من شتات إلى شتات
من شتات إلى شتات
صالح حمدوني
من شتات إلى شتات تكثّف المكان الفلسطيني وتحوّل إلى هوية. راهنوا على التشتت والذوبان في أمكنة الشتات الكثيرة، لكن الأمكنة عادة ما تتحول إلى نقطة بداية: فلسطين من بحرها إلى نهرها.
كلاجئ فلسطيني أحلم بوطن محرّر مستقلّ، أعيش فيه كأي فرد طبيعي على امتداد هذه الأرض التي لم يعد يهمّني هل هي مسطّحة أم كروية، ففلسطين حقيقة واضحة أمام عينيّ، يصلني هواؤها وأشمّ رائحة ترابها وبيوتها وعشبها.
أحلم بوطن أعيش فيه دون أن يسألني أحد " من وين إنت؟" أو يطلب بطاقة الأونروا ... وطن أحبّه وأكرهه بمزاجي، أشتمه وأغادره بحريّة دون أن يتهمني أحد بالخيانة والتخلّي ... وطن أمشي فيه حافياً أو أطير كأي فكرة عابرة.
من هنا يبدأ التباس المكان، من التناقض بين الواقعي والحقيقي، وبين المُتخيّل والأمنيات وما تفرضه حالة اللجوء من بحث عن أمكنة نحاول فيها أن نكون طبيعيين وعاديين .
والمكان، سواء ذلك المتخيل أم الواقعي لا يتجسد ولا تتأكد ضرورته في تأكيد الهوية إلا بالوعي ... وعي المكان هو الذي يخلق ضرورته وألفته ومكوّناته، وقيمة إحساسنا به. فهل تحوّل المكان إلى لعنة متواصلة؟ ... يُقتّل الفلسطيني خارجه ويُميّز ضدّه ويُدفع إلى هجرات أبعد بحثاً عن الرزق والأمن؟ ... هل أصبح المكان - وهو الحق الطبيعي الأكثر انسانية - هاجساً ومساحة للتخييل والأمنيات؟ مقابل عدم القدرة على الإقامة فيه بحرية وطبيعية؟
في الحالة الفلسطينية يمدّ الفلسطيني يده نحو بلاده، فتعود إليه بغيمة أو ندى أو مخضبة بالدمّ.
بين الواقعي المستحيل، الذاكرة المكتنزة بكل ما هو ملموس ومُعرّف وواضح، وبين الخيال والأمنيات تتجلّى عبقرية المبدع الفلسطيني، يتحوّل عنده المسحيل إلى معنى للبقاء، والذاكرة إلى ذخيرة، وفلسطين غد قريب.
اللوحة للفنان الفلسطيني