مروان يعقوب عثمان أبو كويك - مخيم الشاطئ

مروان يعقوب عثمان أبو كويك - مخيم الشاطئ

مروان يعقوب عثمان أبو كويك - مخيم الشاطئ

 أبو كويك وصل - أبو كويك هدااا 

 محمود روقة

اسمان اشتهر بهما تباعاً عبر سنوات مضت شخصية مُميزة جابت شوارع وأزقة غزة طولاً وعرضاً، بائعاً متجولاً لأكثر من سلعة لتوفير لقمة العيش الكريمة.
إنه "مروان يعقوب عثمان أبو كويك"، من مواليد يناير 1951م. في #مخيم #الشاطئ للآجئين بغزة. فارسنا هو الإبن الثاني بعد أخيه الكبير مصطفى.
والده "يعقوب عثمان أبو كويك" نشأ نشأة دينة في عائلة فلسطينية من مدينة اللد بفلسطين، هُجِّر كما عموم الشعب الفلسطيني إلى المنافي والشتات، فكانت وجهتهم مدينة غزة.
سكن يعقوب وزوجته وابنه البكر مصطفى والمولود قبل الهجرة بسنتين في مخيم الشاطئ شرق المسجد الأبيض، فقد امتهن الوالد صناعة وبيع اللبن، ومن ثم مراسلاً بدائرة المحاكم إبان الحكم الإداري العسكري المصري لقطاع غزة،إلي أن عين في وظيفة حكومية بدائرة الطابو والتي تدرج فيها لسن التقاعد من الوظيفة.
حاول الوالد إدخال الإبن مروان المدرسة، إلا أن مروان كانت عيناه على بيع اللبن، تلك المهنة التي امتهنها عدد من أبناء عائلة "أبو كويك" في المخيم، ولم ترق القراءة والكتابة لمروان، الذي راح يفتش عن عمل ليساعد والده في تكاليف ومصروفات أسرته المكونة من أبنائه السبعة وابني أخيه الشهيد يوسف، الذي استشهد في حرب 1948م. على أرض اللد الطاهرة، حيث كان في صفوف المناضلين.
أطلق الفتى مروان المدى لساقيه الرقيقتين متجولاً ومتنقلاً من شارع لشارع ومن حارة لحارة في غزة ومخيمها منذ العام 1956م. يبيع حجارة القداحات وشاي العروسة المغلف في أكياس صغيرة، وحين كبر مروان واشتد عوده، باع الكاز (الكيروسين)، وقوداً للأسرجة ولمواقد الطهي، ولينتقل بعد سنوات لبيع الخضرة تارة، و البزر المُحمص تارة أخرى، كما الأسكمو واللبن والذرة والبزر على عربة أمام المدارس ودور السينما، وفي الملاعب وبخاصة ملعب اليرموك، منادياً "أبو كويك وصل" ، في إشارة إلى وصوله، وأن هلموا معشر الناس.
تمر سنوات البيع والتجوال وصولاً إلى زواجه من السيدة "فايزة" ، وليؤسسا بيت الزوجية، كان وقتها قد بلغ السادسة والعشرين من عمره.
كما أسلفت،ُ فقد نوع مروان ( فيما بعد أبو يعقوب، فقد رزقه الله بثلاثة أبناء - يعقوب ومحمد وأحمد - وأربع بنات)، نوع في أصناف البيع، فانتقل إلى بيع الترمس، والذي يستغرق تجهيزه قرابة خمس أيام، ما بين النقع بالماء والسلق على النار وما بعد، وصولاً للمذاق الطيب بقليل من رشات الملح، ولكي يكون المُنتَج متوفراً وجب التحضير المسبق وبالتوالي كسلسلة اعداد وتجهيز لانضاج الترمس بتركه في براميل بلاستيكية بالتتابع، لينضج برميل ترمس مع اشراقة صباح كل يوم جديد، ومن ثم تغليفه في أكياس النايلون الصغيرة بقيمة شيكل يضعها في كيس أكبر ويلقي به على دراجته الهوائية (البسكليت)، التي هي الآن بعمر أربعين سنة ونيف، وقد صدأ حديدها وبدون جنزير وكرسي، هي فقط لحمل كيس الترمس الكبير وليتكئ عليها مروان وقد تقدم به العمر.
ويشير أبو يعقوب إلى الكيلة البلاستيكيةالبرتقالية، وحدة مكيال - وزن - يكيل بها كمية الترمس بسعر شيكل منذ أربعين سنة مضت، كيف كانت آنذاك وكيف هي الآن، مع مرور الزمن وغلاء الترمس كغيره من المواد والسلع، كان صاحبنا يقص منها نزولاً، إلى أن أصبحت ربع ما كانت عليه.
ولأبي يعقوب قصة بعربة البزر ومع ملعب اليرموك، إذ كان يعرف مسبقاً مواعيد المباريات المهمة بين فرق النوادي الوازنة الرئيسية بقطاع غزة على ملعب اليرموك بمدينة غزة، من خلال مصدر سري خاص، فكان يحضر ويجهز كميات أكبر من البزر المحمص، وذات مرة ذهب للبيع كعادتة داخل الملعب فوجد الباب مقفلاً أمام العربات والبائعين، فانتظر قليلاً، وإذا بقدوم سيارة خاصة لأحد المسؤولين، فلمعت في رأسه على الفور فكرة الاختباء خلف السيارة والتسلل بعربته إلى الداخل، وعبثاً أن يمنعه الحرص الخاص بالملعب، إذْ هاجت وماجت جماهير المشجعين على المدرج : "أبو كويك وصل" وتردد الصوت والصدى، فضاق الحضور الرسمي ذعراً وكاد يشطاط الضابط "مهنا" وآخرون من على منصة الشرف، إلا ان أبو كويك لاح بيده للجمهور فسكت وهدأ، وكأن على رؤوسهم الطير، فتعجب الضابط الكبير من قوة تأثير "أبو كويك وصل" على جمهور المشجعين، فأمر ببقاء أبو كويك بعربته في كل مباراة دون غيره... وهكذا نال مروان كرت بلانش للدخول الدائم .
وعودة للوراء مع سنوات السبعينيات الأولى، كان مروان يركب سيارة الأجرة المرسيدس قاصداً مدينة القدس ليحضر الكعك المقدسي بمذاقه ونكهته الخاصتين، 250 كعكة يوماً ما عدا يومي الجمعة والسبت، ويبيعه على الموظفين أمام مبنى بنت أبو خضرة وأمام بعض مدارس غزة، حيث كان يقسم الكعكة نصفين ليخفف سعرها على طلاب المدارس القادرين على الشراء.
ويستذكر مروان كيف كان يذهب إلى ساحة تكسيات غزة - ميدان فلسطين - ليشتري كميات الأسكمو من عند أبو رياض فروانة ويتنقل على دراجته الهوائية آنذاك ليبيع حبات الأسكمو في الأزقة والشوارع وعلى المصطافين صيفاً على شاطئ بحر غزة ...
لم ينقطع مروان كبائع متجول عن البيع قط، حتى في سنوات الانتفاضة الشعبية الكبرى، التي انطلقت في عام 1987م. كان يخرج على دراجته من شارع لشارع ويبيع على البيوت، وينادي نداءه المشهور "أبو كويك وصل"، وحيث كان يسكن الرمال الشمالي - النصر، دوار أبو علبة، حدث أن دقت دورية جيش الاحتلال بابه، طالباً منه مسح الشعارات من على الجدران في الشارع، فرفض بحجة ان لا وقت لديه وهو مشغول في نقع وسلق وتحضير الترمس، رزق العيال. وفي حادثة أخرى، بينما كان كعادته يخترق منع التجوال، منادياً بشعاره الشهير، استوقفته إحدى دوريات جيش الاحتلال الاسرائيلي، إذْ خاطبه قائد الدورية وطالبه بالرجوع إلى البيت، فقال له مروان: هذا عملي الوحيد ومنه أترزق رزق العيال، وكيف تخاطبني بهذه الطريقة ، إبني أكبر منك، لن اعود إلى بيتي إلا بعد أن أبيع كل هذا الترمس، كل ما في هذا الكيس ... فتركه ومشى.
ومع انتقاله في السنوات الأخيرة إلى شمال غزة، منطقة العامودي، مستقلاً بأبنائه وأحفاده عن بيت العائلة، حيث باعه الاخوة، واستقل كل منهم بذاته، فلا زال أبو يعقوب يمارس مهنته التي رسى بها في خريف العمر، يلف الشوارع والأزقة والميادين التي اعتادها في شبابه، يسبقه صوته بندائه الشهير "أبو كويك هداااا"، دون وضوح الكلمات، وإن لم تساعده مخارج الحروف، حيث أطاحت السنون بأسنانه، وهو ليس بقادر على تركيب طقم أسنان، فالناس تفهمه ويُقبل عليه الكبار والصغار لشراء الترمس، فمحبة الناس تسبقه، وهو يسكن بطيبة قلبه وبصورته القديمة الجديدة قلوب وذاكرة الناس، حالته الاجتماعية صعبة كصعوبة الحياة بعامة في قطاع غزة، حيث البطالة وقلة العمل، فأبناؤه الثلاثة بأسرهم يسكنون معه في بيت واحد، وهو من يعيل الجميع.
ولا زال "أبو كويك هدااااا" صوتاً وصدى مميزاً يتردد في فضاء غزة.

#مخيم #غزة #الشاطئ #اليرموك #فلسطين
#موسوعة #المخيمات #الفلسطينية


إضافة محتوى