لماذا نحب ونفخر بالمخيم

لماذا نحب ونفخر بالمخيم

لماذا نحب ونفخر بالمخيم


سكن والدي المخيم بعد رحلة شقاء وترحال من مكان إلى مكان بعد الهجرة القسرية من وطنه وارضه ليصبح تائهابلا مأوى ولكنه بهدف إلا وهو تحقيق ذاته والعودة إلى وطنه فلسطين ..
ولدتُ في المخيم ، حيث تقبع الحارات الضيقة والبيوت التي لأ يفصلها إلا جدارٌ واحدٌ ونافذةٌ مشتركةٌ أحياناً ، والمغطاة معظمها بالاواح " الزينكو " ، وهو لمن لا يعرفه عبارة عن ألواح معدنية متعرجة لا تقي من برد الشتاء ولا من حر الصيف ، حيث إن لوقع المطر عليها صوت و هديراً خاصاً ، لا يلائم أصحاب القلوب الضعيفة والمرفهة وكان الجدار بين الجيران لأ يتجاوز المترين أو اقل !
كنتُ طفلاً كما الآخرين ، نصنع مرمى كرة القدم من أوعية القمامة أو بمصطلح أرشق للذاكرة " سطول القمامة " الموجودة على باب كل بيت ، ثم بقرار أجهل حيثياته حتى الآن أزالوها وصارت القمامة في اكياس سوداء فقط ، امتعضنا لسبب يوازي طفولتنا الساذجة ، لأننا فقدنا متعة الاهدف التي تصطدم " بالسطل " اولا، وصار الخلاف اكبر على الاهداف لقصر قامة العارضة المتمثلة بكيس اسود يختلف حجمه باختلاف وقت اخراجه من البيت ، قبل الغداء أو بعده !
أذكر مرة أنني زرت " الحلاق " الهرم ، في جيبي ربع دينار أعطيتها له قبل ان يبدأ بقص شعري، فتفقدَها ووضعها في علبة مبتَذلة بجانب المرآة المتهالكة ، ثم طلبتُ منه قَصةَ شعرٍ رأيتها على شاب يسبقني بعقدٍ من العمر ، تقضي بأن يبقى شعري المجعد الجاف طويلاً من الخلف لأربطه لاحقاً ، تخيلوا بشاعة المنظر - لو حدث - ولهفتي كطفل ذي سبع او ثماني سنوات يريد أن يكبرَ قفزاً على ناي العمر دون أن يتعثر بالثقوب ، ثم لما انتهى لم يفعل ما اردت فعبستُ وذهبتُ لأبي وشكوته فابتسم ، قال لي : لو كنت مكانهُ أنا أيضا لما تركتكَ تفعل ، فانكسرتُ قليلاً وانسحبت ، ثمّ ايقنتُ أن ذلك
" الحلاق " الهرم كان أبي في لحظة ما .
أمي - رحمها الله - كانت عندما تصنع الخبز بفرنها القديم الذي تحبه ، تضع رغيفين هنا ورغيفين هناك واخرى على طرف المستطيل الخشبي ، كتقسيم مدروس اعتادته منذ زمن ، وتقول لي اذهب بهذا لجدتك وبذاك الرغيف لفلانة وبتلك الأرغفة لفلانة ، كنت اضع جريدة بتاريخ قديم على يدي وابدأ مهمة قصيرة تنتهي بدقيقتين أو أقل قليلا ً، وتنتهي عند جارتنا النحيفة جدا التي كانت تستفزني بعبارة " قل لأمك السمينة شكرا " وسرعان ما انسى الاستفزاز الناعم حين تضع في يدي قطعة معدنية تعدادها خمسة قروش ، أفرح جدا فجارتنا النحيفة جداً كانت أمي في لحظة ما !
عندما نجلس لتناول الطعام والشراب وخاصة في شهر رمضان المبارك تجد أكثر من صنف ونوع هذا صحن ملوخية وذاك صحن مجدرة وهناك صحن بامية وصحن اخر فيه كوسا الخ وكان يتم تبادل صحون الطعام بين الجيران وكنا نعرف كل أسرة ماذا تطبخ .
وفي يوم العيد كان يومآ مميزا جدا بعد انتهاء الصلاة كنا نقوم بزيارة الجيران والمعايده عليهم دون إستثناء لأحد طبعا كان يسبق العيد ما تقوم به ألامهات من عمل الكعك والمعمول والسهر حتى الفجر وكل يوم لأحد الجيران دور ..
البيوت التي كنا ندق جدرانها ونحن نلعب ، والبيوت التي كنا نُنقص من عُمر "الزينكو" الذي يغطيها كلما صعدنا نلملم كراتنا من فوقها ، والبيوت التي كسّرنا في داخلها أعواد الريحان ، والبيوت التي استبحنا راحتها وسكونها على الدوام ، كان أهلها طيبين صبورين ، يطلبون منا على استحياء ان نغير مكان لعبنا ليهنؤوا بقيلولتهم قليلا ، ينهروننا اليوم ويقدمون لنا الحلوى غداً ، كيف لي بعد ذلك كله أن أنسى المخيم !
في المخيم ، لك أكثر من أب ، وقبيلة من ألامهات ، وعائلاتك لا تحصى ، وجينات حبّ فلسطين متناثرة في الحارات ، تتنفس فلسطين هنا و هناك ، تشتم رائحة المقاومة في المتاجر والأسواق ، تؤمن بالعودة حين تسمع اغاني صوت العاصفة تصدح من راديو قديم شاهد على نكبة فلسطين ، تعشق الأرض كلما أمعنت في أدب الجدران ، تشهق قضية وتزفر ثورة ، أين ما نظرت تجد َ علمُ فلسطين وشعارات فصائل المقاومة ، أين ما اتجهت عيناك تجدَ شيءٌ من فلسطين ، في المخيم إما أن تكون ثائراً او مُحاطاً بثوار ، في الحالتين أنت مقاوِم !


إضافة محتوى