة الأولى العمل الحر أسوة بالمواطنين نظرا لخصوصية العمل الحر فيها وخضوعه لبنود خاصة.
- أما ليبيا فقد رأت أن يخضع الفلسطينيون لشروط الإقامة التي تكون لبقية مواطني الدول العربية نفسها.
- وفي لبنان تم التحفظ على المواد الأولى والثانية والثالثة فقد أضافت إلى المادة الأولى عبارة وبقدر ما تسمح به أحوال الجمهورية اللبنانية الاجتماعية والاقتصادية، كما أضافت إليها عبارة وذلك أسوة باللبنانيين وضمن نطاق القوانين والأنظمة المرعية الإجراء. أما المادة الثالثة فقد أضافت بعد عبارة متى اقتضت مصلحتهم ذلك – ويشترط لحق الدخول إلى الأراضي اللبنانية الحصول مسبقا على سمة دخول من السلطات اللبنانية المختصة.
أما الدول التي لم تودع البروتوكول بعد فهي السعودية والمغرب.
أما بقية الدول العربية فلم تبدِ موقفها من البروتوكول, مثل تونس التي لم تحضر اجتماع الرؤساء والملوك العرب، وكذلك الدول التي أصبحت عضواً في الجامعة العربية بعد توقع البروتوكول في الفترة ما بين 1967 و1977 م.
وقد أدى التوقيع على هذا البروتوكول إلى وجود دور فاعل للفلسطينيين في معظم الدول العربية, فدخول الفلسطينيين سوق العمل العربية ساهم في نمو اقتصاد هذه الدول وازدهاره، كما أن حصولهم على وثائق سفر من دول اللجوء الأول والتزام هذه الدول بتجديدها سواء من داخلها أو من خلال سفاراتها في الخارج وكذلك مساواة حامليها برعايا دول الجامعة العربية سهّل حركتهم من الدول العربية وإليها إلا أن تقييد هذا الحق بشرط الإقامة حد من هذه الحرية وأفقد القرار كثيراً من مضمونه.
ومن خلال استقراء واقع العمل على أرض الواقع نخلص إلى أن هذا البروتوكول قد شكّل بادرة حسنة من الدول العربية تجاه الفلسطينيين المنتشرين في الدول العربية ووضع مجموعة من الخطوط التوجيهية فيما يتعلّق بالتشغيل، والإقامة ووثائق السفر، لكن تحفظّات عدد من الدول أحدثت نوعاً من المحدودية والقصور على هذه المسائل، وبالتالي فهو لم يخرج عن كونه بيان حسن نية لا أكثر.إذ :
تبنت الحكومات العربية مواقف متمايزة في تنفيذ بروتوكول الدار البيضاء، فقد عمدت دولتان عربيتان فقط، فيهما وجود كبير للاجئين، هما سورية والأردن إلى تنفيذ جميع بنود البروتوكول، بينما لم تنفذها الكويت ولبنان قط، ونفذتها مصر وليبيا بصورة غير منسقة، وبقي وضع اللاجئين حكراً على الأوضاع السياسية السائدة في المقام الأول.
علماً أن تبني الجامعة العربية القرار 5093 في العام 1991 الذي اشترط معاملة الفلسطينيين حسب الأحكام والقوانين المعمول بها في كل دولة أضعف في الواقع الالتزامات القانونية التي أقرها بروتوكول الدار البيضاء.
وقد صدر بعد هذا البروتوكول العديد من القرارات الجماعية والفردية التي تكررت فيها المواقف الحاثة على تطبيق البروتوكول، ولم تقم أية دولة عربية بتطبيق هذه القرارات بشكل كامل أو ثابت.
علماً أن الجامعة العربية لم تتعرض:
- لعدد من التفاصيل المحددة لوضع اللاجئين الفلسطينيين الذين هُجّروا لأول مرّة في العام 1967.
- ووضعية اللاجئين الذين لا يندرجون تحت مصنفات لاجئي العام 1948 .
- ولاجئي العام 1967 والمهجرين الفلسطينيين في الداخل .
وبالتالي فإن أمور فئة كبيرة من الفلسطينيين لا تزال تراوح مكانها بانتظار تسوية شؤونها في بعض الدول العربية.
وقد دلّت تحقيقات مؤتمر المشرفين على الشؤون الفلسطينية، على أن مستوى تطبيق معايير جامعة الدول العربية حول معاملة الفلسطينيين في بعض الدول الأعضاء متدنٍّ. ولا سيما في أعقاب حرب الخليج الثانية، عندما تبّنت الدول الأعضاء في الجامعة العربية قرار 5093، في العام 1991، الذي يخول الدول بمعاملة اللاجئين الفلسطينيين بموجب المعايير والتشريعات الوطنية التي ترتئيها الدولة المضيفة مناسبة، بدلا من الالتزام ببنود "البروتوكول".
وأمّا بالنسبة للدول العربية التي دخلت إلى الجامعة العربية بعد توقيع البروتوكول لا تزال غاضة الطرف عنه غير مبدية موقفها حياله مما جعل البروتوكول عرضة للتهميش من قبل مجموعة كبيرة من دول الجامعة العربية، لذلك يتوجب على الجامعة العربية الطلب إلى تلك الدول رسمياً العمل على المصادقة على البروتوكول وتفعيله.
ومن هنا نخلص إلى أن :
نطاق الحماية الممنوحة للاجئين الفلسطينيين في الدول العربية المضيفة بموجب بروتوكول الدار البيضاء لعام 1965 هو أضيق بكثير من نطاق الحماية الذي يتمتع به اللاجئون عامة، وفق المعاهدات والاتفاقات المعمول بها في هذا الخصوص دوليا. ولذا فإن المطلوب هو التزام أكبر من جانب العديد من الدول العربية بتطبيق معايير البروتوكول وإزالة العقبات التي تحول دون تطبيقها على المستوي الوطني، ومن ثم موائمة الحماية المطبقة على اللاجئين الفلسطينيين في هذه الدول مع معايير الحماية الدولية.
علماً أن مؤتمر المشرفين على شؤون الفلسطينيين كان قد اتخذ قراراً في عام 1970 جاء فيه أن اكتساب بعض الفلسطينيين لجنسية أخرى لا يُعَدّ مبرراً لحذف أسمائهم من سجلات اللاجئين الفلسطينيين، ما يعني أن هذا القرار سمح بازدواج الجنسية بالنسبة للفلسطينيين على غير ما قضت به اتفاقية الجنسية الموقعة عام 1954 بين الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، وعلى غير ما تراه وجهة النظر الأردنية الرسمية في المرحلة الحالية من رفض الجمع بين الجنسيتين الأردنية والفلسطينية.
ويتعارض القرار صراحة مع الإجراءات التي تقوم بها بعض الدول العربية المضيفة من شطب للاجئين الفلسطينيين من السجلات الرسمية للاجئين وسحب بطاقة الإعاشة منهم بعد حصولهم على جنسية دولة عربية أو أجنبية.
تصدير المحتوى ك PDF